تقارير وملفات إضافية

«كلهم لديه جيوشه الخاصة».. تعرف على القدرات العسكرية والسياسية للأحزاب اللبنانية التي يحاول المتظاهرون إسقاط حكمها

«كلن يعني كلن» بهذا الشعار انطلقت الانتفاضة اللبنانية في ساحات وشوارع وميادين لبنان من شماله إلى جنوبه رافضين الطائفية السياسية والنخبة الحاكمة في لبنان مشهد ليس له مثيل في تاريخه كاملاً، ورغم بساطة الشعار إلا أن تعقد المشهد السياسي اللبناني يجعل العبارة تستهدف طبقة حاكمة أكبر مما نتخيل، فمن هم «كلن» الذين يقصدهم الثوار؟

تبدأ تشكيلة القوى في لبنان انطلاقاً من التشكيلة الحكومية الحالية والمسماة بالعهد القوي، والتي شارك فيها أقوى الأحزاب والفصائل والتنظيمات السياسية في لبنان وبالرغم من أن حكومة العهد يرأسها سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل، ورئاسة الجمهورية لميشال عون مؤسس التيار الوطني الحُر، إلا أن أقوى تلك التشكيلة بلا منازع هو حزب الله، بزعامة حسن نصرالله، والذي يوصف بأنه أقوى رجل في لبنان.

وحتى بعد إعلان الحريري استقالته فهذا لا يعني اقتراب المتظاهرين من إسقاط الحكم الطائفي المركب للبلاد.

فكم من حكومات استقالت في لبنان في مواجهة الأزمات بل كم من حروب قامت وظل زعماء الطوائف اللبنانية مستمرين ويورثون الحكم لأبنائهم.

ففي لبنان أحزاب أخرى ذات قوى سياسية وشعبية كبيرة، كما أنه يجب ملاحظة أنه باستثناء تيار المستقبل، فإن كل الأحزاب اللبنانية هي ذاتها الأحزاب التي خاضت الحرب الأهلية من 1975 إلى 1990، ورغم أنها سلمت سلاحها بعد نهاية الحرب إلا أنها لا تعدم بقايا طابع عسكري خاصة أن المجتمع اللبناني بطبيعته مسلح.

الأهم أن هذه الأحزاب لها آلاف الاتباع بدءاً من البلطجية والحراس في الشوارع وصولاً إلى رتب عليا في الجيش والشرطة وعشرات الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني التي تحكم بها على طوائفها والدولة.

يأتي التمثيل السياسي للحزب بشكل متوسط في الحياة السياسية اللبنانية، فهو يُشارك بشكل رسمي في الحكومة عبر 3 وزراء من أصل 30 وزيراً، و13 نائباً في مجلس النواب من أصل 128 نائباً، إلا أن القوة الحقيقية للحزب هي القوة الجماهيرية والشعبية بجانب قواه الأمنية والعسكرية.

 فالحزب ليس هو القوة الأكبر داخل المذهب الشيعي في لبنان، وإنما هو الأقوى على الإطلاق وذلك بسبب الجماهيرية التي اكتسبها بين اللبنانيين لدوره في تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000، بجانب قدرته على ردع العدوان الإسرائيلي عام 2005، إضافة إلى المسحة الدينية الشيعية التي يمكن أن توصف بالمتشددة كان لها بالغ الأثر في اتساع جماهيرية الحزب وزعيمه المفوه حسن نصرالله، وهو ما يتعرض للتصدع اليوم نتيجة موقفه من الحراك الحادث.

كما أن حزب الله يقود تحالفاَ سياسياً واسعاً هو 8 آذار يضمن له هيمنة كبيرة على السياسة اللبنانية، إذ يضم هذا التحالف عدداً من القوى الكبيرة مثل التيار الوطني الحر الذي أسسه الرئيس ميشال عون وحركة أمل الشيعية بزعامة نبيه بري.

ويتضمن تحالف 8 آذار، قوة متوسطة مثل  تيار المردة، إضافة إلى قوى صغيرة متعددة تخترق الطوائف الأخرى غير الطائفة الشيعية وتمثل خنجراً في ظهر منافسي حزب الله الكبار في طوائفهم، بينما يندر أن يحدث العكس أي يكون هناك زعامات شيعية منافسة لحزب الله أو متحالفة مع خصومه.

وعبر هذه القوى السياسية الحليفة يهيمن حزب الله على مفاصل الدولة اللبنانية وفقا لمعادلة تقوم على أن تراعي هذه القوى طلبات الحزب وخطوطه الحمراء المتعلقة بالأساس بسلاحه والسياسة الخارجية والملفات المتعلقة بالطائفة الشيعية، بينما يتركها الحزب تفعل ما تشاء في عجلات الدولة والمجتمع.

إلا أن أكثر ما يجعل كفة الحزب قوية في كل المعادلات هي قدراته العسكرية التي تتفوق على قدرات الجيش اللبناني نفسه، فبين تقدير موقع southfront لقوته البشرية بمقدار 65 ألف مقاتل بما فيه قوة الاحتياط، وبين تقدير موقع هآرتز الإسرائيلي بـ 45 ألف مقاتل يتضح ضخامة القوة العسكرية البشرية، بجانب قوة عسكرية صاروخية تتراوح بين 120 ألف و150 ألف صاروخ قصير ومتوسط وطويل المدى، وطائرات بدون طيار ومضادات للدبابات والطائرات والقطع البحرية، بجانب المقذوفات المحمولة، ودبابات ومدرعات شارك بها في الحرب في سوريا إلى جانب النظام السوري، وهو ما يتم وصفه بأنه جيش متوسط الحجم أو أنه أقوى قوة عسكرية غير حكومية في العالم، وهو ما اتضح من نبرة كلام نصر الله في خطابه الأخير الذي قال بشكل صريح بأنه «العهد القوي لن يسقط».

على الرغم من التشابه الكبير والتقارب بين حزب الله و»أفواج المقاومة اللبنانية» المعروفة اختصاراً بحركة «أمل» كقوى سياسية شيعية، إلا أن الفروق والاختلاف بينهم أكبر مما يتضح، فبجانب المعارك بينهما خلال الحرب الأهلية والتي وُصفت بـ»حرب الإخوة» والتي راح ضحيتها أكثر من 2500 قتيل، فإنه لطالما عُرف الحزب المكون من عشرات الآلاف من المقاتلين ونظاميين بأنه الحزب المنضبط، بينما يوصف أفراد الحركة عادة بـ»الزعران» أو البلطجية نظراً لطبيعتهم المنفلتة والتي يُمكن وصفها بالإجرامية.

 ورغم تقديس أفراد الحركة لرئيسها ورئيس مجلس النواب منذ 30 عاماً متصلة «نبيه برّي» إلا أن قدرته على ضبط أعضاء حركته الذين يمكن تقديرهم بالآلاف ضعيفة، وكأن الحماية التي يوفرها برّي ونفوذه ونفوذ الحركة لتلك الأعمال هي أكبر ما يربط أفرادها بها.

كما أن تلك الممارسات التي اشتُهر بها أفرادها كان أهم نقاط القوة والنفوذ للحركة داخل لبنان، وهو ما اتضح من تعامل أفراد الحركة مع النشطاء والمتظاهرين والذين تم الاعتداء عليهم من قبل أفراد الحركة في بيروت والنبطية وصور.

إذ بينهما يشتهر مقاتلو حزب الله بأنهم محاربون متمرسون، فإن أعضاء أمل لديهم ميزة نسبية بحكم الطبيعة الزعرانية في مناوشات الشوارع، رغم أنه كثيراً ما تكون المشكلة أنهم قد يخرجون عن السيطرة مثلما حدث في أحداث العنف التي وقعت في 7 مايو/أيار 2008.

وبجانب الطبيعة المنفلتة لنسبة كبيرة من أعضاء الحركة فإن التمدد والنفوذ داخل مؤسسات وأجهزة الدولة الأمنية والعسكرية والتعليمية والحكومية هي أيضاً إحدى أهم نقاط قوة الحركة، بجانب التمثيل السياسي المكون من 16 نائباً في البرلمان و3 وزراء داخل حكومة الحريري.

إذ تمثل أمل الواجهة السياسية للطائفة الشيعية، ويمكن القول إن حزب الله ترك لها الكعكة الأكبر من حصة الشيعة في مناصب وموارد الدولة في مقابل التزام الحركة بخطوط الحزب الحمراء وتقبلها هيمنته على الطائفة الشيعية، مع ملاحظة أن حزب الله بدأ يزيد نصيبه من كعكعة الدولة.

 أما عن القوة المسلحة فإن الحركة لا يمكن وصفها بالقوة العسكرية الكبيرة رغم أنها احتفظت بسلاحها عقب انتهاء الحرب الأهلية بدعوى أنها حركة مقاومة.

إذ إن تسليح أفرادها مشابه لتسليح باقي القوى والفصائل من باقي الطوائف باستثناء وحيد هو حزب الله.

أما عن القوى المسيحية، فيأتي التيار الوطني الحُر كأقوى تيار سياسي مسيحي في لبنان، وهو التيار الذي أسسه ويتزعمه رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون، ويرأسه صهره ووزير الخارجية جبران باسيل، وبجانب أن التيار يستحوذ على الكتلة البرلمانية الأكبر داخل مجلس النواب الحالي بعدد 29 نائباً، و7 وزراء داخل المجلس الوزاري للكتلة التي يتزعمها وهي كتلة لبنان القوي، بجانب 4 وزراء لرئيس الجمهورية، فإن للتيار شعبية واسعة داخل الطائفة المسيحية في لبنان رغم تحالفهم مع حزب الله فيما يُعرف باتفاق «مار مخايل» والتحالف الأوسع المُسمى بتيار «8 آذار»، وذلك لطبيعة جمهور وأتباع التيار الذي يغلب عليه الطابع المسيحي البرجوازي أو الأكثر ميلاً للعلمانية، بجانب شعبية قائد الجيش ورئيس الجمهورية الحالي داخل أتباع الديانة المسيحية في لبنان.

اشتهر عون خلال حربه الأهلية بحربه على الجميع، وترؤسه لحكومة عسكرية، رغم أن منصب رئيس الوزراء حكر للطائفة السنية طبقاً للدستور، وسيطرته على قصر بعبدا الرئاسي إلى أن طردته منه القوات السورية منهية الحرب الأهلية.

ومع أنه كان خصم سوريا الأول إلا أنه بعد عودته للبلاد إثر اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري عام 2005 أصبح حليف حزب الله الأكبر، وصديق دمشق الأثير.

ولا يعرف هل مازال هناك للتيار الوطني الحر إمكانات عسكرية، ولكنّ اللبنانيين بصفة عامة مسلحون، كما أن الرقابة الحكومية على أي عمليات تسلح للقوى اللبنانية الكبرى مثل التيار الوطني تكاد تكون مستحيلة. 

ويعتقد أن عون حتى قبل توليه الرئاسة يحظى بنفوذ خاص وشعبية في أوساط العسكريين المسيحيين، باعتباره قائداً سابقاً للجيش، رغم حملات التطهير التي نفذتها سوريا ضد أنصاره بعد نهاية الحرب الأهلية.

وتأتي أهمية عون بالنسبة لحزب الله من أنه أكبر زعيم مسيحي لبناني وصاحب أكبر كتلة نيابية، فتحالفه مع حزب الله يجعل قوى 8 آذار تحالف عابر للطوائف وليس مجرد مظلة للطائفة الشيعية الأمر الذي يوفر للحزب القدرة على الهيمنة السياسة والفعلية على البلاد عبر هذا التحالف الواسع.

يأتي حزب القوات اللبنانية كثاني أكبر التكتلات المسيحية، والذي يترأسه سمير جعجع منذ عام 1986.

ويعتبر أحد أكبر أعداء وخصوم حزب الله في لبنان، وهو أحد أركان تحالف 14 آذار، المناهض لتيار 8 آذار، ويحتل الحزب 14 مقعداً في البرلمان، و4 وزراء في الحكومة قبل أن ينسحب منها يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، على خلفية الانتفاضة الحالية، ويُعرف عن رئيس الحزب قربه من المملكة العربية السعودية كأحد أهم مصادر تمويله السياسي، بجانب علاقته التاريخية من دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويُعرف جمهور القوات بأنه الأكثر تديناً بين المسيحيين في لبنان وغالبيتهم من الطبقات الأفقر والأقل تعليماً.

وخلال الحرب الأهلية نسبت جرائم متعددة للقوات اللبنانية، من بينها جرائم وقعت ضد زعماء مسيحيين مثل مجرزة إهدن، التي أدت إلى مقتل زعيم تيار المردة طوني فرنجية، كما اشتبكت القوات في معارك مع العماد ميشال، حول زعامة المسيحيين في لبنان.

كما تورّط جناح من القوات اللبنانية في مجرزة صابرا وشاتيلا بقيادة إيلي حبيقة، الذي تحول بعد ذلك إلى حليف لسوريا الأسد.

ويعتقد أن الطابع العسكري للقوات مازال لم يختفِ رغم نهاية الحرب، ولكن لا يعرف حجم التسليح والتنظيم، وهل هو مجرد طابع تنظيمي أم طابع عسكري حقيقي.

 بعد التيار العوني وحزب القوات يأتي بفارق كبير نسبياً في القوة والشعبية حزب الكتائب اللبنانية، برئاسة سامي الجميل.

إذ إنه هو ثالث القوى المسيحية من حيث القوة والعدد والنفوذ والحضور السياسي، ولكن تراجع دوره بعد أن كان أكبر الأحزاب المسيحية اللبنانية.

و لم يفز الحزب سوى بـ3 مقاعد في البرلمان الحالي، دون تمثيل في الحكومة، وهو أحد أعضاء تحالف 14 آذار، ويُعرف عن الكتائب أنها أكثر الميليشيات المسيحية تطرفاً وعداءً للوجود الفلسطيني في لبنان، ويُنسب إليها شرارة انطلاق الحرب الأهلية.

 هو حزب سياسي مسيحي، غالبية أعضائه من الطائفة المارونية، ومتحالف مع حزب الله داخل تحالف 8 آذار، وقد حصل على 3 مقاعد في البرلمان، ومقعد واحد داخل المجلس الوزاري.

ونفوذ المردة مناطقي إلى حد كبير؛ إذ يتركز في قضاء زغرتا بشمالي لبنان.

والمردة يعد تقليدياً أقرب القوى المسيحية السياسية اللبنانية إلى سوريا، ومن ثم حزب الله، حتى إن زعيم التيار الحالي سمى ابنه باسل فرنجية، على اسم النجل الأكبر لحافظ الأسد، وهي علاقة صداقة تعود لعهد الرئيس الراحل سليمان فرنجية، جد زعيم التيار.

 وقد رفض المردة الانضمام للقوى المسيحية في حربها مع الجيش السوري، عندما تحول الأخير من محاربة القوى اليسارية (يغلب عليها الدروز والفلسطينيون) إلى القوى المسيحية خلال الحرب الأهلية.

ويبرر تيار المردة العلاقة الوثيقة بالنظام السوري وحزب الله بأنه كلهم أقليات في مواجهة الأغلبية العربية السنية في المنطقة.

ورغم ذلك، فقد كان لافتاً التفاهم الذي أبرمه سليمان فرنجية مع سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل، وخصم سوريا وحزب الله، والذي تضمن ترشيح الحريري لفرنجية للرئاسة، الأمر الذي رفضه حزب الله؛ لأنه يفضل حليفه الأكبر العماد ميشال عون.

ولكن هذا التفاهم مهّد بعد ذلك لترشيح الحريري لعون، رغم ما كان بينهما من خلافات، للرئاسة، الأمر الذي أفضى للوصول للحكم الحالي، الذي شكل توافقاً نادراً بين الخصوم اللبنانيين.

القوى السُّنية في لبنان يأتي في صدارتها تيار المستقبل، بزعامة رئيس الوزراء سعد الحريري، والذي بالرغم من عدائه التاريخي لحزب الله ولسوريا الأسد وإيران؛ نظراً لقربه الشديد من الأسرة السعودية الحاكمة، هو ومِن قبله والده رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري -كلاهما حمل الجنسية السعودية- ورغم أنه العمود الفقري لتحالف 14 آذار، إلا أنه خلال الانتفاضة الحالية ظهر قرب الحريري من تحالف 8 آذار (حزب الله والتيار الوطني الحُر).

 وقد حصل تيار المستقبل على 21 مقعداً بالبرلمان الحالي، و5 وزراء بالحكومة، إضافة لمقعد رئيس الوزراء، ومن أهم رموز التيار بجانب سعد الحريري أخوه بهاء الدين الحريري، وفؤاد السنيورة رئيس الوزراء الأسبق.

وخلال أحداث 7 أيار/مايو 2008، ظهر ضعف تيار المستقبل العسكري، رغم أنه من أكبر القوى السياسية اللبنانية، إذ انهار بعض المقاتلين الذين جنّدهم التيار بسرعة أمام مقاتلي حزب الله وحركة أمل، الذين هاجموا مقرات الحزب رداً على قرارات حكومية اعتبرها حزب الله مساساً بسلاحه وأمنه، حسب ما رواه مصدر لبناني حزبي مطلع لـ»عربي بوست».

كما أن الطابع المديني والريفي للطائفة السنية التي تتركز تاريخياً في المدن، جعلها أقل عسكرة من باقي الطوائف اللبنانية ذات الطابع الجبلي.

وتوجد كتل سنية أخرى مثل تيار العزم برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي، إلا أنه يُعرف بأن الطائفة السُّنية لا تتمتع بقوة كبيرة في لبنان، لعدم وجود مقاتلين أو ميليشيا منظمة لها، باسثتاء تسليح بعض أفرادها، الذي يمكن وصفه بأنه تسليح اعتيادي في لبنان.

كما أن هناك قوى ناصرية سنية أغلبها حليف لحزب الله وتأثيرها محدود وغالباً ما تقوم بمناوئة تيار المستقبل لصالح حزب الله ونظام الأسد، وهناك أيضاً الجماعة الإسلامية التي تمثل جناح الإخوان المسلمين في لبنان، وتحتفظ بعلاقة قوية مع تيار المستقبل، لا تمنع وجود خلافات سياسية كبيرة، وأيضاً محلية، كما أن أفراد الجماعة كانت لديهم علاقة قديمة مع مؤسسي حزب الله، في عصر كان الانقسام بين الحركة الإسلامية السنية والشيعية لم يكن بنفس الحدة الموجودة حالياً، ولكن العلاقة تدهورت، خاصة بعد أحداث 7 مايو/أيار 2008، وأكثر بعد الثورة السورية.

الحزب التقدمي الاشتراكي، الذراع السياسية الأقوى داخل الطائفة الدرزية، والذي يتزعمه وليد جنبلاط زعيم الطائفة الدرزية، الخصم والعدو التاريخي لحزب الله، وأحد أهم أركان تحالف 14 آذار.

تحت قيادة زعيمه التاريخي كمال جنبلاط اكتسب الحزب شهرته كحزب تقدمي يحارب الطائفية، ويعتنق توجهاً يسارياً عروبياً، وتحالف مع الفلسطينيين واليسار إن كان البعض يرى أن هذا التوجه كان هدفه الاستعانة بهذا التحالف للتفوق على خصومه المسيحيين التاريخيين.

وبدأت الحرب الأهلية باغتيال كمال جنبلاط، الذي يعتقد أن نظام حافظ الأسد وراءه، ولكن نجله وليد جنبلاط المشهور ببراغماتيته المتقلبة سرعان مع تحالف الجيش السوري بعد توليه المسؤولية.

وقبيل اغتيال الحريري تحوّل جنبلاط إلى واحد من أهم خصوم سوريا، ولعب دوراً في ثورة الأرز، التي اندلعت بعد مقتل الحريري، كما لعب دوراً في التصعيد بين تحالف 14 آذار وبين 8 آذار، بقيادة حزب الله، وهو التصعيد الذي وصل لذروته في أحداث 7 مايو/آيار 2008، عندما اقتحم مقاتلو حزب الله وحركة أمل بيروت، للهجوم على أعضاء تيار المستقبل، كما خاضوا معارك مع الجبل مع أنصار الحزب التقدمي الاشتراكي، الأمر الذي دفع جنبلاط للتهدئة مع الحزب وإعلان أنه يودع الجبل لدى منافسه في الوسط الدرزي طلال أرسلان (حليف حزب الله).

وجنبلاط تقليدياً معادٍ للنظام السوري، خاصة في لحظات ضعفه مع علاقة متقلبة مع حزب الله وعلاقة ذات طابع خاص مع حليفه نبيه بري، لم تمنعها أن كلاهما كانا غالباً في فريقين متخاصمين. 

والحزب كان ذا طابع مقاتل خلال الحرب الأهلية، ويقول حزب الله إنه اشترى منه سلاحاً خلال التسعينات، مما يشير إلى أنه احتفظ بجزء من سلاحه.

وقد حصل الاشتراكي على 9 مقاعد في البرلمان الحالي، ومقعدين في مجلس الوزراء، ويُعتبر جبل الشوف هو القلعة الحصينة للحزب الذي يعد أتباعه بالآلاف من أبناء الطائفة ذوي التسليح المتوسط.

وتقريباً لا يوجد داخل الطائفة الدرزية قوى تنازع الحزب التقدمي الاشتراكي، إلا حزب التوحيد العربي بزعامة وئام وهاب وطلال أرسلان زعيم الحزب الديمقراطي وسليل أسرة أرسلان العريقة، وكلاهما حليف لسوريا وحزب الله، ويحسب ضمن تحالف 8 آذار، إلا أن نفوذهما وقوتهما لا تُقارن بقوة جنبلاط داخل الطائفة الدرزية، حتى إن طلال أرسلان يفوز بمقعده عادة بتوافق مع منافسه جنبلاط.

ويظهر حجم التعقيد والطائفية داخل الحياة السياسية اللبنانية.

فقد أدى اتفاق الطائف وباقي التفاهمات إلى تعزيز هذه الطائفية، والتي تتضح من التوزيع الطائفي للمناصب السيادية والسياسية في لبنان، حيث ينحصر مقعد رئيس الجمهورية للطائفة المسيحية المارونية، ورئاسة الحكومة للطائفة السُّنية، ورئاسة البرلمان للطائفة الشيعية.

وينقسم البرلمان بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، بعدد 64 مقعداً لكل منهما توزع كالتالي:

مقاعد المسيحيين: 34 للطائفة المارونية، 14 روم أرثوذكس، 8 روم كاثوليك، 5 أرمن أرثوذكس، 1 أرمن كاثوليك، مقعد للطائفة الإنجيلية، ومقعد لباقي الأقليات المسيحية الأخرى.

مقاعد المسلمين: 27 للطائفة السنية، 27 للطائفة الشيعية، 8 للطائفة الدرزية، ومقعدان للطائفة العلوية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى