تقارير وملفات إضافية

الهروب إلى الحرب.. هل تشعل إسرائيل وإيران الشرق الأوسط هرباً من أزماتهما الداخلية؟

«الحرب».. هذه الكلمة القبيحة قد تكون «أحب كلمةٍ
اليوم» إلى قلب رجلين في الشرق الأوسط، ففي ظل الأزمات غير المسبوقة التي
تواجه نتنياهو وخامنئي، تبدو حرب إيرانية-إسرائيلية محدودة وبالوكالة -ستدور في
الأغلب على أرض عربية- هي الحل.

فما احتمال اندفاع البلدين وراء هذا الخيار؟ وهل
يخرج عن السيطرة؟ وأي البلدان العربية ستكون ساحة لهذه الحرب
الإسرائيلية-الإيرانية التي يأملان أن تكون محدودة؟

وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن أمس الأربعاء 20
نوفمبر/تشرين الأول 2019، أنه قصف عشرات الأهداف «التابعة للحكومة السورية
وإيران» داخل الأراضي السورية، في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، رداً على
صواريخ أُطلقت من سوريا على إسرائيل، الثلاثاء.

وحذَّر رئيس الوزراء
الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو
، من أن «الاستفزازات الإيرانية المتزايدة وعدم رد الولايات
المتحدة عليها يمكن أن يسفرا عن مواجهةٍ عسكرية خطرة بين إسرائيل
وإيران».

المفارقة أن الإعلام العربي والدولي ليس مهتماً
كثيراً بتصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران وحلفائها، لأن هناك ما يشغله أكثر لأول
مرة، إذ يواجه الطرفان مأزقين يكاد يكونان غير مسبوقين في تاريخهما.

فهل يقرر الرجلان الخروج من الأزمات الداخلية
بإشعال حرب إيرانية-إسرائيلية محدودة وجذب انتباه الإعلام والرأي في بلادهما
بعيداً عن الأحداث المحلية؟

بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، مهدَّد
بخيارين أحلاهما رائع بالنسبة له، وأكثرهما مرارة كارثي.

فإما أن يستمر رئيساً لوزراء إسرائيل عبر حكومة
وحدة وطنية، وهو خيار حلو ولكنه بعيد المنال، وإما أنه قد يضطر إلى دخول انتخابات
ثالثة، قد يُسجن إذا خسرها أو حتى قبل إتمامها، في ظل مطاردة قضائية له بشبهات
فساد.

والنظام الإيراني في وضع لا يقل سوءاً، فبعد أن
نشر طاووس الإمبراطورية الإيرانية  أجنحته على المنطقة، لم يعد يواجه فقط
احتجاجات غير مسبوقة في العراق ولبنان تستهدف حلفاء طهران بالأساس، بل إنه يواجه
مظاهرات نادرة في حدتها بالداخل، بعد أن رفع النظام مضطراً أسعار الوقود، في ظل
عقوبات أمريكية أوقفت تقريباً صادراته النفطية.

وهي مظاهرات لا يُعلم مدى حجمها في ظل التعتيم
الإعلامي، ولكن من المؤكد أنها تمثل تحدياً حقيقياً للنظام، لا يعرف حتى أركان
النظام نفسه حجمه الفعلي، في ظل إمكانية تضخم كرة النار الاحتجاجية التي أشعلتها
القفزة في أسعار الوقود.

وبينما يُفترض أن قادة البلدين المتصارعين على
الشرق الأوسط، مشغولون بهذه المشاكل، فإن اللافت أنه وبالأخص في الحالة
الإسرائيلية، بدا بنيامين نتنياهو مبادراً للانتباه فجأة إلى أولويات الأمن القومي
الإسرائيلي مثلما فعل باغتيال بهاء أبو العطا المسؤول العسكري لحركة الجهاد، بشكل جعل حتى متطرفي
إسرائيل يجاهرون باتهامه باستغلال الجيش لأغراض سياسية مثل حليفه السابق أفيغدور ليبرمان، الذي ينتقده ويقول إنه
سبق أن طلب منه اغتيال أبو العطا ولكنه رفض.

والآن وسّع نتنياهو حملته الانتخابية لتشمل التحرش
بإيران وحلفائها عسكرياً في سوريا، بعدما أطلق الإيرانيون شرارة صغيرة عبر
الصواريخ التي أُطلقت على الجولان السوري المحتل.

وكان لافتاً إبراز إسرائيل ضخامة هجومها، الذي قالت
إنه استهدف عشرات الأهداف العسكرية
التابعة لفيلق القدس الإيراني والجيش السوري داخل الأراضي السورية، تشمل صواريخ
أرض-جو ومقرات قيادة ومستودعات أسلحة وقواعد عسكرية.

فهل تتلقف طهران الرسالة النتنياهوية وتردّ عليه بأعنف منها، لتحافظ على ماء وجهها وتخرج من أزمتها، أم أن الوضع الإيراني أعقد من التورط في هذه اللعبة الخطيرة التي تقوم على تصدير الأزمات للخارج عبر خوض مواجهة عسكرية سواء كانت بالأصالة أو النيابة؟

شن هجوم عسكري إيراني على إسرائيل يعد «مسألة
وقت فقط»، بحسب ما نقلته صحيفة Israel
Hayom
الإسرائيلية، عن خبراء عسكريين في إسرائيل.

ويبدو أنَّ الغرض الرئيسي من هذا الهجوم المحتمل
سيكون ردع إسرائيل عن مواصلة ضرباتها المستمرة على البنية التحتية العسكرية التي
تحاول إيران إنشاءها في سوريا، ومؤخراً بالعراق.

لكن إيران حالياً في وضع لا تحسد عليه، إذ تواجه
أزمات داخلية متفاقمة، وجدت طريقها بالأيام الأخيرة في اندلاع مظاهرات واحتجاجات
واسعة، سقط فيها مئات القتلى والجرحى، وباتت تشكل تهديداً لاستقرار النظام، وكل
ذلك بسبب الحصار الدولي والعقوبات الأمريكية، وتدهور الوضع الاقتصادي، وارتفاع
أسعار البنزين.

هذه المرّة تواجه إيران أزمات كبيرة في 3 جبهات.

ففي الداخل لديها غضب عارم متصاعد من ارتفاع
الأسعار وعلى وجه الخصوص البنزين، وفي العراق ولبنان يواجه حلفاؤها غضباً شعبيا،
بسبب اﻷزمات الاقتصادية التي يعانيها البلدانِ، مع ملاحظة أنه في الحالة العراقية
تحديداً، فإن الغضب يتوجه إلى إيران بشكل مباشر.

علي باكير، المحلل السياسي اللبناني المتخصص
بالشأن الإيراني، قال لـ «عربي بوست»، إنه لا يعتقد أن إيران أو إسرائيل لديهما مصلحة للدخول في معركة مباشرة وجهاً لوجه، وهذا يأتي تأكيداً
لاستراتيجية إيران المعلنة، القاضية بخوض حروبها بالوكالة والنيابة، وليس بالأصالة
عن نفسها
.

دوماً فإن خيارات إيران للرد على إسرائيل هي
الرد عبر وكلائها في المنطقة وعبر أراضي دول عربية، أما رد مباشر على إسرائيل من
الأراضي الإيرانية فليس موجوداً في القاموس الإيراني.

أولاً، حتى لا ترد إسرائيل على إيران، وقد يكون
الرد شديد القسوة ومحرجاً للدولة الإيرانية في عقر دارها.

وثانياً، لأن قدرات إيران على ضرب إسرائيل تأتي
عبر الصواريخ ، ومع طول المسافة تزداد قدرة إسرائيل على إسقاطها.

أما احتمال استخدام طهران طائرات من دون طيار
وصواريخ كروز كما فعلت في الهجوم الذي يُعتقد أنها نفذته على منشآت أرامكو
السعودية في سبتمبر/أيلول الماضي، فيظل سلاحاً غير مجرَّب مع تل أبيب.

كما يُعتقد أن إسرائيل ستكون أقدر على صده من
الرياض، في ظل خبراتها الفنية، خاصة مع نشر الولايات المتحدة منظومة ثاد الأكثر تطوراً من
باتريوت على الأراضي الإسرائيلية.

أحد أهم عناوين السياسة الإيرانية هو تصدير
الأزمات الداخلية خارج إقليمها الجغرافي، وما وراء الحدود.

«ولكن مع تدهور الأوضاع الإقليمية وتراجع
مسارح العمليات التي تؤثر فيها إيران، فقد أصبح حتى خيار خوض الحرب بالنيابة عنها
ليس مؤثراً وقوياً ومتاحاً»، بحسب باكير.

وأشار باكير إلى أن الإيرانيين يعتقدون أن خيار
الحرب بالوكالة عبر حلفائها وأذرعها الإقليمية، لم يعد فعالاً كما كان في سنوات
سابقة.

ولكن إذا قررت إيران أن إضعاف المظاهرات لديها
يتطلب التورط في حرب إيرانية-إسرائيلية محدودة، أو تراشقاً مسيطراً عليها
بالنيران، فأي الوكلاء أو الحلفاء استلجأ إليه إيران؟

عند النظر إلى الخيارات الإيرانية للرد على الضربات
الإسرائيلية لقواعدها المنتشرة في المنطقة يظهر الاحتمال الفلسطيني، مع وجود
منظمات فلسطينية قريبة من إيران، مثل حركة الجهاد الإسلامي.

لكن الخبراء يرون أن الوضع الفلسطيني حساس في
هذه الآونة، وقد لا يحتمل أي مغامرة
من هذا القبيل، تقضي بخوض حرب مع إسرائيل
بالنيابة عن إيران.

إذ إن هناك حسابات فلسطينية داخلية، وإشكاليات
فلسطينية إسرائيلية، مما لا يجعل لدى الفلسطينيين رفاهية الخيارات لالتزام
التعليمات الإيرانية، والعمل نيابة عنها ضد إسرائيل.

ومن ثم فإن إمكانية نشوب حرب بين المقاومة
الفلسطينية ليست عالية، بدليل أن الرد الفلسطيني الأخير على اغتيال المسئول
العسكري لـ «الجهاد الإسلامي» لم يكن كبيراً، واستطاعت إسرائيل امتصاصه.

كما أن «الجهاد» رغم علاقتها الوثيقة
بإيران ليست مجرد تابع أو وكيل لطهران تأتمر بأوامر الولي الفقيه لأسباب دينية كما
يفعل حزب الله، ومن ثن فإنها لن تضحي بالمصالح الفلسطينية من أجل طهران، وإن قبلت
بذلك فلن تقبل به «حماس» التي تحتفظ بمسافة أبعد عن السياسة الإيرانية،
ظهرت واضحة من خلال مواقفها الرافضة لقمع الأسد للثورة السورية.

على الجانب الإسرائيلي، يقول البعض إن اليمين
الإسرائيلي الذي يقوده نتنياهو معنيٌّ بإبقاء الحالة الفلسطينية على حالها،
«حماس» تسيطر على غزة، والسلطة الفلسطينية تحكم الضفة الغربية، للحفاظ
على وضعية الانقسام قائمة وباقية، واستغلالها كحجة لعدم الدخول في عملية سلام
جدية.

كما أن أي حرب شاملة على غزة قد تمهد لفوضى في غزة
أو انهيار شامل، أو قد تفتح الطريق لعودة السلطة الفلسطينية هناك، أو تولي مجموعات
إسلامية جهاديةٍ السيطرة، وهذا ما لا يريده نتنياهو.

إضافة إلى أن السيطرة على غزة وتدمير حكم
«حماس» يحتاجان حرب شوارع تطارد فيها الدبابات الإسرائيلية مقاتلين
فلسطينيين لا تراهم في الأغلب، وهم يحاولون نصب الأكمنة لها كما جربت سابقاً.

الأهم أن توسُّع الحرب معناه رد المقاومة الفلسطينية بشكل واسع النطاق، وهو الأمر الذي سيشل الحياة في إسرائيل، وهي أسوأ دعاية انتخابية لنتنياهو.

قبل الأزمة السورية كان لبنان هو الساحة المفضلة
لتبادل الرسائل الإيرانية-الإسرائيلية، حيث يوجد أخلص وأقوى حلفاء إيران، الذي
يجاهر بأنه تابع للولي الفقيه، وإن كان ينفي أنه يستغل الساحة اللبنانية خدمة
لمصالحه.

ولكن موقف حزب الله تآكل كثيراً في العامين
الأخيرين، بسبب الضغوط الاقتصادية الهائلة التي يعانيها اللبنانيون
، والتي أدت إلى الحراك
الشعبي الذي يصب جزء منه جام غضبه على الحزب، باعتباره هو من أنشأ هذا العهد،
بإيصاله العماد ميشال عون للرئاسة، ويحميه في مواجهة غضب الحراك.

لذلك أي مغامرة من الحزب لخوض حرب ضد إسرائيل
نيابة عن إيران ستقلب المشهد اللبناني كله ضد الحزب أكثر مما هو حالياً، نتيجة ما
ستتركه الحرب مع إسرائيل من آثار مدمرة على مختلف الأصعدة: السياسية والاقتصادية
والأمنية، والحزب ليس بوارد القدرة على تحمُّل هذه الأعباء، والموقع الذي يجد فيه
نفسه اليوم لا يخول له اتخاذ هذا القرار الكارثي.

أما بالنسبة للعراق فالعلاقات متينة بين إيران
والميليشيات الشيعية هناك، خاصة مع الحرس الثوري، كما أن الحشد الشعبي يعد أكبر
حلفاء إيران في المنطقة عدداً ويعتمد على موارد الدولة العراقية الغنية بالنفط
والتي اخترق أجهزتها الأمنية.

لكن إمكانية أن تلجأ هذه الميليشيات إلى تنفيذ
تعليمات إيرانية بضرب إسرائيل نيابة عن طهران، ستثير معارضة الشارع العراقي،
الثائر بالفعل على الحشد الشعبي، لدرجة جعلت مقراته هدفاً مفضلاً لنيران المحتجين.

مثل هذه الخطوة المتهورة تعزز لدى العراقيين
الافتراض القائم بأن الحشد ميليشيات بالأساس تابعة لإيران، وأنها ليست محلية
وطنية، وهو ما قد يقوض وزنها في الساحة العراقية الداخلية؛ خشية أن تدخل هذه
الضربات المحتملة ضد إسرائيل العراق في مشاكل وتوترات إقليمية، هو في غنى عنها.

يتبقى لإيران في هذه الحالة، سوريا، التي تدرك
إيران أن فيها كثيراً من اللاعبين المحليين والإقليميين، وهناك حالة أقرب ما تكون
للفوضى الأمنية والعسكرية، وقد تستغل إيران هذا الوضع فيها لشن هجمات على
إسرائيل
، التي رسمت بدورها خطوطاً حمراء خاصة بالجبهة السورية.

ولم يعد سراً أن إسرائيل هاجمت سوريا مئات المرات
في السنوات الأخيرة، دون أن ترد عليها سوريا أو إيران بما يكافئ هذه الضربات.

اللافت أن الاستمرار الإسرائيلي في مهاجمة القواعد
الإيرانية فبسوريا يقابله حذر من قبل تل أبيب لدى مهاجمة لبنان؛ خشية اندلاع حرب
مع حزب الله، وهو ما لا تريده تل أبيب، على الأقل بهذه المرحلة، للحفاظ على قواعد
الاشتباك المتفق عليها منذ انتهاء حرب لبنان الثانية في 2006.

في المقابل، تحاول إسرائيل إقناع روسيا والرئيس
السوري بشار الأسد بأنَّها إذا تعرضت لهجوم من سوريا، فسيدفع الأسد ثمن ذلك،
وسيكون نظامه في خطر.

وبحسب صحيفة Israel
Hayom
الإسرائيلية، فوفقاً للتوافقات بين موسكو وتل أبيب، يجب على إسرائيل أن تُبلغ
روسيا بالإجراءات الإسرائيلية المحتملة بعد أي هجوم من جانب إيران، لا سيما إذا
انطلق من الأراضي السورية.

وصحيحٌ أنَّ روسيا ليست سعيدة بتبادل الهجمات بين
إسرائيل والقوات الإيرانية التي تحاول بناء قاعدة في سوريا، لكنَّها لم تعارض
الأعمال العسكرية الإسرائيلية في سوريا، وتشعر بالقلق إزاء فرص استمرارية نظام
الأسد إذا انطلق هجوم إيراني على إسرائيل من هناك.

وكل هذه العناصر الاستراتيجية يمكن أن تخلق مستوىً
ما من الردع، أو تخفف على الأقل من أضرار أي هجوم إيراني محتمل.

أي إن الساحة السورية باتت المفضلة للبلدين لتبادل
الضربات، لأنها الأكثر فوضوية، وفي الوقت ذاته الأكثر قابلية للضبط في ظل وجود
العامل الروسي.

«الاستفزازات الإيرانية المتزايدة وعدم رد
الولايات المتحدة عليها يمكن أن يسفرا عن مواجهةٍ عسكرية خطرة بين إسرائيل
وإيران».

كانت هذه كلمات نتنياهو، وهي قد تشي بأن الرجل قد
يسير نحو الحرب، من أجل إنقاذ نفسه.

ولكن بعض الخبراء الإسرائيليين أشاروا في تقرير بصحيفة Israel
Hayom
الإسرائيلية، إلى أنَّ الهدف من هذا التحذير هو كسر حالة الجمود السياسي في
إسرائيل، والضغط من أجل إنشاء حكومة وحدة وطنية من النوع الذي يفضله نتنياهو.

ويعتبر بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الحالية،
بؤرة هذه الأزمات المتلاحقة، لأنه يواجه خطر السجن بسبب قضايا الفساد المتهم بها،
وهو ما يجعله يفكر في دخول مواجهات عسكرية لإنقاذ نفسه، سواء في سوريا أو لبنان أو
غزة، ومن يعلم فقد تكون مواجهة مباشرة مع إيران ذاتها.

محمود محارب، أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة
القدس، والباحث الرئيس بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، وله عديد
من المؤلفات الخاصة بالصهيونية وإسرائيل والقضية الفلسطينية والصراع
العربي-الإسرائيلي، يرى أن نتنياهو سيظل يعمل على تسخين الأوضاع الإقليمية والضغط
على الجبهات المحيطة بإسرائيل دون الذهاب لفتح مواجهة شاملة وحرب مفتوحة مع
إيران.

وأوضح أن هذا التوجه يعترضه أمران: الأول أن
نتنياهو ليس وحده صاحب القرار بهذه المرحلة الحاسمة والمصيرية، فهناك المؤسستان
الأمنية والعسكرية اللتان لا تقدمان له موافقات دائمة من دون ضوابط أو
تحفظات.

وفي هذا الإطار، أصدر كل من أفيف كوخافي رئيس
أركان الجيش الإسرائيلي، واللواء أهارون هاليفا رئيس وحدة عمليات الجيش
الإسرائيلي، تحذيراتٍ من أي مواجهة قادمة مع إيران وخطورة عدم الرد الأمريكي
عليها.

والثاني أن إيران الطرف المستهدف في هذه الحالة،
لا تريد حرباً مع إسرائيل، ولذلك قد يكتفيان بالتصعيد الكلامي من جهة، والتسخين
التدريجي من جهة أخرى، دون حرق المراحل وخوض مواجهة مفتوحة شاملة.

وأضاف أن إسرائيل تواصل توجيه الضربات لإيران منذ
سنوات، في سوريا ولبنان وأخيراً في العراق، والإيرانيون لا يردون، أو على الأقل
يقومون بردود باهتة لا توازي ما يتعرضون له من ضربات إسرائيلية، ويكتفون بتعزيز
قواتهم في سوريا ولبنان والعراق.

«لكن تسريبات الساعات الأخيرة عن إمكانية رد
إيراني على إسرائيل بعد الهجمات على سوريا قبل يومين، سيتم تقييمها إسرائيلياً،
ففي حال كانت خارقة للعادة، وليست رمزية أو شكلية، فإن «الإسرائيليين يردون
في هذه الحالة بقوة وقسوة على إيران»، حسب محمود محارب.

الحذر الإسرائيلي لا يتعارض مع مواصلتها تطبيق
أهدافها المعلنة، سواء منع تعزيز القوة الإيرانية في المنطقة، خاصةً سوريا
والعراق، وفي الوقت ذاته الحيلولة دون نجاح مشروع نشر الصواريخ الدقيقة في لبنان،
بحسب محارب.

يلفت الخبير في الشؤون الإسرائيلية، كذلك إلى أن
خيار تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الإسرائيلية ما زال قائماً، رغم انقضاء المدتين
الزمنيتين الممنوحتين لنتنياهو وغانتس.

يقول محارب: «ما زال هناك 21 يوماً أخرى، قد
يضطر أحدهما إلى تقديم تنازلات مريرة للآخر، ولكن في حال تقديم لائحة اتهام خطيرة
ضد نتنياهو بالفساد، فستكون الطريق معبَّدة لانتخابات ثالثة في مارس/آذار
2020».

ليس من الوارد أن تذهب إسرائيل إلى خيار المواجهة
العسكرية المباشرة مع إيران، في ظل وجود إدارة أمريكية مترددة وغير مستقرة.

هذا الضعف الاستراتيجي الأمريكي تجلَّى في فشل
الولايات المتحدة في الرد على سلسلة الاستفزازات الإيرانية الأخيرة بالخليج.

فقد هاجمت إيران ناقلات نفط ومنشآتٍ نفطية سعودية،
وأسقطت طائرة استطلاع أمريكية باهظة الثمن فوق المياه الدولية. وتبنى كذلك منشآت
لتحويل ترسانة جماعة حزب الله الضخمة من الصواريخ إلى أسلحة أدق وأشد فتكاً.

ويبدو أنَّ قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب،
الامتناع عن اتخاذ إجراء انتقامي ضد الاستفزازات الإيرانية في الخليج، وتحمُّسه
لمقابلة الرئيس الإيراني حسن روحاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة،
ورغبته في رفع العقوبات الشديدة التي فرضها على إيران مقابل عقد الاجتماع وإمكانية
إجراء مفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد، وقراره الانسحاب من المناطق التي يسيطر عليها
الأكراد بالقرب من الحدود التركية-السورية، كلها عوامل شجَّعت إيران على اعتقاد
أنَّ الولايات المتحدة ضعيفة وغير مستعدة لاستخدام القوة ضد استفزازاتها العسكرية
أو جهودها الجديدة لتسريع مساعيها إلى امتلاك أسلحةٍ نووية، حسب صحيفة Israel
Hayom
.

وربما يكون قادة النظام الإيراني قد استنتجوا كذلك
أنَّ الولايات المتحدة أصبحت حليفاً غير موثوق به، وأنَّها لن تتخذ إجراءً
انتقامياً قوياً ضد انتهاك الاتفاق النووي أو الهجوم على إسرائيل.

لكن في المقابل، إيران تعي تماماً تبعات أي هجوم
مباشر منها على إسرائيل، وقد يعطي تبريراً جاهزاً للإدارة الأمريكية للتدخل بجانب
إسرائيل، وفي هذه الحالة ستكون المآلات غير محتملة على إيران.

كان هناك حديث في الآونة الأخيرة عن محاولة
إيرانية إملاء «معادلة ردع» في مواجهة إسرائيل، تنص على أن أي هجوم على
هدف مرتبط بطهران وحلفائها في المنطقة سيؤدي إلى ضربة فورية على أهداف إسرائيلية.

وهذا ما كان يسعى قاسم سليماني، قائد فيلق القدس
الإيراني، إلى تأسيسه بإطلاق صواريخ على الجولان، حسب بعض التقارير.

لكن الهجمات الإسرائيلية التي شُنّت في ساعات
الصباح الباكر من يوم الأربعاء، تبعث برسالة معاكسة، مفادها أن إسرائيل لن تغض
الطرف عن أي هجوم ضدها، وأنه يجب على سليماني النظر في مشروعه الذي يهدف إلى بناء
وتأسيس وجود تابع له على الحدود الإسرائيلية-السورية، لأن إسرائيل تعتبر ذلك
تجاوزاً لخط أحمر؛ ومن ثم ستواصل الرد بقوة ضده.

وتقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية إنه على الأرجح فإن إسرائيل
تأمل أن تصل تلك الرسائل، على خلفية الأزمة الداخلية الإيرانية، على نحوٍ أفضل في
طهران.

التجربة التاريخية تقول إن إيران لا تهاجم
إسرائيل، ولكن إن خالفت هذه الصورة النمطية، وقررت مهاجمتها في داخلها، وليس على
حدود الجولان، وأصابت أهدافاً حيوية فيها، في هذه الحالة قد يكون هناك رد إسرائيلي
قوي وقاسٍ.

إسرائيل الآن يبدو أنها باتت متورطة في وضع إقليمي
خطير، يمكن أن تؤدي خطوة خاطئة فيه إلى تصعيد التوترات مع إيران ووكلائها، وهو ما
قد يقود إلى حرب مباشرة.

لكن أوفر سالزبرغ، المحلل الإسرائيلي في International Crisis
Group، لا
يعتقد أن كل هذه التوترات يمكن أن تؤدي إلى حرب شاملة، حسب ما ذكره في صحيفة The
New York Times
الأمريكية.

وأوضح: «قد يؤدي ذلك إلى تبادل الضربات التي
قد لا يكون الطرفان مستعدَين لها».

ولكن مثل هذه الضربات المحدودة قد تؤدي الغرض منها
في إنقاذ أصحابها من ورطة داخلية دون التورط في حرب كبرى، ولكن ألم تبدأ كثير من
الحروب الكبرى بألعاب مماثلة للعبة الحرب الإيرانية-الإسرائيلية هذه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى