آخر الأخبارتقارير وملفات

بعد عام على ثورة 22 فيفري في الجزائر ..كيف غطى الإعلام الجزائري الحراك الشعبي؟

من روائع الإعلامية الجزائرية

الأستاذة بادية شكاط

رئيسة فرع منظمة “إعلاميون حول العالم”فى الجزائر

يقول الفيلسوف والصحفي الفرنسي جول ريجيس دوبريه:” كل واحد على علم بأنّ التلفزيون هو الشئ الذي يعشق المثقفون كرهه،ويكون رجال السياسة مضطرين لمحبّته”

فالتلفاز صار هو الصندوق الذي يعتّم على صندوق الإنتخابات الشفاف،والذي يقوض الديمقراطية،بما ينسج من مسرحيات سياسية،فكما يقال:”الصوت والصورة أكثر ديمقراطية،لأنّ الأميين أنفسهم يدركونها”

لذلك يحلو لكثير من الساسة التلاعب بالرأي العام وتوجيهه،فقبل أن يتوجه الناخب إلى انتخاب مرشح رئاسي ما مثلا، يكون للإعلام السبق في انتخابه،فيتحول المشاهد إلى مستهلِك لا إلى صانع رأي.

وكم يطيب لي مشاركة المفكر الماوردي في تشبيه الدولة بالثمرة،فأقاسمه تشبيه الإعلام بها،وكلاهما سلطة،حيث قال:”الدولة ثمرة تبدو حسنة الملمس،مرة الطعم،ثم تدرك فتلين،وتستطاب،ثم تنضج فتكون للفساد والإستحالة،وكما تبتدئ الدولة بالقوة وتختم بالضعف،كذلك تبتدئ بالوفاء وتختم بالغدر،لأن الوفاء مشيِّد،والغدر مشرِّد”

فما أشبه حال هاته الثمرة  بحال الإعلام في الجزائر.

فمع بداية الحراك الشعبي الجزائري يوم 22 شباط من سنة 2019 كانت القنوات التلفزيونية الجزائرية تنقل البث المباشر لكل تظاهرة للشعب الجزائري،إلى أن تم خلع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة،وسجن العصابة التي عاثت في البلاد فساد،ليصبح الهدف حسب الإعلام الجزائري هو إسقاط الحاكم وليس قواعد النظام الحاكم،مع أنّ الشعب الجزائري بقي يخرج في كل جمعة ليقول كلمته الجامعة:” يتنحاو ڨاع” – أي يرحل الجميع – داعيًا قائد الأركان المرحوم القايد صالح بأن يطبق ماوعد به الشعب الجزائري وهما المادة السابعة والثامنة من الدستور،المادتان اللتان تحثان على تسليم السلطة للشعب.

ليتحول بعدها الإعلام الجزائري إلى محطة لبث خطابات يومية لقائد الأركان وهو يعد الشعب الجزائري بالقضاء على الفساد،والخروج بالجزائر إلى بر الأمان،متناسيًا ما وعد به الشعب الجزائري من تسليم السلطة إليه،لتبدأ بعدها حملة إعتقالات في صفوف الحراك الشعبي لكل من يحمل الراية الأمازيغية الثقافية،التي توحد شمال إفريقيا،ماجعل الشعب الجزائري يدخل في معركة خلافية بين من يرى الراية الأمازيغية خيانة للوحدة الوطنية الجزائرية،وبين من يرى هذه الراية تكريس لوحدة شمال افريقيا،ناهيك عن الوحدة الجزائرية،وصار الأمن الذي كان يرافق الحراك الشعبي في مطالبه السلمية،أداة قمع لاترفق بأي فرد يحمل الراية الأمازيغية،ليبدأ الإعلام الجزائري في تزييف حقيقة تلك الراية وتحويلها إلى راية دعاة الإنفصالية،أومايدعون بحركة الماك،الذين يرغبون في أن تكون لمنطقة الأمازيغ دولتهم المستقلة،وبدأ الشعب الجزائري ينقسم بين مؤيد لمواصلة الحراك وبين عازف عنه،ومنزلق في صابون الإعلام وفقاعاته.

غير أنّ من ثبت من الشعب الجزائري،بقي راسخ الأقدام بكل إقدام،متمسّكًا بمطلبه الوحيد وهو تطبيق المادة السابعة والثامنة،بعيدًا عن رموز العصابة،ليكون صاحب القرار ويمتلك السيادة وحرية الإختيار،رغم كل الأوصاف التي وصفه بها الإعلام الجزائري،مِن أيادي خارجية،وهو الذي خرج لينادي لا لتدخل الأيادي الخارجية،واتهامه بأنه يريد تقسيم الجيش،وهو الذي هتف أنّ الجيش من الشعب،وأن الجيش والشعب إخوة،ليسوء وجه الإعلام بعدها بالتعتيم التام على الحراك الشعبي.

خاصة ليلة الأول من تشرين الثاني،التي خرج فيها الشعب الجزائري بمليونية،ليسجّل لحظة مَشيج ثورة التحرير 1954وثورة الحرية 2019 التاريخية.

وما أن يهدأ المسرح الإعلامي ويسدل الستارعن مسرحية هزلية،حتى يرفع الستارعن أخرى أكثر كوميدية،لتبدأ  الحملة الإنتخابية التي كان مرشحوها الخمس من وجوه النظام القديم،ويخرج الشعب رافضًا تجديد النظام قائلاً:” لانريد الخامسة بواحدٍ من الخمسة”- أي لانريد عهدة خامسة لبوتفليقة بهؤلاء الخمسة- إلا أنّ الإعلام الجزائري تمكّن من استقطاب بعضًا ممّن إعتقدوا أننا في أزمة إنتخابات،وأنّ التوجه إلى صناديق الإقتراع هو طوق النجاة،وأنّ كل الأزمة يصنعها من لازالوا  في الساحات لأجل استكمال الحرية،،فذهبوا يقتلوا الحلم بالوهم المريح،مهرولين إلى صناديق صدئة،ليرموا فيها رميم عظام النظام.رغم أنّ بقية الشعب مازال يهتف لا انتخابات مع العصابات.

ليخرج على الشعب بعدها واحد من الخمسة،وهو عبد المجيد تبون،ويبدأ الإعلام في تلميعه،ليواصل الإعلام مع الجمهور الجزائري بنفس أدوات التواصل،وليبدأ تبون في فتح قنوات حوار مع الشعب الجزائري،و يتجه إلى إرخاء الشعرة التي بينه وبين الحراك الشعبي،بإطلاق بعض من معتقلي الرأي بما فيهم حاملي الراية الأمازيغية،ثم يحتفل بالسنة الأمازيغية موشّحًا مقام الشهيد بألوان الراية الأمازيغية،ثم يفك أسر المجاهد لخضر بورقعة،لينعرج الإعلام الجزائري مع تعاطف تبون إنعطافة كبرى،ويصف مَن قذفه بالعمالة والخيانة،بالمجاهد المخلص،ويسبّح بأمجاد الأمازيغ آناء الليل وأطراف النهار،ليبقى الإعلام في الجزائر بطارية شحناتها شحناء مع إرادة الشعب الجزائري،فلا يهمه أبناء بلده الذين أكثرهم فضّل الهرب على قوارب الموت،من وطن لايُسمع له فيه صوت،وطن غني بالثروات ولكن شعبه يتسول على قارعة الطرقات،ولا يملك حق الإختيار إلا في مكان الوفاة بين واحدة من المستشفيات،شعب شبابه بين مهووسين بعالم الموضة والأزياء،أويتجرعون المخدرات،يائسين،بؤساء،أو مستسلمين يرجون السلامة،أو متملقين يرفضون التغيير.

ليكمل الإعلام الجزائري المسير في مرحلة تاريخية فارقة،بقصص وزير تجارة عن أكياس الحليب،وكأنّ الشعب الجزائري رضيع،قد بلغ الفطام هذا العام،أو بأخبار عن أسعار حبات  البطاطا،وكأنّ  ذاك مايُغنيه وأكثر مايَعنيه،ليجعله ينام  بسلام،أنه قد غيّر النظام.

الكاتبة الجزائرية باديــة شكاط

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى