تقارير وملفات إضافية

التركيز على حزب الله.. كيف تتابع إسرائيل الاحتجاجات في لبنان وماذا تتوقع منها؟

على الرغم من الأزمة السياسية الداخلية غير المسبوقة في إسرائيل، إلا أن الاحتجاجات التي تشهدها لبنان لها نصيب مهم من المتابعة، سواء الإعلامية أو السياسية أو العسكرية، نظراً للحدود المشتركة ولوجود حزب الله، أحد الأعداء لإسرائيل، التي تنظر إليه كذراع إقليمية لإيران، فكيف هي صورة تلك المتابعة وتصوراتها؟

موقع ميدل إيست آي البريطاني تناول القصة في تقرير بعنوان: كل العيون على حزب الله.. كيف تراقب إسرائيل الاحتجاجات في لبنان»، أعده يوسي ميلمان، كاتب وصحفي إسرائيلي، ومحلل للشؤون الاستخباراتية والأمنية.

اعتاد المحللون الإسرائيليون، حتى بدا الأمر كما لو أنها موهبة من نوعٍ ما لديهم، على أن تخطئ حساباتهم في لبنان، وها هي الاضطرابات الشعبية التي اشتعلت في البلد المجاور خلال الأسابيع الثلاثة الماضية قد أخذت إسرائيل مرة أخرى على حين غرة.

ومع ذلك، ورغم أن الانتفاضة المدنية قد فاجأت الخبراء، فإن إسرائيل، التي تعتبر لبنان قبل كل شيء أرضاً تابعة لحزب الله، تقف على عتبات إما مكسب كبير أو خسارة مؤثرة، وكل ذلك يتوقف على ما ستؤول إليه الأحداث وتأثيرها في الحركة القوية المدعومة من إيران.

وكانت نظرة إسرائيل قد أخذت تتشكل على مر السنين إلى جارتها الشمالية، بوصفها دولة معادية لها منذ عام 1948، من خلال تجاربها المريرة، إذ شملت تلك التجارب عدداً من الحملات التي شنّها الجيش الإسرائيلي، ليس أقلها في عامي 1982 و2006، واحتلالها العسكري الذي استمر 18 عاماً هناك.

كان الافتراض السائد لدى خبراء إسرائيليين، وخاصة أولئك الموجودون داخل أجهزة الاستخبارات في البلاد، هو أن لبنان بلد منقسم بشدة بين جماعات دينية وعرقية لدرجةٍ تحول دون اتحاد أهله واجتماعهم حول مصالح أو أفكار مشتركة.

ومن ثمّ سعت إسرائيل إلى الاستفادة من هذه الانقسامات الطائفية. فقد غزت لبنان في عام 1982 في حملةٍ يُفترض بها سحق منظمة التحرير الفلسطينية ودفعها بعيداً عن المناطق الحدودية مع إسرائيل. وبعد أن فعلت ذلك، سعت إلى تتويج حليفها بشير الجميّل، قائد ميليشيا مسيحية يمينية قوية، رئيساً للبلاد.

وبمجرد أن اعتقدت إسرائيل أنها أمّنت تولي رجلها للسلطة، انقلب سريان الأحداث رأساً على عقب، وكان الجميّل قد وافق على بدء محادثات تُفضي إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، لكنه اغتيل قبل حتى أن يؤدي اليمين الدستورية كرئيس.

غرقت إسرائيل بعد ذلك في مستنقع احتلالها لجنوب لبنان، وبرز حزب الله، بمساعدة إيران، بوصفه قوة شيعية مهيمنة في البلاد وأشعل انتفاضة مسلحة أخذت تتجرع إسرائيل على إثرها خيبات الأمل في السيطرة على البلاد لسنوات بعدها.

بدأت إسرائيل حالياً تستوعب مدى محدودية إدراكها عندما يتعلق الأمر بتقييم الأوضاع في لبنان. فقد أخذت الحركة الاحتجاجية العابرة للطوائف والمنتشرة على نطاق واسع والمستمرة منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول، تُبيّن بوضوحٍ تام أن اللبنانيين يشتركون في عدة أهداف وقيمٍ مشتركة.

تستدعي التصورات الخاطئة لمحللي الاستخبارات الإسرائيلية، وحتى خبراء أكاديميين مستقلين، إلى الذاكرة إخفاقاتهم السابقة فيما يتعلق بأحداث جرت في إيران والعالم العربي.

إذ لم يتصور الخبراء الإسرائيليون أن تلك الاحتجاجات التي جرت في شوارع إيران في 1977-1979 ضد الشاه، قد تقود إلى الثورة الإيرانية، وبعد مرور ثلاثين عاماً، لا يزالون لا يدركون مدى قوة الجماهير والحركة الاجتماعية والسياسية والثقافية التراكمية العميقة، التي أدّت في النهاية إلى اشتعال الانتفاضات العربية في عام 2011.

سأذكر فيما يلي مثالاً واحداً فقط لتوضيح هذه النقطة: غاي بيكور، وهو أحد المحللين الإسرائيليين في شؤون الشرق الأوسط والذي يحظى بشعبية كبيرة في الأوساط اليمينية، أكّد للجمهور الإسرائيلي أنه على الرغم من الاحتجاجات الواسعة التي كانت مندلعة آنذاك، فإن الرئيس المصري حسني مبارك سيتمكن من البقاء في السلطة كما سبق أن فعل لما يقارب 30 عاماً، غير أنه بعد يومين، أطيح بمبارك من السلطة.

من وجهة نظر الإسرائيليين، يمكن أن تؤدي الأحداث في لبنان إلى نتيجتين متناقضتين تماماً، فالأمر مثل تقاطع ينفتح على طريقين، ومن الصعب التنبؤ بالطريق الذي ستمضي فيه البلاد.

سيشهد أحد هذين الطريقين إضعاف القوى السياسية التقليدية في البلاد، بما في ذلك حزب الله، وهو تحول من شأنه أن يفيد المصالح الإسرائيلية.

إذ لا ترى إسرائيل في حزب الله عدوها اللدود، وتعتبره جبهة إيران الأمامية على طول البحر المتوسط فحسب، بل والأخطر أن حزب الله يعتبر نفسه حركة راسخة الجذور في لبنان.

لقد بات الحزب جزءاً من الحكومة اللبنانية لمدة تزيد على عقد، وكذلك أصبحت لديه حصة قوية في البرلمان، علاوة على اختراقه الجيش اللبناني وأجهزته الأمنية، والاقتصاد وجميع الأجزاء الرئيسية الأخرى في المجتمع اللبناني. ولتسويغ معاركه ضد إسرائيل، أخذ حزب الله يصور نفسه بوصفه حركة مقاومة تمثل «الدرع» الحامية للبلاد.

لذا، لا عجب أن ترتفع معنويات قادة الأمن الإسرائيليين حين يرون حقيقة أن الشيعة اللبنانيين كانوا يسيرون في الاحتجاجات التي شهدتها شوارع بيروت، والأهم من ذلك في بعلبك والنبطية، معاقل حزب الله. وغدا الهتاف الذي يتردد أحياناً خلال بعض المظاهرات –»الله الله يلعنك يا نصر الله» (والذي يعد زعيم حزب الله الذي لا يُبارى)- موسيقى تطرب لها الآذان الإسرائيلية، فكل لعن لحسن نصر الله هو نعمة لإسرائيل.

أما حزب الله، فهو بطبيعة الحال قلق بشأن هذه التطورات غير المسبوقة، وأخبرتني مصادر استخبارية أن اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، الذي يقود خطط التوسع الإيراني في المنطقة، نصح نصر الله بأن يكون أكثر عدوانية وأن يسحق الاحتجاجات. قدّم سليماني التوصية ذاتها لحلفائه الشيعة في العراق فيما يتعلق بالاحتجاجات الجارية هناك أيضاً. لكن زعيم حزب الله كان أكثر حذراً.

من المرجح أن يقود الطريق الآخر، من وجهة نظر إسرائيل إلى نتائج معاكسة، إذ إما أن تُقمع الاحتجاجات أو تفقد زخمها شيئاً فشيئاً، ليخرج حزب الله منها أقوى وأكثر هيمنة على البلاد.

هناك أيضاً احتمال أن ينفد صبر حزب الله عاجلاً أم آجلاً، وأن يعمد، في محاولةٍ لصرف الأنظار عن مشاكله وتحدياته الداخلية، إلى زيادة التوتر على طول الحدود الإسرائيلية، بل وحتى أن يشن ضربات عسكرية.

كانت المخابرات الإسرائيلية قد حذّرت، حتى قبل أن تشتعل الاحتجاجات في لبنان، من أن ثقة إيران بنفسها أخذت في التزايد مع انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. وتقول وسائل إعلام إسرائيلية ومصادر في أجهزة استخباراتية وعسكرية تحدثت معها، إن ذلك التحول أخذ يُترجم إلى مقاربة جديدة على أرض الواقع، بتخطيطٍ وإدارة من قاسم سليماني.

تذهب الاستراتيجية الإيرانية الجديدة إلى أن كل هجومٍ على مواقعها سواء في سوريا أو العراق يجب أن يُواجه، سواء مباشرة أو بشكل غير مباشر، من خلال وكلائها مثل حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية أو حزب الله.

أياً كانت السيناريوهات، فإن مآل الاحتجاجات اللبنانية، من المنظور الإسرائيلي، أن لبنان ستبقى، قبل أي شيء، أرضاً تابعة لحزب الله. وحزب الله بالنسبة إلى إسرائيل يمثّل إيران، بطموحاتها في الهيمنة والسيطرة في المنطقة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى