ثقافة وادب

حكاية عشق كانت سبباً لبناء درة العمارة الإسلامية في الهند.. تعرف على قصة “تاج محل”

“تاج محل” ليس فقط جوهرة الفن الإسلامي في الهند، وواحد من عجائب الدنيا؛ بل هو أيضاً تجسيد لشغف إمبراطور عاشق يدعى شاه جيهان، وانعكاس لجمال إمبراطورة اتصفت بحسنها وتواضعها تدعى ممتاز محل.  

فبعد وفاة زوجته ممتاز محل، أثقل الحزن كاهل الإمبراطور المغولي، فعزل نفسه عاماً كاملاً شاب فيه شعره وانحنى ظهره وتغيرت ملامحه، ثم خرج من عزلته ليقرر بناء ضريح ضخم يضم رفات زوجته الحبيبة، فاستقدم المهندسين والحرفيين من بغداد وشيراز وكشمير وبخارى والقسطنطينية وسمرقند، وأمر باستخدام 40 نوع من الأحجار الكريمة لبناء واحد من أهم التحف المعمارية حول العالم.

فلنتعرف معاً على درة العمارة الإسلامية في الشرق، وعلى قصة الحب التي كانت سبباً لبنائه:

على ضفة نهر يامونا في مدينة أغرا، شيد تاج محل بالمرمر الأبيض بأسلوب معماري فريد يجمع بين الطراز المعماري الفارسي والتركي والعثماني والهندي.

وقد استغرق بناؤه قرابة 21 عاماً، إذ أعطى الإمبراطور شاه جيهان الأوامر ببنائه في العام 1632 ولم تكتمل المهمة حتى عام 1653.

لا نعلم على وجه التحديد هوية المهندس الذي قام بتصميم هذا الصرح، لكن يرجح المؤرخون أنه المهندس الفارسي “أستاذ أحمد لاهوري”، ويقال كذلك أنه من المحتمل أن مهمة التصميم كانت مسندة إلى المهندس التركي عيسى أفندي والشيرازي محمد سيازي خان.

شارك في بناء “تاج محل” حوالي 22 ألفاً من العمال والمهندسين القادمين من مختلف بقاع الأرض، فقد تم جلب المعماريين والحرفيين من بغداد ومن القصور العثمانية في تركيا وقدم مصممو الحدائق من كشمير والخطاطون من شيراز والحجارون والنحاتون وحرفيو الجص ومصممو القباب والبناؤون من بخارى والقسطنطينية وسمرقند.

وقد بُني ضريح الإمبراطورة المغولية من الرخام الأبيض النقي الذي تم استخراجه من محجر جبل “ماكراتا” والذي يبعد 563 كم (في إقليم راجستان)، وتم استحضارالحجر الرملي الأحمر من دلهي كما أحضرت الحجارة الكريمة بالقوافل من كل أنحاء الأرض: اليشب من البنجاب والعقيق الأحمر من بغداد والفيروز من التيبت والملكيت واليشم والكريستال من تركستان وغيرها من اللؤلؤ والماس والزمرد والصفير… إذ استخدم في بناء تاج محل أكثر من أربعين نوعاً من الأحجار الكريمة.

وعدا عن الأسلوب المعماري الفريد الذي اتبع في بناء هذا الضريح، استخدم المهندسون العديد من أساليب الخداع البصري التي جعلت من تاج محل تحفة ترقى لمستوى واحدة من عجائب الدنيا السبع، إذ يتغير لون البناء مع اختلاف أوقات النهار بحسب موقع الشمس وانعكاس الماء على المرمر الأبيض.

لذا لا عجب أن تعلن اليونيسكو عام 1983 أن تاج محل موقع تراث عالمي وأن تصفه بأنه: “درة الفن الإسلامي في الهند ومن أجمل نماذج التراث العالمي”.

عندما خُطبت ممتاز محل لزوجها المستقبلي شاه جيهان، كانت تبلغ من العمر 14 عاماً فقط، في حين كان عمره 15 عاماً.

دامت خطبة شاه جيهان وممتاز محل من عام 1607 حتى 1612، وخلال سنوات الخطبة الخمس هذه تزوج شاه جيهان بزوجته الأولى الأميرة قندهار بيجوم، وعندما بلغت ممتاز محل سن الـ19 تزوجت شاه جيهان، لتكون بذلك زوجته الثانية وحبه الأبدي.

وقد تزوج شاه جيهان كذلك بالثالثة بعد فترة من زواجه بممتاز محل، إلا أن المؤرخين ذكروا أن زيجاته تلك كانت عبارة عن تحالفات سياسية بحتة، وأن ممتاز محل كانت حبه الوحيد الذي لا ينضب، وقد كان الإمبراطور مأخوذاً بممتاز محل، لدرجة أنه بالكاد كان يجتمع بزوجاته الأخريات.

وعندما وصل شاه جيهان إلى العرش في عام 1628 اختار ممتاز جيهان لتكون إمبراطورة المغول، متجاوزاً بذلك زوجته الأولى، وقد أطلق عليها لقب “مليكة جهان” أي “ملكة العالم” و “مليكة الزمزاني” أي “ملكة العصر”.

وإلى جانب كونها حبيبته وصديقته ورفيقته، كانت ممتاز محل كذلك مستشارة الإمبراطور في شؤون الحكم والسياسة، حتى أنه منحها ختمه الإمبراطوري الذي كانت تصدّق به على المراسيم المتعلقة بشؤون الإمبراطورية الداخلية والخارجية، بمعنى آخر كانت تشاركه في الحكم بكل تفاصيله.

وقد كان لا يطيق الابتعاد عنها، لدرجة أنه كان يصحبها معه في جميع رحلاته وغزواته وحملاته العسكرية رغم حملها المتكرر، فقد أنجبت ممتاز محل للإمبراطور 14 ولداً (ثمانية أبناء وست بنات)، مات سبعة منهم عند الولادة أو في سن مبكرة جداً خلال 19 عاماً قضاها الزوجان معاً.

توفيت الإمبراطورة بسبب نزيف حاد أصابها أثناء ولادة طفلها الرابع عشر، بعد مخاض طويل استمر نحو 30 ساعة في عام 1631، عن عمر يناهز 38 عاماً.

وقد تم دفن جسدها مؤقتاً بمدينة “برهانبور” في حديقة مسورة معروفة باسم زينباد على ضفة نهر تابتي.

وفي أعقاب فجيعة الإمبراطور بزوجته الراحلة، قيل إنه حزن حزناً أشاب شعره وغيَّر ملامح وجهه وأحنى ظهره، إذ مكث في عزلة تامة عاماً كاملاً، وقيل إن ابنته الكبرى جهانار بيجوم استطاعت أن تخرج والدها تدريجياً من هذا الحزن، ليستعيد عافيته ويقرر بناء واحد من أعظم الصروح التاريخية في العالم الإسلامي: تاج محل.

وعندما أتم الحرفيون بناء تاج محل، وبعد حوالي 22 عاماً من وفاتها، تم نقل رفات الإمبراطورة ممتاز محل في تابوت ذهبي إلى ضريحها الجديد.

هناك عديد من النظريات حول أصل اسم “تاج محل”، إذ يذهب بعض المؤرخين إلى أن اسم “تاج محل” اختصار لاسم “ممتاز محل”

بينما يقول آخرون إن السكان المحليين في أغرا قد أطلقوا على الإمبراطورة اسم  “تاج محل”، واعتقدوا أن المقبرة قد سُميت باسمها، لكن لا توجد دلائل قوية على أصل الاسم بكل الأحوال.

قيل إن الإمبراطور شاه جيهان قد أمر المهندسين بأن يصمموا تاج محل بطريقة يتمكن فيها من مشاهدة الضريح أو انعكاسه في الماء من كل جانب من جوانب قصره.

وقيل أيضاً إن الإمبراطور قد أمر بقطع أيدي المهندسين والحرفيين الذين أسهموا في بناء هذه التحفة المعمارية، كي لا يقوموا بتصميم وصنع مثلها في أي مكان آخر بالعالم، إلا أنه لا توجد دلائل قطعية تثبت هذه الأقاويل، وربما هي مجرد مبالغات رواها العامة في وصفهم لعظمة هذا الضريح وتميّزه.

وبقي الإمبراطور العاشق يطل من شرفته، ليملي عينيه من ضريح محبوبته إلى أن توفي هو أيضاً ودُفن بجانب حبه الأبدي.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى