منوعات

النكسة غيّرت حياته وجعلت منه أيقونة مقاومة.. قصة حياة «الشيخ إمام»

يمكننا النظر إلى الشيخ إمام على أنه واحد من رواد موسيقى «الأندر جراوند» في العالم العربي، استطاع بفنه أن يخلق حالة فنية مختلفة بمصر تعبّر عن الواقع الاجتماعي الذي عاشه الناس خلال فترة الخمسينيات والستينيات.

وُلد الشيخ إمام في عام 1918 بمحافظة الجيزة في مصر، وتعلَّم عزف العود على يد كامل الحمصاني، وأطلق عليه لقب «الشيخ»؛ لأن والده كان مهتماً بتحفيظه القرآن.

تعرَّف إمام على الشيخ درويش الحريري الذي كان من أهم الموسيقيين، فأُعجب بموهبته وصوته، وتولى تعليمه الموسيقى، وكان أداة الوصل بينه وبين كبار الفنانين.

كان إمام يحفظ ألحان أم كلثوم التي يلحنها لها زكريا أحمد، ومن شدة إعجابه بتلك الألحان كان يتمتم بها دائماً، حتى كانت هذه الألحان تتسرب إلى الناس قبل أن تغنيها كوكب الشرق، ومن بينها «أهل الهوى»، و «أنا في انتظارك» و «الأولة في الغرام»، حينها قرر زكريا الاستغناء عنه.

التقى أحمد فؤاد نجم عام 1962، وشكَّلا معاً ثنائياً غنائياً أصبح الأشهر بين جيلهما.

كان تمجيد العسكر هو السائد آنذاك، ليأتي الثنائي ويعيدا الفن الشعبي بغنائهما عن الشعب، وانتقاد الوضع الاقتصادي الذي اتجه نحو الرأسمالية في السبعينيات من القرن الماضي بمصر، واتساع الفجوة بين الأثرياء وطبقة الفقراء في تلك الحقبة.

في البداية استوعبت الحكومة الشيخ إمام وفرقته، وسمحت بتنظيم حفل في نقابة الصحفيين، وفتحت لهم أبواب الإذاعة والتلفزيون، لكن سرعان ما انقلب الحال بعد هجوم إمام في أغانيه على الأحكام التي برَّأت المسؤولين عن هزيمة 1967، فتم القبض عليه هو ونجم واتهامهما بتعاطي الحشيش سنة 1969.

ألَّف نجم وغنى إمام أغانيَ عديدة بعد الهزيمة، وحملت أغنياتهما طابعاً سياسياً رأت فيه السلطة في بعض الأحيان، أنه محرِّض عليها، نتيجة تسببها في هزيمة للمصريين.

يمكننا القول إن الهزيمة كانت نقطة التحول في حياته، فعبّر بصوته عن رأي الشارع العربي، فبدأ يسخر من الحكومة سخرية تحولت مع الوقت إلى نبرة حماسية مشجعة، فغنيا معاً «يا مصر قومي وشدي الحيل»، و «مصر يامّا يا بهية»، حتى أصبحت أغانيهما رمزاً لمرحلة النكسة وانتشرت في الوطن العربي بأكمله.

تسببت أغاني إمام في سجنه، وكان رفيقه بالمعتقل أحمد فؤاد نجم، وحُكم عليهما بالمؤبد، ورغم وجودهما في المعتقلات فترة طويلة، فإنهما لم يتوقفا عن التأليف والتلحين.

نضجت شخصيتهما الفنية داخل المعتقل، فألفا «شيد قصورك»، التي كانت سبباً في زيادة غضب السلطات حينها. وعقب توقيع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، اتفاقية كامب ديفيد ومعاهد السلام، شكَّل القرار صدمة للشيخ إمام.

ومع نجم، وثَّقا الحدث بأغانيهما على لسان مصريين رافضين لسياسات السادات التي رآها تطبيعاً مع إسرائيل، فكانت أغانيهما «شرّفت يا نيكسون بابا»، «حلاولا» و»إحنا معاك»، و»الفول واللحمة»، وهو ما جعل الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم يبقيان في السجن حتى اغتيال السادات.

عاشت أغنيات إمام حتى الآن، فكانت أشبه بأيقونات يتم استحضارها بكل حدث، خاصة في أحداث الربيع العربي.

حين خرج نجم وإمام من السجن تلقيا دعوات لإحياء حفلات خارجية، كانت بداية انطلاق الثنائي للعالمية، ومن حينها فُتح الباب أمامهما لجولات في فرنسا وأوروبا وكثير من الدول العربية، لاقت نجاحاً مبهراً.

عاش الشيخ إمام أغلب فترات حياته في المعتقل، وكان مصاباً بالعمى منذ عامه الأول، فلم يتزوج خلال حياته، فضلاً عن أنه كان الذكر الوحيد لعائلته، التي كان لها 7 من أشقائه عقب ولادتهم.

أصبح إمام رمزاً، إذ كان أول سجين مصري يُحبس بسبب أغانيه، وظل يقدم فنه مع نجم حتى افترقا قبل وفاته بفترة قصيرة؛ لخلاف بينهما.

وفي سنواته الأخيرة، اعتكف الشيخ إمام بمنزله، حتى مات في 7 يونيو/حزيران عام 1995، وغسَّله وكفَّنه نجم، وظل يذكره كرفيق درب، في أغلب لقاءاته الفنية حتى وفاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى