ثقافة وادب

أول رئيس سوري يقصف شعبه، وكاد يعيّن إيلي كوهين وزيراً للدفاع.. ماذا تعرف عن أمين الحافظ الملقب بـ «أبو عبدو الجحش»؟

لا يوجد سوريٌ واحد لا يعرف من هو «أبو عبدو الجحش»، وهو اللقب الذي أُطلق على الرئيس السوري السابق أمين الحافظ، الذي استخدمه البعثيون كأداة للوصول إلى السلطة، فأتوا به من الأرجنتين ووضعوه في منصب الرئاسة، لتكون أول إنجازاته قصف المساجد في حماة واقتحام الجامع الأموي بدمشق بالدبابات.

محمد أمين الحافظ ابن مدينة حلب، وُلد في 14 ديسمبر/كانون الأول 1921، وتخرج في الكلية العسكرية عام 1946، وشارك في حرب 1948 ضد إسرائيل، وشغل منصب وزير الداخلية بعد تسلم حزب البعث الحكم في مارس/آذار 1963، قبل أن يتسلم منصب رئيس الجمهورية بين 27 يوليو/تموز 1963 و23 فبراير/شباط 1966.

اشتهر بالقسوة في معاملة معارضيه حتى إن الناس كانوا يصفونه بالعبارة الشهيرة التالية: «أبو عبدو السفاح، نصف الناس في المزة ونصفهم في الدحداح».

حيث يُقصد بـ «أبو عبدو» أمين الحافظ، والمزة إشارة إلى سجن المزة في العاصمة السورية دمشق، والدحداح إشارة إلى مقبرة الدحداح في دمشق أيضاً.

في صبيحة الثامن من مارس/آذار 1963، استيقظ السوريون على انقلاب عسكري قام به حزب البعث قضى على عهد الانفصال بمساعدة الناصريين، فتم تعيين الحافظ عضواً في مجلس قيادة الثورة، الذي انتخب الفريق لؤي الأتاسي رئيساً له، وشغل الحافظ منصب وزير الداخلية في أول حكومة بعثية.

بعدها بعدة أشهر تحديداً في يوليو/تموز 1963، أطاح الناصريون بقيادة العقيد جاسم علوان، بلؤي الأتاسي الذي كان محسوباً عليهم وعلى الوحدويين، ليصبح الحافظ رئيساً للجمهورية.

شهر العسل لم يدم بين «أبو عبدو» والناصريين، إذ ضربهم بيد من حديد وشن عليهم حملة اعتقالات بعد أن كانوا رفاقه في الوحدة والثورة، فسُفكت دماء ضباط واعتُقل آخرون، كما قدَّم وزير الدفاع الناصري الفريق محمد الصوفي استقالته؛ احتجاجاً على بطش الحافظ بالناصريين.

لعل أهم حدث في سيرة أمين الحافظ هو المواجهة الدامية بين الشعب والسلطة والتي بدأت في حماة عام 1964، ثم في دمشق عام 1965.

دمشق في تلك الفترة (1965) كانت تعاني مفاعيل اقتحام دبابات «البعث» للجامع الأموي، في إضرابات قادها تجار دمشق، بسبب حملة تأميمات طالت حتى ورشاً صناعية صغيرة أو متوسطة، وانتهت باعتصام داخل الجامع الأموي.

لكن سلطات «البعث» التي كان أمين الحافظ واجِهتها، واللجنة العسكرية المؤلفة في بينتها الصلبة ذات المشروع الطائفي من (صلاح جديد – محمد عمران – حافظ الأسد) أرسلت الدبابات لتقتحم صحن الجامع، وتطلق النار على المعتصمين، وتقتاد عشرات منهم إلى سجن المزة، لتنفيذ حكم الإعدام فيهم.

وقبل اضطرابات دمشق عام 1965، كانت اضطرابات حماة عام 1964 ذروة أولى للصدام الشعبي مع فكر «البعث»، الذي أراد باكراً أن يستفز الحالة الشعبية الدينية التي كانت – ما قبل انقلاب «البعث» – تمارس حياتها وطقوسها بعيداً عن السياسة.

بدأت الاضطرابات بكتابة طالب بعثي عبارة «لا حكم إلا للبعث» على أحد الجدران، فردَّ عليه زميله بكتابة عبارة «الحكم لله»، فاعتُقل الطالب الأخير وعُذّب.

ثارت ثائرة حماة المحافِظة عندما انتشر الخبر، وسرعان ما اتهم البعثيون جماعة الإخوان المسلمين في الحادث، معتبرين أنها قوى الإقطاع والرجعية هي التي تتحالف معهم وتُحركهم، وكبرت الاحتجاجات.

وبناء على أوامر القيادة القُطرية، وبقرار مباشر من أمين الحافظ رئيس الجمهورية، شنت السلطة في حماة التي كان محافظها عبدالحليم خدام، فوراً حملة قمع عنيفة واقتحمت قوات الشرطة المحال التجارية المغلقة ونهبت محتوياتها واعتُقل كثر، وقُصف مسجد السلطان الذي لجأ إليه المطارَدون؛ وهو ما أدى إلى سقوط نحو 40 قتيلاً.

وأصدرت محكمة عرفية، شُكلت برئاسة مصطفى طلاس، عدة أحكام بالإعدام، طال بعضها رجال دين.

لكن أمين الحافظ حاول المناورة والتقى أكبر علماء المدينة الشيخ محمد الحامد، وأصدر عفواً عن جميع المحكومين في القضية.

لم تدم الهدنة سوى ساعات قليلة، وعاد الاستياء إلى المدينة، ووقعت اعتداءات على أفراد الحرس القومي عندما رُفع منع التجول، ونزل الناس إلى الأسواق والشوارع ورأوا الدمار الذي حل بالمدينة، واستفزهم خصوصاً ما حدث لجامع السلطان، الذي سقطت مئذنته بسبب قصفها بالدبابات.

وأُعيد العمل بقرار حظر التجول، وأُمرت الدبابات وناقلات الجند بالتحرك لاستئناف الحملة على المدينة.

كانت صورة أمين الحافظ في هذا كله، هي صورة رئيس الجمهورية السُّني المؤمن بقيم «البعث» والعروبة، والمدافع القوي والشرس عنها، في وجه الإقطاع والرجعية وقوى التخلف والإمبريالية، التي كان يهجوها «البعث»؛ قبل أن يعترف في سلسلة «شاهد على العصر» على قناة «الجزيرة» في السنوات الأخيرة من حياته، بأنه كان مخدوعاً من قِبل حزب البعث، وأن بعض أبناء الطائفة العلوية استخدموا «البعث» كواجهة لمشروعهم الطائفي، وهو السبب الأساسي الذي سماه الشعب بسببه «أبو عبدو الجحش».

السبب الآخر الذي جعل السوريين يطلقون هذا اللقب البشع على أمين الحافظ هو انخداعه بالجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، المعروف باسم كامل أمين ثابت والذي تغلغل في المؤسسات العسكرية وتعرف على كبار الضباط.

وبدأت علاقة إيلي كوهين بأمين الحافظ عندما كان ملحقاً عسكرياً في الأرجنتين، فتعرف عليه على أنه مواطن سوري ورجل أعمال هاجر أجداده من سوريا واستقروا في الأرجنتين، وأوهم أمين الحافظ بأنه يحب سوريا، ويريد أن يفيد بلده بالاستثمارات منه ومن معارفه في بلدان العالم فانبهر أمين الحافظ به.

ولما عاد أمين الحافظ إلى سوريا وتسلم رئاسة الجمهورية، جاء الصديق العزيز إلى سوريا، فقدمه أمين الحافظ على أنه ابن سوريا البار، وكان ذلك أمام كبار الضباط الذين تراكضوا للتقرب منه، وكان يقيم لهم الحفلات الصاخبة والحمراء.

أمين الحافظ انخدع بكوهين، ورشحه لمنصب نائب وزير الدفاع، وكان كوهين يرافق قادة التشكيلات العسكرية، لتفقُّد القوات على الجبهات مع اسرائيل، قبل أن يُكشف ويتم إعدامه في ساحة المرجة بدمشق.

قام زميلاه في حزب البعث، صلاح جديد وحافظ الأسد، بتسريح كثير من الضباط السُّنة في عهده وترفيع الضباط من الأقليات، ليسهل عليهم السيطرة على الجيش؛ ومن ثم على البلد كله.

فحذره بعض السوريين السُّنة من هذه الخطة، فردَّ عليهم: «عيب كلنا إخوة»، قاصداً بأنه لا يوجد فرق بين بين سوري وآخر على أساس طائفي.

وبعدها بفترة قصيرة، انتهى حكم أمين الحافظ بالانقلاب عليه من قِبل زميليه البعثيَّين ذاتهما صلاح جديد وحافظ الأسد في 23 فبراير/شباط 1966.

وقد حاول مقاومة إلقاء القبض عليه واستعان بابنه في سبيل ذلك، إلا أنه أُلقي القبض عليه، ولم يطلق سراحه إلا بعد نكسة يونيو/حزيران (حرب 1967)، فانتقل إلى لبنان.

وعندما تمكن حزب البعث بقيادة أحمد حسن البكر من إطاحة نظام حكم عبد الرحمن عارف في يوليو/تموز 1968، انتقل الحافظ إلى العراق، ثم صار قريباً جداً من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حاول الحافظ الدخول إلى سوريا عبر نقطة القائم الحدودية بعد سقوط بغداد، لكن السلطات السورية لم تسمح له.

بادرت بعدها السلطات السورية بالاتصال به، لاستضافته بعيداً عن الإعلام، فعاد إلى سوريا في نوفمبر/تشرين الثاني 2003، بموجب قرار من بشار الأسد.

وأقام في مسقط رأسه حلب وتحديداً في حي الفرقان، داخل شقة فخمة وفّرتها الحكومة السورية، مع راتب شهري.

وعلى الرغم من تهافت وسائل الإعلام عليه فإنه فضّل عدم إجراء أي حديث صحفي التزاماً منه بما سماه وعداً قطعه على نفسه أمام المسؤولين السوريين، بألا يتحدث إلى وسائل الإعلام.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى