منوعات

ماذا سيحدث لو اختفت كل الأشجار من العالم؟

هناك الكثير من الأمور البسيطة حولنا في هذا العالم، ونحن البشر لا ندرك أبداً أهميتها، فمثلاً هل فكرتم يوماً بهذا السؤال: ماذا لو اختفى الشجر من هذا العالم؟ ماذا سيحدث؟

مثلما يتحدث  فيلم «Mad Max: Fury Road»، فإن الأرض بدون الأشجار ستصبح مثل الأماني الضائعة ولن تجدوا سوى جذوع عارية أشبه بالهياكل العظمية وكثبان رملية مترامية الأطراف.

وفق شبكة BBC البريطانية فالغابات هي شريان الحياة لعالمنا وبدونها، نفقد خصائص أساسية واستثنائية للحياة على الأرض.

تتراوح الخدمات التي تقدمها الأشجار بين تخزين الكربون والحفاظ على التربة إلى تنظيم الدورة المائية.

تدعم الأشجار نظم الغذاء الطبيعية والبشرية وتوفر المأوى لأجناس لا حصر لها، من ضمنها نحن، من خلال توفير مواد البناء.

رغم ذلك غالباً ما نتعامل مع الأشجار على أنها شيء يمكن التصرف فيه، كشيء يُحصد لتحقيق مكاسب اقتصادية أو كأمرٍ مزعج يعيق التطور البشري.

منذ أن بدأ جنسنا البشري يمارس الزراعة منذ حوالي 12 ألف عام، أزلنا نصف الأشجار الموجودة في العالم، التي يقدر عددها بـ5.8 تريليون شجرة، وفقاً لدراسة أُجريت عام 2015 ونُشرت في دورية «نيتشر».

جرى الكثير من عمليات إزالة الغابات في السنوات الأخيرة. منذ بداية عصر الصناعة انخفضت نسبة الغابات بمقدار 32% وبخاصة في المناطق الاستوائية، في حين تشهد كثير من الثلاثة تريليون شجرة المتبقية في العالم انخفاضاً سريعاً، حيث تُقطع حوالي 15 مليار شجرة.

بيد أنه في حال لم تحدث مأساة تفوق الخيال، لا يوجد سيناريو سنقطع بموجبه كل شجرة على هذا الكوكب. قد يساعدنا أن نتخيل عالماً كابوسياً على غرار عالم فيلم «Mad Max» حيث تموت فيه كل الأشجار فجأة في تفهم مدى الضياع الذي سنشعر به بدونها.

تقول إيزابيل روزا، المُحاضِرة في مجال البيانات والتحليلات البيئية في جامعة «بانغور» في ويلز: «دعني أبدأ بالحديث عن مدى الفظاعة التي سيكون عليها العالم بدون أشجار، فلا بديل لها». وتضيف: «إن تخلصنا من جميع الأشجار، سنعيش على كوكب قد يعجز في واقع الأمر عن تحملنا بعد ذلك».

في البداية، إن اختفت الأشجار بين عشية وضحاها، سيختفي كذلك كثير من التنوع البيولوجي الموجود على الكوكب.

حيث يُعد فقدان أماكن المعيشة بالفعل المحرك الأساسي لخطر الانقراض في جميع أنحاء العالم، لذا فإن تدمير جميع الغابات المتبقية سيكون له تبعات «كارثية» على النباتات والحيوانات والفطريات وما هو أكثر من ذلك.

كما ستكون هناك حالات انقراض هائلة لجميع فئات الكائنات الحية محلياً وعالمياً على حدٍّ سواء.

ستتجاوز موجة الانقراض الغابات لتستنفد الحياة البرية التي تعتمد على نوعٍ واحدٍ من الأشجار فضلاً عن ساحات الأشجار الصغيرة.

على سبيل المثال، في عام 2018 وُجد أن إجمالي ثراء أنواع المخلوقات ازداد بنسبة تتراوح بين 50% إلى 100% في المناطق التي انتشرت فيها الأشجار عن تلك في المناطق المفتوحة.

حتى الشجرة الواحدة المنعزلة في إحدى المناطق المفتوحة بإمكانها أن تكون بمثابة «مغناطيس» للتنوع الحيوي، باجتذابها الحيوانات والنباتات وتوفيرها الموارد اللازمة لها.

وبالتالي فإن خسارة شجرة واحدة حتى بإمكانها أن تؤثر بشدة على التنوع الحيوي على الصعيد المحلي.

سيطرأ تغيرٌ جذري أيضاً على مناخ الكوكب على المدى القصير والمدى الطويل.

تهدئ الأشجار من انسيابية الدورة المائية بأن تضطلع بدور المضخات البيولوجية؛ فهي تمتص الماء من التربة وتطلقه في الغلاف الجوي بتحويله من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية.

ومن خلال ذلك تسهم الغابات في تكوين السحب وسقوط الأمطار.

تحول الأشجار أيضاً دون حدوث فياضانات، باحتجازها للمياه عوضاً عن جعلها تندفع صوب البحيرات والأنهار، وبتحصينها للمجتمعات الساحلية من مد العواصف.

تُبقي الأشجار التربة في مكانٍ كانت الأمطار لتجرفه في ظروفٍ أخرى، كما تساعد جذورها العميقة على ازدهار المجتمعات الميكروبية.

بدون الأشجار ستصبح مناطق الغابات أكثر جفافاً وستصبح عُرضة لمواسم الجفاف في أشد صورها تطرفاً. وعندما تهطل الأمطار بالفعل سيكون للفياضانات تبعات كارثية.

سيؤثر تآكل التربة على المحيطات بخنقه للشعاب المرجانية والموائل البحرية الأخرى.

أما الجزر التي ستُجرد من الأشجار فستفقد الحواجز التي كانت تحول دونها والمحيط، وسيُجرف كثيرٌ منها.

فضلاً عن تهدئتها لسريان الدورة المائية، تمتلك الأشجار تأثيراً تبريدياً موضعياً؛ فهي توفر الظل الذي يحافظ على درجة الحرارة، وبصفتها أحلك الأشياء على الساحة فهي تمتص الحرارة بدلاً من أن تعكسها. تقوم أيضاً أثناء عملية التبخر بتوجيه الطاقة المستمدة من الإشعاع الشمسي إلى تحويل السوائل إلى أبخرة.

بخسارة كل خدمات التبريد هذه، ستصبح معظم الأماكن التي اعتلتها الأشجار فيما مضى أكثر دفئاً.

على الصعيد العالمي، تكافح الأشجار الاحتباس الحراري الذي تسببت فيه التغيرات المناخية بتخزين الكربون في جذوعها وبإزالة ثاني أكسيد الكربون من الجو.

تستأثر عملية إزالة الغابات بالفعل بـ13% من إجمالي انبعاثات الكربون على الصعيد العالمي، وفقاً لتقرير «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ».

في حين يستأثر تغير استخدام الأراضي بوجه عام بنسبة 23% من الانبعاثات.

وبالقضاء على جميع الأشجار على هذا الكوكب، ستصبح النظم البيئية التي كانت مكسوة بالغابات فيما مضى «مصدراً لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الجو، عوضاً عن كونها خزاناً لها».

بمرور الوقت سنشهد على انبعاث 450 غيغا طن من الكربون في الجو، يفوق ذلك ضعف الكمية التي ساهم بها البشر بالفعل.

ولفترة وجيزة، ستعوض النباتات والحشائش الأصغر حجماً عن ذلك التأثير.

ولكن في حين تحتجز النباتات الأصغر حجماً الكربون بوتيرة أسرع من الأشجار، فهي أيضاً تطلقه بسرعة أكبر.

وفي النهاية، في غضون بضعة عقود ربما، لن تعود تلك النباتات قادرة على منع الاحترار القادم.

حيث إن الانحلال الحراري سيُفجر ببطء هذه القنبلة الموقوتة من الكربون، ستتحول الأرض إلى كوكب أكثر احتراراً بصورة كبيرة.

ستبدأ معاناة البشرية قبل حدوث الاحتباس الحراري الكارثي بفترة طويلة على أي حال.

سيتُلحق الزيادة في درجات الحرارة فضلاً عن اضطراب دورة المياه وفقدان الظل خسائر فادحة بمليارات من البشر والماشية.

وسينزل الموت على كثيرٍ من الـ1.6 مليار شخص الذين يعتمدون اعتماداً مباشراً على الغابات في الوقت الحالي في كسب عيشهم، بما في ذلك من جني الأغذية والدواء.

ورغم ذلك، سيجد عدد أكبر من الأشخاص أنفسهم عاجزين عن الطهي أو تدفئة منازلهم نظراً لعدم توفر حطب الوقود.

وفي جميع أنحاء العالم، سيصبح هؤلاء الذين يتمحور عملهم حول الأشجار -سواءً كانوا حطابين أو صانعي الورق أو زارعي الفواكه أو نجارين- بدون عمل فجأة، ما سيكون له تأثيراً مدمراً على الاقتصاد العالمي.

فقطاع الأخشاب وحده يوفر العمل لـ13.2 مليون شخص، ويُدر 600 مليار دولار (500 مليار يورو) كل عام، وفقاً لتقديرات البنك الدولي.

ستتذبذب النظم الزراعية كذلك وستخرج الأمور بالنسبة إليها عن نصابها الصحيح.

كما ستشهد المحاصيل التي تنمو في الظل مثل القهوة انخفاضاً جذرياً، وسيكون الأمر مماثلاً بالنسبة إلى المحاصيل التي تعتمد على الملقحات التي تتخذ من الأشجار مسكناً لها.

نظراً إلى التقلبات التي ستنجم عن تذبذب درجات الحرارة ومعدلات هطول الأمطار، ستعجز الأماكن التي أنتجت المحاصيل في السابق عن أداء وظيفتها فجأة، في حين أن الأماكن الأخرى التي لم تكن ملائمة من قبل قد تصبح مُحبذة.

رغم ذلك، بمرور الوقت ستنضب جميع أنواع التربة في كل مكان، وستتطلب كميات هائلة من الأسمدة لتُبقي المحاصيل على قيد الحياة.

في نهاية المطاف سيجعل المزيد من ارتفاع درجات الحرارة معظم الأماكن غير قابلة للزراعة أو صالحة للحياة.

على المستوى الثقافي، سيُرثى بدرجة عميقة أيضاً لخسارة الأشجار، حيث تُعد الأشجار ركيزة أساسية لعدد لا يُحصى من أيام طفولتنا، فضلاً عن أنها تحظى بأهمية كبيرة في الفن والأدب والشعر والموسيقى وما هو أكثر من ذلك.

فقد أُدرجت في الديانات الروحية منذ عصور ما قبل التاريخ، فضلاً عن أنها تضطلع بدورٍ بارز في ديانات كبرى أخرى تُمارس في الوقت الراهن.

إذ حقق بوذا الاستنارة بعد جلوسه أدنى شجرة «بودي» لمدة 49 يوماً، في حين مارس الهندوس عباداتهم عند أشجار التين المعروفة باسم «Peepal»، التي ترمز إلى «فيشنو» (الإله الأعلى في الديانة الهندوسية).

في التوراة والعهد القديم يُوجِد الله الأشجار في اليوم الثالث من الخلق -قبل وجود الحيوانات أو البشر حتى- وفي الإنجيل، يموت المسيح على صليبٍ خشبي بُني من الأشجار.

إجمالاً، سيكافح البشر للنجاة في عالمٍ بلا أشجار، وستصبح أنماط الحياة المُتحضرة والغربية سريعاً بمثابة صفحة مطوية من التاريخ، وكثير منا سيموت جراء الجوع ودرجات الحرارة المرتفعة والفيضانات.

أما المجتمعات التي ستبقى على قيد الحياة، ستكون تلك التي طبقت التقاليد المُتعارف عليها فيما يتعلق بكيفية الحياة في بيئات بدون أشجار، مثل سكان أستراليا الأصليين.

في حين أن الحياة لن تستمر إلا في مستعمرة أشبه بكوكب المريخ، تعتمد على التكنولوجيا ولا تمت بصلة إلى الحياة التي لطالما عرفناها.

وحتى إن تمكنا من العيش في عالم بلا أشجار، من قد يرغب في ذلك؟

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى