تقارير وملفات إضافية

عون ينتقم من الحريري بخيار يخذل السُّنة.. مرشح حزب الله لرئاسة الحكومة اللبنانية في مواجهة مرشح أمريكا وأوروبا

تصاعدت احتمالات قيام حزب الله والرئيس اللبناني العماد ميشال عون بترشيح وزير التعليم اللبناني السابق الأكاديمي حسان دياب لرئاسة الحكومة، ما قد ينذر بتصاعد الأزمة في البلاد لأن الطائفة السُّنية ستعتبر هذه الخطوة إهانة وتهميشاً لها، فيما تفيد أنباء بأن الغرب يدعم مرشحاً آخر في مواجهة دياب.

وبدأ الرئيس اللبناني ميشال عون، الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول 2019، الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس حكومة خلفاً لسعد الحريري، الزعيم السني الأبرز، بعدما أعلن الحريري أنه لم يعد مرشحاً، ما مهّد الطريق أمام التداول باسم شخصية جديدة.

وكانت كتلة تيار المستقبل قد أبلغت عون بأنها لن تسمى أحداً لرئاسة الحكومة، وذلك خلال لقاء أعضاء الكتلة (ثاني أكبر الكتل النيابية التي تضم 19 نائباً)، مع الرئيس في قصر بعبدا بالعاصمة بيروت، في إطار الاستشارات النيابية.

وعقب اللقاء، قال النائب عن «المستقبل»، سمير الجسر، في تصريحات للصحفيين، إن «الكتلة لم تسمِّ أحداً لرئاسة الحكومة».

ولفت الجسر إلى أن «طرح الكتلة كان تأليف حكومة من اختصاصيين (تكنوقراط)، لكن يبدو أن هذا الطرح لم يكن له حظوظاً كافية».

حسان دياب الذي يحتمل طرحه من قبل حزب الله وعون وحركة أمل، حسبما قالت مصادر مطلعة لـ «عربي بوست»، خلفيته علمية أكثر منها سياسية كما يطالب المحتجون بتشكيل حكومة كفاءات وليست حزبية، ولكن تسميته من شأنها تأجيج الأزمة وليس تخفيفها، حسبما قالت المصادر.

بهذه المواقف يدخل لبنان مرحلة اللامنطق في السياسة، ويتم الإطاحة بكل المعايير التي حكمت سياسة البلاد لعقود بما في ذلك اتفاق الطائف وحتى الترتيبات التي يسميها البعض هرطقات دستورية التي استحدثت منذ انتخاب ميشال عون.

فرغم رغبة حزب الله وعون في تكليف الحريري بتشكيل الحكومة، إلا أن الحريري يشترط تشكيل حكومة تكنوقراط بالكامل بينما يريد حزب الله وأمل تشكيل حكومة تكنوسياسية أي نصفها من التكنوقراط ونصفها من السياسيين (لأنهم يخشون من تبعات استبعادهم من تشكيل الحكومة).

كما يشترط الحريري عدم مشاركة وزير الخارجية جبران باسيل في الحكومة الجديدة الأمر الذي يغضب الرئيس.

ورغم هيمنة حزب الله بسلاحه وأغلبية حلفائه العددية على البرلمان اللبناني، فإنه في حاجة لحكومة مقبولة دولياً ليتسنى له جلب المساعدات الدولية لإنقاذ لبنان من الانهيار المالي. 

وهذه هي النقطة التي يستغلها الحريري في التفاوض على تشكيل حكومة، خاصة في ظل ضغوط حلفائه الخارجيين عليه للابتعاد عن حزب الله.

وفي ظل هذه المساومات بات اسم رئيس الحكومة القادم محوراً لمسلسل مكرر ويمكن وصفه بالسخيف. 

فمثلما حدث مع وزير المالية السابق محمد الصفدي ورجل الأعمال سمير الخطيب اللذين طرح اسمهما لتشكيل الحكومة، يقترح جبران باسيل اسماً يضطر حزب الله للاستماع لحليفه المسيحي يحرق سعد الحريري الاسم لتعود الأمور إلى نقطة الصفر.

كانت نقطة الصفر هي سعد الحريري المعتذر مرتين والمتعفف الراغب والساعي في الوقت ذاته للحكم.

فهو متعفف عن الرئاسة الحكومة خوفاً من أزمة مالية قد تفضحه وحراك يرفضه وسعودية قد تخلت عنه، وغرب يتوعده إذا واصل توفير تغطية سياسية لحزب الله؟

ولكنه راغب في العودة لرئاسة الحكومة خوفاً من انتهاء ما يعرف بمرحلة الحريرية السياسية التي تعيش أسوأ عهودها منذ أسسها والده رفيق الحريري.

والسؤال الدائم: كيف للحريري أن يكون المنقذ للحريرية السياسية وهو الوريث لتركة والده والذي أفلست في عهده شركاته من سعودي أوجيه إلى تلفزيون المستقبل وصحيفتها مروراً بمؤسسة الحريري والتي أغلقت بعد أن كانت تأوي آلاف العائلات.

ففي ظل الانهيار المالي لمؤسسات الحريري وتخلي السعودية عنه وإحباط الطائفة السنية منه، فإن الحكم هو الوسيلة الوحيد للحفاظ على نفوذ آل الحريري بعدما تداعت الإمبراطورية المالية.

في كواليس المشهد الحكومي يبدو جلياً أن الحريري كان ساعياً لتشكيل حكومة التكنوقراط، لكنه اصطدم بعائقين:

 الأول، شروط الوزير جبران باسيل.

والثاني، النصائح الخارجية المتكررة له بالانسحاب من المشهد في حال عدم تمكنه من تشكيل حكومة الاختصاصيين والكفاءات المستقلة، لأنه يعلم تمام العلم أن أي حكومة تضم حزب الله ستكون حكومة مواجهة مع الولايات المتحدة ودول أوروبية ترفض بقاء الحزب في السلطة وتغوله على القرار الرسمي للبنان.

يبدو أن أوروبا والولايات المتحدة تفضل السفير نواف سلام صاحب الباع الطويل في مجلس الأمن ومحافل الأمم المتحدة لكونه ممثل لبنان لعقد من الزمن في تلك المحافل الدولية.

وهو مقبول من الحراك ويحظى بدعم الشارع.

ولكن يرفض حزب الله والتيار الوطني الحر هذا الخيار.

فالرجل لا يريحهم مع أن الحريري طرحه منذ اليوم الأول لاستقالته، لكن اسم الرجل بين صعود ونزول وكأنه الجوكر الرسمي في بلد الأزمات.

وفي وقت كان  الحريري يبحث عن طريق لعودته للحكومة، كان الرئيس اللبناني يستقبل الوزير السابق حسان دياب بحضور باسيل للاتفاق معه على تشكيل الحكومة.

وضع عون دياب خياراً احتياطياً تحسباً لقرار من الحريري قد يكون مفاجئاً. كان الحريري قبل الظهر أمس قد تواصل مع حزب الله وحركة أمل وأبلغهما عدم قدرته على التنازل لباسيل والقبول بشروط عون، خصوصاً أن الأخير كان يقول إذا الحريري وضع شرط استبعاد صهري باسيل من الحكومة فأنا أيضاً أريد استبعاده.

خلال تواصل الحريري مع المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، نصحه الخليل بترشيح اسم قريب منه، وعرض عليه اسمي خالد قباني وحسن منيمنة

لكن الحريري رفض تسمية أحد منهما. حينها اعتبر الخليل أن الحريري لا يريد تسمية أي شخص. وهذا ما سيكون عليه موقف كتلته، مع استبعاد تسميته لنواف سلام. 

وعلى هذا الأساس، أصبح خيار حسان دياب هو الخيار الوحيد بين الحزب وحركة أمل والتيار الوطني الحرّ. 

وعندما سئل الحريري قال إنه لا يستطيع أن يسميه. ولكنه قد يكون ملائماً بالنسبة إلى قوى 8 آذار التي يقودها حزب الله بكونه سنياً من بيروت، ومقرباً سابقاً من الرئيس نجيب ميقاتي، وأكاديمياً غير متورط في ملفات فساد.

يدرك الحريري ومعه حزب الله أن خيار حسان دياب لن يمر.

بداية يفتقد ترشيح دياب للميثاقية (مفهوم لبناني لتمثيل الطوائف دون إقصاء).

إذ إن كتلة المستقبل وبعض النواب السُّنة المستقلين كرئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي وفؤاد مخزومي لن يسمونه.

كما أن الرجل لن يحظى بدعم دار الفتوى واتحاد العائلات البيروتية والجماعة الإسلامية (الإخوان المسلمين) ما يعني غياب مروحة سنية لتغطية الرجل.

كما يدرك الطرفان أن الشارع سيسقط هذا الخيار حتماً لأن الرجل لا يحظى بدعم مجموعات الحراك الشعبي ما يعني أنه وحتى لو تكلف بتشكيل الحكومة فإنه لن يؤلفها.

في الساحة المسيحية تبدو القوات اللبنانية مرتاحة لوضعها.

فهي لن تسمي أحداً لرئاسة الحكومة ولن تشارك بأي حكومة قادمة لأنها تدرك أن المرحلة القادمة صعبة على الجميع.

نصحت القوات الحريري مراراً وتكرار أن يترك رئاسة الحكومة في مرحلة الصراع الأمريكي الإيراني.

وتدرك القوات أن الحريري لن يتمكن من قيادة مرحلة مواجهة مع حزب الله، فهو غارق في حسابات وتوازنات أحلاها مر، منها سحب غطاء السعودية عن الرجل.

فقد أعلنت المملكة مراراً وتكراراً لكل حلفائها المسيحيين أن الرجل خذلها ومشى في ركب التسويات مع حزب الله.

ويبدو رفع الغطاء واضحاً، السعودية تركت مؤسسات الحريري تغلق وتفلس دون أن تتحرك لإنقاذه أو تعويضه.

أما في الملعب الدرزي فيعيش وليد جنبلاط مرحلة الخوف من المجهول، الأقليات مهددة نظام الأسد يترقبه، فهو الذي خرج مجروحاً من أحداث الجبل الأخيرة مع أحداث قبرشمون وقرية الجاهلية (مواجهات بين أنصار جنبلاط ومنافسيه) كانت رسائل النظام السوري واضحة وأياديه ظاهرة بحسب أوساط الرجل.

هو يعلم في الوقت ذاته أنها مرحلة إضعاف حزب الله والضغط على إيران، لذلك حسم الرجل خياره أنه سيسمي أحداً لرئاسة الحكومة لكنه امتنع عن الإعلان عنه إلا في قصر بعبدا، وهو مُصرّ على المشاركة في الحكومة لضمان بقاء التمثيل الدرزي في يديه.

الساعات المقبلة حاسمة قليلاً، حسان دياب وحتى لو تكلف لن يستطيع المضي قدماً في ظل هذه الصراعات المتشابكة.

حزب الله وبري رفضا سابقاً السير بحكومة اللون الواحد (حكومة لقوى 8 آذار فقط) وبلا غطاء الحريري.

عضّ الأصابع من قبل كافة الأطراف مستمر بحثاً عن تنازلات.

حسان دياب كالصفدي وسمير الخطيب.. الفارق أن اللعبة تتطور في مراحلها.. وحزب الله يوصل رسالة عبر ترشيح قبل زيارة نائب وزير الخارجية الأمريكي ديفيد هيل بأنه قادر على فعل ما يريد وأن الأمر له في السياسة والحكومة كما على الأرض. 

ولكن كثيرين يرون أن سقوط حسان دياب حتميّ سواء تكلّف أم لا أو شكّل أم لا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى