تقارير وملفات إضافية

5 سنوات من السباحة في الرمال.. هل ينجح التحالف السعودي الأخير في تحقيق أهدافه أم سيكون الوضع كسابقِيه؟

في خضم تحالفات تآكلت ذاتياً كالتحالف العربي في
اليمن، وأخرى وُلدت ميتة مثل «الناتو العربي»، أعلنت السعودية تأسيس
تحالف جديد يعد الخامس من نوعه منذ 2015، بمشاركة 7 دول مطلة على البحر الأحمر.

الإعلان جاء على لسان وزير الخارجية السعودي
فيصل بن فرحان، في مؤتمر صحفي الإثنين، 6 يناير/كانون الثاني 2020،  بالرياض،
دون ذكر تفاصيل ميثاق التحالف، باستثناء نفي وجود تصور حالي لإنشاء قوة عسكرية
مشتركة.

ووقع ميثاق تأسيس تحالف «مجلس الدول
العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن» ومقره الرياض، ثماني
دول هي: السعودية والسودان وجيبوتي والصومال وإريتريا ومصر واليمن والأردن.

ووفق خبراء، فإنّ فاعلية التحالفات مشروطة بوحدة
الهدف والتوجهات والأولويات، وهو ما يفتقده هذا التحالف وما سبقه من تحالفات
سعودية خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وتشكّلت 5 تحالفات بقيادة السعودية في السنوات
الخمس الأخيرة، وفق رصد الأناضول، لكنّ جلها لم يفض أو يحقق النتائج المرجوة منه.

بدأت التحضيرات لهذا التحالف منذ نهاية 2017، إذ
يشهد باب المندب الذي يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب
«تهديدات» عدة ازدادت وتيرتها مع الحرب اليمنية.

ونفى وزير الخارجية السعودي، الإثنين، وجود
تصور، حالياً، لإنشاء قوة عسكرية للتحالف الجديد، مشيراً إلى أن جميع الدول لديها
قدرات دفاعية، وتنسيق ثنائي، ويمكن أن يتطور ذلك إلى تنسيق جماعي.

ويهدف المجلس، بحسب الرياض، إلى التنسيق
والتشاور بشأن الممر المائي الحيوي، في ظل التحديات المتزايدة، ومواجهة الأخطار.

ومن المقرر أن يدعو الملك سلمان بن عبدالعزيز
«قريباً» إلى قمة لقادة الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، عن
الأمين العام للهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن، زياد بن
حمزة أبوغرارة، قوله إن «تشكيل هذا المجلس ضرورة لا غنى عنها في المرحلة
الحالية، وللحفاظ على أمن واستقرار المنطقة».

منذ مارس/آذار 2015، ينفذ تحالف عربي بقيادة
الجارة السعودية عملياتٍ عسكرية في اليمن، دعماً للقوات الحكومية في مواجهة جماعة
«الحوثي»، المسيطرة على عدة محافظات بينها العاصمة صنعاء.

وتسببت الحرب المستمرة للعام الخامس في تردّي
الأوضاع باليمن، حيث بات معظم السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ودَفَع الصراع
الملايين إلى حافة المجاعة.

وكان التحالف في البداية يضم عدة دول عربية، قبل
أن يتآكل ذاتياً ويقتصر على السعودية والإمارات، والأخيرة تردّدت أنباء في الأشهر
الأخيرة عن نيتها الانسحاب منه أيضا، وسط نفي إماراتي متكرر.

أواخر 2015، أعلنت السعودية تأسيس «التحالف
الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب»، وتقول الرياض إنه يضم 41 دولة، وجرى أول
اجتماع أواخر 2017 في الرياض، لبدء وضع تفاصيل التحالف.

لكن السعودية لم تعلن أي تحرك دولي حاسم في إطار
التفويض بمحاربة الإرهاب، بخلاف عقد التحالف ندوات وأنشطة ترصدها منصاته
الإعلامية، المرتبطة بالأهداف التي دُشن على أساسها، كمواجهة الإرهاب وتشويه صورة
الإسلام الحقيقية، بحسب القائمين عليه.

عام 2018، طُرحت فكرة تشكيل «حلف الناتو
العربي»، بدعوة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي عُرف بمشروع تحالف
الشرق الأوسط الاستراتيجي (MESA).

وفي أبريل/نيسان 2019، أعلنت السعودية استضافتها
اجتماعاً ضمّ الولايات المتحدة والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر
والأردن، في إطار التحضير لإطلاق «التحالف»، فيما لم تشارك مصر، أحد
الأطراف المدعوة له.

وتبدو فرص تشكيل «الناتو العربي»
ضئيلة، حيث أفرزت الأزمة الخليجية انقساماً عربياً وخليجياً كبيراً، بخلاف عدم
اتفاق الدول المرشحة لعضوية ذلك التحالف على ملفات وأولويات وتهديدات ذات طبيعة
محددة.

ولم يُفلح تحالف السعودية والإمارات والبحرين
ومصر في فرض شروطه على قطر، منذ أزمة المقاطعة، التي بدأت في يونيو/حزيران 2017،
مع ظهور بوادر لمصالحة سعودية قطرية.

وقبل نحو عامين ونصف العام فَرَض الرباعي
«إجراءاتٍ عقابيةً» على الدوحة، بزعم دعمها الإرهاب، وهو ما نفته
مراراً، واتّهمت الدول الأربع بمحاولة فرض السيطرة على قرارها السيادي.

وتعد أزمة المقاطعة الأسوأ منذ تأسيس مجلس
التعاون لدول الخليج العربية عام 1981.

أحدث تحالفات السعودية اعتبره أستاذ العلوم
السياسية، الأكاديمي العراقي مثنى العبيدي، في تصريح للأناضول، يمثل «جزءاً
من سياسة ودبلوماسية متبعة في السنوات الأخيرة، لا تتصف بالديمومة والثبات، بقدر
كونها رد فعل، أو للتوازن مع تحالف منافس».

وثمة علاقة بين توقيت إعلان التحالفات السعودية
الأخيرة وارتباطها عادة بتصعيد إيراني، كما في اغتيال قاسم سليماني (قائد
«فيلق القدس» الإيراني في قصف أمريكي بالعراق)، وتحالف الدول المشاطئة
للبحر الأحمر، وفق العبيدي.

واتّفق فراس إلياس، الباحث المتخصص في شؤون
الأمن القومي والدراسات الإيرانية، مع الطرح السابق، مدلّلاً بـ «أنشطة»
إيرانية وحوثية «مقلقة» في المنطقة، وتشكيل التحالفات العربية.

وفي تصريح للأناضول، دلّل إلياس باستهداف منشآت
وناقلات نفط (عام 2019)، بخلاف «نشاطات استخباراتية إيرانية بالبحر الأحمر،
بمضيق باب المندب».

وقال إن هذه النشاطات تعد «أحد أبرز
الأسباب الرئيسية لقيام هذا التحالف، الذي يأتي ضمن سلسلة جديدة لتحييد النفوذ
الإيراني، والتضييق على نشاط الحوثيين في اليمن».

كما اعتبر إلياس «من المبكر الحكم على
إمكانات نجاح هذا التحالف أو فشله»، موضحاً أنه «لم يفعل حتى هذه اللحظة
ضمن الآليات التي أعلنتها المملكة».

في هذا الصدد، ذهب العبيدي إلى تأثير مواقف
عواصم خليجية، محايدة أو وسيطة، على نجاح التحالفات السعودية الإقليمية والدولية،
رغم وعي هذه الدول أنه «ليس من مصلحتها أن تكون الرياض طرفاً خاسراً أمام
طهران»، وفق قوله.

كما ربط المعوقات بما «تتحمله الرياض من
تكاليف تنعكس سلباً على اقتصادها الداخلي، وإعاقة أهدافها ومساعيها في تزعم الدول
العربية والإسلامية».

بدوره، قال إلياس إن علاقة بعض دول المنطقة
بإيران «تشكل أحد أبرز معوقات التكامل الأمني في منطقة الخليج العربي، إذ
نجحت إيران في تحييد العديد من الدول الخليجية كقطر والكويت وعمان».

لكنه رأى بالمقابل أن «السعودية نجحت في
تصحيح الخلل من خلال تشكيل مجلس مشترك لرئاسة أركان الدول الخليجية، وإلزامها عدم
تبني سياسات تتعارض مع توجهات قوات درع الجزيرة».

وشدد أنه «بالمجمل ما دامت منطقة الخليج
العربي جزءاً من الأمن القومي الأمريكي، فإنه حتى في حالة فشل المبادرات الأمنية
لا يمكن الحكم على فشل التحالفات التي أقامتها المملكة».

وعن تحالف الدول المطلة على البحر الأحمر، قال
الباحث المصري طارق دياب، المتخصص في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط، إنه
«يعج بالعديد من التناقضات؛ فلا الهدف واحد، ولا الوجهات واحدة، ولا حتى
الأولويات، بما في ذلك (أولويات) مصر، الحليف الأقرب للسعودية ضمن هذا
التحالف».

وأشار في تصريح للأناضول، أن عدم وجود قوات
مشتركة موحدة لهذا التحالف «يقلل من فاعليته من ناحية، ويؤكد من ناحية أخرى
أنه جاء فقط كتحالف سياسي ورادع لإيران».

وأكد أن التهديدات في البحر الأحمر لا تقتصر على
إيران فقط، بل أيضاً إسرائيل، مشيراً إلى «دور إسرائيلي استخباراتي وأمني
للهيمنة على هذا الممر البحري الحساس».

وشدّد دياب أن «أي تحالف يبنى على المواجهة
مع إيران فقط دون إسرائيل يعد خللاً من الناحية الأمنية والاستراتيجية
والأخلاقية».

وأشار أن التحالف الجديد «مرتبط بمضيق باب
المندب، الذي يمثل جزءاً من الصراع السعوديـ الإيراني».

كما ربط بين توقيت إعلان التحالف وازدياد حدة
التصعيد الإيراني- الأمريكي على وقع اغتيال سليماني، رغم كون فكرة التحالف قديمة.

أما السياق السياسي من التحالف الذي يتخذ الرياض
مقراً له، بحسب دياب، فيتمثل في «رغبة المملكة كقوة إقليمية في المنطقة،
بالقيام بدور إقليمي فاعل، مع تراجع دور القوى العربية الإقليمية التقليدية، كمصر
وسوريا والعراق».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى