تقارير وملفات إضافية

أخرستها بالتوجيهات ثم تلومها لتراجع التوزيع.. تفاصيل خطة تسليم الصحافة المصرية للصندوق السيادي

فيما اعتبرها كثير من الصحفيين خطوة في اتجاه الحكومة المصرية لتقويض الصحافة المصرية العريقة، كشفت الحكومة المصرية قبل أيام قليلة عن خطة لإصلاح المؤسسات الصحفية، تقوم على سيطرة الحكومة على ممتلكاتها، ونزع سيادتها وأصولها أو حق إدارتها، وسط مؤشرات أن هذه الأصول ستؤول إدارتها لصندوق مصر السيادي.

الهدف من الخطة هو تعظيم الفائدة من الأصول التي تمتلكها هذه المؤسسات لتسوية مديونياتها المتراكمة منذ سنوات طويلة، ووقف اعتمادها على الدولة في دفع رواتب ومستحقات العاملين بها، في حين يؤكد كثير من الصحفيين المخضرمين أن سبب مشكلات الصحافة المصرية ليس سوء إدارتها المالية، بل نقص الحريات الذي أدى إلى انصراف القارئ عنها.

وتملك مصر 8 مؤسّسات صحفيّة قوميّة، تُصدر 56 صحيفة مطبوعة بين جرائد ومجلات، ويعمل بها 22 ألف صحفي وعامل وإداري، وفقاً لإحصائيّة صادرة عن الجهاز المركزيّ للتعبئة العامّة والإحصاء عام 2015.

وحسب رئيس الهيئة الوطنية للصحافة كرم جبر فقد تم تشكيل لجنة برئاسة الهيئة الوطنية للصحافة، شارك فيها خبراء من وزارات التخطيط والمالية والاستثمار، ورؤساء ومديرو عموم المؤسسات الصحفية، لوضع خطة للخروج من الأزمة المالية للمؤسسات الصحفية بشقيها المالي والإداري، وفقاً لتوجهات الدولة، تعتمد على عدة أمور، أهمها إعادة استثمار أصول المؤسسات الصحفية، من خلال مشروعات مشتركة بين المؤسسات، أو أن تعمل كل مؤسسة مشروعاً خاصاً بها، مع إصلاح اللوائح المالية والإدارية وإعلاء قيم الشفافية داخل المؤسسات.

والمشروعات التي اتفقت عليها اللجنة ستأتي بتمويل ذاتي عن طريق تسييل بعض أصول المؤسسات، ووضع العائد المادي باسم المؤسسة، مع عدم إنفاق «مليم واحد» منه إلا في مشروع استثماري مدروس، حسبما قال جبر.

قانون تجفيف منابع الصحافة، يأتيكم برعاية اللواء مكرم محمد أحمد ومساعده كرم جبر.

ورغم أن العنوان الذي تحمله الخطوة لا يخلو من بريق، فإن أن الوسط الصحفي المصري يخشى أن يكون هدف الخطة يشبه نزع ورقة التوت عن خطة الرئيس السيسي والحكومة لإخضاع الصحفيين، وتقويض الحكومة للصحافة المصرية العريقة.

ويقال إن الخطة بدأت عقب الوقفة القوية للصحفيين، في مايو/أيار 2016 ضد اقتحام قوات الشرطة لمقر نقابتهم، بهدف القبض على شابين صادر بحقهما حكم قضائي، ويختبئان في مقر النقابة الكائن في منطقة وسط البلد.

وقتها استجاب الصحفيون لدعوة من مجلس نقابتهم لعقد جمعية عمومية غير عادية، واتخذوا قرارات بدعوة الرئيس السيسي للاعتذار عن واقعة اقتحام مقر النقابة من جانب وزير داخليته (اللواء مجدي عبدالغفار)، ونشر صور الوزير «نيجاتيف» في كل الصحف، وهي قرارات أزعجت السيسي، باعتبار أن ذلك الحراك لم يكن معهوداً من أي جهة نقابية أو فئوية في ذلك الوقت.

يرى كثير من العاملين في مهنة الصحافة في مصر، أن تقويض الحكومة للصحافة المصرية وإخضاع الصحفيين هو الهدف الوحيد من القرارات، بدليل أن الحكومة لم تكلف نفسها عناء وضع خطط لتطوير المحتوى الصحفي في الصحف القومية، وتجاهلت حقيقة بسيطة أن تسطيح محتوى الصحف ومنعها من انتقاد كل ما له علاقة بالنظام بداية من رئيس الجمهورية، وصولاً إلى أمين الشرطة المسؤول عن تنظيم المرور في الشارع، هو السبب الحقيقي لانصراف الناس عنها.

فيما ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، بالقول إن خطة الدولة لإذلال الصحفيين وعقابهم على وقفتهم القوية ضد تجاوزات نظام السيسي للقوانين، بدأت قبل 3 سنوات تقريباً حين اختارت مجموعة من القيادات التي يرون أنها غير مؤهلة لإدارة المؤسسات القومية، مما أغرقها في ديون لا قبل لها بتسديدها، بجانب تدخل أجهزة سيادية في سوق الإعلانات، وحرمان المؤسسات من الدخل الكبير الذي كانت تحصل عليه من هذا السوق، رغبة في إيصال تلك المؤسسات إلى مواجهة هذه اللحظة الفارقة، وهي بلا أسلحة تقريباً، حسب قولهم.

الهئية الوطنية للصحافة هي المسؤولة عن مرتبات ومكافآت وأزمات مشروع العلاج بمؤسسة دار الهلال وأي مستحقات مالية في أي مؤسسة قومية أخرى
وتهرب كرم جبر رئيس الهيئة من المسئولية يخالف قانون الهيئة الوطنية للصحافة، وليس من المعقول تمتلك الهيئة حق دمج مؤسسات وإغلاق اصدارات ولا تنفق

اللافت كذلك في المعلومات التي وصلت «عربي بوست» من اجتماع رئيس مجلس الوزراء مع رئيس الهيئة الوطنية للصحافة كرم جبر، ووزير الدولة للإعلام في حضور رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية، أن رئيس الوزراء أهمل تماماً النظر في المقترحات التي تقدم بها بعض رؤساء مجالس إدارات تلك المؤسسات، لاستغلال بعض أصولها لإقامة مشروعات تدرّ عليها أرباحاً تكفي لتغطية مصروفاتها، بدعوى أنها لا تستند إلى دراسات جدوى حقيقية، وبالتالي لا تحتمل التنفيذ، وهو ما يؤكد الظنون التي يروجها البعض عن أن خطة الاستيلاء على أصول المؤسسات الصحفية كانت معدة سابقاً.

ولم يخلُ الأمر من انتقاد لإسناد خطة تطوير ورقمنة الصحف القومية الورقية إلى كرم جبر، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، ليكون هو المسؤول عن تحويل المحتوى الورقي للصحف إلى محتوى رقمي، علماً أنه ليس له خبرة بالصحافة الإلكترونية.

يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق الذي قاد الوقفة التاريخية لأبناء المهنة ضد اقتحام قوات الشرطة للنقابة، أدان إصرار الدولة على تصوير الصحف القومية باعتبارها «بالوعة فلوس» دون النظر إلى العنصر البشري وما يمتلكه من مهارات.

وقال قلاش في تصريحات خاصة لـ «عربي بوست» إن ما صدر عن الاجتماع من قرارات تخص مصير الصحافة القومية وأصولها وحقوق العاملين بها تداعياته خطيرة على مستقبل المهنة، ويحتاج إلى وعي جميع العاملين بهذه المؤسسات بخطورة هذه القرارات وإدراك أهمية موقفهم قبل فوات الأوان.

ويشير نقيب الصحفيين الأسبق إلى أن الأزمة ليست في الخسائر والديون التي تراكمت على المؤسسات الصحفية، لكن الأزمة الحقيقية المسكوت عنها هي المحتوى الذي تقدمه الصحف، سواء في نسخها المطبوعة أو الإلكترونية، وفقدت من خلاله ثقة القارئ، وبات أقرب إلى النشرات الحكومية، وهو ما دفع الجمهور للبحث عن منصات أخرى تشبع شغفه بمعرفة خبر جديد أو تحليل مختلف.

وقال إن أغلب رؤساء تحرير الصحف القومية لا يناقشون ما يتم إرساله إليهم من الأجهزة للنشر، خوفاً على مناصبهم، حسب قوله.

ويتذكر قلاش أن إبراهيم نافع، رئيس تحرير جريدة الأهرام، كان عندما يأتي إليه بيان من جهة حكومية أو مسؤول كبير يضعه جانباً إن لم يقتنع به، أما الآن فتكفي مكالمة من «أمين شرطة» ليتم تأجيل أو نشر أو استبدال أي خبر أو مقال خوفاً على «الكرسي»، حسب تعبيره.

واستطرد قائلاً «الصحفي مثل الجندي، فكيف لنا أن نقيد يديه ورجليه وننزع عنه سلاحه، ثم نطلب منه دخول الحرب»، في إشارة منه للتضييق على حرية الرأي والتعبير.

ويؤكد قلاش أن ما فعله رئيس الوزراء المصري في ملف الصحف القومية خطأ، أولاً لأن وزارة الإعلام تاريخياً لا سلطة لها على المؤسسات الصحفية لا القومية ولا الخاصة.

وول ستريت جورنال : الحكم بحبس #نقيب_الصحفيين #يحي_قلاش واثنين من أعضاء مجلس النقابة لمدة عامين بتهمة إيواء هاربين مطلوبين #مصر pic.twitter.com/MWUOD4y3co

كما أن وزير الدولة للإعلام الحالي أسامة هيكل، قضى مسيرته المهنية صحفياً بجريدة الوفد الحزبية، ولم يعمل يوماً في مؤسسة صحفية قومية، فكيف لصحفي من خارج المؤسسات الصحفية القومية أن يحكم عليها أو يجد حلاً لمشاكلها، وبالمثل يشير إلى أن قيادات المؤسسات الصحفية التي انتهت صلاحيتها طبقاً للقانون ليست مخولة أيضاً بذلك الآن، كما أن تجاهل نقابة الصحفيين لأمر يتعلق بتقرير مصير الصحافة القومية وحقوق العاملين بها لا يجب التسليم به.

ولفت قلاش إلى أن خطة رئيس الحكومة للتخلص من الصحافة القومية وبيع أصولها ليست جديدة ولا مبتكرة، مشيراً إلى أن تلك الخطة وضعت أيام يوسف بطرس غالي وجمال مبارك، ويتم إخراجها من الأدراج المغلقة كل فترة.

ويشير إلى أنه كان شاهداً على تصدي جلال عارف لهذه الخطة عندما كان نقيباً للصحفيين بين عامي (2003- 2007)، وبالمثل حارب الفكرة عندما كان رئيساً للمجلس الأعلى للصحافة (2013 – 2016) وأقنع المسؤولين وقتها بوجهة نظره.

وختم قلاش تصريحاته بأن الحلول البديلة موجودة وكثيرة، لكن الإصرار على إغلاق باب الحوار وتجاهل المعنيين بطبيعة الموضوع والتمسك بقيادات ضعيفة يفاقم الأزمة ولا يقود إلا لمزيد من المآسي.

يرى مراقبون أن النظام الحالي، بعيداً عن موقفه غير الودي من الإعلام، يعمل وفقاً لمنظور اقتصادي محدد، وهو ألا يتحمل مشاكل غيره، حتى لو كان هو الذي صنعها بسياساته غير الموفقة، وبالتالي فهو يعتبر أن الصحف القومية تمثل استنزافاً لموارد الدولة، بينما لو استغل منشآتها المتميزة، ببيعها أو تأجيرها قد يحقق عائداً مالياً أفضل.

وكان ياسر رزق رئيس مجلس إدارة «أخبار اليوم»، وأحد أقرب الصحفيين للمؤسسة العسكرية الحاكمة، قد قال أثناء افتتاح الدورة التدريبية التي تنظمها الهيئة الوطنية للصحافة للصحفيين الاقتصاديين: إن العائق الرئيسي أمام تنمية أصول المؤسسات الصحفية القومية هو الدولة، ممثلة في الحكومة «التي تعرقل أي شيء نحاول عمله، أول شيء يفكرون فيه هو كيفية الاستيلاء على هذه الأصول».

وتمتلك مؤسسة الأهرام أصولاً قدرّها عبدالمحسن سلامة رئيس مجلس إدارة ونقيب الصحفيين السابق بنحو 100 مليار جنيه، تحقق عوائد سنوية لا تتجاوز الملياري جنيه.

كما أن مؤسسة دار المعارف التي تصدر مجلة أكتوبر الأسبوعية تمتلك نحو 2000 متر بمنطقة ماسبيرو على كورنيش النيل، وقد تم تقدير سعر المتر في تلك المنطقة قبل 14عاماً بـ200 ألف جنيه، فضلاً عن امتلاكها قطعة أرض أخرى في مدينة 6 أكتوبر وثالثة بمنطقة الزاوية الحمراء بوسط القاهرة، وحصيلة بيع تلك الأصول قد تتعدى 6 مليارات جنيه.

وتدلل المصادر على نية الحكومة في الاستيلاء على تلك الأصول بأن الرسم التخطيطي لتطوير منطقة مثلث ماسبيرو لا يحتوي على مبنى دار المعارف على كورنيش النيل، وبالمثل تدرس الحكومة استغلال مبنى دار الهلال، التي تأسست عام 1892، على يد الصحفي اللبناني جورجي زيدان في السيدة زينب.

لكن كرم جبر قال في تصريحات صحفية إن الحصيلة المتوقعة من تسييل الأصول التي حددتها المؤسسات حوالي 700 إلى 800 مليون جنيه، موضحاً أنهم لم يأتوا للبيع فقط، لكن هناك مؤسسات تمتلك أصولاً منذ سنوات طويلة ولا تتم الاستفادة منها نهائياً، مثل وكالة أنباء الشرق الأوسط التي خصص لها منذ أيام العدوان الثلاثي على مصر 50 فداناً بمنطقة المرج، والآن أصبحت هذه المساحة الشاسعة ضحية للتعديات غير القانونية عليها.

تسبب بيان الحكومة في حالة من الغضب في أوساط الصحفيين الذين رأى أغلبهم أن ما يحدث «تأميم ثانٍ» للصحافة، على غرار التأميم الأول، الذي قام به الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في ستينات القرن الماضي.

لكن اللافت أن جموع الصحفيين الغاضبين ليسوا متفقين على رأي واحد، وليست لديهم حلول عملية لحل أزمات المؤسسات القومية المتعثرة، التي بلغت ديونها بحسب ما صرح به عبدالله حسن، نائب رئيس الهيئة الوطنية للصحافة في أبريل/نيسان من العام الماضي، حوالي 19 مليار جنيه (حوالي 1.2 مليار دولار)، أغلبها لصالح مصلحتي الضرائب العامّة والتأمينات الاجتماعيّة (هيئتان حكوميّتان).

ممدوح الولي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام ونقيب الصحفيين الأسبق، توقع ألا تدخل هذه الإجراءات حيز التنفيذ، مشيراً إلى أن كل مرة يتم فيها الحديث عن تطوير المؤسسات القومية، كانت الحلول التي تطرحها الحكومة الآن هي نفسها التي تطرح من قبل.

ويؤكد الولي أن وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي، وضع خطة شاملة للتخلص من الصحف القومية، وقامت في مراحل أخرى بدمج بعض المؤسسات الصغيرة بالمؤسسات الكبرى، بحجة تطويرها وتقليل الخسائر، ولكن في النهاية ظل الحال على ما هو عليه.

البيان الصادر عن اجتماع رئيس الحكومة مع رؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية أشار إلى وجود توجيه من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، لمتابعة هذا الملف.

وتتضمن هذه التوجيهات وضع بنود صارمة لإدارة الصحف الرسمية، بعدما تحولت إلى صداع مزمن في رأس الحكومة، منها وقف التعيينات الجديدة في كل المؤسسات الصحفية القومية، ومنع التعاقدات، ومنع التمديد فوق سن المعاش (60 سنة)، إلا لبعض الكتّاب وعند الضرورة القصوى، وأن يتم التنسيق في ذلك مع الهيئة الوطنية للصحافة، وهي الجهة المنوط بها الإشراف على المؤسسات الصحفية التي تملكها الدولة، بحسب القانون المنظم لعملها، وتسوية مديونيات المؤسسات باستغلال أصولها التي تمتلكها، ودراسة موقف كل الإصدارات واتخاذ موقف حاسم بشأنها.

من جانبه، طرح الدكتور أحمد كمالي، نائب وزيرة التخطيط، تصوّراً يتضمن قيام صندوق مصر السيادي بإدارة أصول المؤسسات القومية، بالتعاون مع إداراتها لتعظيم الفائدة من الأصول التي تمتلكها هذه المؤسسات.

مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (الجهاز المكلف بإلإشراف على الإعلام برمته)، علق على الأزمة الحالية بقوله إن المؤسسات الصحفية القومية متخمة بأعداد كبيرة فوق طاقتها، فحجم العمالة بها أكبر بكثير مما تحتاجه.

واعتبر مكرم، الذي كان نقيباً للصحفيين ثم استقال إثر ثورة يناير، أن قرار الحكومة بوقف التعيينات بالمؤسسات القومية ليس بالقرار السيئ، ولكن في حالة تطبيقه يجب مراعاة أصحاب المواهب.

مع الضغط الذي يمثله عدد كبير من الصحفيين جراء التضرر من القرارات المعلنة، دعا مجلس نقابة الصحفيين للاجتماع يوم الخميس، الثلاثين من يناير/كانون الثاني، لمناقشة تلك القرارات، وبحث تداعيات البيان على مستقبل الصحف القومية، لكن قرر مجلس النقابة تأجيله قبل ساعات قليلة من موعده دون إبداء أسباب.

وكان نقيب الصحفيين الحالي ضياء رشوان، قد أصدر بياناً ليلة الاجتماع الذي عقده رئيس مجلس الوزراء، حاول فيه إرضاء كل الأطراف، ورمي الكرة في ملعب كرم جبر (الذي يقال إن رشوان يسعى لإقصائه والحلول محله في رئاسة الهيئة الوطنية للصحافة).

كما سارع بعض أعضاء مجلس نقابة الصحفيين لتسجيل احتجاجهم من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس فقط بسبب ما جاء في القرار، ولكن أيضاً بسبب عدم دعوة نقابة الصحفيين للاجتماع، معتبرين ذلك «إقصاء مرفوضاً» وغير مبرر، للجهة الوحيدة التي تمثّل حوالي ستة آلاف صحفي يعملون في الصحف القومية وحدها، ويشكّلون نصف الجمعية العمومية للنقابة تقريباً، وهو ما أعطى انطباعاً بأن هناك شيئاً يتم تدبيره في الغرف المغلقة، لا يراعي مصلحة الصحفيين بتلك المؤسسات القومية.

وبعد الانتقادات التي وُجهت لتجاهل النقابة فيما يتعلق بخطة تطوير المؤسسات الصحفية، اجتمع كرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، بمجلس نقابة الصحفيين برئاسة ضياء رشوان، بمقر الهيئة.

وانتقد محمود كامل، عضو مجلس نقابة الصحفيين والصحفي بمؤسسة الأخبار، ما جاء في بيان مجلس الوزراء عن الاجتماع، مشيراً إلى أنه خطة غير واضحة المعالم، بل هي محاولة للتفكير بنفس الطريقة القديمة المعتمدة على مواجهة المشكلات الاقتصادية للمؤسسات القومية، دون حل لمشكلة المحتوى الذي تُقدمه.

وقال إن الذين حضروا الاجتماع من قيادات للمؤسسات القومية ورئيس الهيئة الوطنية للصحافة كان دورهم خلال السنوات الثلاث الماضية تطوير تلك المؤسسات، غير أنهم فشلوا في هذه المهمة، وليس من المنطق الاجتماع معهم لتقديم حلول.

وأضاف أنه لا يمكن حل أزمة المحتوى مع استمرار تعيينات قيادات المؤسسات الصحفية من أهل الثقة، وليس أهل الموهبة أو الخبرة.

بينما أكد عمرو بدر، السكرتير العام المساعد ورئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، أن الاجتماع الذي عقده مدبولي انتهى بثلاث كوارث تهدد مستقبل الصحافة بمصر، أبرزها وقف التعيين، بالإضافة إلى أن التلويح بدمج عدد من الإصدارات أو تصفية وإلغاء مؤسسات أخرى يعني القضاء على الجانب الأكبر من المؤسسات الصحفية العاملة بمصر، فالحكومة تعاملت مع أزمات المؤسسات الصحفية باعتبارها جدراناً تريد إعادة ترميمها من دون النظر إلى البشر الذين يقبعون داخلها، والاجتماع عطل حقاً قانونياً للصحفيين الذين وصلوا سن المعاش، بعد أن منح الهيئة الوطنية حقاً في التمديد لهم بالتنسيق مع مجالس إدارات الصحف.

وفي تعليقه على نفس القرارات، أكد نور فرحات الخبير الدستوري، وعضو لجنة الخمسين لصياغة دستور 2014، أن المشاركين في الاجتماع الأخير «تحدثوا عن كل ما يتعلق بمشاكل الصحافة، ولكنهم تجاهلوا أصل الداء»، مؤكداً عبر صفحته على «فيسبوك» أن هذا الداء يتمثل في «غياب حرية الصحافة وسيطرة الأمن عليها، فلا صحافة بلا حرية».

تحدثوا عن كل شئ في مشاكل الصحافة وتجاهلوا أصل الداء : غيبة حرية الصحافة وسيطرة الأمن عليها ، لا صحافة بلا حرية

ويرى عضو بالمجلس الأعلى للإعلام -رفض الإفصاح عن اسمه- أن التخطيط لدمج وإلغاء مؤسسات وبيع أصول لن يحل المشكلة، مستشهداً بما حدث عام 2009 عندما صدر قرار من مجلس الشورى، الجهة المالكة للمؤسسات الصحفية القومية حينها، بدمج إصدارات داري «التعاون» و «الشعب» في مؤسسات «الأهرام» و «الأخبار» و «الجمهورية»، ودمج أصولهما في الشركة القومية للتوزيع، وهو ما ضاعف من خسائر تلك المؤسسات وزاد أعباءها المالية.

وقال لـ «عربي بوست» إن إنكار أسباب الأزمة لن ينطلي على أحد، فلا صحافة ولا إعلام من دون هامش حرية يسمح بالاشتباك مع القضايا التي تهم الجمهور.

فالمؤسّسات الصحفيّة القوميّة تعاني من أزمات عدّة أهمها هو تناولها لخطاب صحفي يغيب عنه التمايز، ما أدى إلى انصراف القارئ عن شرائها لعدم تناولها ما يتناسب مع اهتماماته وقضاياه، وهو ما أثر بالسلب على هياكلها التمويلية.

ولو أصرت السلطة على نهجها الحالي في حصار وسائل الإعلام وتقييد العمل الصحفي، مرة بتعليمات من جهات مجهولة، وأخرى بتشريعات ولوائح تقنن الحصار والتدخل، فهذا يعني أنها ستعلن قريباً جداً وفاة صاحبة الجلالة.

الغريب أن الحكومة والهيئة الوطنية للصحافة، كلتاهما تعرف أن أعداد توزيع الصحف المصرية هبطت إلى رقم غير مسبوق، حيث وصل إلى 250 ألف نسخة يومية توزعها كل الصحف المطبوعة عام 2019، بعد أن كانت توزع نحو 3.5 مليون نسخة عام 2000، وتراجع العدد حتى وصل إلى مليون نسخة قبل ثورة يناير 2011، ثم عاود الارتفاع ليقترب من مليوني نسخة حتى عام 2012، ليهبط بالتدريج منذ عام 2014، بعد انتهاء فترة يناير، التي تميزت بحريات صحفية ونشاط سياسي.

ووصل التوزيع عام 2016 إلى 400 ألف نسخة، ثم وصل متوسط التوزيع في الصحف الأسبوعية إلى 200 ألف نسخة فقط، أي أقل من خُمس التوزيع خلال فترة يناير، وأقل من عشر التوزيع خلال فترة الذروة في عام 2000.

ويرى مراقبون أن السبب الرئيسي للأزمة إلى جانب تراجع الحريات، هو اختيار أسماء أمنية بامتياز لتولي مناصب مجالس إدارات ورؤساء تحرير لهذه المؤسسات الصحفية، فكلهم من أهل الثقة، والبعض ليس لديه خبرة لا في الصحافة ولا في الإدارة.

ووصف محمود حامد، مدير تحرير البوابة نيوز، يوم اجتماع رئيس الحكومة مع القيادات الصحفية يوم 26 يناير/كانون الثاني 2020، لمناقشة خطة تقويض الحكومة للمؤسسات الصحفية بأنه يوم أسود في تاريخ الوطن وإعلان عن تصفية الصحف القومية.

وقال إن «الدولة لا تعي ولا تدرك أهمية كل مقومات القوة الناعمة لمصر. الدولة اتخذت قرارات تتعامل مع الصحافة مثل أي شركة مقاولات أو أسمنت، وتقرر تصفيتها.

الدولة تعلن تصفية الصحف القوميةالدولة لا تعى ولا تدرك أهمية كل مقومات القوة الناعمة لمصر.الدولة اتخذت قرارات تتعامل مع…

بينما يرى أستاذ في كلية الإعلام –رفض ذكر اسمه- أن هناك تغيّراً ملحوظاً في استراتيجية التعامل مع العاملين بالصحف القومية، بعد أن ذهبت جميع القرارات السابقة باتجاه عدم المساس بهم، وركزت على البحث فيما يمكن توفيره لحل الأزمات المالية، ويعني هذا التغيّر أن الحكومة لم تعد تنظر للصحف الرسمية باعتبارها الظهير السياسي الوحيد لها، في ظل هيمنة الأجهزة الأمنية على مؤسسات صحفية خاصة، وبالتالي فكل المنصات تؤدي نفس الدور.

ويرى أن الصحف الرسمية فشلت في التسويق للرئيس وسياساته عند الجمهور، وأدى تقلص حرية الرأي لترسيخ مفهوم الإعلام القومي، الذي لا يقتصر على الصحافة المملوكة للدولة، بحكم أن أغلب الصحف والقنوات مملوكة لجهات رسمية بشكل أو بآخر، وكلها تتبارى في الاصطفاف خلف الدولة، فلم تعد هناك ميزة نسبية للصحافة الحكومية المسماة قومية، التي كان يتعامل معها نظام مبارك باعتبارها ظهيره الأساسي في مواجهة الصحافة الحزبية والمستقلة، التي كانت تحتفظ بهامش حرية أكبر بكثير عما لديها الآن.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى