تقارير وملفات إضافية

حزب الله يتعامل مع المحكمة الدولية كأنها لم تكن، والحكومة اللبنانية ستواجه مأزقاً إذا سلمت قاتل الحريري أو تركته طليقاً

هل يسلم حزب الله سليم عياش وأين يختفي الرجل البالغ من العمر (56 عاماً)، وماذا سيحدث إذا حاولت الحكومة اللبنانية القبض على عياش أو إجبار الحزب على تسليمه، وماذا سيحدث إذا تم تجاهل حكم المحكمة؟

يبدو الرد على هذه الأسئلة صعباً للغاية بالنسبة للبنانيين، رغم أنهم يعرفون الإجابات جيداً، ولكنها إجابات تحمل في طياتها كلها سيناريوهات مقلقة بالنسبة للبنان المنكوب لتوَّه بانفجار أطاح بعاصمته التي تلقَّب بست الدنيا، سبقه أمة اقتصادية أطاحت بليرته ونظامه المصرفي.

وأدانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ومقرها بمدينة لاهاي بهولندا، “غيابياً”، سليم عياش، عضو “حزب الله”، باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، عبر تفجير استهدف موكبه في العاصمة بيروت، ما أودى أيضاً بحياة 21 شخصاً آخرين، في 14 فبراير/شباط 2005.

وحددت المحكمة 21 سبتمبر/أيلول المقبل، موعداً لإصدار العقوبة بحق عياش.

وكانت المحكمة قد قالت إن أجهزة الأمن اللبنانية قد أزالت أدلة من مسرح الجريمة.

وتفيد التقارير بأن وسام عيد، الرائد في معلومات قوى الأمن الداخلي (الذي قُتل فيما بعد)، قدَّم الأدلة الوحيدة التي مكنت المحكمة من إدانة عياش، من خلال تحليل علمي لبيانات شبكة الاتصالات الهاتفية اللبنانية، تمكن بموجبه من فك شيفرة شبكات مسرح الجريمة.

وقدّم عيد الدليل الوحيد المُتاح منذ 15 عاماً، وهو الدليل اليتيم الذي دفع وسام عيد حياته ثمناً له في تفجير هزّ بيروت أيضاً، من دون أن يكشف التحقيق حتى اليوم ويحدّد من فجَّر “وسام”.

ومقابل إدانة عياش، برَّأت المحكمة المتهمين الثلاثة الآخرين (حسن مرعي، وحسين عنيسي، وأسد صبرا)، وهم أيضاً أعضاء بـ”حزب الله”؛ لعدم وجود أدلة كافية، كما قررت عدم وجود أدلة على ضلوع كل من “قيادة” الجماعة والنظام السوري في اغتيال الحريري، رغم أنها لم تنفِ وجود دافع لديهما إلى ذلك.

وكان في القضية متهم خامس، يدعى مصطفى بدر الدين، لكن ثبت للمحكمة أنه قُتل في سوريا، حيث يقاتل “حزب الله” بجانب قوات النظام السوري.

وسبق أن نُسب إلى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وصفه للمتهمين باغتيال الحريري بـ”القديسين“، وأنه لن يقبل بتسليمهم لا اليوم ولا بعد مئة يوم.

من جانبه، اعتبر مصطفى علوش، وهو قيادي في “تيار المستقبل”، بزعامة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري (نجل رفيق)، أن “قرار المحكمة إدانة لحزب الله، إلّا إذا سلّم الحزبُ المذنبَ (عياش)”.

وأضاف علوش لـ”الأناضول”: “أصلاً حزب الله لم يعترف بالمحكمة.. تبرئة المحكمة للمتهمين (الثلاثة الآخرين) لعدم الحصول على الدليل القاطع، تؤكّد أن المحكمة ذات مصداقية عالية”.

واستطرد: “المذنب والمدان سليم عياش من كوادر حزب الله، والحزب وحده يعلم ماذا يعمل وأين هو، وإذا أراد الحزب أن يثبت حسن نيّته فعليه أن يُسلّم عياش.. لكن أكيد حزب الله لن يُسلّمه”.

ورداً على سؤال بشأن خطوات “تيار المستقبل” إذا لم يسلم “حزب الله” عياش، أجاب علوش بأن “المحكمة هي التي تقرّر كيف ستتابع القضية، أمّا سياسياً فسعد الحريري أكد أن أيام التضحيات (من جانبه) قد ولّت”.

وعقب قرار المحكمة، قال الحريري إن “التضحية يجب أن تكون اليوم من حزب الله، فقد أصبح واضحاً أن شبكة القتلة خرجوا من صفوفه”، مشدداً على أنه لن يستكين حتى تسليم الجاني للعدالة وتنفيذ القصاص.

المشكلة أن الحزب لا يستطيع التنصل من أفعال أعضائه، لأنه من المعروف أن الحزب يتسم بالانضباط الشديد.

فالأمين العام لحزب الله سبق أن قال إنه “ليس هناك أي اختراق في حزب الله، وكلّ عنصر أو قيادي يُتهم كأن حزب الله هو المتهم”، حسبما ذكر أسعد بشارة، الكاتب والمحلل السياسي.

وقال بشارة، لـ”الأناضول”، إن “ما حدث هو أن المحكمة فصلت الدوافع السياسية عن الأدلة، أوردت الأدلة السياسية الكاملة لعملية الاغتيال، أما في موضوع المجموعة المنفذة فقد تعاطت مع الأدلة الحسية والموثقة فقط”.

واستبعد بشارة أن يسلم “حزب الله” عياش، قائلاً: “بالتأكيد لا، ولكنّ هذا الأمر يرتب مسؤولية على الدولة، فإن لم تسلِّم الدولة المجرم تصبح خارج الشرعية الدولية”.

اعتبر عليّ الأمين، المحلل السياسي الشيعي المعارض لـ”حزب الله”، أنه “بناءً على ما قدّمته المحكمة، فإن حزب الله مدان في جريمة اغتيال الحريري”.

وأضاف الأمين: “أي قارئ لهذا الحكم يدرك جيداً أنه إدانة للحزب، ليس بالمعنى القانوني، لأن طبيعة هذه المحكمة أنها تحاكم أفراداً، لكن مجرد أن تدين مسؤولاً في الحزب، فهذا بحدّ ذاتها إدانة”.

وأردف الأمين: “هذه الجريمة لا يمكن أن ينفِّذها شخص واحد، هناك فريق عمل كامل خطط لها، وبالتالي لأنّ الفرد الذي ثبت عليه الحكم ينتمي إلى حزب الله، فهناك إدانة معنوية (للحزب)”.

عن قرار المحكمة، قال أنطوان سعد، وهو محامٍ وأستاذ جامعي في العدالة الدولية، إن “نظام المحكمة الدولية لا يمكن أن يدين جماعات أو أحزاباً أو حتى دول، إنما يدين أشخاصاً، وطالما لم يثبت أنّ الأمين العام لحزب الله أعطى أمراً باغتيال الحريري فإن إدانة أي شخص في الحزب أو سوريا أمر خارج عن صلاحياتها”.

وتابع سعد لـ”الأناضول”: “الأدلة تمحورت بقوّة حول أربعة متهمين، وعياش له جرائم متهم بها أكثر، وثابت عليه الدليل؛ لذلك تمّت محاكمته، أما الآخرون فالأدلة على ضلوعهم بالجريمة غير كافية، وهذه المحاكم لا تُحاكم إلا بدرجة عالية من اليقين”.

وأردف: “مهمة عياش في حزب الله أمنيّة، لذلك فإدانته هي إدانة غير مباشرة لحزب الله؛ لأنه يعمل لصالحه.. واتهام عياش وإعطاء البراءة للآخرين دليل على نزاهة المحكمة”.

على الجهة المقابلة، رأى قاسم قصير، محلل سياسي مقرب من “حزب الله”، أن “المحكمة الدولية لم تدِن حزب الله في حكمها”.

وقال قصير لـ”الأناضول”: “المحكمة ليس لديها أي دليل على أي دور لحزب الله في عملية الاغتيال”.

ولدى سؤاله ما إذا كان “حزب الله” سيتنصل من عياش وهو قيادي في الحزب، أجاب: “لا أظنّ، فالحزب يعتبر أنه غير معنيٍّ بالمحكمة بشكل عام، وهو لا يثق بها”.

واستبق حسن نصر الله، الجمعة، صدور قرار المحكمة الدولية، بالقول إنه سيتعامل مع القرار “كأنه لم يصدر“.

وترى جماعة “حزب الله” أن المحكمة الدولية أداة سياسية بيد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، التي تضع “حزب الله” وحليفته إيران في خانة ألد أعدائها.

وما بين تفسيرات الفريقين لقرار المحكمة، رأى وزير العدل اللبناني السابق شارل رزق، أن “هذا الحكم لا يُعدّ انتصاراً لأي فريق سياسي على الآخر”.

وأضاف رزق لـ”الأناضول”: “هذا قرار قانوني قضائي، والمحكمة الدولية تحاكم الأشخاص ولا تحاكم دولاً ولا مؤسسات ولا منظمات”.

وختم بقوله: “نحترم القرارات القضائية، ومن يشعر بأنه متضرّر من القرار فباستطاعته أن يستأنف الحكم”.

“رئيس الجمهورية (ميشال عون) أعلن قبوله الحكم، لذا على السلطة ملاحقة المجرم، والطلب من الجهة التي ينتمي إليها تسليمه”.

بهذه الكلمات علق المحلل السياسي بشارة خير الله، على مسألة موقف السلطات اللبنانية من قرار المحكمة الدولية.

وأردف: “على حزب الله تسليم المجرم.. وعلى السلطة السياسية والتنفيذية في لبنان تنفيذ قرار المحكمة وملاحقة عياش والمطالبة بتسليمه”.

وسبق أن قالت الناطقة باسم المحكمة الدولية وجْد رمضان، قبل صدور حكم المحكمة: “إن مسؤولية تنفيذ القرار الاتهامي ومذكرات التوقيف ضد المتهمين تقع على عاتق السلطات اللبنانية وحدها، وهي وفق ما هو معلوم، ترسل كل شهرٍ تقارير تشرح فيها للمحكمة الدولية الجهود التي تبذلها في سبيل توقيف المتهمين، والتقارير سرية ولم يُكشف عن مضمونها”.

ومن المعروف أن الرئيس  اللبناني العماد ميشال عون، أكبر حليف لحزب الله، وقد وصل للرئاسة بفضل دعم الحزب وحلفائه.

وبالتالي لا يُتوقع أن يسعى عون للقبض على عياش إذا كان موجوداً في لبنان، علماً بأنه من المستبعد أن يكون مكانه معروفاً للحكومة اللبنانية.

ولكن في المقابل فإنه من الواضح أن الحكم ستكون له تبعات قانونية، فرئيس تيار المستقبل سعد الحريري طالب الحزب بتسليم عياش، كما أن الإدارتين الأمريكية والسعودية يمثل لهما الحكم فرصة لإضعاف حزب الله، في وقت يحتاج لبنان حزمة إنقاذ دولية يصعب أن تمر دون موافقة واشنطن.

قد تحاول الإدارة الأمريكية تحديداً الضغط على التيار الوطني الحر (التيار العوني) لدفعه إلى الابتعاد عن حزب الله، وبدا ذلك واضحاً في تأكيدها ضرورة استبعاده من الحكومة القادمة.

ولا ينقص التيار الوطني ولا رئيسه جبران باسيل البراغماتية السياسية التي تجعله ينقلب على حزب الله.

ولكن التيار الوطني الحر حتى لو أراد الضغط على الحزب فله حدوده، بحكم أن الحزب هو الذي أوصل عون للرئاسة، كما أن الحزب له قوة عسكرية مستقلة يُنظر إليها على أنها أكثر فاعلية من الجيش، كما أن الوجود الشيعي في كل مؤسسات الدولة يجعل اتخاذ أي موقف حاد ضد حزب الله ضرباً من الانتحار الذاتي للدولة.

وخلال الحرب الأهلية انقسم الجيش اللبناني إلى جيشين أحدهما مسيحي والآخر مسلم، عُرف باسم “جيش لبنان العربي“.

ففي لبنان، العاملون والمسؤولون في مؤسسات الدولة ولاؤهم يكون بالأساس لطوائفهم وزعمائهم أكثر من الدولة أحياناً.

ومع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية وما يترتب عليها من ضعف الدولة، فإنه يتوقع أن يصبح اللبنانيون أكثر التصاقاً بطوائفهم.

وفي المقابل، فإن الولايات المتحدة والسعودية تحديداً يبدو أنهما لن يقدما مساعدات لإنقاذ اقتصاد البلاد المنهار، من دون ثمن يدفعه حزب الله.

ولكن هل يمكن إضعاف الحزب دون تدمير البلاد التي بات مسيطراً عليها، حتى لو قال إنه خارج السلطة؟

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى