لايف ستايل

كيف تكتشفين أن طفلك يعاني من الخجل المرضي؟

بماذا تخبرنا الدراسات عن بيولوجيا (وتربية) الأطفال الخجولين؟

كبرتُ وأنا طفل خجول، وقد واجهت مشكلة في تكوين
صداقات جديدة وكنتُ أحتاج إلى بعض الوقت كي أعتاد الأماكن الجديدة. وعلى الرغم من
أنني تعلمتُ التأقلم مع خجلي بمرور السنوات، لا أزال أعاني من نوبات خفيفة من
القلق الاجتماعي عندما أكون مع أشخاص جدد أو في وسط مهني كبير، مثل المؤتمرات
الأكاديمية، حيث الالتقاء بأشخاص جدد هو المغزى أصلاً. بينما ابني الذي يبلغ ثلاثة
أعوام، على النقيض تماماً. فهو طفل منفتح يحب الأشخاص الجدد، ويبدو أنه يتعرف إلى
أصدقاء جدد في كل مرة نذهب فيها إلى الحديقة أو حتى نأكل خارج المنزل. وأول ما
يفعله عندما نجلس إلى طاولتنا في المطعم هو تفقد الناس من حولنا، وإلقاء التحية
ورسم ابتسامته الودودة إلى كل واحدٍ منهم.

ما الذي يجعل الشخص خجولاً أو منفتحاً؟ وهل الخجل
صفة نولد بها؟ أم نكتسبها وفقاً لخبراتنا الشخصية مع الآخرين؟

هناك تاريخ طويل من الأبحاث يشير إلى أنه يمكن
التعرف لأول مرة على الطباع -أو أسلوب كل شخص في الاستجابة العاطفية للبيئة
المحيطة- في الشهر الرابع من عمر الرضيع. ويُقاس ذلك بعرض بعض الألعاب البسيطة على
الرضيع، مثل لعبة دوارة للسرير تتضمن عدة دمى حيوانات مُعلقة، ودراسة استجاباتهم.
وأظهر هذا الاختبار مع الرضع في عمر أربعة أشهر، بثبات إلى حد ما، أن الأطفال الذين
ارتبكوا أو اضطربوا عاطفياً بسبب اللعبة الدوارة (كاجان، 1997)، هم الأكثر
احتمالاً أن يُصبحوا خجولين عندما يكبرون. وذلك لأن هؤلاء الرضع حساسون على نحوٍ
خاص تجاه أي نوع من التغيير في بيئتهم، وقد ينزعجون بسهولة حتى من أكثر الأنشطة
اعتيادية، مثل دق جرس الباب أو تغيير الحفاضات. لكن على النقيض منهم، فالرضع الذين
يستجيبون بشكل إيجابي، أو حتى لا يستجيبون على الإطلاق، أكثر عرضة لأن يصيروا
اجتماعيين للغاية في سن ما قبل المدرسة.

ومن المثير للدهشة أن هذه العلاقة تتعدى مرحلة
الطفولة المبكرة، وأن استجابة الرضع إلى اللعبة في عمر الأربعة شهور، يمكن أن
يتنبأ بدرجة خجلهم أو اجتماعيتهم مستقبلاً في سن المراهقة (كاجان، سنيدمان، توسلي،
شتاينبيرغ، فوس، 2007). بل ويمكن رؤية الفارق بين الطفل الخجول والطفل المنفتح في
سن ما قبل المدرسة، في تكوينهم البيولوجي وفي أدمغتهم (باركر، ريب-ساذرلاند،
وفوكس، 2014. وفوكس وآخرون 1995)، وهو ما يشير إلى أن الخجل له أساس بيولوجي قوي،
ويمكن أن يكون جزءاً من شخصية الفرد منذ سن مبكرة للغاية من حياته.

هل يعني هذا أن البيئة المحيطة ليس لها دور في
تطوير الخجل؟ وهل الخجل شيء يدعو للقلق في المقام الأول؟

وكون أنَّ المشاعر الحساسة لها أساسٌ بيولوجي لا يعني أنَّها
ثابتة، إذ يمكن أن يتغير شعور الطفل بالخجل، ويمكن أن تصبح ردود فعل الأطفال
السلبية تجاه الأشخاص والأشياء والمواقف الجديدة أقل تطرفاً بمرور الوقت. والأهم
من ذلك، ليس هناك حرجٌ في أن تكون خجولاً قليلاً. فالعديد من الأطفال لديهم مزاجٌ
يوصف بأنَّه «بطيء في التفاعل مع الأجواء المحيطة»، ويحتاجون فقط إلى
بعض الوقت للتكيُّف مع البيئة المحيطة، قبل أن يكونوا مستعدين للتفاعل معها
والانضمام إليها (دراسةٌ أجراها توماس وتشيس وبيرش في عام 1970). ومع ذلك، تجدر الإشارة
إلى أنَّ هناك مجموعةً فرعية من الأطفال، حوالي من 10 إلى 15%، لديهم حساسيةٌ
شديدة للغاية. وهؤلاء هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالخجل، وقد تتطور الحالة لدى
جزءٍ منهم (حوالي 40%) حتى تصل إلى الإصابة بالقلق الاجتماعي لاحقاً في حياتهم
(دراسةٌ أجراها فوكس وهيلفنستاين في عام 2013).

ولذلك، فإذا كان لديك طفلٌ حساس للغاية ولا يتفاعل حتى مع
الأشخاص المألوفين والأماكن المألوفة بعد مرور بعض الوقت، فهناك طرقٌ متاحة
للمساعدة في وقايته من الإصابة بمشكلات القلق الاجتماعي. وعلاوةٌ على ذلك، يمكن
لاتِّباع نمط أبوة وأمومةٍ داعم أن يُجدي نفعاً كبيراً. فعلى سبيل المثال أظهرت
أبحاثٌ أنَّ خطر إصابة الأطفال بالخجل يتناقص تناقصاً كبيراً حين يكون لديهم
أمهاتٌ حساسات يستجبن لاحتياجات الطفل استجابةً مناسبة. ولذلك، فوجود أحد الوالدين
ونجاحه في الاستجابة لاحتياجات الطفل يكون بمثابة عازلٍ ضد إصابته بالخجل أو القلق
الاجتماعي، حتى أولئك الأطفال الذين ينزعجون سريعاً عند تعرضهم لمواقف جديدة أو
صعبة. (دراسةٌ أجراها بانيلا  وهندرسون 
وهان وغيرا وفوكس في عام 2012).

وكذلك يُمكن أن تؤدي الأبوة والأمومة دوراً في تطوُّر الأخلاقيات
أو الضمير لدى الأطفال الخجولين والاجتماعيين في أثناء الطفولة. فعلى سبيل المثال،
من المحتمل أن ينزعج الأطفال الخجولون، أو المعرضون للشعور بالقلق والتوتر
بسهولةٍ، عند توبيخهم لخرقهم القواعد. وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّهم لا يحتاجون
إلَّا إلى أشكالٍ لطيفة من التهذيب (ويستجيبون جيداً لها)، لأنَّهم يشعرون بالذنب
بسهولةٍ عند ارتكابهم تجاوزات. أمَّا الأطفال الاجتماعيون غير الخجولين فلا
يستجيبون دائماً لوسائل التهذيب اللطيفة، ولا يخشونها، ويحتاجون إلى مزيدٍ من
الاهتمام حين ينتهكون القواعد، لأنهم لا يشعرون بالقلق بسهولةٍ من تلقاء أنفسهم
(دراسةٌ أجرتها كوتشانسكا في عام 1997).

خُلاصة القول، إنَّ هذا البحث يشير إلى أن البذور التي تجعل
الشخص خجولاً أو اجتماعياً تُغرَس في بدايات الطفولة، ولها أساس بيولوجي قوي.
لكنَّ التركيب البيولوجي ليس قدراً يستحيل تغييره، وإذا كان لديك طفل حساسٌ للغاية
تجاه أي نوع من التغيير في البيئة المحيطة به، فينبغي اتباع نهجٍ حساس في الأبوة
والأمومة بالقدر نفسه يسمح للطفل بالتكيُّف مع الأشياء الجديدة وفقاً لوتيرته،
لأنَّ ذلك قد يساعد في وقايته من الإصابة بالخوف أو القلق في المواقف الاجتماعية
في المراحل اللاحقة من حياته. ومع أنَّ الخجل له أساسٌ بيولوجي قوي، فليس هناك ما
يضمن أن يكون لديك طفلان لهما نفس القدر من الشعور بالخجل. فقد تُنجِب طفلاً
خجولاً شديد القلق، ثم يتبعه طفلٌ آخر جريء لا يعرف الخوف. وإذا تعرَّضت لموقف
كهذا، فمن المهم أن تتذكر أنَّ ضبط أسلوب الأبوة والأمومة ليُناسب احتياجات الطفل
يعد أمراً مهماً، وأنَّ الأشياء التي تُجدي نفعاً في علاج المشاعر الحساسة لدى أحد
الأطفال قد لا تُجدي نفعاً مع طفلٍ آخر.  

– هذا الموضوع مترجم عن مجلة Psychology Today الأمريكية. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى