تقارير وملفات إضافية

كيف تسبب كورونا في إغلاق للمسجد الأقصى لم يحدث منذ الحملات الصليبية؟

لم يحدث أن شهد المسجد الأقصى إغلاقاً طوال شهر رمضان منذ القرن الثاني عشر، فكيف انعكست تداعيات الإغلاق بسبب وباء كورونا على المسلمين في فلسطين، وكيف يمكن التعايش مع إجراءات التباعد الاجتماعي في زمن الفيروس؟

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “في القدس.. عودة حظر رمضاني لم يشهده الأقصى منذ الحملات الصليبية”، ألقى الضوء على تحقيق وباء كورونا ما لم تتمكن إسرائيل من تنفيذه على مدى عقود وهو إغلاق المسجد الأقصى.

المرة السابقة التي منعت فيها السلطات المصلين المسلمين من دخول مجمع مسجد الأقصى طوال شهر رمضان، كانت في عصر سيطرة الصليبيين على القدس في العصور الوسطى. 

والآن، حققت جائحة فيروس كورونا ما عجزت السلطات عن تحقيقه في القرون السالفة، إذ أخلت باحات ثالث الحرمين المزدحمة دائماً، والتي يؤمن المسلمون بأن الله عرج بمحمد منها إلى السماء السابعة، وما حظر دخول المسجد الأقصى إلا مثالٌ واحد على تغيُّر وجه شهر رمضان المبارك على المسلمين في فلسطين وإسرائيل، إذ يحاولون التعايش مع إجراءات التباعد الاجتماعي التي اتخذتها الحكومة.

فبدلاً من حضور ولائم الإفطار المجهزة بعناية، مع الأقارب والأباعد وتدخين النرجيلة في المقاهي المزدحمة، قضى عرب إسرائيل والفلسطينيون أغلب أوقات رمضان في عزلة كريهة.

واقفاً خارج أحد مداخل مجمع الأقصى المغلقة، حبس محمد سليمان، حارس أمن بمدرسة في القدس، دموعه وتحدَّث عن رغبته الشديدة في الصلاة بالأقصى، وقال سليمان، متأبِّطاً سجادة صلاة خضراء مزيَّنة بالأحمر: “الأقصى سليم، لكننا مرضى. آمل أن نعود إليه قريباً، لأنني أشعر بالوحدة دونه”.

كانت هيئة الوقف الإسلامي، الهيئة الدينية المدعومة من الأردن التي تتولى إدارة مجمع الأقصى، قد قررت في أبريل/نيسان، إغلاق المكان أمام العامة طوال شهر رمضان، بسبب مخاوف متعلقة بالصحة العامة.

وفي باحة من الباحات القليلة المفتوحة بالقرب من مجمع الأقصى الأسبوع الماضي، تجمَّع نحو 30 مصلياً، من بينهم سليمان، تحت شمس الظهيرة الحارقة لأداء صلاة الجمعة، محافظين على مسافة بين بعضهم وبعض، وبالقرب منهم تجمَّع حشدٌ من ضباط الشرطة الإسرائيليين في حالة تأهب.

وفي حين ظل المسجد الأقصى مغلقاً أمام العامة المسلمين، استمر الأئمة العاملون بالمسجد في إلقاء الخطب والدروس، وبثوا مباشرةً على فيسبوك صلوات التراويح والجمعة، وقد شاهدها عشرات الآلاف على وسائل التواصل الاجتماعي، وقدمت منظمات أخرى محتوى إلكترونياً للمسلمين لا مثيل له بمناسبة شهر رمضان.

في “تراويح مقدسية“، صنع تحالف من المنظمات الإسرائيلية والفلسطينية موقعاً إلكترونياً يعرض أحداثاً افتراضية عن الإسلام، وشهر الصيام والثقافة العربية، باللغات العربية والعبرية والإنجليزية، وقد دخل آلاف إلى الموقع؛ لمشاهدة مجموعة متنوعة من البرامج، ومنها درس عن طريقة عمل الكبة، ومحاضرة عن أحاديث النبي محمد، وحفلات العود.

تقول د. راكيل أوكيليس، وهي واحدة من مؤسسي المشروع وأمينة مجموعة الإسلام والشرق الأوسط بمكتبة إسرائيل الوطنية: “نريد أن نقدم للمسلمين محتوىً متنوعاً وثرياً لجذب انتباههم خلال الشهر، لكننا نريد أيضاً توفير فرص لغير المسلمين ليتعلموا عن الإسلام ورمضان”.

وعلى بُعد أقل من ميل من المسجد الأقصى، يشهد متجر جعفر للحلوى، الذي يمتد عمره لعقود، تراجعاً حاداً في مبيعاته خلال الشهر الكريم، إذ بلغت فقط نصف ما باعه في 2019، وقد سمحت الحكومة الإسرائيلية لمتاجر الحلوى في القدس بأن تفتح أبوابها لتسليم الطلبات فقط، في حين خلت صالة تناول الطعام من مرتاديها.

وقال عدنان جعفر، وارث المحل عن أبيه وجده، جالساً بالقرب من واجهة معروضة فيها أطباق البقلاوة والكنافة: “في رمضان، يأتينا في المعتاد أشخاص من كل مكان ليتمتعوا بأطباق الحلوى، لكن هذا الشهر لم يأتِ إلا القليل”، وربما التغيير الأكبر هو إزالة القطائف من قائمة المحل، “إنها المرة الأولى منذ سبعين عاماً التي نمتنع فيها عن بيع القطائف، لكن عدد الزبائن لا يغطي الجهد المبذول في صنعها”.

وقد تأكدت إصابة أكثر من 16500 شخص في إسرائيل بالفيروس ومات به 264، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، بلغ عدد الإصابات المعلن 375 مصاباً، ووفاتين.

ومع قرب انقضاء أيام رمضان، بدأ عدد من الفلسطينيين وعرب إسرائيل في الاحتجاج على قرار إغلاق الأقصى، وجادل بعضهم بأن اليهود يصلُّون متباعدين عند الحائط الغربي، ومن ثمَّ بإمكان المسلمين فعل الشيء نفسه في المسجد الأقصى.

وقال ربحي الرجبي، سائق شاحنة من القدس، جالساً في الظل أسفل شجرة زيتون بالقرب من منزله في المدينة: “إن هذا غير معقول! إن كان لليهود أن يصلُّوا دون مشاكل في مساحة صغيرة كتلك، فمن الواضح أن بإمكاننا الصلاة في مساحة تبلغ أضعافها”. وفي أوائل مايو/أيار، خففت إسرائيل القيود على صلاة اليهود عند الحائط الغربي، وسمحت لما يصل إلى 300 شخصٍ بالذهاب إليه.

لكن عمر القصواني، مدير المسجد الأقصى، دافع بشدة عن قرار إغلاق المسجد أمام المصلين، مجادلاً بأن “الحفاظ على صحة المصلين يأتي في المقام الأول”، وأضاف أن الأقصى في رمضان “ليس كأي مكانٍ آخر. فالناس يتوافدون إليه بعشرات الآلاف وأحياناً بمئات الآلاف، إن سمحنا بدخول الجميع الآن، فإننا نخاطر بنشر العدوى في المجتمع كله”.

لم يُغلق المسجد الأقصى أمام المصلين في شهر رمضان منذ القرن الثاني عشر، حين وقعت المدينة في أيدي الصليبيين، وفقاً للخبراء والقصواني.

وقال مارتن كريمر، رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية شالم بالقدس: “لقد ظل المسجد الأقصى مفتوحاً في أثناء الغزو والحروب والأوبئة. في تلك الأوقات تحديداً يهرع الناس إلى الصلاة”.

وفي عددٍ من المرات، أغلقت إسرائيل الأقصى لفتراتٍ قصيرة في صحوة الهجمات على طواقم الأمن الإسرائيلية والمواجهات بينها وبين المصلين المسلمين، وبعد قتل شرطيين إسرائيليين يحرسان مدخل المسجد على يد ثلاثة مواطنين عرب بإسرائيل في 2017، أغلقت السلطات المسجد نحو يومين.

وفي حين يزعج إغلاق المسجد من اعتادوا الصلاة فيه، فإن ما سيفتقده كثيرون هذا العام هو شعائر عيد الفطر في نهاية رمضان، حيث تسمح إسرائيل عادة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة الغربية بدخول الأراضي المحتلة في عيد الفطر، وتصدر السلطات تصاريح السفر لعددٍ كبير من الفلسطينيين.

وقال عبدالرزاق أبو ميزر، مستشار بمجال التنمية من مدينة الخليل في جنوب الضفة الغربية: “هذا العيد فرصة من الفرص النادرة للتمشي على الشاطئ وشرب القهوة على البحر وأكل السمك والجمبري من ميناء يافا. إنها لحظات مميزة، لأنه لا يمكننا فعل أي من هذا في الخليل”.

وقال مسؤول أمني إسرائيلي، اشترط عدم ذكر اسمه، إن إسرائيل ستتوقف هذا الأسبوع عن إصدار تصاريح للفلسطينيين لزيارة أراضيها في عيد الفطر، وقال أبو ميزر إنه حرص على تفادي الأماكن العامة منذ تفشي الفيروس، لكنه أضاف أنه لن يتردد في الذهاب إلى إسرائيل إن حصل على الإذن، وأضاف: “ليس الخروج فعلاً حكيماً. لكن إن حصلت على تصريحٍ بدخول الأراضي المحتلة، فسأبحث فوراً عن سيارة تقلني إلى البحر”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى