تقارير وملفات إضافية

هل أصبح على ترامب الاختيار بين السعودية حليفته المفضلة وبين منتجي النفط الصخري؟

هل يمكن أن يحظر ترامب استيراد النفط من السعودية للولايات المتحدة؟

كان مجرد طرح هذا السؤال أمراً غير متخيل، ولكن ما حدث لشركات النفط الصخري الأمريكية دفع قادة جمهوريين مؤيدين لترامب إلى دعوته لمنع النفط القادم من السعودية حليفته الأثيرة.

فبالنسبة لأغلب سكان العالم كان انهيار سعر النفط إلى ما تحت الصفر مثاراً للتندر والسخرية، ولكن بالنسبة للعاملين في شركات النفط الصخري الأمريكية كان هذا بمثابة يوم القيامة.

بينما كان الكثيرون في العالم يفكرون في السنتات التي سيوفرونها مع انخفاض سعر النفط، كان العاملون في شركات النفط الصخري يفكرون في وظائفهم، وملاكها يفكرون كيف سيدفعون الديون الطائلة التي تراكمت عليهم.

وتبدو هذه الشركات تواجه كابوساً حقيقياً يتعلق بقدرتها على البقاء، حسبما ورد في تقرير لموقع CNN Business.   

بدأ الأمر مع تسبب جائحة فيروس كورونا في انخفاض الطلب على النفط بسرعة كبيرة، لدرجة أن أماكن تخزين النفط قد نفدت.

 وفي الوقت نفسه، غمرت روسيا والمملكة العربية السعودية العالم بإمدادات زائدة قبل سريان الاتفاق الأخير الذي تم بضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتخفيض الإنتاج بين أوبك وروسيا.

ولكن النفط السعودي واصل الانهمار على السوق الأمريكية قبل دخول الاتفاق حيز النفاذ في 1 مايو/أيار، والنتيجة كانت يوم القيامة الخاص بالنفط الصخري.

 تحول الخام الأمريكي (خام غرب تكساس) لشهر مايو/أيار إلى سلبي يوم الإثنين، وهو أمر لم يحدث قط منذ بدء تداول عقود النفط الآجلة في بورصة نايمكس في عام 1983. ويمكن وصفه بسهولة بأنه أسوأ يوم في تاريخ سوق النفط على الإطلاق.

وحتى مع عودة الخام الأمريكي تسليم يونيو/حزيران لمستويات تدور حول أعلى من 20 دولاراً للبرميل، فإن هذا يعد كارثياً لشركات النفط الصخري.

وقال أرتام أبراموف، رئيس أبحاث الصخر الزيتي في شركة Rystad Energy للأبحاث: “حتى سعر 30 دولاراً يعد بالفعل سيئاً للغاية، ولكن بمجرد أن تصل إلى 20 دولاراً أو حتى 10 دولارات يصبح كابوساً كاملاً”.

المشكلة أن العديد من شركات النفط لديها الكثير من الديون خلال الأوقات الجيدة، ولن يتمكن البعض منهم من النجاة من هذا الانكماش التاريخي.

ومن المتوقع أن تسعى العديد من شركات النفط الصغيرة إلى حماية الإفلاس في الأشهر المقبلة، بعد أن أمضت سنوات في اقتراض مليارات الدولارات لاستخراج الخام ونقله. 

وشركات النفط الأمريكية لديها ديون بقيمة 86 مليار دولار مستحقة بين عامي 2020 و2024، ولدى شركات خطوط الأنابيب 123 مليار دولار إضافية يتعين عليها سدادها أو إعادة تمويلها خلال الفترة نفسها، وفقاً لخدمة موديز للمستثمرين.

قبل عقد أو عقدين كان من شأن أسعار النفط المنخفضة أن تعزز الاقتصاد الأمريكي من خلال خفض تكاليف الطاقة. 

لكن صناعة النفط أصبحت كبيرة ومهمة للغاية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي -توظف بشكل مباشر وغير مباشر 10 ملايين شخص- لدرجة أن مشاكلها ستوجه ضربة للعديد من الأعمال، بما في ذلك الشركات المصنعة التي تبني معداتها، وشركات الصلب التي تصنع أنابيبها ومصارفها وتحوطها، والأموال التي تقرضه المال.

في الأزمة السابقة التي استمرت بين عامي 2014 و2016 أدى انخفاض حاد في الأسعار إلى فقدان الصناعة النفطية نحو 200 ألف من العاملين بها، أي ما يقرب من نصف القوى العاملة بأكملها.

والشهر الماضي، ومع بدء أزمة النفط وتدهور الاقتصاد العالمي جراء كورونا، فإن شركة Rystad Energy للأبحاث قالت إنه من المحتمل أن يتم إلغاء أكثر من مليون وظيفة في خدمات حقول النفط هذا العام، في أعقاب انتشار فيروس كورونا وتراجع أسعار النفط، وذلك حتى قبل انحدار سعر النفط لما تحت الصفر بـ37 دولاراً يوم الإثنين الماضي. 

إغلاق الآبار بالنسبة لشركات النفط الصخري عملية مكلفة وشاقة، حيث يضطر العمال إلى معالجة أغلفة الآبار بالمواد الكيميائية حتى لا تتآكل بمجرد توقف تدفق النفط. وليس هناك ما يضمن إمكانية إعادة تشغيل البئر المغلقة وجعلها تضخ الكثير من النفط كما فُعل في وقت سابق.

“سيكون شهر أبريل/نيسان رهيباً، لكن شهر مايو/أيار سيكون مستحيلاً”، حسب وصف أحد أصحاب هذه الشركات.

في بيئة نفطية تدور حول 20 دولاراً، ستقدم 533 شركة للتنقيب عن النفط الأمريكي وإنتاجه ملفاً للإفلاس بحلول نهاية عام 2021، وفقاً لشركة Rystad Energy.

وقدرت الشركة أنه عند 10 دولارات سيكون هناك أكثر من 1100 حالة إفلاس.

وقال أبراموف: “عند 10 دولارات سيتعين على كل شركة أمريكية لديها ديون أن تودع الفصل 11 أو تنظر في الفرص الاستراتيجية”.

ويعد الفصل 11 هو شكل من أشكال الإفلاس بالقانون الأمريكي، ينطوي على إعادة تنظيم الشؤون التجارية والديون والأصول للمدين، وعادة ما تقدم الشركات الفصل 11 إذا كانت تحتاج إلى وقت لإعادة هيكلة ديونها. هذا الإصدار من الإفلاس يمنح المدين بداية جديدة.

 قال رايان فيتزموريس، استراتيجي الطاقة في رابوبانك: “سيكون هناك كثير من الشركات التي لن تنجو من هذا الانكماش الاقتصادي”. “هذا هو واحد من أسوأ الانكماشات النفطية على الإطلاق”.

فقد قطاع الطاقة في ستاندرد آند بورز 500 أكثر من 40% من قيمته هذا العام، على الرغم من الانتعاش الهائل في سوق الأسهم بشكل عام خلال الشهر الماضي.

خسرت إحدى الشركات العاملة في النفط الصخري أكثر من 90% من قيمتها هذا العام. ويتم تداول أسهمها بأقل من 30 سنتاً.

وأصبحت شركة Whiting Petroleum أول كارت دومينو يسقط عندما تقدم هذا النجم الصخري السابق بطلب حماية تحت الفصل 11، في 2 أبريل/نيسان 2020، لكن بالتأكيد لن يكون الأخير.

ويتوقع سيناريو Rystad الذي يقوم على أن النفط سيدور حول 20 دولاراً للبرميل، أن تتم إعادة تنظيم أكثر من 70 مليار دولار من ديون شركات النفط في حالة الإفلاس، يليها 177 مليار دولار في عام 2021. 

وهذا الرقم يشمل فقط شركات الاستكشاف والإنتاج، وليس صناعة الخدمات التي توفر الأدوات والقوى العاملة للحفارين.

سيكون العامل الذي سيحدد حجم الأزمة هو المدة التي تظل فيها أسعار النفط رخيصة. 

وقد يسمح انتعاش الأسعار السريع للعديد من شركات النفط بتجنب الإفلاس.

قال بودي كلارك، الرئيس المشارك لممارسة الطاقة في شركة هاينز وبون للمحاماة في هيوستن، إن شركته “مشغولة للغاية” وتعمل على التعامل مع إفلاس النفط المحتمل. 

واضطر هاينز وبون إلى سحب محامين من مناطق أخرى في الشركة للعمل على مشكلة النفط.

قال كلارك، الذي بدأ العمل في الصناعة عام 1982: “لا أعتقد أنني رأيت شيئاً مثل هذا في حياتي، إنه أمر غير مسبوق”.

يعتقد كلارك أنه على الرغم من المزيد من الانهيار في الأسعار سيظل هناك فقط 100 إفلاس نفطي في عام 2020.

وقال كلارك “من الصعب تصديق أن 100 حالة إفلاس هي وجهة نظر متفائلة. هذا يُظهر لك فقط أين نحن”.

قال كلارك “إن الشركات تواجه صعوبة في وضع خطط إعادة الهيكلة، لأنها لا تعرف سعر النفط خلال المرحلة القادمة”.

وربما سيكون هناك المزيد من حالات الإفلاس بالفعل لولا التقلب الشديد في أسعار النفط.

بينما تركز الشركات على أن يكون الإفلاس طبقاً للفصل الـ11 للحصول على التمويل والدعم المطلوبين للاستمرار.

قد لا يرغب حاملو الديون الذين عادة ما يستبدلون ديونهم بحقوق الملكية تلك الأسهم في ذلك، أي أنهم قد يرفضون مبادلة ديونهم بأسهم في الشركات المدينة.

وهذا يعني أنه على عكس انهيار 2014-2016، فإن بعض شركات النفط قد لا تعيش على الإطلاق.

“الفصل 11 يتطلب رعاة ماليين لدعم الشركة، ولكن في ظل هذه الظروف قد يكون لمزيد من تصفيات الفصل السابع”.

ويسمح الفصل السابع وفقاً للقانون الأمريكي بأنه في حال الإفلاس تتم تصفية الأصول لدفع أموال الدائنين، أي أن الشركات لا تستمر في هذه الحالة عكس الفصل الحادي عشر.

 يمكن أن يقدم سيناريو الكابوس فرص شراء مربحة لأكبر اللاعبين في الصناعة. ذلك لأن شركات النفط المتعثرة، إما في حالة الإفلاس أو قبلها ستضطر إلى بيع مساحة كبيرة، بأسعار بيع منخفضة. 

يمكن أن يتسبب ذلك في إغراء الشركات الأمريكية الكبيرة مثل إكسون وشيفرون للقيام بعمليات استحواذ لهذه الحقول.

وقال موريسون: “سيتمكّن أصحاب الميزانيات القوية من الاستفادة من الوضع”.

ومع ذلك، أشار إلى أن الشركات الكبرى ستكون “حذرة بشأن سحب الزناد” في الأشهر الستة المقبلة، لأنه يجب عليهم الدفاع عن أرباحها أولاً في ظل سوق نفطي متراجع.

وأدى انهيار النفط إلى لعبة تخمين بشأن الشركات التي ستخضع للإفلاس. الشركات الأكثر ضعفاً هي تلك التي تكدّس عليها الكثير من الديون، وتواجه استحقاقات الديون التي تلوح في الأفق، ولا يمكنها توليد تدفق نقدي حتى لتسديد مدفوعات فوائدها (وليس أصول الديون).

على الرغم من أنه سبق أن تعافت صناعة النفط الصخري من أزمة 2014-2016، فإن هناك مخاوف من أن صناعة الصخر الزيتي قد أصيبت بمشاكل دائمة.

والشهر الماضي، قال فينسنت ج. بيازا، كبير محللي النفط في شركة BI، إن أضعف الشركات “ستنتقل إلى أيدٍ أقوى”، “ستكون الصناعة في حالة أفضل بكثير مما كانت عليه في 2014-2016. الميزانية العمومية في شكل أفضل بكثير.

وقال رئيس شركة FGE العالمية لاستشارات الطاقة إنه يتوقع أيضاً أن يؤدي ضغط الأسعار إلى إجبار المستكشفين على أن يصبحوا أكثر كفاءة وتنافسية من حيث التكلفة.

ولكن المشكلة أن المستثمرين سئموا بالفعل من التقلبات الرهيبة للصناعة بعد سنوات من الإنفاق المفرط وزيادة العرض. وكان ذلك حتى قبل الانهيار الكبير للنفط عام 2020.

يبدو أن أحد الحلول التي يطرحها الساسة الجمهوريون هو معاقبة السعودية.

فقد حث السيناتور الأمريكي كيفين كريمر، وهو جمهوري من نورث داكوتا، ترامب على “منع” ناقلات النفط السعودية من التفريغ في الولايات المتحدة.

وقال الرئيس ترامب إنه على استعداد لمساعدة شركات النفط والغاز الأمريكية.

قال ترامب إنه منفتح على فكرة حظر النفط السعودي.

وقال الرئيس خلال مؤتمر صحفي يوم الإثنين “لدينا بالتأكيد الكثير من النفط، لذا سألقي نظرة على هذه الفكرة”.

لكن السياسات التي اقترحها هو ومسؤولون إداريون آخرون -بفرض رسوم جمركية على النفط الأجنبي أو ملء احتياطي البترول الاستراتيجي- لن تفعل الكثير، بل يحتمل أن تسبب مشاكل للأمريكيين.

إذ إن لدى صناعة النفط العالمية كمية نفط أكبر بكثير مما يحتاجه العالم، حوالي 30 مليون برميل يومياً أكثر من اللازم. 

حتى لو بدأت الحكومة الفيدرالية في شراء النفط للاحتياطي على الفور، يمكنها استيعاب نصف مليون برميل فقط في اليوم، أو أقل من 2% من الإنتاج العالمي الزائد.

كما حذر محللو الطاقة ومسؤولو الصناعة من أن استبعاد النفط الأجنبي يمكن أن يأتي بنتائج عكسية لأن المصافي الأمريكية لا يمكنها العمل فقط على النفط الصخري الأمريكي. 

وقال إن صناعة النفط الأمريكية تتطلب جرعة صحية من النفط الثقيل، ومعظمها من الخارج، لإنتاج وقود الطائرات وبنزين المحركات والديزل بشكل مربح.

علق بعض المسؤولين التنفيذيين في الصناعة آمالهم على لجنة السكك الحديدية في تكساس، مطالبينها بممارسة سلطة لم تستخدمها منذ عام 1973 لإجبار شركات النفط في الولاية على خفض الإنتاج. 

لكن اللجنة التي تنظم الصناعة هناك رفضت القيام بذلك في اجتماع عُقد عبر التداول بالفيديو يوم الثلاثاء، حيث قال اثنان من مفوضيها الثلاثة إنهم بحاجة إلى مزيد من المشورة القانونية قبل اتخاذ أي قرار.

يبدو أن الرئيس الأمريكي في مأزق حقيقي.

فسياسات السعودية، حليفته الأثيرة، تسببت في ضرر كبير لصناعة النفط الأمريكية، ولاسيما النفط الصخري، والتي تتركز في ولايات جمهورية مثل تكساس وأوكلاهونا وداكوتا الجنوبية.

واليوم عليه أن يختار بين المملكة وقاعدته الانتخابية الجمهورية التي مازالت تؤيده رغم أدائه المتعثر في أزمة كورونا.

ولكنها لن تتسامح معه إذ خسرت أموالها.

كما أن هناك حدوداً لقدرة أمريكا في الضغط على روسيا.

وعلى مدار التاريخ كان القادة الأمريكيون أقدر على الضغط على أصدقائهم في الخارج، ولكنهم ضعفاء أمام ناخبي الداخل.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى