تقارير وملفات إضافية

خريطة جديدة للاعبين الأجانب بلبنان.. السعودية تنسحب من الصراع مع إيران، والإمارات تزرع الخلافات في أوساط السنة

يعد لبنان من أكثر دول المنطقة من حيث التدخلات الخارجية، وواحداً من أهم مسارح الصراع الإقليمي والدولي، فمتى وكيف تحول لبنان لساحة للصراع الإقليمي والدولي، ومن الذي انتصر في هذا الصراع، وهل هناك لاعبون أجانب انضموا للحلبة اللبنانية؟  

حتى عندما انطلقت الانتفاضة الشعبية اللبنانية، في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، التي تطالب بإنهاء حكم الزعماء الطائفيين الممولين من الخارج، فإن هذه الانتفاضة لم تنجُ من اتهامات التمويل الخارجي والارتباطات الإقليمية للناشطين فيها.

ولكن منذ متى تحوَّل لبنان لساحة للصراع الإقليمي والدولي، وأي الطوائف التي بدأت هذه الظاهرة، أي ظاهرة الاستقواء بالخارج.

تاريخ التدخلات الخارجية.. كيف تحول لبنان لساحة للصراع الإقليمي والدولي؟

ظاهرة لبنان الحديث نشأت قبل استقلال لبنان، فقد بدأ الدور الخارجي يظهر، ولبنان مازال جزءاً من الدولة العثمانية، وتحديداً الدور الفرنسي لرعاية المسيحيين، وخاصة الموارنة (كاثوليك)، تبعه محاولات روسية لرعاية الأرثوذوكس، وتقلب الإنجليز، ولكنهم أحيانهم كانوا يتحالفون مع الدروز.

ولبنان نفسه تم تأسيسه في إطار رغبة فرنسية في مكافأة الموارنة، وكان أغلب المسلمين فيه معارضين لفكرة الانفصال عن سوريا.

وكان يفترض أن يصبح الاستقلال نهايةً لهذا الوضع، ولكن حدث العكس.

 فقد أصبحت البلاد ساحةً للصراعات الإقليمية والخارجية، منذ جلاء الانتداب الفرنسي مطلع أربعينات القرن الماضي، والتي كانت لحظة نادرة توافق فيها مسيحيو ومسلمو البلاد على طلب الاستقلال.

بعد الاستقلال أصبح المسيحيون في مربع الولايات المتحدة وفرنسا والدروز كانوا يلعبون حيناً في ملعب بريطانيا، وحيناً آخر مع الاتحاد السوفيتي، فيما السنة تنقلوا بين مصر وسوريا والسعودية كرعاة رسميين، في حين لم يكن أثر النفوذ الإيراني قد ظهر على الشيعة، الذين كانوا أكثر طوائف البلاد تهميشاً.

يعتبر المسيحيون في لبنان أنهم جزء من تيار أقلية يقطن في منطقة أغلبيتها مسلمة.

ويرى جزء كبير منهم أن لبنان الوطن الرسمي لمسيحيي الشرق، وآخر قلاع الوجود المسيحي المشارك في السلطة بشكل قوي في المنطقة العربية.

من هنا تأتي علاقة فرنسا، التي استعمرت لبنان بعد انتهاء الحكم العثماني، وأفرزت حينها دولة لبنان الكبيرة على مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

ويصف بعض الموارنة فرنسا بالأم الحنون، على الرغم من أنها في محطات كثيرة، كانت مستعدة للتضحية بمصالح الطائفة المارونية.

 في زمن الجمهورية الأولى التي وضعت فرنسا أُسسها كان للمسيحيين الحصة الأكبر في الحكم، بما في ذلك أغلبية برلمانية.

وكان رئيس الجمهورية المسيحي يتمتع بصلاحيات تخوله حل الحكومة والبرلمان، وتعيين الوزراء، ما سبّب حينها إشكالات متكرّرة، ومنفذاً للتدخلات الخارجية، في ظل صعود التيار القومي العربي بين مصر وسوريا، الأمر الذي استدعي أحياناً تدخلاً فرنسياً أو أمريكياً لإعادة الحفاظ على شكل التركيبة الطائفية بين اللبنانيين.

وبقيت فرنسا تلعب هذا الدور في كل المحطات التي شهدها لبنان، حتى بعد نشوء الجمهورية الثانية، التي أتت بعد الحرب الأهلية اللبنانية، وأعطت الصلاحيات التنفيذية في الحكم لرئيس مجلس الوزراء السني.

واللافت أنه رغم علاقة فرنسا التاريخية والثقافية والدينية بالموارنة، فقد نشأت علاقة موازية قوية بين فرنسا، خاصة في عهد الرئيس الفرنسي جاك شيراك، مع رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري (أكبر زعماء سنة لبنان). 

وبقيت فرنسا الراعية الدائمة لكل مؤتمرات الدعم المالي في مؤتمرات باريس 1 و2 و3 ومؤتمر سيدر، الذي انعقد في مطلع العام 2018، كذلك عبر الدعم العسكري للجيش اللبناني وتدريباته المتكررة، وتأمين الدعم الدولي للجيش وقيادته، والذي تدرك باريس أهميته في صناعة رؤوساء الجمهوريات المتعاقبين على لبنان منذ تأسيس الجمهورية.

تعود العلاقة السعودية مع لبنان للعام 1952، بعد أول زيارة للرئيس اللبناني كميل شمعون، حينها، كانت أول زيارة رسمية لبنانية للسعودية، والتقى حينها بالملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، وكان واضحاً حينها الاهتمام السعودي بلبنان، من طبيعة اللقاء الذي جرى بين الأخيرين في الرياض.

بقيت السعودية على علاقتها المتينة مع لبنان، حتى خلال الحرب الدائرة بين القوى اللبنانية المتصارعة على النفوذ.

و كان واضحاً حينها أن الرياض اختارت دعم اليمين اللبناني (الذي يغلب عليه المسيحيون) ضد اليسار (الذي يغلب عليه المسلمون)، الخارج من رحم الدعم الناصري والفكر العروبي، الذي صارعته السعودية وحاربته في كل المنطقة العربية، وكان يشكل هاجساً للمملكة الناشئة.

كان اليمين اللبناني حينها متمثلاً بحزب الكتائب الذي أسسه بيار الجميل وخلفه من بعده أبناؤه بشير وأمين وحزب الوطنيين الأحرار، الذي أسسه الرئيس اللبناني كميل شمعون.

فالسعودية التي كانت تخشى من صعود التيار اليساري المتمثل بالتحالف بين ياسر عرفات وجبهة النضال اللبنانية التي رعاها كمال جنبلاط، التي أحدثت تحالفات مع القوى السنية، الوطني منها والإسلامي، تحت عناوين مواجهة إسرائيل والتصدي لتغريب وجه لبنان وجره للتحالف ضد العرب.

وتتحدث العديد من المصادر حينها أن المملكة كانت تقدم الدعم المالي والعسكري للقوى المسيحية في وجه خصومها (أغلبهم من المسلمين)، رغم الطابع العنصري لليمين المسيحي ضد العروبة والإسلام، وتحالفه مع إسرائيل، ولكن كل ذلك لم يكن مشكلة الرياض الأساسية، بل مشكلتها الأساسية كانت مناهضة الحركات العروبية الثورية في لبنان.

وهو ما استمر أصلاً إلى يومنا هذا باستمرار الدعم المتدفق على حزب القوات اللبنانية التي يتزعّمها سمير جعجع (وهو التنظيم الذي يحتفظ بأسوأ سمعة من كل فصائل الحرب الأهلية اللبنانية، بسبب جرائمه ضد الفلسطينيين والمسلمين السنة، وحتى القيادات المسيحية المنافسة له).

لكن مع انتهاء الحرب الأهلية رعت السعودية اتفاق الطائف الذي أسّس لولادة الجمهورية الثانية، كان واضحاً أن السعودية تعيد بناء حضورها اللبناني من بوابة رفيق الحريري، الذي عاد تحت عنوان إعادة الإعمار، وكرّس نفسه حينها وصياً مباشراً على الطائفة السنية الخارجة من معارك إثبات الوجود في وجه النظام السوري الذي احتل لبنان لأكثر من ثلاثة عقود، والذي أذاق المدن السنية والمخيمات الفلسطينية الويلات، تماماً كما فعلت إسرائيل.

عاد رفيق الحريري من البوابة السعودية لتكريس تفاهم مع النظام السوري، الحاكم الفعلي للبنان، حاملاً معه ثروة شخصية ودعماً مالياً سعودياً لم يتوفر يوماً لأحد، وتزعّم الرجل الطائفة السنية بخطاب ليبرالي- عروبي، كان حديثاً على لبنان حينها، وكرست السعودية نفسها داعمة للحريري، عبر العطايا المالية التي كانت تأتي لبيروت عبره حتى اغتياله.

وحكمت لبنان لفترة عبر معادلة (س س)، أي سوريا والسعودية، التي قامت على تولي سوريا الملفات الأمنية والسياسية، فيما ترك للحريري الدبلوماسية الخارجية والاقتصاد، مع إعطاء حصة للسوريين وحلفائهم، وكل ذلك بتمويل سعودي.

ولكن سرعان ما فشل الحريري، رجل السعودية، في الحفاظ على رضا سوريا بعد قلق الأسد من تعاظم دوره وخوفه من تأثيره كشخصية سنية قوية على الوضع في لبنان، وأيضاً سوريا التي يوجد بها أغلبية سنية تحكمها أقلية علوية.

لم يكن اغتيال رفيق الحريري ليمر مرور الكرام على المشهد اللبناني دون تبعات مكلفة.

كان الثمن حينها خروجاً سورياً من لبنان، أعاد لحلفاء دمشق دوراً مباشراً دون العودة لحكم سوري مباشر كان يقرر عن اللبنانيين أنفسهم كل مناحي الحياة السياسية.

لكن الاغتيال أرخى بظلاله على المملكة، التي أتت بنجل الحريري «عديم الخبرة السياسية» لتُنصبه زعيماً على إرث والده وتحالفاته المحلية والخارجية.

واستطاع سعد الحريري (الذي قضى جزءًا كبيراً من حياته بعيداً عن بيروت، وتحديداً في السعودية) بخطاب الثأر ودم الشهيد وبدعم مالي سعودي حينها الحصول على أغلبية برلمانية، ومعه حليفاه سمير جعجع ووليد جنبلاط ووجوه أخرى، عُرفت حينها بلقاء البريستول المعارض لنظام الأسد.

أطلق الحريري كلَّ ما بجعبته من شعارات العداء لبشار الأسد ونظام البعث الحاكم في دمشق، بتوكيل سعودي- أمريكي حينها.

 كانت وزيرة الخارجية الأمريكية كونديلزا رايس ضيفة دائمة تحطّ رحالها في بيروت للقاء حلفاء السعودية، لتسمع منهم ويسمعون منها نظرتها لمشروع الشرق الأوسط الجديد، المتمثل بتلك الوجوه، التي ستكون مهمتها هي نزع سلاح حزب الله.

فشل الحريري بداية في حشد طائفته، وفشل مرة أخرى في تشكيل تنظيم مسلح دفعت السعودية ملايين الدولارات حينها لتشكيله لمواجهة حلفاء طهران، وفشلت الحكومة المحسوبة حينها على الرياض في ضرب شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله، التي أدت محاولة تفكيكها إلى إطلاق حزب الله وحليفته حركة أمل هجوماً في شوارع بيروت، فيما أطلق عليه «غزوة 7 أيار 2008».  

المفارقة هنا أن الرياض كانت تنتظر رداً من الجناح المسلح للحريري، الذي صرفت عليها حينها مبالغ قيل إنها خيالية.

لكنها اكتشفت أن لا جناحاً مسلحاً ولا كتيبة عسكرية وقفت في مواجهة المد العسكري الزاحف لحزب الله.

كان الخيار المر حينها للسعودية يتمثل باتفاق تم عبر دعوة القادة اللبنانيين إلى قطر، فيما عرف باتفاق الدوحة الذي مهّد لانتخاب رئيس للجمهورية، وهو قائد الجيش ميشال سليمان، وانتخابات نيابية أعادت تكريس خطاب المذهبية والطائفية بين الفرقاء، والأهم كرّست أن اليد العليا في البلاد أصبحت لحزب الله، بعد أن أثبت استعداده لاستخدام سلاح المقاومة في الخلافات الداخلية.

واستمر الحريري في الحكم إلى حين انقلاب حزب الله وحلفائه عليه نهاية العام 2010، عندها خرج من الحكومة، وليتحول الرجل للعيش في منفاه الاختياري بين باريس والسعودية.

 وتدريجياً بدأت الرياض تصل لقناعة أن الرجل لم يعد يصلح لقيادة مشروعها في لبنان، لكنها بقيت متمسكة به تحت عنوان ألا بديل حقيقياً عن الرجل.

ولكن مع مجيء محمد بن سلمان ولياً للعهد في السعودية تحولت هذه القناعة لواقع، فالأمير الشاب الذي هو أول من أدخل السعودية في حروب طويلة منذ طفرتها النفطية، لم يعد ينفعه مثل هؤلاء الاتباع الضعاف، الذين يلجأون لخلطة السياسة والشارع في مواجهة حزب الله المسلح، الذي يعد أقوى أتباع خصومه الإيرانيين.

كان لبنان البلد الثاني في العالم، الذي شعر بوطأة الثورة الإيرانية، بل إنه البلد الذي شهد مؤشرات مبكرة على صعود الإسلام السياسي الشيعي.

فالشيعة اللبنانيون كان يتزعم حركتهم منذ الستينات رجل الدين الشيعي موسى الصدر، الذي أسس حينها حركة أمل، تحت شعارات حماية المناطق الشيعية من التقدم الإسرائيلي.

ثم جاء تغييب الرجل في القصة المتداولة عن سجنه في ليبيا، خلال زيارة غامضة في عهد معمر القذافي لإعادة تصدير شخصية أخرى، وهي نبيه بري حينها (رئيس الحركة الحالي)، حتى قرار تأسيس حزب الله بعد الثورة الإيرانية.

فالثورة الخمينية جاءت في زمن الهزائم العربية أمام المد الصهيوني، لتحمل معها نداءات الموت لإسرائيل، المدغدغة لمشاعر العرب، ثم تلاها تأسيس حزب الله، الذي سيصبح أبرز اللاعبين في لبنان والإقليم.

فالحزب الذي احتضن العمل المقاوم عقب نكسات منظمة التحرير الفلسطينية ودخولها ملعب التسويات واتفاقات التطبيع أصبح أيقونة للعمل الفدائي.

تم تأسيس حزب الله بتوجيه من طهران، ليقود العمل المقاوم ضد إسرائيل، في عملية التفاف على أي محاولات أخرى لمقاومة الاحتلال في جنوب لبنان، تأتي عبر البوابة الإيرانية والرقابة السورية، لتحتكر الطائفة الشيعية المقاومة في لبنان، بعد أن كانت مشاعاً بين الجميع.

 الظروف كانت مواتية للحزب بفضل دعم من نظام الأسد، الذي أمّن الغطاء العسكري والسياسي للحزب، وشرعن وجوده في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة.

وبقي حزب الله خارج الحكم السياسي إلا من مشاركة في البرلمان كممثل مباشر عن البيئة الشيعية، التي حافظ على التوازن فيها بينه وبين حركة أمل، التي كانت تُمثل الشيعة السياسية في الحكومات.

كان الحزب يعتبر الوجود السوري وهيمنته على لبنان بمثابة الغطاء المباشر له، دون تكاليف المشاركة في الحكم وتبعاتها المحلية والدولية.

لكن اغتيال الرئيس الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان شكّل لحزب الله ضغطاً عنوانه أن سلاحه ووجوده بات في خطر، فبات حزب الله حريصاً على المشاركة في حكومات الوحدة الوطنية التي رعاها لتوفير الحماية السياسية لسلاحه، وتحصيل مكاسب للطائفة الشيعية.

بعد اغتيال الحريري في عام 2005، ذهب فريق 14 آذار، المدعوم أمريكياً وسعودياً، نحو المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية تتبعها محكمة ذات طابع دولي.

فبحسب هؤلاء حينها فإن القضاء اللبناني كان أداة نظام الأسد، المتهم الرئيس والمباشر في الاغتيال. 

وتوالت الإشارات من المحكمة، التي كانت تشير لتورط قيادات من حزب الله في الجريمة، ما استدعى من الحزب إعلان موقف واضح أنه غير معني بأي قرار صادر عنها، لكونها حسب وصفه «إسرائيلية»، وهدفها كما يشير زرع الفتنة بين مكونات الشعب.

لكن المحكمة وقبل صدور قرارها الظني الأول استدعت من حزب الله حينها وبغطاء إيراني انقلاباً سياسياً على حكومة الحريري أدى إلى انهيار حكومته، والإتيان بدلاً منه بنجيب ميقاتي رئيساً لحكومة سميت حينها بحكومة حزب الله.

وكانت بداية لشرارة الصراع السعودي- الإيراني على الأرض اللبنانية، لكن نقاش المحكمة والذي ملأ الأرجاء تبخر عقب انطلاق عجلة الثورات العربية والتي امتدت حينها لديار الحليف أي سوريا.

كان حزب الله حاضراً حينها لمساندة سوريا التي تعد بمثابة خط الحماية الخلفي له عبر إرسال مجموعات من مقاتليه لدحر الإرهاب كما يصفه وليشكل حينها سقطة مدوية لصورة الحزب المقاوم بعد توغله وتغوله في الدم السوري ليصبح حينها حزب قمع أحلام الشعوب بدلاً من صونها.

جاء تعثر الجولة الأولى للربيع العربي مناسبة لحلفاء المحورين لإعادة ترسيم المشهد بينهم.

حط الحريري رحاله في بيروت منتصف عام 2015، حاملاً معه بشرى دعم سعودي للجيش اللبناني ليعود من خلالها إلى صدارة المشهد.

السعودية تود العودة عبر شرعية الحريري، وهكذا بدأ الحريري يستقبل الوفود ويودع الأخرى كأنه في بلاطه الذي منحته إياه الرياض، لكن ثمة شيء لم يكن في حسبان الرجل.

مات داعمه الرئيس ووالده الروحي أي «الملك عبدالله بن عبدالعزيز» لتأتي معها مرحلة جديدة وفصل جديد في الدور السعودي بلبنان، جاء الملك سلمان ليصعد معه نجله الأمير الشاب محمد. 

لم يكن الأمير محمد مقتنعاً بأن الحريري يمثل طموحات مملكته، فهم حينها الحريري شيفرة المرحلة، ذهب الرجل باتجاه عقد تسوية تعيده إلى السلطة من جديد بتفاهم مع حزب الله العائد منتصراً من سوريا، والإتيان بمرشح الحزب ميشال عون لسدة رئاسة الجمهورية يضمن له العودة لرئاسة الحكومة لكن من بوابة طهران ورضى باريس وسكوت واشنطن المنشغلة حينها بانتخابات الرئاسة فيها. 

هذا السلوك أغضب الأمير الشاب خاصة مع استمرار الحريري في سياسة التنازلات لعون وصهره الوزير جبران باسيل على حساب باقي حلفائه المسيحيين.

أدى غضب الأمير في نهاية المطاف لاستدعاء الرجل واحتجازه مع أمراء الريتز وإجباره على تقديم استقالته، مصوباً سهامه على إيران ومتوعداً بقطع أذرعها في المنطقة.

لكن هدوء طهران وحزب الله واتصالات وتدخلات فرنسية وتركية أدت إلى عودة الرجل وطي صفحة كانت أن تأخذ لبنان لحرب أرادتها الرياض ومانعتها رياح الحريري والمقربون منه.

أدت حادثة احتجاز الحريري في الرياض وما نتج عنها حينها لتخلي السعودية بشكل أو بآخر عن حليفها التاريخي في لبنان أي تيار المستقبل.

لكن المثير للدهشة أن دوراً تقوده أبوظبي لملء فراغ السعودية في لبنان عبر الاستفادة من الدور المصري الفاعل وخصوصاً في دار الفتوى اللبنانية والتي تعتبر المرجعية الدينية للسنة، وتحظى فيها مصر بدور خاص توضح في قيامها بتسهيل توافق سني على المفتي الحالي عبداللطيف دريان، بعد أن كانت هناك خلافات كبيرة بين تيار المستقبل والقوى الناصرية على من يشغل المنصب.

وهذا الدور التاريخي المصري في أروقة دار الفتوى يعود لمرحلة الصراع بين عبدالناصر والسعودية في الستينيات، وهذا ما شكل حينها صراعاً بين مدرسة الأزهر والفكر الوهابي السعودي.

ويأتي الدور الإماراتي عبر المساعدات السخية التي تقدمها السفارة في بيروت لشخصيات ونخب لبنانية ومراكز أبحاث وصحف ومواقع إلكترونية وفضائيات باتت تروج للدور الإماراتي.

وتتحدث مصادر متابعة لـ»عربي بوست» أن أبوظبي لعبت دوراً في انتخابات برلمان 2018، عبر فرضها لمجموعة مرشحين على لوائح بعض القوى السياسية كالقوات اللبنانية وتيار المستقبل، كذلك تتحدث المصادر نفسها عن وضعها فيتو على قوى وشخصيات تعتبرها أبوظبي جزءاً من محور قطر- تركيا، ما يعني أن الدور لم يعد يقتصر على شق المساعدات الاجتماعية للمناطق السنية الفقيرة.

كما تشير المصادر إلى أن سفارة الإمارات في بيروت دفعت مساعدات مالية لمجموعة محددة من رجال الدين لمهاجمة الفكر الإخواني والضغط على دار الفتوى لاستبعاد مشايخ محسوبين على الجماعة الإسلامية وجمعيات إسلامية تتهمها الإمارات أنها تدور في فلك قطر. 

وأمام هذا الدور يبرز دور تركي عبر مجموعة مشاريع تنفذها السفارة التركية في بيروت وطرابلس وصيدا.

كما أن لدى تركيا حاضنة جماهيرية في المناطق السنية تؤيد الدور التركي ومواقف الرئيس رجب طيب أردوغان عند كل حدث سياسي يتصل بالشأن التركي.

وهذا ما تخشاه أبوظبي باستمرار وتسعى للوقوف عنده عبر شبكة أذرع إعلامية تأسست لها في الساحة اللبنانية.

كما تتوقع مصادر أخرى عن حصول صراع تركي – إماراتي حول نفوذ في مرفأ طرابلس البحري والذي يعتبر من أبرز مرافئ المنطقة، ضمن خطة إماراتية واضحة لوضع اليد على موانئ المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى