تقارير وملفات إضافية

انتصار الحب.. كيف هزم الأمير هاري التقاليد الملكية التي عذبت والده؟

تبدو قصة زواج ميغان ماركل من الأمير هاري قادمة من عالم الخيال، غير أن نهايتها تبدو مناقضة تماماً للقصص الخيالية.

الواقع أن حفلات الزفاف الملكية الثلاث الأشهر في التاريخ الحديث -حفلات زفاف الأمير تشارلز وديانا سبينسر، والأمير ويليام وكيت ميدلتون، والأمير هاري وميغان ماركل- اشتملت كلها على قصصٍ خيالية كلاسيكية تتضمن أميراً ينتشل امرأةً جميلة شابة ويدخلها إلى حياته الملكية المترفة رفيعة المستوى.

ولكن الأمير هاري وميغان ماركل حطما المسار التقليدي للقصص الخيالية التي تعاني فيها البطلة لكي تدخل القصر، فماركل اختتمت قصتها بالخروج من القصر بإرادتها هي وزوجها، حسب ما ورد في تقرير لمجلة The Atlantic الأمريكية.

لم يعش الأمير تشارلز وديانا حياتهما بسعادة أبدية، بينما يبدو أن الأمير ويليام وكيت -من الظاهر على الأقل- يقتربان من شيء مماثل. 

غير أن الأمير هاري وميغان صاغا نسخة جديدة من قصص الأميرات الخيالية. وفي ظل القرار الذي اتخذاه مؤخراً بالانفصال عن العائلة الملكية والابتعاد عن الاتفاقات التي تصل إليها الصحافة من أجل «التركيز على الفصل الجديد من حياتهما».

فقصتهما هي أمير ينأى بنفسه عن الحياة الملكية من أجل المرأة التي يحبها، ليس للزواج منها، مثلما فعل الملك إدوارد الثامن حين تخلى عن العرش للزواج من المطلقة الأمريكية وأليس سمبسون، ولكن من أجل نوعية الحياة المشتركة بينهما فقط على ما يبدو.

لطالما كان الشعب مدركاً لمعارك دوقة ساسكس المستمرة مع الصحافة البريطانية، ونتيجة لذلك، أجرى الكثيرون عملية حسابية بسيطة وأثنوا على الأمير هاري «لقيامه بالشيء الصحيح» بصفته زوجاً وأباً. 

وأعرب البعض على وسائل التواصل الاجتماعي عن إعجابه بالمدى الذي يصل إليه الأمير هاري في إعطاء الأولوية لسعادة زوجته. وتُبين الردود التي تُقر ما فعله ما يُقدِّره المجتمع المعاصر في الزواج، ألا وهو التفاهم المتكافئ لمسؤوليات الحفاظ على العلاقة، والشعور بواجب الشريكين في مساعدة كل منهما الآخر.

قالت المؤرخة ستيفاني كونتز، مؤلفة كتاب Marriage, a History: How Love Conquered Marriage، في بريد إلكتروني تلقاه كاتب التقرير، إن الزواج كان يُعتبر، لآلاف السنين، طريقةً تقوي بها العائلات تحالفاتها، وتُقيم العلاقات الاقتصادية، وتحافظ على سمعتها. 

ثم صار الزواج من أجل الحب أمراً طبيعياً بين أبناء الطبقة المتوسطة في القرن العشرين، إلا أن الطبقة الأرستقراطية -والمَلَكية بشكل خاص- تمسكت بحزم أكبر قليلاً بالنموذج القديم للزواج. إذ على سبيل المثال، وكما يعرف متابعو الموسم الأخير من مسلسل The Crown، رفضت العائلة الملكية في السبعينيات خطبة الأمير تشارلز لكاميلا باركر بولز، الحب الأول له وزوجته الحالية، بسبب وضعها الاجتماعي «غير المناسب» كامرأة من عامة الشعب. 

وقد تزوج تشارلز لاحقاً من ديانا سبينسر، ذات العشرين عاماً، والتي كانت تعمل جليسة أطفال ومعلمة في مرحلة ما قبل المدرسة، لكنها من الناحية العملية كانت من طبقة النبلاء البريطانيين.

كان لكل من الأميرين ويليام وهاري اختيارات معاصرة أكثر في شريكتيهما مقارنة بوالدهما، إذ تزوج كلاهما بدون ألقاب وبدافع الحب. كتبت كونتز في رسالتها: «لكن هاري وميغان تماديا أبعد من ذلك»، فيما يبدو أن كلاً منهما يتبنى الشكل الأكثر حداثة في زواج الحب: الزواج الذي يتسم بالمساواة المُتعمدة. في هذه الزيجات، يعطي كل شريك الأولوية لسعادة شريكه (على عكس المفهوم القديم المتمثل في الزوجة الخاضعة التي تجعل احتياجات زوجها ورغباته فوق احتياجاتها ورغباتها) ويضطلع بالمسؤوليات التي تقويهما بدلاً من الأدوار المتصورة لكل جنس.

وتتابع كونتز: «لا يقتصر الأمر على كون ميغان تتوقع منه تحمّل مسؤولية مشاعرها والعمل لجعلها سعيدة.. وإفساح المجال لها لتعيش حياة ليست قائمة على لعبها دور الزوجة الزخرفية، بل يبدو أن هاري نفسه راغب (بل وربما مرتاح) في تنحيه عن دوره التقليدي».

وتضيف: «لا شك أنهما سارا طريقاً طويلاً في سبيل تقبل الزواج المثالي الحديث، حيث يُعد كل شريك مسؤولاً عن رغبات شريكه واهتماماته وطموحاته خارج العائلة وداخلها».

يملك إيلي فينكل، أستاذ علم النفس في جامعة نورث ويسترن ومؤلف كتاب The All-or-Nothing Marriage، نظرية تقول إنه على مر الأجيال، صار الشركاء يتوقعون ما هو أكثر من المؤسسة الزوجية. وكما تلاحظ كونتز، كان الناس فيما مضى يتزوجون من أجل الأمان الاقتصادي، بينما صاروا فيما بعد يتزوجون بدافع الحب والرفقة، إلا أن الكثيرين يتوقعون أن يحقق لهم الزواج أماناً اقتصادياً أيضاً. 

وفي الآونة الأخيرة، أضاف المتزوجون إلى هذا الخليط النمو الشخصي، متوقعين، كما أخبر فينكل زميلتي أولجا خازان في 2017 أن «زواجنا سيساعدنا كي ننمو، وأن نكون نموذجاً أفضل من أنفسنا وأكثر أصالة». 

يقول فينكل إن دوق ودوقة ساسكس، من بعض النواحي، يُعتبران نموذجاً مثالياً للزواج الحديث، حيث ضحى أحد الشريكين بشيءٍ ضخم من أجل إعطاء الأولوية لتمكن شريكته من عيش الحياة التي تريدها. 

قال فينكل في مقابلة معه: «لقد اعتدنا على امتلاك تلك القواعد في المسؤوليات في الوحدات الاجتماعية الأكبر، تلك الأفكار التي تفترض بك أن تفعل ما يراه المجتمع ملائماً. وإذا عنى ذلك أن تكون مثلياً ومجبراً على إخفاء هويتك الجنسية، فهذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله». 

وأضاف: «صارت فكرة وجوب عيشنا حياة زائفة تزداد بغضاً. وأعتقد أن الكثيرين منا يرى ذلك أشبه بعمل غير أخلاقي، إذ لا ينبغي أن نجبر الناس على عيش حياة تجعلهم يقمعون هويتهم الحقيقية».

وتابع أيضاً: «تدور هذه القصة حول ما إذا كانت الأعراف المحيطة بالعائلة الملكية البريطانية أو الصحافة الشعبية تحاول إجبار ميغان ماركل على أن تكون شخصاً آخر. وفهمي للأمر هو أن كلاً منهما لا يرى أن ذلك طلب مقبول».

وأشار فينكل أيضاً إلى أنه منذ أقل من قرنٍ مضى، كان موقف مثل هذا سيُقابل برد من قبيل: «اخرس وقم بعملك». وفي الحقيقة، فإن النهاية الحتمية لقصة الأميرات الخيالية هذه هي أن يحجب الدور الجديد للمرأة في العائلة الملكية حياتها وهويتها القديمتين. 

لكن بالنسبة للكثير من الناس، يبدو أن دوق ودوقة ساسكس قلبا المعادلة، وخلقا نوعاً جديداً من هذا الخيال أكثر تساوياً. قال فينكل: «تمسك هاري بفكرة أن التأكد من شعور زوجته بالحرية والأصالة ونمو شخصيتها وصدقها مسؤوليته هو شخصياً». وهو السبب ربما في تناول علاقة هاري وميغان من قبل الكثيرين باعتبارها «علاقة نموذجية» واقعية وقابلة التحقيق.

لا يوجد ما نراه هنا سوى زوجين شابين يسعيان لبناء حياتهما معاً بطريقتهما الخاصة، أليس كذلك؟

كلا، ليس وفقاً للإعلام البريطاني الشعبي، الذي يُلقي بـ «اللوم» بالكامل في هذا الخروج -الذي سماه البعض بازدراء «ميغزست» على غرار بريكست- على عاتق ميغان، تماماً مثلما لامها على كل شيء سار على نحو خاطئ في العائلة الملكية منذ دخلت في الصورة.

وفقاً لمجلات الفضائح، فإن ميغان هي من ساعدت في تقوية الفجوة المزعومة بين هاري وأخيه ويليام، وهي تلوم ميغان على فشلها -حسب زعمهم- في الاندماج مع نسيبتها كيت ميدلتون. وجعلتنا تلك المجلات نؤمن بأن هاري هجر جميع أصدقائه القدامى وصار «أكثر انفراداً ومنسحباً» ليقضي وقتاً أكبر مع ميغان وأصدقائها في هوليوود.

والآن، صارت هناك تكهنات على نطاق واسع بأن ميغان هي من تكره العيش هنا في إنجلترا، وتريد العودة إلى كاليفورنيا أو كندا. وقد وصفت الصحافة هذه الخطوة -التي اتخذتها ميغان- بالأنانية.

وهو ما يقودنا إلى السؤال التالي: أليس هذا هو ما أراده البريطانيون؟ إذ منذ اللحظة التي أعلن فيها كل من ميغان وهاري خطبتهما، انتقدها الإعلام البريطاني واستهان بها، غير ناسٍ أبداً أن يُعرفها بالممثلة الأمريكية المطلقة ذات الأم السوداء.

تملك جميع العائلات تقاليد تُملي على الزوجات القبول بها والحفاظ عليها، وليست العائلة الملكية استثناءً. وقد يقول المرء منا إن ميغان بلا شك كانت تعرف ما هي مقبلة عليه.

ولكن هاري كذلك كان يعرف ما هو مقبل عليه، فقد تزوج في النهاية من «ممثلة أمريكية». وبجانب الحقيقة شديدة الأهمية أنه من الشائع في القرن الواحد والعشرين أن تُشارك الزوجات في اتخاذ القرارات الخاصة بمستقبل عائلاتهن على قدم المساواة مع الأزواج، يمتلك الأمير هاري سجله الحافل بكونه فرد العائلة الملكية المتمرد الذي أعرب من قبل عن استيائه من الحياة الملكية.

ربما محاولة ميغان فرض نفوذها وممارسته داخل العائلة الملكية أمر حقيقي، لكنها أم في الثامنة والثلاثين من العمر، أليس هذا هو حقها بالأساس؟ لا شك أن التخلي عن بعض الحمايات المالية التي تعرضها العائلة الملكية -وربما المخاطرة بفقدان المزيد من تلك الثروة فيما بعد- ليس أمراً مثيراً للسخرية. 

فلماذا لا نستعرض هذه المحاولة من جانب الزوجين (جزئياً على الأقل) للمضي قدماً معتمدين على نفسيهما، وتعريف نفسيهما كشخصين خارج السلالة الملكية، ونصفها بأنها محاولة جريئة وشجاعة؟

 من الذي يقول إنهما غير قادرين على العيش في إطار زواج «طبيعي»؟

ربما الملكة إليزابيث وليست ميغان. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى