تقارير وملفات إضافية

“الأوضاع ستتحول من سيئة إلى كارثية”.. دول الخليج في خطر نتيجة تتابع الصدمات الاقتصادية

قبل شهرين تقريباً، وقُبيل الانتشار العالمي لفيروس كورونا؛ نفّذت الرياض مناورةً جريئة لخفض أسعار النفط. وأدرك السعوديون أنّ ذلك سيضُر بحدّ الربح الأدنى -أي سعر التعادل النفطي الخاص بهم والضروري لموازنة الميزانية- لكنّهم لم يتوقّعوا هذا الحجم من التراجع الكبير في الطلب بالتزامن مع توقُّف الاقتصاد العالمي.

ووصف الاقتصاديون تأثير ذلك الأمر على اقتصادات الشرق الأوسط بـ”الصدمة المزدوجة”. ففي الأسبوع الماضي، دخل خام غرب تكساس الوسيط، المعيار الأمريكي لتحديد سعر السلعة، منطقة التسعير السلبي للمرة الأولى في التاريخ. ما أثّر اقتصادياً على مُنتجي النفط في الخليج من جديد، لكنّها كانت صدمةً ثالثة أخفّ وطأة.

يقول مايك لينش، من شركة الاستشارات الأمريكية Seer Energy، لموقع Middle East Eye البريطاني: “حين اتضح لنا مدى سوء الجائحة، توقّع (السعوديون) أن تسير الأمور من سيئ إلى أسوأ؛ لكنّها تحوّلت من الأسوأ لتصير كارثية لأنهم لم يتخيّلوا ما حدث الأسبوع الماضي”.

إذ أوشكت مساحات التخزين في الولايات المتحدة على بلوغ سعتها التخزينية القصوى، وانخفض الطلب على النفط عالمياً بـ9.3 مليون برميل يومياً في عام 2020؛ ما أصاب أسواق العقود الآجلة بالذعر وخفض أسعار خام غرب تكساس لأقل من الصفر في مايو/أيار.

كما انخفض سعر خام برنت، مُؤشر الأسعار السائد، علاوةً على انخفاض أسعار 14 نوعاً آخر من النفط الخام الخاص بدول منظمة أوبك.

وقالت كيت دوريان، المديرة الإقليمية لبرنامج الشرق الأوسط ودول الخليج في المجلس العالمي للطاقة، للموقع البريطاني: “إنها صدمةٌ من نوعٍ جديد، وهذا أمرٌ غير مسبوق. إذ تتمتّع بعض دول الخليج بوضعيةٍ أفضل من غيرها، ولكن من الصعب تحديد كيفية اجتياز كل دولة لتلك الأزمة. وانظروا إلى المملكة العربية السعودية، وحربها في اليمن، والأعمال التجارية التي سيخسرونها. الوضع فوضوي”.

أسفرت قرارات السعودية في مارس/آذار عن زيادة إنتاج المملكة إلى 13 مليون برميل يومياً. وكان من المفترض أن تستقر الأسعار بموجب اتفاق جرى التوصّل إليه أوائل أبريل/نيسان بين مُنتجي النفط العالميين، إذ وافقت السعودية على خفض إنتاجها بمقدار 3.3 مليون برميل يومياً للحيلولة دون إغراق السوق بالنفط الرخيص، فضلاً عن الحفاظ على استمرار شركات النفط الصخري الأمريكية التي تحتاج سعراً أعلى للبرميل حتى تبقى في المنافسة.

وأسفر الوضع الجديد عن امتلاء خزانات النفط حول العالم عن بكرة أبيها -حيث بلغت الهند 95% من سعة تخزينها الإجمالية- في حين أُعيدت ناقلات النفط إلى الخدمة لتصير سُفن تخزين بعد أن كانت في طريقها إلى ورش الصيانة.

قال لينش: “في حال لم يتعافَ الاقتصاد العالمي سريعاً، فسوف تمتلئ الخزانات ويتوقّف الناس عن طلب النفط. وفي حال فقدت العملاء المضمونين، فسوف يخسر المُنتجون. وإذا لم يرغب أحدٌ في النفط؛ فلا مفر من توقّف القطاع عن العمل”.

ولا تُمثّل مهمة سد آبار النفط، أو إغلاقها ثم إعادة فتحها، عمليةً مُعقّدة للغاية بالنسبة لغالبية مُنتجي النفط في الخليج نظراً لسهولة الوصول إلى الخام، وهذا الأمر هو من الأسباب الرئيسية لإنتاج ثُلث نفط العالم في هذه المنطقة. وقال لينش: “تمتلك السعودية والعراق النفط الأرخص سعراً”.

ما تزال السعودية تستخرج النفط من حقولها الخمسة الضخمة التي دخلت الخدمة قبل نحو 70 عاماً. ولكن مع ارتفاع الطلب على النفط وتحسّن التكنولوجيا خلال العقدين الماضيين؛ بات من السهل استخراج النفط الذي يصعب الوصول إليه من الحقول القديمة غير التقليدية، باستخدام التقنيات المُعزّزة في الاستخراج المحسَّن للنفط.

وسيضمن الانخفاض الإضافي في الأسعار أن تظل تلك الحقول غير قابلة للحياة تجارياً، ما سيُؤثّر على مُنتجي المنطقة الذين سارعوا لاستخراج أكبر قدرٍ مُمكن من النفط وكسب دولارات التصدير الضرورية.

وترتب على ذلك حالياً إلغاء مشاريع البنية التحتية النفطية، أو تعليقها في كافة أنحاء الخليج، في حين تُعيد شركات النفط الدولية مُراجعة عملياتها مع التفكير في شراء الأوراق المالية مُنخفضة الأسعار.

فضلاً عن خطر إغلاق المُدن بسبب فيروس كورونا، ما يمنع العاملين في قطاع النفط من تنفيذ أعمالهم في الحقول والمصافي والبنية التحتية المرتبطة بها، علاوةً على المخاطر التي يُواجهها العاملون أنفسهم بسبب الفيروس.

من المتوقّع أن يُؤدّي انخفاض الطلب على النفط إلى خفض أرباح قطاع الطاقة العالمي بنحو 60%. وتقع السعودية في موقفٍ عصيب بشكلٍ واضح، إذ تتلقّى اللوم على عدم استقرار أسواق النفط في أعقاب قرارات شهر مارس/آذار.

وقال كريستيان أولريخسن، زميل أبحاث الشرق الأوسط بمعهد Baker Institute في جامعة رايس بالولايات المتحدة: “أخطأ السعوديون في التقدير حين اعتقدوا أنهم لن يُحمَّلوا المسؤولية عن انهيار أسعار النفط، رغم أنّ السبب في ذلك يعود جزئياً إلى انخفاض الطلب. لكنّهم يُمثّلون هدفاً سياسياً سهلاً”.

وربما يقع اللوم في النهاية على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة. إذ أقرّ وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، في مقابلةٍ أجراها مؤخراً، بأنّ أخيه الأكبر غير الشقيق ولي العهد كان المسؤول عن خفض إنتاج النفط: “الشخص الذي خرج بالفكر هو قائدي، الأمير محمد”.

كما من الممكن أن يُحمّل بن سلمان المسؤولية عن الآثار الاقتصادية التي ستقع على المملكة وخططها للتنويع الاقتصادي.

إذ قال أولريخسن: “سوف يُحكَم على ولي العهد بحسب ما سيفعله لجعل حياة السعوديين أفضل من الناحية الاقتصادية، لأنه راهن على مصداقيته بوصفه زعيماً انتقالياً وعد بأنّ الحياة ستتحسّن بحلول عام 2030”.

من الضروري خلق وظائف لسكان الخليج الشباب، وهو الأمر الذي يُمكن تنفيذه فقط من خلال التنويع بعيداً عن الاعتماد على القطاع العام الذي تُموّله العائدات النفطية.

ففي الكويت يعمل 78% من المواطنين لصالح الدولة، وتصل النسبة إلى 57% في السعودية، بحسب إحصاءات معهد Arab Gulf States Institute البحثي.

إذ قالت كيت: “نشهد السعوديين وهم يخفضون نفقاتهم فعلياً، وتزداد ديونهم، بينما يكبحون الإنفاق في أسوأ وقتٍ مُمكن لأنهم بحاجةٍ إلى حوافز مالية لدعم شعبهم. وإذا كانوا ينتظرون عودة القطاع الخاص لخلق الوظائف بدلاً من الدولة؛ فهذه أخبارٌ سيئة”.

وتعيش دول الخليج في مرحلة تعثُّر منذ وقتٍ يسبق اندلاع أزمة فيروس كورونا، إذ حذّر صندوق النقد الدولي في تقرير فبراير/شباط من أنّ صافي ثروة المنطقة قد يتحوّل إلى رقمٍ سلبي خلال أقل من 14 عاماً.

بينما أوضحت لوري هايتايان، خبيرة النفط والغاز بمعهد Natural Resource Governance Institute البحثي، لموقع Middle East Eye البريطاني: “قال تقرير صندوق النقد الدولي إن استقرار سعر البرميل عند 20 دولاراً سيجعل الخليج فقيراً بحلول عام 2027، أي بعد سبع سنوات فقط من الآن. وحتى في حال ارتفاع الأسعار إلى 30 دولاراً، فيجب أن تشعر المنطقة بالقلق”.

عزا صندوق النقد الدولي هذه التوقعات المستقبلية المُقلقة إلى ضعف تنفيذ استراتيجيات التنويع التي كان من المفترض برؤية 2030 تناولها، وهي خطة ولي العهد السعودي لخفض اعتماد المملكة على النفط.

ومع ذلك، فإنّ السياسات التي أتت مُتأخّرةً للغاية ركّزت كذلك على قطاعات تأثّرت بشدة نتيجة أزمة فيروس كورونا، مثل السياحة والصناعات الثقيلة والبتروكيماويات.

وأردفت لوري: “فيروس كورونا أشبه بإسقاط على مستقبل البلدان المُنتجة للنفط في ظل حديث الناس عن بلوغ ذروة الطلب على النفط، والمخاوف البيئية، وتغيّر المناخ. وهو أمرٌ لا يبدو جيداً للشرق الأوسط. لأنه يُمثّل صفعةً على وجه المُنتجين”.

في ظل جهلنا بطول الفترة التي ستستغرقها عمليات إغلاق المدن، وتعديل الاقتصاديين لتوقعاتهم كل أسبوع؛ ستضطّر دول الخليج إلى اقتراض الأموال من أجل البقاء على قيد الحياة.

إذ أعلنت السعودية أنها قد تقترض 58 مليار دولار من الأسواق العالمية في العام الجاري، ضمن أكبر برنامج للديون منذ عام 2016. في حين جمعت قطر نحو 10 مليارات دولار، وجمعت أبوظبي 7 مليارات دولار.

كما تأثّر الإنفاق العسكري في ظل شدّ دول الخليج للأحزمة على بطونها؛ نظراً لأنّ الحرب في اليمن كبّدت السعودية نحو 5 مليارات دولار شهرياً.

وربما تُجبر هذه الصدمة الاقتصادية الثلاثية حُكّام الخليج على التحرّك سريعاً من أجل الاستجابة للأزمة.

وأضافت لوري: “المنطقة في مُفترق طرق خطير. فإما أن تعيش المنطقة سيناريو يوم الحساب وتسقط في هوة العُنف وقمع المعارضين من جديد، أو تتصرّف الحكومات وكأنّها حكومات حقيقية مسؤولة تُنقذ بلدانها ولا تُعاملهم مثل الأب الذي يرعى أطفاله”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى