لايف ستايل

تاريخ غسل اليدين.. ارتباطه بالدين ثم إثباته علمياً جعلاه تجارة منقذة للحياة

لطالما شكَّلت النظافة عاملاً حاسماً للبقاء. من الحضارات القديمة إلى يومنا هذا، يلعب غسل اليدين دوراً حيوياً في منع انتشار العدوى والمرض؛ بل إن العالم الحديث خصص يوماً عالمياً لغسل اليدين في 15 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام؛ لنشر التوعية بهذا الإجراء الأساسي والحاسم؛ للحفاظ على صحة الإنسان.

وأوصت منظمة الصحة العالمية، في ظل انتشار فيروس COVID-19، أو ما اشتُهر بفيروس كورونا، بأن أفضل سبل الوقاية، المواظبة على غسل اليدين وتجنُّب لمس الوجه، تحديداً الفم والعينين والأنف.

فهل كان غسل اليدين ممارسة
شائعة في السابق؟ وهل انتشرت الأوبئة كالطاعون والحصبة والجدري في القرون السابقة؛
لقلة نظافة الأيدي؟

يسجل التاريخ محطات محورية لغسل اليدين، ساعدت في تغيير مجرى البشرية وإنقاذ ملايين الأرواح:

تربط معظم الأديان المعترف
بها في دول العالم بين نظافة الجسد ونقاوة الروح، وتفرض الأديان طقوساً تتطلب
التطهُّر أو الغسل قبل ممارسة الشعائر الدينية وخلال اليوم.

ويرجع تاريخ أول دليل مسجل
لإنتاج مواد تشبه الصابون إلى نحو 2800 قبل الميلاد في بابل القديمة. إذ نُقشت تركيبة من الصابون تتكون من الماء والقلويات وزيت الكاسيا
على لوح من الطين البابلي في نحو عام 2200 قبل الميلاد.

ويشير أحد أشهر أطباء
المسلمين أبو بكر الرازي في (854–925) في كتبه، إلى وصفات صناعة الصابون من زيت الزيتون
والتي تم استخدامها في العصر الذهبي للدولة الإسلامية.

ومن دول الشام الغنية بشجر الزيتون، تم إنتاج الصابون من تفاعل الزيوت الدهنية والدهون مع القلويات والحمضيات.

في سوريا، على سبيل المثال، تم إنتاج الصابون باستخدام زيت الزيتون مع القلويات والجير، ثم تم تصديره من سوريا إلى أجزاء أخرى من العالم الإسلامي وأوروبا.

في عام 1546، توصل الطبيب جيرولامو فراكاستورو إلى فكرة ثورية، مفادها أن العدوى يمكن أن تنتقل، ليس فقط مباشرة من شخص إلى آخر ولكن أيضاً عن طريق الأيدي والأسطح مثل الملابس واليدين، لكن نظريته أُهملت عدة قرون.

عندما كان الصابون المنتَجَ
الوحيد للنظافة على مدى أكثر من ألفي عام، شهد القرن العشرون إدخال منظفات ومطهرات
خاصة مصممة لتقليل الميكروبات التي يحملها الجلد، خاصة على اليدين.

وذكر  موقع History Extra أن جرّاح القرن الرابع عشر جون آردن كان يطلب من المتدرّبين
المحتملين أن تكون “أياديهم نظيفة، وأظافرهم مُقلّمة ونظيفة من كل ما قد
يشوبها من قاذورات”، وكان غسل الأيدي يحمل بطيّاته هذه الأهمّية، إذ يُنظر
إليه على أنه يُزيل الأوساخ الخارجية والإفرازات الجسدية الضارّة على حدٍّ سواء.

وقد استمرّ هذا القلق المزدوج بشأن القاذورات وإفرازات الجسم في عصر النهضة؛ إذ كان الطبيب الإيطالي توماسو رانجوني (1493-1577) ينصح بحتمية أن تكون الأيدي باستمرارٍ “نظيفةً من الزوائد، والعَرق، والجراثيم التي غالباً ما تترسب في تلك الأماكن”. 

وأقرّ أطباء آخرون بأن
الأيدي بإمكانها نقل الأمراض، على الرغم من أن مخاوفهم ارتكزت في المقام الأوّل،
على الأمراض الجلدية مثل الجرب، بدلاً من الطاعون الأكثر شهرة. 

ومن ثم، كان يُعتقد أن غسل
الأيدي أمرٌ مهمّ لينعم المرء بصحّة جيدة.

غالباً ما كانت باكورة
المخاوف الحديثة بشأن نظافة الأيدي ترتكز على الوجبات، إذ كان أغلب الناس يغسلون
أيديهم قبل الأكل وبعده. 

وأصرَّت بعض كتب النصائح
الطبيّة على أنه يتعيّن إعادة غسل الأيدي -وإن كانت نظيفة- في أثناء الجلوس على
مائدة الطعام، باستخدام وعاء ماء وإبريق، لكي يطمئن الجميع بشأن الطعام الذي
يتشاركونه معاً. 

كان القلق يعتري المجتمع
المهذّب الجورجي بشأن أيدي الخدم، لا سيّما فيما يتعلّق بالطعام والخدمة على
المائدة؛ فمثلاً، كانت كاتبة القرن الثامن عشر إليزا هايوود تطلب من خادماتها غسل
أيديهنّ بانتظام، وكان الموظّفون الآخرون الذين تُوكل إليهم مهام تقديم الأطعمة
يحافظون على أيديهم “نظيفة وحسنة المظهر”، بحسب أحد كتب قواعد السلوك
بشأن تلك الفترة. 

انتقد جوناثان سويفت في
كتاب “Directions to Servants”، الصادر عام 1745، المساعدين المنزليين الذين يُعدّون
السَّلطة دون غسل أيديهم بعد لمس اللحم أو استخدام المرحاض.

وفي القرن التاسع عشر، حقق علماء مثل لويس باستور وجوزيف ليستر، تقدّماً هائلاً في نظرية الجراثيم وتطبيقاتها العملية، والتي تشرح السبب الذي يجعل غسل الأيدي نافعاً في الحدّ من انتشار الأمراض. 
وثمّة رائد آخر مهمّ في هذا السياق وهو طبيب التوليد المجري الذي كان يقيم في فيينا، إجناز سيميلويز (1818-1865)، رغم أنه كان أقل شهرة، إذ أدرك أن النساء يُصَبن بحمّى النفاس في أثناء ولادتهن، بسبب الأطباء الذين يذهبون مباشرة من المشرحة إلى حجرة الولادة.

وقد أثبت أنه من الممكن خفض معدلات وفاة الأمهات في أثناء الولادة بمعدل كبير للغاية، عن طريق روتين غسل الأيدي بمحلول الكلور.

ومن المثير للاندهاش أن تلك المعرفة الثورية الجديدة لم يكن لها سوى أثر فوري ضئيل، ويرجع ذلك لحدٍّ ما، إلى مقاومة الأطباء الذين استاءوا من اللائمة التي أُلقيت على عاتقهم في وفاة مرضاهم. 

ومع ذلك، شهدت العقود التالية محاولات متكررة لإقناع قطاع أوسع من الجمهور بقيمة نظافة الأيدي، وكانت الدوافع إلى وراء تلك المحاولات في بعض الأحيان تهتم بجني الأرباح.

فعلى سبيل المثال في عام 1920، أعدت شركة صناعة الصابون “Lever Brothers” حملة باسم “أيادٍ نظيفة”، تدعو فيها الأطفال إلى غسل أيديهم “قبل الإفطار، وقبل العشاء، وبعد المدرسة”.

وسُوِّق لصابون “Lifebuoy” باعتباره أفضل طريقة لمكافحة الجراثيم، مثلما جاء في الإعلان الذي ظهر عام 1927، وكان يُصوّر أباً ينصح ابنه قائلاً: “الأيدي القذرة خطيرة”.

وهذا الأب الحكيم كان يمارس عادة غسل الأيدي التي يدعو إليها باستخدام المنتج عدّة مرات يومياً.

لقد كان للإعلانات على هذا المنوال أثرٌ بالغ، ولكن رسالتها لا تزال تحتمل التكرار. فعلى الرغم  من النصائح المستمرة منذ قرون، ما زال كثير منا ليسوا أفضل من “بسطاء البلد” الذين أغضبوا الطبيب ويليام بولين، لأنهم لم يُنظّفوا أياديهم المتسخة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى