تقارير وملفات إضافية

الهدوء الخادع.. ليبيا على مشارف معركة جديدة، فهل تنجح الدبلوماسية في وقف فتيل الحرب؟

“الهدوء الخادع”، هكذا قيّم وزير الخارجية الألماني مايكو ماس، الوضع العسكري في محافظي سرت والجفرة، وسط ليبيا، رغم مرور نحو 10 أسابيع على توقف المعارك في المنطقة الغربية للبلاد، وتكثيف عدة أطراف دولية جهودها الدبلوماسية لنزع فتيل الحرب.

لكن ليس وزير الخارجية الألماني وحده من وصل إلى هذه النتيجة، ففتحي باشاغا وزير الداخلية الليبي، حذر خلال لقائه وزيري الدفاع التركي والقطري بطرابلس، الإثنين، من أن “رحى الحرب قد تعود في أي لحظة”.

فالجسر الجوي الروسي الذي لم ينقطع عن شرق ليبيا خلال الأسابيع الأخيرة، ودخول أسلحة نوعية غير مسبوقة إلى ساحة المعركة، مثل طائرات ميغ29 وسوخوي24، ومنظومات الدفاع الجوي بعيدة المدى “آس300″، لا يوحي أن موسكو تعتزم القبول بالمبادرة الأمريكية للانسحاب من سرت والجفرة وفتح قطاع النفط.

كما أن عملية حشد المرتزقة من شركة فاغنر الروسية ومن المقاتلين الموالين للنظام السوري والمتمردين الأفارقة لا تعكس سوى استعداد لمعركة أكبر، قد تتجاوز مجرد الدفاع عن سرت والجفرة.

فاللواء المتقاعد خليفة حفتر، معروف بعناده، فرغم هزائمه الكثيرة منذ معركة وادي الدوم بتشاد في 1987، وصولاً للانهيار في سلسلة خسائره الفادحة الأخيرة في معارك السيطرة على الغرب الليبي، فإنه لم ييأس بعد من حكم ليبيا، فهو مازال يسيطر على معظم ميليشيات الشرق، ولا يزال يتلقى دعماً خارجياً لأسلحته وميليشياته متعددة الجنسيات.

ولم يتمكن لا عقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق (شرق)، ولا سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل، من إزاحة حفتر من المشهد في الشرق، رغم هزيمته المدوية جنوب طرابلس، في يونيو/حزيران الماضي.

ومع استمرار دعم حلفائه الدوليين الرئيسيين؛ مصر والإمارات وروسيا، لا يستبعد أن يقوم حفتر، بهجوم ثانٍ ضد طرابلس ومدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) بعد اكتمال تحشيداته في قاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس) ومدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس).

تُعد زيارة وزير الدفاع القطري خالد العطية، الإثنين، إلى طرابلس، الأولى من نوعها منذ نحو 8 سنوات، ومؤشراً على انخراط أكبر في دعم الحكومة الليبية الشرعية إلى جانب تركيا، في مواجهة التحالف الروسي الإماراتي المصري المساند لحفتر.

وموافقة قطر على إرسال مستشارين عسكريين لدعم بناء القدرات الدفاعية والأمنية لقوات الحكومة الشرعية، يعد الأول من نوعه خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتطوراً في المشهد العسكري الليبي، بعد أن غابت عنه لسنوات، وإن لم ينقطع دعمها الدبلوماسي والإعلامي والإنساني لليبيين.

إذ شكلت زيارة العطية، ووزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إلى ليبيا، فرصة لتأكيد الدولتين على دعمهما لحق الحكومة الشرعية في استعادة السيطرة على كامل البلاد.

وسبق هذا اللقاء العسكري لقاءٌ ثلاثي آخر لوزراء خارجية تركيا ومالطا وليبيا، في 6 أغسطس/آب الجاري، بطرابلس، ما يعكس اتساع حلفاء الحكومة الليبية، المعترف بها دولياً، وتعزيز موقفها في مواجهة ميليشيات الجنرال الانقلابي في الشرق.

وفي إطار البحث عن حل سياسي للتفكيك الأزمة الليبية، اتفق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في اتصال هاتفي، على “مواصلة الحوار والتعاون الوثيق حيال الأوضاع في ليبيا” وفق الرئاسة التركية.

وبحسب بيان الرئاسة الروسية، فإن الرئيسين أكدا “على الحاجة إلى خطوات حقيقية من قبل الأطراف المتحاربة، نحو وقف إطلاق نار مستدام، وبدء مفاوضات مباشرة، وفقاً لقرارات مؤتمر برلين، والقرار 2510 لمجلس الأمن الدولي”.

وقبل هذا الاتصال الهاتفي بيوم، اتفق وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو، في لقاء بجمهورية الدومينيكان، “على مواصلة التشاور في الملف الليبي على مستوى الخبراء”.

فالتحرك الدبلوماسي لتركيا يسير بالتوازي مع الاستعدادات العسكرية للجيش الليبي لمواجهة أي احتمالات أو خيارات.

لا تملك ألمانيا الكثير من الأوراق لتلعبها في ليبيا، لكنها تحاول إنقاذ مخرجات مؤتمر برلين من الفشل.

ولا تنظر برلين بعين الارتياح للحشود المتزايدة حول سرت والجفرة، لذلك وصف وزير خارجيتها الوضع بـ”الهدوء الخادع”.

فبالتزامن مع زيارة وزيري الدفاع التركي والقطري إلى طرابلس، وصل ماس إلى العاصمة الليبية بشكل مفاجئ، وكأنه يجس نبض الأوضاع في ليبيا قبل العاصفة.

لكن ليس ماس وحده من وصل إلى المنطقة، فالفرقاطة الألمانية “هامبورغ” يفترض أنها هي الأخرى وصلت إلى البحر الأبيض المتوسط للمشاركة في عملية “إيريني”، لمراقبة حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا.

فقبيل انطلاقها من ميناء فيلهلمسهافن، المطل على بحر الشمال، في 4 أغسطس الجاري، أعلنت البحرية الألمانية أن “هامبورغ” ستصل منتصف هذا الشهر إلى البحر المتوسط.

لكن زيارة وزير الخارجية الألماني لطرابلس لم تخلُ من عتاب نظيره الليبي محمد الطاهر سيالة، الذي جدد رفض حكومة بلاده لعملية إيريني، كونها “مخصصة لمنع وصول أي دعم لحكومة الوفاق، ولا تراقب الدعم الذي يصل للقوات المعتدية براً وبحراً وجواً”.

ودون أن يزور حفتر في الرجمة ببنغازي، أو يلتقي عقيلة صالح، طار ماس إلى الإمارات، الثلاثاء، لدفعها لممارسة نفوذها على ميليشيات الجنرال الانقلابي للانسحاب من سرت والجفرة، وفتح قطاع النفط.

وتحاول برلين تنشيط دبلوماسيتها، والتلويح بالعقوبات الاقتصادية، والحضور عسكرياً مع حلفائها الأوروبيين عبر عملية إيريني البحرية، لكن حفتر يبدي تعنتاً في تقديم تنازلات لإحداث انفراجة في الأزمة.

بينما تبدي الحكومة الشرعية استعدادها للتعامل بإيجابية مع المقترح الأمريكي حول المنطقة المنزوعة السلاح، رغم خطورتها على المدى البعيد على وحدة البلاد.

فالجهود الدولية نجحت حتى الآن في تبريد الأوضاع الساخنة في سرت والجفرة، لكن الشعب الليبي لا يمكنه الصبر إلى الأبد على غلق المورد الوحيد للبلاد من العملة الصعبة، خصوصاً بعد تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في كامل البلاد.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى