لايف ستايل

إذا اشتروا منتجاً فشل وإذا دعموا مرشحاً خسر.. من هم “نذيرو الفشل” في عالم التسويق؟

عكس الاعتقاد السائد بأن نجاح المنتَج يؤدي إلى الإقبال عليه، هناك نوعٌ من العملاء إذا اشتروا منتَجاً ما، فمن المرجح أن مصيره الفشل؛ هذا ما توصلت إليه دراسة علمية قلبت معايير سياسات التسويق والترويج المعهودة من قِبل الشركات.

هي نظرية جديدة انطلقت من مراقبة المستهلكين بدلاً من المنتجات،
لتتنبأ نجاح منتَج ما أو فشله. 

هؤلاء الناس يُعرَفون باسم “منذري الفشل” أو “نذيري
الفشل” أو “نذير الشؤم” (سمِّهم ما شئت). ولكن كيف يمكن التعرف
عليهم، والسؤال التالي: هل أنت واحد منهم؟

عندما يفشل منتَج ما، تكون الإجابة الواضحة أنه لم ينجح لدى أغلبية
المستهلكين؛ أما ما هو أقل وضوحاً هو أن لهذا المنتج قاعدة معجبين مشتركة.

فما الذي يجمعهم؟ وهل ينتقل “نذير الشؤم” هذا إلى قطاعات
أخرى، كمرشحين في السياسة أو سوق العقارات أو حتى سوق الأسهم؟!

هم مجموعة غريبة الأطوار من المستهلكين، ينجذبون بمنهجيةٍ إلى
المنتجات الفاشلة، ومن ثم يمكن الاعتماد على ذوقهم المخالف؛ للتنبؤ بالمراهنات
السيئة في البيع بالتجزئة. 

تم الحديث عن “نذيري الفشل” لأول مرة بدراسة تحليلية في عام 2015 لأنماط الشراء، راقبت
السلوك الاستهلاكي لـ130 ألف مستهلك يملكون بطاقات ولاء من سلسلة متاجر ضخمة في
أمريكا.

وبناءً على بيانات نحو 6 سنوات من برنامج بطاقة الولاء الخاصة بالسلسلة، صنَّف فريقٌ من أساتذة التسويق، بقيادة إريك أندرسون من جامعة نورثويسترن، الزبائن وفقاً لقابليتهم لشراء المنتجات الجديدة التي سُحِبَت من الأسواق بعد ذلك بسبب ضعف الطلب عليها. 

من بين نحو 130 ألف زبون سُجِّلَت مشترياتهم، كان هناك جزءٌ كبير
منهم (نحو 25%) يأخذون باستمرارٍ المنتجات التي فشلت فشلاً ذريعاً بعد ذلك.

تقول عالِمة الاقتصاد كاثرين تاكر، من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا MIT وكانت من بين مؤلفي
الدراسة: “كان الأمر حقاً مصادفة”. 

وأضافت: “نظرنا إلى البيانات ورأينا أن هناك بعض العملاء
يجيدون انتقاء المنتجات الفاشلة”. 

كانوا جيدين لدرجة أن أي منتَج جديد يُطرح في السوق تقل احتمالية
استمراره إذا انجذب إليه هؤلاء المشترون. وإذا اشتروه مراراً، تزداد فرص استمراره
سوءاً. 

وأطلقت الأستاذة تاكر اسم “نذيري الفشل” على هؤلاء الناس، لأنهم إحصائياً، إذا أُعجبوا بمنتج فهذا يبشر باختفائه من الأسواق.

ظهر أن تأثير المنذرين ينطبق ليس فقط على الأفراد؛ بل على السكان
المحليين في منطقة ما. 

في إحدى الأوراق البحثية المنشورة بالعام الماضي،
وثَّق دنكان سمستر، أستاذ التسويق في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وجود مناطق
بأكملها منذرة بالفشل، متتبعاً العناوين البريدية لمتسوقيها. 

ومثل المنذرين الفرديين، هذه المناطق المنذرة بالفشل هي أجراس
الخطر التي تدل على  المنتجات ذات المصير المشؤوم.

سواء أكان طَعماً جديداً لمشروب غازي، أم كان خط إنتاج حديثاً
للسراويل، فإنَّ تبني أحد المنتجات في منازل من هذه المناطق، ينبئ بسوء الطالع
لمستقبل هذا المنتج.

وتمتد هذه الظاهرة لما هو
أبعد من مبيعات التجزئة. 

قارنت تاكر وسمستر، بالعمل
مع فريق بحثي بقيادة عالمة الاقتصاد السياسي كلير يانغ من جامعة واشنطن، المساهمات
في حملات انتخابات الكونغرس الأمريكي من جانب نذيري هذه المناطق على مدار خمس
دورات انتخابية فيدرالية. 

ووجدوا أن نذيري المناطق
يفضلون التبرع بالمال للمرشحين الذين ينتهي بهم الأمر خاسرين.

قالت الأستاذة الجامعية يانغ: “كان هذا مفاجئاً بالنسبة
لنا”. وأضافت: “إن السياسة بعيدةٌ تماماً عن المنتجات الاستهلاكية. إذا
كان أحدهم يحب البيبسي أكثر من الكوكاكولا فهذا لا يفترض أن يؤثر في ميوله سواء
أكان جمهورياً أم كان ديمقراطياً”.

ويعترف الأستاذ سمستر بأن وجود المناطق المنذرة بالسوء كان مفاجأة،
وافترض في البداية أن هذه الظاهرة نتاج فرعي لانتقال العادات بين الجيران، وهي
ظاهرة تبينت أوضح في عديد من السياقات الأخرى. 

وقال: “كانت توقعاتي أن هؤلاء الناس يتعلم بعضهم من بعض”.

لاختبار هذا الافتراض، قيَّم سمستر وتاكر ويانغ بيانات 30 ألف
منزل، غيروا منطقتهم البريدية خلال فترة أربع سنوات. 

أظهر تحليلهم أنه عندما انتقلت العائلات التي تعيش في إحدى المناطق
البريدية المنذرة، كانوا يميلون أكثر إلى الانتقال لمناطق بريدية أخرى منذرة، في
حين كان يفعل سكان المناطق البريدية غير المنذرة العكس.

ثم قارن سمستر وزملاؤه عادات الشراء لدى هذه العائلات قبل الانتقال
وبعده، ليروا ما إذا كان الانتقال إلى أماكن جديدة أثَّر فيهم. لكنه لم
يؤثر. 

حتى عندما كان أهل المناطق المنذرة ينتقلون إلى مناطق غير منذرة
بالفشل، استمرت تفضيلاتهم المُولِّدة للكوارث، ولم يؤثروا بصفاتهم في جيرانهم
أيضاً. 

تفسر تاكر قائلة: “إذا لم تكن من المنذرين، وانتقلت عرضاً إلى
منطقة بريدية منذرة، فإنك لن تبدأ بشراء المنتجات الغريبة”.

تشير هذه الاكتشافات البارزة إلى أن تجمُّع المنذرين في منطقةٍ
بريدية واحدة ليس نتيجة التعليم المجتمعي، لكن على طريقة سعي المياه لمعادلة
مستواها في مكان غير سوي. 

من الواضح أن النزعات نفسها غير المعتادة لدى المنذرين والتي
تقودهم في ممرات المحلات التجارية ومتاجر الملابس الخاصة، هي نفسها التي ترشدهم
إلى اختيار أماكن معيشتهم؛ وهو ما يؤدي بهم في النهاية إلى العيش في الأحياء
نفسها.

ومثلما يحدث مع ذوقهم في المياه الغازية والسراويل، فإن هذه
القرارات تكون لها نتائج كئيبة متوقعة، فدائماً ما تقل قيمة الممتلكات في مناطق
المنذرين عن الحد الأدنى بالسوق، وفقاً لتحليل للتغيرات بأسعار الإسكان في أكثر من
4 آلاف منطقة بريدية، على مدار ما يزيد على 12 عاماً.

بالإضافة إلى ذلك يبدو أن كون المرء مؤشراً للإحباطات سمة ثابتة
“ملتصقة” تنتقل من جيل إلى  جيل، لكنها لا تنتشر، ولا تنحني أمام
تغيُّر المعايير الاجتماعية. 

تقول تاكر: “إنه ليس أمراً معدياً”. وأضافت: “إنها
صفة موروثة”.

لم تثمر محاولات تمييز هؤلاء الناس الكثير، إذ لا يوجد نمط جغرافي
واضح. ربما يكونون أكثر ثروةً قليلاً من المتوسط، ولديهم عائلات أكبر، لكن الدليل
على هذا قابل للشك، وفق الباحثين.

غالباً ما يتسوقون من المتاجر التي تبيع بكميات تناسب العائلات،
ولكن هذا سلوك شائع!

ولكن ما أثبتته الدراسة أنهم يحبون التنوع: فالمنذرون يشترون مجموعةً واسعة من
العلامات التجارية، لكنهم يشترون كمياتٍ أقل من كل علامة مقارنة بالعميل المتوسط،
وهو ما يفسر لماذا لا يكفي الطلب الذي يخلقونه على المنتجات التي يختارونها لنجاح
هذه المنتجات.

تشير تاكر إلى أنه ربما كان المنذرون لهم طول مَوجي مختلف عن بقية
الناس. وقالت: “أعتقد أنه، لسبب ما، لديهم رأي مغاير دائماً
للأغلبية”. 

وأشارت إلى أن المنذرين لا يشترون منتجات قصيرة العمر وحسب؛ بل
يشترون عديداً من السلع المختلفة عن التوجه العام. 

وقالت: “إنهم يحبون هذا المنزل الغريب، ويدعمون هذا المرشح
الذي يتجاهله جميع الآخرين. إنهم يحبون أوريو بالبطيخ”.

حتى وإن جهل العلماءُ ما الذي يحرك قرارات المنذرين، فيمكن
التعلُّم منهم. 

على سبيل المثال، قد يساعدون المنتجين على فهم سبب انتهاء عديد من
المنتجات التي تبدأ بمبيعات قوية وآراء إيجابية من العملاء، وهي مشكلة حيَّرت
متخصصي التسويق فتراتٍ طويلة. 

يقول سمستر: “إذا كنت تريد أن تتنبأ بالمنتجات التي ستنجح،
فأنت بحاجة ألا تكتفي بالنظر إلى المبيعات الكلية”. وأضاف: “عليك أن
تنظر إلى من يشتري أيضاً”.

قد يساعد تحليل بيانات المنذرين في توليد مزيد من التوقعات
السياسية الدقيقة، والاستثمارات العقارية السليمة. وتستكشف تاكر حالياً إمكانية
تطبيق مقاييس المنذرين على الشؤون المالية.

تقول تاكر: “يبدو هذا مألوفاً بالنسبة لعديد من الناس”.
وأضافت: “جميعنا يعرف ذلك الشخص، أو ربما تكون أنت هذا الشخص. وبالنسبة لهم
فقد فسرتُ حياتهم فجأة”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى