تقارير وملفات إضافية

هل تهدف قمة كوالالمبور لتهميش دور السعودية أو تفكيك منظمة التعاون الإسلامي فعلاً؟

تحظى القمة الإسلامية المصغرة التي انطلقت في العاصمة الماليزية كوالالمبور، أمس الأربعاء 18 ديسمبر/كانون الأول 2019، بمحاولات التشكيك من جانب بعض الدول الإسلامية الأخرى بأنها بديل عن منظمة التعاون الإسلامي التي تتخذ من مدينة جدة السعودية مقراً لها، فما أوجه الاعتراض على قمة ماليزيا؟ وهل هي بالفعل بديل عن منظمة التعاون الإسلامي؟

الرياض تعتبر أن انعقاد القمة بعيداً عنها هدفه الأساسي النيل من نفوذها الإسلامي، لا سيما وبعيداً عن الإجماع الذي تعبر عنه منظمة التعاون الإسلامي في جدة، فهل هذا الأمر فعلاً حقيقي؟

وكالة الأنباء السعودية الرسمية ذكرت في تقرير لها قبل انعقاد القمة، أن الملك سلمان تلقى اتصالاً هاتفياً من رئيس وزراء ماليزيا الدكتور مهاتير محمد، وجرى خلال الاتصال،»استعراض العلاقات بين البلدين وفرص تعزيزها في مختلف المجالات»، لافتة إلى أن العاهل السعودي أكد «أهمية العمل الإسلامي المشترك من خلال منظمة التعاون الإسلامي بما يحقق وحدة الصف؛ لبحث القضايا الإسلامية كافةً التي تهم الأمة».

البيان السعودي ربما لا يحتاج تفسيراً، فحين يتضمن «لا عمل مشتركاً إلا من خلال منظمة التعاون الإسلامي»، فإن ما تريده الرياض هو فقط العمل من خلال المنظمة، لكن السؤال هنا: من أين جاءت فكرة أن قمة كوالالمبور تسعى لتشكيل بديل عن منظمة التعاون الإسلامي؟ والإجابة على لسان أصحابها، وفي الإطار نفسه، حيث قال مهاتير للملك سلمان إن ماليزيا لا تقصد عقد قمة كوالالمبور 2019 لتولي دور منظمة التعاون الإسلامي، وأضاف وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الماليزية الرسمية في تعقيب على المكالمة المرئية مع الملك سلمان: «مِن الأفضل أن تستمر السعودية في أداء دورها.. إن ماليزيا صغيرة للغاية على تكلف الدور المعنيّ.. القمة تهدف إلى إيجاد حلول جديدة للأمة الإسلامية».

وفي الإطار نفسه، أجاب الأمين العام المناوب لقمة كوالالمبور الإسلامية، شمس الدين عثمان، لـ «عربي بوست»، عن موقف القمة من منظمة التعاون الإسلامي، مؤكداً أن القمة المصغرة تأتي استكمالاً لدور المنظمة وليست بديلاً عنها.

من المهم هنا التذكير بأن عقد قمم مصغرة تضم أعضاء في تكتلات أكبر، ليس بدعة أو أمراً يحدث للمرة الأولى في ماليزيا، فالقمم العربية المصغرة التي انعقدت عشرات المرات بين زعماء مصر والسعودية وسوريا والعراق وغيرها من الدول العربية وفي أوقات وظروف متنوعة استدعت عقد مثل تلك القمم- لم تتسبب في تهميش دور جامعة الدول العربية، ولم ينظر إليها أحد على أنها تهدف إلى تشكيل تكتل عربي جديد بديلاً عن الجامعة.

أيضاً بين الحين والآخر، يعقد تكتل كبير مثل الاتحاد الأوروبي مؤتمراته وقممه الدورية بحضور أعضائه كافة، لكن ذلك لا يمنع عقد قمم مصغرة تضم زعماء ألمانيا وفرنسا وبريطانيا على سبيل المثال، ولكن لا ينظر أحد إلى مثل تلك القمم على أنها تستهدف تهميش دور الاتحاد الأوروبي أو وضع نواة لتكتل بديل.

الأمر نفسه يحدث ضمن جميع التكتلات والمنظمات الإقليمية والدولية بصورة متكررة ولا يثير كل هذا الجدل.

قبل الخوض في محاولة البحث عن إجابة لهذا السؤال، من المهم هنا التوقف عند الهدف من القمة المصغرة، وهو ما جاء على لسان رئيس وزراء ماليزيا قبل انطلاق القمة، وكان رده أنه «يؤمن بالبدايات الصغيرة»، موضحاً: «تواجه كثير من الدول الإسلامية مشكلات تشغلها وتكرّس وقتها للتعامل معها« ولكن (ماليزيا وتركيا وباكستان) إضافة إلى قطر وإندونيسيا، على ما أعتقد، يمكنها أن توفر الوقت اللازم للتعامل مع هذه القضايا المهمة جداً (التي تواجه المسلمين بشكل عام)».

جاءت هذه التصريحات لمهاتير  قبل أن يسفر الضغط السعودي –بحسب التقارير الإعلامية– عن انسحاب الرئيس الباكستاني عمران خان عن المشاركة شخصياً في القمة، وإرسال وزير الخارجية نيابة عنه، وهذا في حد ذاته يعطي بعداً آخر يسهم في تحليل الموقف السعودي.

ففي ظل وضوح الرؤية والإعلان عن أهداف القمة المصغرة قبل انعقادها بوقت طويل، إضافة إلى توجيه الدعوة رسمياً إلى السعودية، لا بد إذن من أسباب أخرى غير معلنة وراء رفض الرياض الحضور، والتلميح بأن هدف القمة هو تهميش أو تفكيك منظمة التعاون الإسلامي، والضغط على عمران خان كي لا يشارك.

والتحليل هنا قد يحمل عدة تفسيرات، منها أن القيادة السعودية ربما تنظر إلى الأمر من منظور آخر«  وهو القلق من سحب البساط من تحت أقدامها بشأن قيادة العالم الإسلامي الروحية، وإن كانت هذه النقطة قد رد عليها مهاتير نفسه بقوله إنه «من الأفضل أن تستمر السعودية في أداء دورها.. إن ماليزيا صغيرة للغاية على تكلف الدور المعنيّ».

التفسير الآخر ربما يكون قلق الرياض من حضور إيران القمة المصغرة، في ظل حالة الصراع أو ربما حتى الحرب غير المعلنة بينهما، وهو ما يمكن تفهمه، لكن في ظل قنوات الحوار السرية والوساطات التي تجري بين الرياض وطهران فيما يتعلق بالملف اليمني وملف استهداف المنشآت النفطية السعودية أو حاملات النفط وغيرها من الملفات بين البلدين، ربما يكون حضور السعودية والحديث بشكل مباشر مع الطرف الإيراني في قمة مصغرة كقمة كوالالمبور أمراً جيداً، في رأي البعض.

وجود تركيا أيضاً ربما يمثل أحد أسباب الرفض السعودي للحضور، في ظل التوتر الحاصل بين البلدين؛ على خلفية اغتيال الصحفي السعودي المعارض بقنصلية بلاده في إسطنبول، العام الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى