ثقافة وادب

عندما خرجت أمريكا عن حيادها..هكذا غيَّر غرق السفينة لوسيتينيا مسار الحرب العالمية الأولى

في يوم 7 مايو/أيار 1915، أطلقت غواصة ألمانية طوربيداً صوب إحدى سفن نقل الركاب الفارهة المتجهة من ميناء نيويورك الأمريكي إلى ميناء ليفربول الأنجليزي، السفينة بريطانية الجنسية كانت تعرف باسم لوسيتينيا، والتي لم تتحمل قوة الطوربيد الهائلة وغرقت بحملها خلال 20 دقيقة فقط.

هذا الحادث أسفر عن مقتل 1195 شخصاً من بينهم 123 أمريكياً، وفقاً لمكتبة الكونغرس الأمريكية.

على الفور وترت كارثة الهجوم على سفينة مدنية لنقل الركاب العلاقات بين ألمانيا والولايات المتحدة التي كانت لم تكن حينها في أي عداء مع ألمانيا بشكل رسمي، وأسفر هذا عن موجة عداء أمريكي ضدها، وأطلق سلسلة من الأحداث أدت في نهاية المطاف إلى دخول الولايات المتحدة للحرب العالمية الأولى والتي خاضتها 32 دولة واستمرت مدة 4  سنوات، بحسب ما نشر موقع History الأمريكي.

أطلقت شركة كونارد لاين البريطانية للشحن باخرة لوسيتينيا في عام 1906، لحمل الركاب في الرحلات البحرية عبر المحيط الأطلسي. وكانت قد دعمت القوات البحرية البريطانية بناء السفينة معتقدين أنها ستُسخر للخدمة العسكرية إذا اندلعت الحرب. وبعد بدء الحرب العالمية الأولى في عام 1914، ظلت لوسيتينيا سفينة لنقل الركاب، على الرغم من أنها كانت تُعدل في السر من أجل الحرب.

قبل شهر فبراير/شباط 1915، وصلت معلومات للبحرية الألمانية تفيد أن التجار البريطانيين كانوا يسلّحون سفنهم وأن سفن الركاب والسفن التجارية تنقل الأسلحة والمعونات من الولايات المتحدة لأوروبا.

ونتيجة لهذا، أعلنت ألمانيا أن المياه المحيطة بالجزر البريطانية منطقة حرب، وتوقفت عن اتباع «قانون الغنائم» البحري الدولي، الذي يقوم على تحذير السفن من وجود غواصة. ومن ثم أتيح للبحرية الألمانية قصف السفن غير الحربية، وبالطبع أغضب هذا الخرق للبروتوكولات البحرية الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين.

قبل أيام من الموعد المقرر لمغادرة لوسيتينيا نيويورك متجهة إلى ميناء ليفربول الإنجليزي في أول شهر مايو/أيار 1915، وضعت السفارة الإمبراطورية الألمانية في العاصمة واشنطن إعلانات في الصحف الأمريكية تذكر الأمريكيين بأن بريطانيا وألمانيا في حالة حرب. وحذرت من يخططون للسفر أن «البواخر التي ترفع علم بريطانيا العظمى أو أياً من أعلام حلفائها معرضة للتدمير» ويجب تجنبها.

ولأن الناس افترضوا أن ألمانيا ستسمح للركاب بالوصول إلى قوارب النجاة قبل الهجوم، لاقى التحذير تجاهلاً كبيراً.

وفي يوم 7 مايو/أيار من عام 1915، بعد 6 أيام من مغادرة نيويورك في طريقها إلى ليفربول، تلقت لوسيتينيا ضربة مباشرة من غواصة ألمانية من طراز يو بوت، دون أي إنذار، وغرقت السفينة في خلال 20 دقيقة.

ومع انتشار الأخبار عن المصير المأساوي الذي لحق بسفينة لوسيتينيا، انتشر الغضب أيضاً في قلوب الأمريكيين والبريطانيين. فقد كان الخبر بمثابة صاعقة لم يتخيلوها، لكنهم لم يكونوا مستعدين للتسرع إلى الحرب. أراد الرئيس الأمريكي حينئذ وودرو ويلسون أن يتخذ رد فعل حذر، وبقي محايداً بينما طالب الرئيس الأسبق -والأكثر شعبية- ثيودور روزفلت بالانتقام السريع.

على الجانب الآخر دافعت ألمانيا عن عدوانها بادعاء أن لوسيتينيا كانت تحمل أسلحة وإمدادات الحرب ولهذا كانت «اللعبة عادلة». وبينما كانوا يحاولون إلقاء لائمة ما حدث على الجانب الآخر، تكثفت الدعاية الإعلامية البريطانية ضدهم. وهرعت حشود من البريطانيين الراغبين في الانتقام للتسجيل في التجنيد، واندلعت أعمال شغب مناهضة لألمانيا في شوارع لندن.

قال رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، القائد الأول لقوات البحرية الملكية البريطانية: «الأطفال المساكين الذين لقوا حتفهم في المحيط وجهوا ضربة للقوة الألمانية أكثر تأثيراً مما كانت لتحققه تضحية 100 ألف رجل».

في شهر أغسطس/آب من عام 1915 جاءت ثاني الضربات الألمانية الثانية، عندما أغرقت غواصة ألمانية عابرة المحيط السفينة النظامية لنقل البضائع البريطانية SS Arabic زاعمة أن ذلك كان دفاعاً عن النفس. 

تسبب هذا الحدث في المزيد من التوتر في العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وألمانيا. وحذر الرئيس ويلسون ألمانيا من أنه إذا ثبت أن ألمانيا أغرقت السفينة بلا سبب، فإن الولايات المتحدة ستقطع العلاقات الدبلوماسية معها. 

بعد هذا الرد ردت ألمانيا بأن أعلنت في شهر سبتمبر/أيلول 1915 أنها لن تُغرق أي سفينة ركاب دون تحذير بعد ذلك. مما أرضى الرئيس ويلسون، حتى تلك اللحظة، واختار ألا يعلن الحرب على ألمانيا على الرغم من أن بعض أعضاء مجلس الوزراء نصحوه بعكس ذلك.

في بداية عام 1917، اعترضت الاستخبارات البريطانية تلغرافاً من وزير الخارجية الألماني زيمرمان إلى السفير الألماني إلى المكسيك هاينريش فون إيكارد.

صرح زيمرمان في برقيته أن ألمانيا خططت للعودة في حرب الغواصات المفتوحة وستغرق كل السفن في منطقة الحرب، حتى التي تحمل ركاباً أمريكيين. وتقترح البرقية تحالفاً بين المكسيك وألمانيا في حال قررت الولايات المتحدة الانضمام للتحالف الأوروبي.

وبعدما شاركت بريطانيا حليفتها الوليدة بهذه المعلومة الاستخباراتية الخطيرة، غضب الرئيس الأمريكي ويلسون لكنه لم يكن بعد على قناعة بأن يدخل الحرب. لكن عندما بدأت ألمانيا بالفعل في مواصلة حرب الغواصات المفتوحة، كان ذلك كافياً بالنسبة لويلسون وللمواطنين في الولايات المتحدة لقرع طبول الحرب.

وفي شهر أبريل/نيسان من عام 1917، صوت الكونغرس الأمريكي على إعلان الحرب على دول المحور إيذاناً بدخول أمريكا الحرب العالمية الأولى.

ربما لم يتسبب غرق لوسيتينيا مباشرة في دخول الولايات المتحدة للحرب. لكنها أشعلت التوتر والاحتقان تجاه الألمان في بريطانيا والولايات المتحدة وعقّدت العلاقات الدبلوماسية بين ألمانيا والولايات المتحدة.

وأظهرت أيضاً للعالم أن ألمانيا وقتها كانت ترغب في فعل أي شيء تقريباً لتفوز بالحرب، وهو الأمر الذي حفز الحلفاء على القتال بضراوة وأوضح للولايات المتحدة أن الحياد الدائم لن يجدي نفعاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى