آخر الأخبار

3 أشهر، هي المدة التي حددها باحث لإنتاج لقاح يصد كورونا.. البداية بمعرفة التركيب الوراثي للفيروس

ثلاثة
أشهر. هذه هي المدة التي يرغب الدكتور أنتوني فوشي، مدير المعهد الوطني للحساسية
والأمراض المعدية في المعاهد الوطنية للصحة بأمريكا، أن يستغرقها التوصل إلى لقاح
تجريبي لعلاج أحدث فيروسات كورونا يمكن أن يبدأ اختباره على الأشخاص.

منذ ظهر الفيروس لأول مرة في الأشخاص الذين أصيبوا بأعراض تشبه الالتهاب الرئوي في مدينة ووهان الصينية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تفشي فيروس كورونا، المسمى 2019n-CoV، وهو حالة طارئة في الصحة العامة تثير قلقاً دولياً. خلال ما يزيد عن شهر واحد بقليل، أصيب أكثر من 11 ألف شخص بالفيروس في 18 دولة وتوفي أكثر من 250 شخصاً، حسب مجلة Time الأمريكية.

فيما
يتعلق بالأمراض المعدية مثل هذا المرض، تعد اللقاحات أقوى الأسلحة التي يمتلكها
مسؤولو الصحة. إذ يمكن للتطعيم بهذه اللقاحات أن يحمي الناس من الإصابة بها في
المقام الأول، وإذا لم يكن أمام الفيروسات أو البكتيريا أي مكان تذهب إليه، فلن
يكون لديها أي وسيلة للانتقال من شخص لآخر.

المشكلة
هي أن اللقاحات تحتاج إلى وقت لتطويرها. وتتطلب الأساليب التقليدية، رغم أنها
شديدة الفعالية في السيطرة على الأمراض شديدة العدوى مثل الحصبة، إنتاج كميات
كبيرة من الفيروسات أو البكتيريا، ويستغرق ذلك عدة أشهر. وبعدها تصبح هذه
الميكروبات العنصر الرئيسي في أي لقاح، وهو ما يسمى بالمستضد الذي ينبه جهاز
المناعة البشري إلى أن بعض المتطفلين الأجانب يغزون الجسم ويجب إبعادهم.

إلا
أن الباحثين في شركة Moderna Therapeutics،
في كامبريدج بولاية ماساتشوستس، طوروا طريقاً مختصراً ممكناً لهذه العملية الشاقة
من شأنه تقليص الوقت الذي يستغرقه تطوير لقاحات تعالج تفشي الأمراض الجارية مثل
فيروس كورونا الحالي. إذ إنهم يحولون جسم الإنسان إلى مختبر حي لإنتاج الفيروسات
التي تنشط الجهاز المناعي بكميات كبيرة.

تتلخص
وظيفة اللقاحات في أنها تعطي للجهاز المناعي دورة تدريبية قصيرة في التعرف على
الدفاعات وحشدها ضد الميكروبات المسببة للأمراض مثل البكتيريا أو الفيروسات. وهي
تفعل ذلك عن طريق تزويد الخلايا المناعية بما يفترض أن تتعرف عليه، في بعض
الحالات، تحوي اللقاحات بكتيريا أو فيروسات مقتولة أو ضعيفة لا يمكنها التسبب في
المرض، ولكن لا يزال بإمكانها إطلاق إنذارات للخلايا المناعية وتنبيهها إلى أنها
دخلاء أجانب غير مرحب بهم. وفور أن تدخل هذه الميكروبات إلى الجسم، تبدأ الخلايا
المناعية في صناعة أجسام مضادة لرصدها وتدميرها، وتظل هذه الأجسام المضادة تؤدي
وظيفة الحراس لرصد الغزوات المستقبلية من هؤلاء الغزاة المجهريين.

ثمة
لقاحات أخرى تعمل على تأهيل الجهاز المناعي ببساطة عن طريق تعريض الخلايا المناعية
لا للميكروبات نفسها، وإنما للبروتينات التي تنتجها هذه الفيروسات أو البكتيريا؛
ويمكن لكمية كافية من هذه البروتينات الأجنبية أيضاً أن تحضر الخلايا المناعية
لتعاملها على أنها غير مرحب بها.

بدأ
الباحثون في Moderna هذه العملية بتزويد لقاحهم بمادة mRNA، وهي المادة الوراثية التي تأتي من الحمض
النووي وتنتج البروتينات. وتتلخص فكرة مودرنا في تزويد لقاح فيروس كورونا بمادة mRNA التي تنتج بروتينات فيروس كورونا الصحيحة ثم
حقنها في الجسم. يمكن للخلايا المناعية في الليمف معالجة مادة mRNA والبدء في صنع البروتينات بالطريقة الصحيحة
لتتعرف عليها الخلايا المناعية الأخرى وتميزها لتدمرها. يشرح الدكتور ستيفن هوغ،
رئيس شركة Moderna، الأمر بقوله إن «مادة mRNA تشبه البرمجيات الجزيئية في علم الأحياء.
وهكذا، يشبه لقاحنا البرنامج بالنسبة للجسم، الذي يتولى بعد ذلك صناعة البروتينات
الفيروسية التي يمكنها توليد استجابة مناعية».

ونظراً
لأن هذه الطريقة لا تتضمن فيروسات حية أو ميتة، يمكن تطويرها سريعاً، وهي ضرورة في
ظل ظهور أمراض جديدة تشق طريقها بسرعة في أجساد لا تتمتع بالحماية.

ثمة
فوائد صحية لهذه الاستراتيجية كذلك. إذ يقول هوغ: «أحد الأشياء التي يمكننا
فعلها بلقاح mRNA هو محاكاة ما يعنيه الإصابة بعدوى فيروسية.
فالطريقة التي يعالج بها الجسم البروتين الفيروسي، غالباً ما تكون مختلفة تماماً
عن الطريقة التي يعالج بها البروتين نفسه المصنوع في خزان من الفولاذ المقاوم
للصدأ. لذا فإن إحدى الميزات النظرية لوضع مادة mRNA في لقاح هي أن الجسم يصنع البروتين الفيروسي
بالطريقة نفسها بالضبط التي لقنها الفيروس للمضيف».

كانت
الخطوة الأولى في تطوير هذا اللقاح، الذي يموله تحالف ابتكارات التأهب للأوبئة CEPI، هي تحديد البروتينات التي صنعها فيروس
2019-nCoV والتي ينبغي أن يضمها اللقاح. وقد نشر
العلماء الصينيون التسلسل الجيني لفيروس كورونا الجديد في العاشر من يناير/كانون
الثاني، ومن ذلك استقر الباحثون في المعاهد الوطنية للصحة على جزء جيني ينتج
البروتينات التي يعتقدون أنها على الأرجح ما تنبه وتطلق إنذارات نظام المناعة
البشري. وعندما أرسلوا للفريق في Moderna
اختياراتهم، بدأ العلماء في الشركة كتابة «البرنامج» الوراثي للقاحهم-
في شكل تعليمات مادة الـmRNA
التي تحتاجها خلايا الجسم البشري لإنتاج بروتين فيروس كورونا. ومن باب الأمان،
اختار الفريق بروتيناً فيروسياً رئيسياً لوضعه في اللقاح، وستة بروتينات احتياطية
أيضاً.

وهذه
العملية قائمة، حيث يعمل الفريق على تصحيح البرنامج بشكل مستمر، لضمان أن يكون
المنتج النهائي لمادة mRNA
مادة بيولوجية مستقرة وفعالة قدر الإمكان. وفي غضون أسابيع قليلة، عندما يتوصلون
إلى مادة mRNA المناسبة، ستصبح العنصر الرئيسي في اللقاح
الذي طُور لاختباره في البشر. ثم يقول هوغ: «سنكون أكثر دقة وحرصاً في جميع
خطوات التصنيع لنتأكد من أنه عالي الجودة لأنه في النهاية، سيدخل إلى أجسام
البشر».

إذا
كان اللقاح فعالاً في توليد استجابات مناعية قوية ضد فيروس كورونا، فقد يصبح
نموذجاً للقاحات أخرى لعلاج أنواع أخرى من فيروسات كورونا غير المعروفة التي قد
تظهر في العقود المقبلة. وذلك لأنه فور معرفة العلماء للتركيب الوراثي للفيروس،
يمكنهم تحديد البروتينات التي يستخدمها لإصابة الناس بالمرض، وتصنيع مادة mRNA لهذا البروتين لوضعها في اللقاح. يقول فوشي:
«لن يكون هذا عسيراً في جوهره ومن الناحية التصورية. ستكون لنا الغلبة».

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى