آخر الأخبار

لم يغادر روسيا منذ 9 أشهر.. لماذا يحث بوتين الروس على العودة لحياة طبيعية بينما يُخضِع نفسه لحجر صارم؟

خلَّف تعامل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع جائحة فيروس كورونا التي مازالت تجتاح العالم، وبلاده أيضاً، كثيراً من الجدل، ففي الوقت الذي يعكف فيه الرئيس على أخذ كل الاحتياطات اللازمة مخافةَ الإصابة بالعدوى، ولا يظهر إلا نادراً في المناسبات الرسمية، فإن سلطات البلاد تُحدِّث مواطنيها عن “الخروج” كما أنها تروج لفكرة “تفوقها على كورونا”.

وفق تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية، الخميس 1 أكتوبر/تشرين الأول 2020، فإنه كثيراً ما يُشبَّه تعامل روسيا بوتين مع جائحة كورونا بتعامل الولايات المتحدة والبرازيل معه، وهما دولتان كبيرتان أخريان يتولى الحكم فيهما زعيمان قللا من مخاطر الوباء وتركاه يخرج عن نطاق السيطرة في بلادهما، لكن في حين أبدى الرئيسان الأمريكي والبرازيلي الامتعاض والمقاومة لكل تقييد لتحركاتهما، فإن السيد بوتين انسحب إلى شرنقة مُحكمة من التباعد الاجتماعي، حتى بعدما سمح بإعادة الأوضاع في روسيا إلى طبيعتها، بدعوى تمكُّن الحكومة من القضاء على الوباء.

حجْر مُحكم: لم يرَ الصحفيون الروس المسؤولون عن نقل أخبار بوتين الرئيسَ الروسي عن قرب منذ مارس/آذار الماضي.

حتى الأشخاص القلائل الذين يقابلونه وجهاً لوجه، غالباً ما يقضون قبلها مدة تصل إلى أسبوعين في الحجر الصحي. ولا يزال بوتين يعقد اجتماعاته مع كبار المسؤولين، ومنهم مجلس وزرائه ومجلس الأمن التابع له، عبر الفيديو، من غرفة متواضعة في مقر له خارج موسكو، وحتى هذا المقر مزوَّد بنفق يُغمر العابر فيه بسُحُب من المواد المعقمة والمطهرات، قبل السماح بلقاء الرئيس الروسي.

ومع ذلك، فإن التناقض بين سلوك بوتين وشعبه حيال الفيروس أخذ يبرز بدرجة أكبر، الآن، خاصة مع الحديث عن موجة ثانية من الوباء قد تجتاح روسيا. 

ففي موسكو، حيث ملأ الناس الحانات والمطاعم طوال الصيف دون كبير التزام بالتباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة، تواجه الآن تضاعفاً في عدد الحالات الجديدة المبلغ عنها يومياً، لتصل إلى أكثر من 2300 حالة خلال الأسبوعين الماضيين.

انتهاء الإغلاق؟ عندما رفعت روسيا حالة الإغلاق التي كانت مفروضةً الربيع الماضي، ترأس بوتين فعاليات احتفالية بدت مُصمّمةً على إثارة إحساس بأن الحياة عادت إلى طبيعتها، رغم أن الواقع خلف الكواليس كان أبعد ما يكون عن استقرار الأوضاع.

تبدو مثابرة بوتين على حماية نفسه أمراً لافتاً للنظر، لأنه وعبر تواصله مع الشعب الروسي خلال الأشهر الأخيرة، أعلنت حكومته بدرجة كبيرة، تمكنها من القضاء على الفيروس.

وكان عمدة موسكو، سيرجي سوبيانين، كتب في بيان موجه إلى سكان المدينة في يونيو/حزيران الماضي، معلناً انتهاء حالة الإغلاق: “أودُّ أن أهنئكم على انتصارنا المشترك الأخير على جائحة كورونا”، وبعدها بأسبوعين فقط عاد العمل في الأماكن المغلقة مثل الحانات والمطاعم.

على الجانب الآخر، قال المعارضون إن روسيا سارعت في إنهاء القيود المفروضة لمواجهة كورونا؛ لرفع معنويات الناس وكسب تأييدهم قبل استفتاء الأول من يوليو/تموز على التعديلات الدستورية التي فتحت الباب أمام بوتين للبقاء في الرئاسة حتى عام 2036. 

عندما أعلن بوتين في أغسطس/آب، أن روسيا سجلت إنتاج أول لقاح مضاد لفيروس كورونا، بدا أن البلاد قد وجهت ضربة نهائية ساحقة للوباء في أراضيها.

بعد ذلك، وخلال مقابلة أجراها بوتين مع التلفزيون الحكومي، قال: “هذه الجهود المشتركة والحلول المستهدفة الفعالة، كما ظهر للجميع فيما بعد، ساعدتنا في تجاوز ذروة انتشار الوباء وتهيئة الظروف لمزيد من العمل”.

تفاعل شعبي وتخوُّف من الرئيس: على أثر هذه التصريحات وغيرها، ملأ الناس منتجعات البحر الأسود، وعاد الموظفون كبار السن إلى مكاتبهم في جميع أنحاء البلاد، وحتى الأطفال عادوا إلى مدارسهم بالموعد المقرر في 1 سبتمبر/أيلول.

ومع كل ذلك، ظل بوتين في عزلة ذاتية تامة. واستمر في عقد اجتماعاته مع المسؤولين الحكوميين عن طريق الفيديو من غرفة مقره في نوفو أوغاريوفو، قرب موسكو.

كما تم تجهيز المقر، مثل الكرملين، بنفق تعقيم من صناعة شركة Mizotty لمعدِّات التطهير والتنظيف، في مدينة بينزا الروسية.

أما عن غرفة اجتماعات الفيديو الخاصة بالرئيس الروسي، فليس فيها سوى كرسي كبير وجدران وهواتف وشاشة كمبيوتر من نوع “ديل” Dell.

كان السماح لمراسل تلفزيوني حكومي بزيارة ومقابلة بوتين في أغسطس/آب، استثناءً لم يتكرر، فبخلاف تلك المرة، منع الكرملين الصحفيين من رؤية بوتين شخصياً، حتى لأولئك الذين اعتادوا القيام بذلك بانتظام، منذ شهر مارس/آذار الماضي.

من جانبه، لم يردَّ ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، على طلبات للتعليق على احتياطات بوتين بخصوص فيروس كورونا.

ولا يرجع الحذر الذي يبديه بوتين إلى سنِّه الكبيرة فحسب، فهو يبلغ من العمر 67 عاماً، وهو ما يعرِّضه لخطر كبير نسبياً في حال إصابته بفيروس كورونا، بل يرجع أيضاً إلى ما يصفه النقاد بنزعة الارتياب الشديدة التي شحذها خلال مسيرة حياته كضابط شرطة ثم رجل استخبارات.

وفقاً لموقع الكرملين على شبكة الإنترنت، التقى شخص واحد فقط الرئيسَ الروسي وجهاً لوجه، ولأكثر من مرة، منذ أبريل/نيسان الماضي، هذا الشخص هو إيغور سيتشين، وهو عضو سابق في جهاز الاستخبارات السوفييتي وشريك مقرب إلى بوتين منذ التسعينيات، ويدير الآن شركة “روسنفت”، عملاق النفط الحكومي الروسي، وقد التقى بوتين في شهري أغسطس/آب ومايو/أيار.

علاوة على ذلك، ورغم أن نظراء بوتين بالاتحاد الأوروبي بدأوا في السفر عبر القارة مرة أخرى، وحضور الاجتماعات شخصياً في بروكسل، فإن بوتين بالمقابل لم يسافر إلى خارج روسيا منذ يناير/كانون الثاني.

كما لمَّح المتحدث باسم الكرملين، هذا الأسبوع، إلى أن بوتين لن يستأنف السفر إلى الخارج، إلا بعد الحصول على لقاح فيروس كورونا. ومع ذلك فقد أشار إلى أن بوتين ليس مستعداً لتلقي اللقاح الروسي بعد، وذلك رغم كل الدعاية الإعلامية الحكومية حول الإنجاز العالمي الرائد لروسيا في تطوير لقاح فعال في مواجهة كورونا.

وقال بيسكوف للصحفيين: “من الطبيعي أنه عندما يتعلق الأمر برئيس الدولة، فإن إجراءات احترازية أخرى يجري اتباعها”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى