تقارير وملفات إضافية

«أين أسرتي؟» وثائق مسربة تكشف سر استهداف الرئيس الصيني للإيغور ومصير المسؤولين الشيوعيين الذين حاولوا تخفيفها

حجز الطلاب تذاكر عودتهم إلى مدينتهم بنهاية الفصل الدراسي، أملاً في عطلةٍ هادئةٍ عقب الامتحانات، وصيفٍ يقضونه في لم شملٍ سعيد مع العائلة، ولكن هؤلاء الطلاب كانوا على موعد مع مأساة جديدة من مآسي اضطهاد الصين للإيغور، مأساة أثارت اعتراض المسؤولين الصينيين أنفسهم.

بدلاً من أن يعود الطلاب من أماكن دراستهم بقلب الصين لأسرهم بأقصى غرب البلاد، سيعلمون أنَّ آباءهم ذهبوا، وأقاربهم اختفوا، وجيرانهم فُقِدوا، وجميعهم محتجزون داخل شبكةٍ مُتوسِّعة من معسكرات الاعتقال التي بُنِيَت لاحتجاز الأقليات العرقية المسلمة.

وخشيت السلطات في سنجان من أنَّ الموقف كان على وشك الاشتعال. لذا تجهّزوا جيداً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية، كتب بناء على تسريات من مسؤول بالحكومة الصينية.

وقالت الصحيفة إن هذا التسريب يتضمن 403 صفحات من الوثائق الداخلية التي حصلت عليها  New York Times، في واحدةٍ من أبرز تسريبات الأوراق الحكومية من داخل الحزب الشيوعي الحاكم في الصين منذ عقود.

ووزَّعت القيادة توجيهاً سرياً يطلب من المسؤولين المحليين حصار الطلاب العائدين بمجرد وصولهم وإبقائهم هادئين. وتضمَّن التوجيه دليلاً بيروقراطياً حول كيفية التعامل مع أسئلتهم الغاضبة، وأولها بالطبع: أين عائلتي؟

وتبدأ الإجابة المُعدَّة مسبقاً على النحو التالي: «إنَّهم في مدرسة تدريب جهَّزتها الحكومة«. وفي حال الضغط عليهم أكثر يُمكن للمسؤولين أن يُخبروا الطلاب بأنَّ أقاربهم ليس مُجرمين، ولكنَّهم لا يستطيعون مُغادرة تلك «المدارس».

واشتمل نص الأسئلة والأجوبة على تهديدٍ شبه خفي، ينطوي على إخبار الطلاب بأنَّ سلوكهم من شأنه أن يُطيل أو يُقصّر فترة احتجاز أقاربهم.

ونُصِح المسؤولون بأن يقولوا: «أنا واثقٌ من أنَّك ستدعمهم، لأنَّ هذا يصُب في صالحهم، وصالحك أيضاً».

وجاء هذا التوجيه ضمن الوثائق الداخلية التي حصلت عليها  New York Times.

وتقول الصحيفة: تُوفِّر تلك الوثائق نظرةً داخلية غير مسبوقة على القمع المتواصل داخل منطقة سنجان، إحدى المقاطعات التي يسكنها الإيغور، حيث احتجزت السلطات قرابة المليون شخص من أبناء عرق الإيغور والكازاخ وغيرهم داخل معسكرات الاعتقال والسجون على مدار السنوات الثلاث الماضية.

ورفض الحزب الانتقادات الدولية المُوجَّهة للمعسكرات، ووصفها بأنَّها مراكز تدريبٍ وظيفي تستخدم أساليب مُعتدلة لمحاربة التشدُّد الإسلامي.

لكن الوثائق تُؤكِّد الطبيعة القسرية للقمع على لسان وبأوامر نفس المسؤولين الذين صمَّموها وقاموا بتنسيقها.

وناقشت الحكومة الصينية ونظمت حملةً قاسية واستثنائية في تلك الاتصالات الداخلية، حتى أثناء عرض جهودها في سنجان على العامة، بوصفها خيِّرةً وعادية. وجرى التسجيل لكبار قادة الحزب وهم يأمرون باتِّخاذ إجراءاتٍ صارمة وعاجلة ضد العنف المُتشدِّد، وشمل ذلك الاعتقالات الجماعية، ومناقشة العواقب بدمٍ بارد.

وشاهد الأطفال آباءهم يُؤخذون بعيداً، في حين تساءل الطُّلّاب عمّن سيدفع رسومهم الدراسية، كما تعذَّرت زراعة المحاصيل وحصادها بسبب قلة الأيدي العاملة، بحسب ما أوضحته التقارير.

لكن المسؤولين أُمِروا بإخبار المُشتكين أن يشعروا بالامتنان لمساعدة الحزب الشيوعي، وأن يظلوا هادئين.

وتُقدِّم الأوراق المُسرَّبة صورةً صادمةً حول كيفية تنفيذ الآلة الخفية في الحكومة الصينية لأكبر حملات الاعتقال انتشاراً في البلاد، منذ عصر ماو تسي تونغ.

وسعت بكين طوال عقودٍ إلى قمع مقاومة الإيغور للحكم الصيني في سنجان. إذ بدأت حملة القمع الحالية في أعقاب موجة العنف المناهض للحكومة والصين، بما في ذلك أعمال الشغب العرقية عام 2009 في أورومتشي عاصمة المقاطعة، وهجوم مايو/أيار عام 2014 على أحد الأسواق في الشارع، مما أسفر عن مصرع 39 شخصاً، قبل أيامٍ من عقد شي مؤتمراً للقيادة في بكين، من أجل وضع مسارٍ جديد للسياسة في سنجان.

ومنذ عام 2017، اعتقلت السلطات في سنجان مئات الآلاف من الإيغور والكازاخ وغيرهم من المسلمين داخل معسكرات الاعتقال. ويخضع نزلاء المعسكرات لسنواتٍ من التلقين والاستجواب، بهدف تحويلهم إلى أنصارٍ علمانيين يدينون بالولاء للحزب.

وتتضمَّن أهم كشوفات تلك الوثائق ما يلي:

وتتألَّف الأوراق المُسرَّبة من 24 وثيقة، تحتوي بعضها على مواد مُكرَّرة. وتتضمَّن قرابة الـ200 صفحة من الخطابات الداخلية بواسطة شي وغيره من قادة الحزب، وأكثر من 150 صفحة من التوجيهات والتقارير المُتعلِّقة بمراقبة والسيطرة على شعب الإيغور في سنجان. علاوةً على تضمُّنها إشاراتٍ إلى خطط توسيع نطاق القيود المفروضة على الإسلام، لتشمل مناطق أخرى في الصين.

وتضمَّنت الوثائق 96 صفحة تحديداً من الخطابات الداخلية بواسطة شي، و102 صفحة من الخطابات الداخلية بواسطة مسؤولين آخرين، و161 صفحة من التوجيهات والتقارير حول مراقبة والسيطرة على شعب الإيغور في سنجان، و44 صفحة تشمل موادَ من التحقيقات الداخلية حول المسؤولين المحليين.

ورغم أنَّه لم تتضّح بعد كيفية جمع واختيار تلك الوثائق، فإنَّ التسريب يُشير إلى سخطٍ مُتزايد داخل أجهزة الحزب بشأن حملة الاعتقال، أكثر مما كان معروفاً في السابق. 

وخرجت الأوراق إلى النور بواسطة عضوٍ في المؤسسة السياسية الصينية، والذي طلب إخفاء هويته وأعرب عن أمله أن يُساعد الكشف عنها في الحيلولة دون إفلات قادة الحزب -ومنهم شي- من المسؤولية عن الاعتقالات الجماعية.

وتُغلِّف القيادة الصينية عملية وضع السياسات بغلافٍ من السرية، خاصةً حين يتعلَّق الأمر بسنجان، المقاطعة الغنية بالموارد على الجبهة الحسَّاسة مع باكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى. إذ تُهيمن الأقليات العرقية المُسلمة على أكثر من نصف سكان المنطقة، الذين يصل عددهم إلى 25 مليون نسمة. وأكبر تلك الأقليات هم الإيغور، الذين يتحدثون لغةً تركية، ولطالما واجهوا تمييزاً وقيوداً على أنشطتهم الثقافية والدينية.

ومن بين الـ24 وثيقة، يُقدِّم توجيه كيفية التعامل مع طلاب الأقليات -العائدين إلى سنجان في صيف عام 2017- النقاش الأكثر تفصيلاً حول معسكرات التلقين. ويتضمَّن ذلك التوجيه أوضح دليلٍ على الطريقة الصارمة التي يُخبِرُ بها الحزب روايته للعامة، بالتزامن مع التعبئة لروايةٍ داخلية أكثر قسوة.

ورغم أنَّ الوثيقة تنصح المسؤولين بإعلام الطلاب أنَّ أقاربهم يتلقّون «علاجاً» بسبب تعرُّضهم للتشدُّد الإسلامي، لكن عنوانها يُشير إلى أفراد تلك العائلات على أنَّهم يجري «التعامل معهم»، أو يتعرَّضون لـ «الشوزي«، وهي لفظةٌ تُستخدم في وثائق الحزب للإشارة إلى العقاب.

وصاغ المسؤولون في توربان، المدينة الواقعة شرقي سنجان، نصَّ الأسئلة والأجوبة بعد أن حذَّرت الحكومة الإقليمية المسؤولين المحليين من أجل الاستعداد للطلاب العائدين. ثم وزَّعت الوكالة، التي تُنظِّم جهود «حفظ الاستقرار» في سنجان، الدليل بطول المنطقة وحثَّت المسؤولين على استخدامه بوصفه نموذجاً.

وتُرسل الحكومة أنبغ شباب الإيغور إلى الجامعات في جميع أنحاء الصين، بهدف تدريب جيلٍ جديدٍ من موظفي الخدمة المدنية والمدرسين الإيغور الذين يدينون بالولاء للحزب.

لكن الحملة القمعية كانت مُشدَّدةً لدرجة أنَّها أثَّرت حتى على نخبة الطلاب، كما أوضح التوجيه. وأصاب هذا السلطات بالقلق.

وأشار التوجيه إلى التالي: «يمتلك الطلاب العائدون من أجزاءٍ أخرى في الصين علاقاتٍ اجتماعية واسعة في جميع أنحاء البلاد. وبمجرد أن ينشروا آراءً غير صحيحة على WeChat وWeibo وغيرها من منصات الشبكات الاجتماعية، سيصير التأثير واسع النطاق ويصعب محوه».

وحذَّرت الوثيقة من وجود «احتماليةٍ خطيرة» أن يغرق الطلاب في «الاضطرابات» إثر علمهم بما أصاب ذويهم. ونصحت أن يلتقي ضباط الشرطة في الملابس المدنية، والمسؤولون المحليون ذوو الخبرة، بالطلاب بمجرد عودتهم «لإظهار قلقهم الإنساني والتأكيد على القواعد».

ويبدأ دليل الأسئلة والأجوبة الموجود في التوجيه بطريقةٍ لطيفة، إذ ينصح المسؤولين بإخبار الطلاب بأنَّه «ليس عليهم القلق مطلقاً» حيال ذويهم المُختفين.

وطُلِبَ من المسؤولين أن يقولوا إنَّ «رسوم فترة الدراسة مجانية، وكذلك هو الحال مع تكاليف الطعام والمعيشة، علاوةً على أنَّ معايير الجودة مرتفعة»، وذلك قبل أن يُضيفوا أنَّ السلطات تُنفق أكثر من ثلاثة دولارات يومياً على الوجبات لكل مُعتقل، «أي أفضل من مستويات المعيشة لبعض الطلاب في مدينتهم».

ونصَّت الإجابة على التالي: «إذا كُنتم ترغبون في رؤيتهم، فمن الممكن الترتيب لعقد اجتماعٍ بتقنية الفيديو».

لكن السلطات توقَّعت أنَّ ذلك لن يُهدِّئ الطلاب على الأرجح، لذا وفَّرت إجاباتٍ لسلسةٍ من الأسئلة الأخرى، مثل: متى سيُفرج عن أقاربي؟ إذا كان ذلك تدريباً، فلماذا لا يستطيعون العودة إلى المنزل؟ هل بإمكانهم أن يطلبوا إجازة؟ كيف سأستطيع تحمُّل نفقات دراستي إذا كان والداي يدرسان أيضاً، ولا يوجد أحدٌ للعمل في المزرعة؟

ونصح الدليل بردودٍ أكثر صرامة لإعلام الطلاب أنَّ أقاربهم «أُصيبوا بفيروس» التشدُّد الإسلامي، ويجب عزلهم وعلاجهم. وطُلِبَ من المسؤولين أن يقولوا إنَّ الأجداد وأفراد العائلات، الذين بدوا أكبر سناً من أن يُنفِّذوا أعمال العنف، لن يتم إعفاؤهم من المسؤولية.

ونصّت إحدى الإجابات على التالي: «في حال لم يخضعوا للدراسة والتدريب، فلن يُدركوا تماماً وبالكامل مخاطر التشدُّد الإسلامي»، في إشارةٍ إلى الحرب السورية وظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وأردفت الإجابة: «يجب على أيّ شخصٍ أُصيب بالتشدُّد الديني أن يخضع للدراسة، بغض النظر عن العمر».

وأضافت الوثيقة أنَّ الطلاب يجب أن يشعروا بالامتنان للسلطات التي قبضت على ذويهم.

إذ أوضحت إحدى الإجابات: «يجب أن تُقدِّروا فرصة التعليم المجاني هذه التي وفَّرها الحزب والحكومة من أجل القضاء تماماً على التفكير الخاطئ، وتعلُّم المهارات الصينية والوظيفية. وهذا يُوفِّر أُسساً رائعة من أجل حياةٍ سعيدة لعائلتك».

ويبدو أنَّ السلطات تستخدم منظومة نقاطٍ لتحديد هوية من يمكن أن يُطلَق سراحه من المعتقلات: إذ أصدرت الوثيقة تعليماتها للمسؤولين أن يُخبروا الطلاب أنَّ سلوكهم قد يضُر بنقاط ذويهم، وأن يُقيِّموا السلوكيات اليومية للطلاب ويُسجِّلوا حضورهم للدورات التدريبية والاجتماعات وغيرها من الأنشطة.

وطُلِبَ من المسؤولين أن يقولوا أيضاً: «يجب على أفراد العائلة، ومن بينهم أنتم، أن يمتثلوا لقوانين وقواعد الدولة وألا يُصدقوا -أو ينشروا- الشائعات. وحينها فقط تستطيعون إضافة نقاطٍ لأفراد عائلاتكم. وبعد فترةٍ من التقييم، سيتمكّنون من مغادرة المدرسة في حال استوفوا معايير إتمام الدورة».

وفي حال سؤالهم عن تأثير الاعتقالات على الشؤون المالية للأسرة؛ نُصِح المسؤولون بطمأنة الطلاب أنَّ «الحزب والحكومة سيفعلون كل ما بوسعهم لتخفيف معاناتكم».

يُمكن تعقُّب الأفكار التي تقود الاعتقالات الجماعية إلى زيارة شي جين بينغ الأولى والوحيدة إلى سنجان بوصفه زعيم الصين، وهي الجولة التي غطت عليها أحداث العنف.

إذ قضى أربعة أيامٍ في المنطقة عام 2014، أي بعد عامٍ تقريباً من وصوله إلى الرئاسة. وفي اليوم الأخير من زيارته، دبَّر اثنان من مُسلَّحي الإيغور تفجيراً انتحارياً خارج محطة قطارٍ في أورومتشي، مما أسفر عن إصابة 80 شخصاً ومنهم إصابةٌ واحدة بجراحٍ خطيرة.

وقبل أسابيع، نفَّذ مسلحون بالسكاكين هجوماً على محطة قطارٍ أخرى في جنوب غرب الصين، مما أسفر عن مصرع 31 شخصاً وإصابة أكثر من 140. وبعد أقل من شهرٍ على زيارة شي، ألقى مُهاجمون قنابل على سوق خضراوات في أورومتشي، ليُصيبوا 94 شخصاً ويقتلوا 39 آخرين.

وعلى خلفية سفك الدماء هذا، أرسل شي سلسلةً من الخطابات السرية التي وضعت أُسس المسار المُتشدِّد الذي تُوِّجَ بالهجوم الأمني الحالي في سنجان. ولم يُعلَن عن تلك الخطابات، رغم أنَّ وسائل إعلام الدولة ألمحت إليها.

لكن نصوص أربعةٍ منها كانت من بين الوثائق المُسرَّبة -وهي تُوفِّر نظرةً نادرة وغير مفلترة على أصول العملية القمعية ومعتقدات الرجال الذين دشّنوها.

إذ قال شي في إحدى كلماته، بعد تفقُّده لإحدى فرق شرطة مكافحة الإرهاب في أورومتشي: «إنَّ الوسائل التي يمتلكها رفاقنا في أيديهم هي وسائلٌ بدائية للغاية. وتلك الأسلحة لن تُجاري شفرات مناجل الماشيتي الكبيرة، أو رؤوس الفؤوس، أو الأسلحة الفولاذية، يجب أن نكون بنفس قسوتهم، وألا نُظهر أي رحمةٍ على الإطلاق».

وفي الأحاديث التي تدفَّقت بأريحيةٍ داخل سنجان، ومؤتمرٍ لاحق للقيادة في بكين حول السياسة المُتبَّعة في سنجان؛ جرى التسجيل لشي وهو يُفكِّر فيما وصفه بقضية الأمن القومي الحسّاسة، ويطرح أفكاره حول «حربٍ شعبية» في المنطقة.

ورغم أنَّه لم يأمر بالاعتقالات الجماعية في تلك الخطابات، لكنَّه دعا الحزب إلى إطلاق العنان لأدوات «الدكتاتورية» من أجل القضاء على الإسلام المُتشدِّد في سنجان.

وأظهر شي اهتماماً شديداً بالقضية، لدرجةٍ تتجاوز تعليقاته العلنية حول الموضوع. إذ شبَّه التشدُّد الإسلامي بالعدوى الفيروسية والعقاقير الخطيرة التي تُسبِّب الإدمان، وأعلن أنَّ علاجه سيتطلَّب «فترةً من العلاج المُؤلم والتدخُّلي».

وقال شي للمسؤولين في أورومتشي في الـ30 من أبريل/نيسان عام 2014، آخر أيام زيارته إلى سنجان: «لا يجب الاستهانة بالأثر النفسي للفكر الديني المُتشدِّد على الناس مطلقاً. إذ تُدمَّر ضمائر الناس الذين يأسرهم التشدُّد الديني -رجالاً أو نساءً، وكباراً أو صغاراً- ويفقدون إنسانيته، لذا يقتلون دون أن يرف لهم جفن».

وفي خطابٍ آخر، بمقر القيادة في بكين بعد شهرٍ واحد، حذَّر من «سُمِّية التشدُّد الديني. فبمجرد أن تُؤمن به، يصير الأمر أشبه بتعاطي العقاقير. إذ تفقد المنطق ويجن جنونك، وتصير قادراً على فعل أيّ شيء».

وفي العديد من الفقرات الصادمة، نظراً للعملية القمعية التالية طلب شي من المسؤولين أيضاً أن لا يُميِّزوا ضد الإيغور وأن يحترموا حقهم في العبادة. وحذَّر من المبالغة في رد الفعل المبني على الخلاف الطبيعي بين الصينيين الإيغور وبين الصينيين الهان، الذي يُمثِّلون الجماعة العرقية المُهيمنة في البلاد. ورفض مقترحات محاولة القضاء على الإسلام بالكامل في الصين.

وقال خلال مؤتمر بكين: «في ضوء القوى الانفصالية والإرهابية التي تحمل لواء الإسلام؛ جادل البعض بضرورة تقييد الإسلام أو حتى القضاء عليه». لكن وصف تلك النظرة بأنَّها «مُتحيَّزة، وخاطئة».

لكن نقطة شي الرئيسية كانت واضحةً للغاية، إذ كان يقود الحزب في منعطفٍ حاد تُجاه قمعٍ أكبر في سنجان.

وقبل وصول شي إلى السلطة، اعتاد الحزب أن يصف هجمات سنجان بأنَّها صنيعة قلةٍ من المُتعصبين، الذين ألهمتهم وشجَّعتهم جماعاتٌ انفصالية غامضة من خارج البلاد. لكن شي جادل بأنَّ التشدُّد الإسلامي قد ترسَّخت جذوره في قطاعاتٍ عريضة من مجتمع الإيغور.

وفي الواقع، تلتزم الغالبية العُظمى من الإيغور بتقاليد مُعتدلة، رغم أنَّ بعضهم بدأ يعتنق ممارساتٍ دينية أكثر تحفُّظاً وعلنية منذ التسعينيات، رغم القيود التي فرضتها الدولة على الإسلام. وتقترح ملاحظات شي أنَّه شعر بالقلق إزاء إعادة إحياء الصلاح الديني بين العامة. وألقى باللوم على تراخي القيود المفروضة على الدين، مُشيراً إلى أنَّ سلفه تخلّوا عن حذرهم في هذا الشأن.

وفي حين ركَّز زعماء الصين السابقون على التنمية الاقتصادية من أجل تهدئة الاضطرابات في سنجان؛ قال شي إنَّ ذلك لم يكُن كافياً. وطالب بعلاجٍ أيديولوجي، أي محاولة تجديد فكر الأقليات المسلمة في المنطقة.

وأضاف شي خلال اجتماع القيادة لمناقشة سياسة سنجان، والذي عُقِد بعد ستة أيامٍ من الهجوم الفتَّاك على سوق الخطار: «يجب استخدام أسلحة الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية دون تردُّدٍ أو مواربة».

شي هو نجل أحد زعماء الحزب الشيوعي الأوائل، الذي تبنى سياسات أكثر تساهلاً تُجاه الأقليات العرقية في الثمانينيات، وتوقَّع بعض المُحلِّلين أن يحذو شي حذو والده المُعتدل حين تولَّى زعامة الحزب في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012.

لكن تلك الخطابات تُؤكِّد كيفية رؤية شي للمخاطر التي تُحيط بالصين من خلال منشور انهيار الاتحاد السوفيتي، والذي ألقى باللوم فيه على التراخي الأيديولوجي والقيادة الضعيفة.

وبالفعل بدأ الرئيس شي في القضاء على كافة التحديات التي تُواجه حكم الحزب في كافة أنحاء الصين، واختفى المُعارضون ومحامو حقوق الإنسان في موجاتٍ من الاعتقالات. أما في سنجان، فقد استشهد بأمثلةٍ من الكتلة السوفيتية للمجادلة بأنَّ النمو الاقتصادي لن يُحصِّن المجتمع من الانفصالية العرقية.

وقال لمؤتمر القيادة إنَّ جمهوريات البلطيق كانت من أكثر مناطق الاتحاد السوفيتي تطوُّراً، ولكنها كانت أول المُغادرين حين تفكَّكت البلاد. وأضاف أنَّ الرخاء الذي كانت تنعم به يوغوسلافيا لم يحُل دون تُفكِّكها أيضاً.

وأردف شي: «نقول إنَّ التنمية هي الأولوية الأولى، وأساس تحقيق الأمن الدائم، وهذا صحيح. ولكن من الخطأ الاعتقاد بأنَّ كل مشكلةٍ ستحُلّ نفسها بمجرد تحقيق التنمية».

وكشف شي في خطاباته عن معرفةٍ عميقة بتاريخ مقاومة الإيغور للحكم الصيني، أو معرفة بنسخة بكين الرسمية عن تلك المقاومة، وناقش الحوادث العرضية التي نادراً ما يناقشها القادة الصينيون علناً، بما في ذلك فترات الحكم الذاتي الإيغوري القصيرة في النصف الأول من القرن العشرين.

ولم يسبق أن شكَّل عنف مُسلَّحي الإيغور تهديداً على السيطرة الشيوعية في المنطقة. رغم أنَّ الهجمات صارت أكثر فتكاً في أعقاب عام 2009، حين مات قرابة الـ200 شخصٍ في أعمال الشغب العرقية بأورومتشي، لكنَّها ظلَّت صغيرةً ومتفرقة وبسيطة نسبياً.

ورغم ذلك حذَّر شي من امتداد العنف في سنجان إلى أجزاءٍ أخرى من الصين، وتلطيخه لصورة الحزب. إذ قال خلال مؤتمر القيادة إنَّه في حال عدم إخماد التهديد «فسيُعاني الاستقرار الاجتماعي من الصدمات، وستتدمَّر الوحدة العامة للشعب من كل الأعراق، وستتأثَّر الآفاق العريضة للإصلاح والتنمية والاستقرار».

ونحَّى شي المُجاملات الدبلوماسية جانباً حين تعقَّب أصول التشدُّد الإسلامي في سنجان وصولاً إلى الشرق الأوسط، وحذَّر من أنَّ الاضطراب في سوريا وأفغانستان سيزيد من المخاطر على الصين. إذ سافر الإيغور إلى كلا البلدين على حد قوله، ويُمكن أن يعودوا إلى الصين بوصفهم مُقاتلين مُتمرّسين يسعون إلى إقامة وطنٍ مُستقل، وهو الوطن الذي أطلق عليه اسم تركستان الشرقية.

وأضاف شي: «بعد أن تسحب الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان؛ قد تتسلَّل المنظمات الإرهابية المتمركزة على حدود أفغانستان وباكستان إلى آسيا الوسطى. ويستطيع إرهابيو تركستان الوسطى، الذين تدرَّبوا على حربٍ حقيقية في سوريا وأفغانستان، أن يشنوا هجماتٍ إرهابية في سنجان».

واستجاب هو جين تاو، سلف شي، لأعمال العنف التي وقعت عام 2009 في أورومتشي بحملةٍ قمعية. لكن هو جين تاو شدَّد على أنَّ التنمية الاقتصادية هي علاج السخط العرقي، وهي سياسة الحزب منذ وقتٍ بعيد. لكن شي أشار إلى ابتعاده عن نهج هو جين تاو في الخطابات.

إذ قال: «نمت سنجان بسرعةٍ كبيرة في السنوات الأخيرة، وارتفعت مستويات المعيشة، لكن الانفصالية العرقية والعنف الإرهابي ما يزالان في ازدياد. وهذا يُبرهن على أنَّ التنمية الاقتصادية لا تجلب النظام والأمن الدائم تلقائياً».

وجادل شي بأنَّ ضمان الاستقرار في سنجان سيتطلَّب حملةً شاملة من المراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية، من أجل استئصال المقاومة في المجتمع الإيغوري.

وقال إنَّ التكنولوجيا الجديدة يجب أن تكون جزءاً من الحل، مما يُؤذِن باستغلال الحزب لتقنيات التعرُّف على الوجه والاختبارات الجينية والبيانات الضخمة في سنجان. لكنَّه أكَّد أيضاً على الأساليب القديمة، مثل مُخبري الأحياء، وحثَّ المسؤولين على دراسة كيفية استجابة الأمريكيين لهجمات الـ11 من سبتمبر/أيلول.

وقال إنَّ الصين، على غرار الولايات المتحدة «يجب أن تُحوِّل الشعب إلى موردٍ مهم لحماية الأمن القومي. ويجب علينا نحن الشيوعيين أن نكون طبيعيين في خوضنا للحرب الشعبية. فنحن الأفضل في التنظيم من أجل المهمة».

والمقترح الوحيد الذي تصوَّره شي في تلك الخطابات حول معسكرات الاعتقال، التي تقع في قلب الحملة القمعية الآن، كان إقراراً ببرامج تلقينٍ أكثر شدة داخل سجون سنجان.

إذ قال للمسؤولين في جنوبي سنجان، خلال اليوم الثاني من زيارته: «يجب أن تكون هناك إعادة تشكيل وتحويل تعليمي فعَّال للمجرمين. وحتى في أعقاب إطلاق سراح أولئك الأشخاص، يجب أن تتواصل جهود تعليمهم وتحويلهم».

وفي غضون أشهر، بدأ افتتاح مواقع التلقين بطول سنجان -وجاءت في صورة منشآتٍ صغيرة أول الأمر، وكانت تحتجز عشرات أو مئات الإيغور فقط في نفس الوقت ليحضروا جلساتٍ تهدف إلى الضغط عليهم ليتخلّوا عن إخلاصهم للإسلام، ويُقِرُّوا بأفضال الحزب عليهم.

وفي أغسطس/آب من عام 2016، نُقِلَ المُتشدِّد تشين تشوانغو من التبت إلى حُكم سنجان. وفي غضون أسابيع، دعا المسؤولين المحليين إلى «إعادة التعبئة» حول أهداف شي، وأعلن أنَّ خطابات شي «وضعت اتجاه تحويل سنجان إلى تجربةٍ ناجحة».

وأعقب ذلك فرض ضوابط أمنية جديدة، وتوسعة كبيرة لمعسكرات التقلين.

وقال تشين في خطابٍ -مُسرَّب- إلى القيادة الإقليمية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017: «إنَّ الكفاح ضد الإرهاب ومن أجل حماية الاستقرار هو حربٌ طويلة الأمد، وحربٌ هجومية».

وفي وثيقةٍ أخرى، كانت عبارةً عن سجلٍ بملاحظاته خلال مؤتمر بتقنية الفيديو في أغسطس/آب عام 2017، استشهد بـ «المهارات المهنية، والتدريب التعليمي، ومراكز التحويل» بوصفها أمثلةً على «الممارسات الجيدة» التي تُحقِّق أهداف شي في سنجان.

ويبدو أنَّ الحملة القمعية أدَّت إلى خنق الاضطرابات العنيفة في سنجان، لكن الكثير من الخبراء حذَّروا من أنَّ التدابير الأمنية القاسية والاعتقالات الجماعية ستُولِّد استياءً قد يُؤدّي في نهاية المطاف إلى اشتباكاتٍ عرقية أسوأ على الأرجح.

وأُدينت تلك المعسكرات في واشنطن والعواصم الأجنبية. لكن شي توقَّع انتقادات دولية خلال مؤتمر القيادة في مايو/أيار عام 2014، وحثَّ المسؤولين خلف الأبواب المغلقة على تجاهلها.

إذ قال: «لا تشعروا بالخوف في حال انتحاب القوى المُعادية، أو في حال تشويهها لصورة سنجان».

كشفت الوثائق عن مقاومةٍ للحملة القمعية داخل الحزب، أكبر من المعروف مسبقاً -وسلَّطت الضوء على الدور المحوري الذي أداه سكرتير الحزب الشيوعي الجديد في سنجان للتغلُّب على تلك المقاومة.

إذ قاد تشين حملةً تُشبه حملات ماو السياسية العنيفة، حيث شجّعت ضغوط القيادة العليا المسؤولين المحليين على التجاوز، وكان أي تعبيرٍ عن الشكوك في الحملة يُعامل معاملة الجريمة.

وفي فبراير/شباط عام 2017، طلب من آلاف ضباط وجنود الشرطة، الذين وقفوا بانتباهٍ داخل ميدانٍ واسع في أورومتشي، أن يتجَّهزوا لـ «هجومٍ كاسح ومُدمِّر». وفي الأسابيع التالية، تُشير الوثائق إلى أنَّ القيادة استقرت على خططٍ لاحتجاز الإيغور بأعدادٍ ضخمة.

وأصدر تشين قراراً شاملاً: «اقبضوا على جميع من يجب إلقاء القبض عليهم». وتظهر تلك الجملة الغامضة في أكثر من مناسبةٍ داخل الوثائق الداخلية لعام 2017.

وكان الحزب يستخدم جُملةً مُشابهة حين يُطالب المسؤولين بأن يكونوا أكثر يقظةً وشمولية أثناء جمع الضرائب أو قياس المحاصيل. وصارت تُطبَّق الآن على البشر، في توجيهات تأمر باحتجاز أي شخصٍ تظهر عليه «أعراض» التشدُّد الديني أو وجهات النظر المُناهضة للحكومة -دون أي ذكرٍ لإجراءات قضائية.

وحدَّدت السلطات العشرات من تلك الأعراض، ومنها سلوكياتٌ شائعة بين أتقياء الإيغور: إطالة اللحية، والإقلاع عن التدخين أو شرب الكحول، ودراسة اللغة العربية، والصلاة في المساجد.

وأكَّد قادة الحزب على تلك الأوامر بالتحذير من الإرهاب في الخارج، واحتمالية تطبيق هجماتٍ مماثلة في الصين.

إذ وصف توجيهٌ من 10 صفحات، وقَّعه كبير مسؤولي سنجان الأمنيين آنذاك تشو هايلون في يونيو/حزيران عام 2017، الهجمات الإرهابية الأخيرة في بريطانيا بأنَّها «تحذيرٌ ودرسٌ لنا». وحمَّل التوجيه الحكومة البريطانية المسؤولية بسبب «تركيزها المُفرط على حقوق الإنسان فوق الأمن»، وعدم كفاية الضوابط المفروضة على انتشار التشدُّد في المجتمع وعبر الإنترنت».

واشتكى التوجيه كذلك من الثغرات الأمنية في سنجان، وتشمل غموض التحقيقات، وأعطال معدات المراقبة، والفشل في إدانة الناس بالسلوكيات المشبوهة.

وأمر التوجيه بالاستمرار في الاعتقالات. إذ نص على التالي: «التزموا بالقبض على جميع من يجب إلقاء القبض عليهم. اقبضوا عليهم طالما كان لهم وجود».

ولا تزال أعداد الأشخاص الذين زُجَّ بهم في المعسكرات سراً دفيناً. لكن إحدى الوثائق المُسرَّبة تُقدِّم لمحةً عن نطاق الحملة، إذ أمرت المسؤولين بالحيلولة دون انتشار الأمراض المُعدية داخل المنشآت المزدحمة بالبشر.

كانت الأوامر عاجلةً ومثيرةً للجدل في مقاطعة ياركند تحديداً، وهي عبارةٌ عن مجموعةٍ من البلدات والقرى الريفية في جنوبي سنجان، حيث يعيش قرابة الـ900 ألف نسمة وجميعهم تقريباً من الإيغور.

وفي خطابات عام 2014، أشار شي إلى جنوبي سنجان بوصفها خط المواجهة الأمامي في حربه ضد التشدُّد الديني. إذ يُشكِّل الإيغور قرابة الـ90% من سكان الجنوب -ويشكلون النصف تقريباً من سكان سنجان إجمالاً. لذا وضع شي هدفاً طويل الأمد ينص على جذب المزيد من مستوطني الهان الصينيين إلى المنطقة.

وكشفت الوثائق أنَّه وغيره من قادة الحزب أمروا منظمة Xinjiang Production and Construction Corps شبه العسكرية، ويعني اسمها قوات الإنشاء والإنتاج بسنجان، بتسريع جهود توطين المنطقة بالمزيد من الهان الصينيين.

وبعد أشهرٍ قليلة، هجم أكثر من 100 إيغوري مُسلَّحين بالفؤوس والسكاكين على مكتبٍ حكومي ومركزٍ للشرطة في ياركند، ليقتلوا 37 شخصاً بحسب التقارير الحكومية. وفي المعركة، أطلقت القوات الأمنية الشرطة على المُهاجمين وقتلت 59 منهم بحسب التقارير.

وعُيِّن وانغ يونغ تشي مسؤولاً لإدارة ياركند بعد فترةٍ وجيزة. وكان يُشبه تكنوقراطيي الحزب بنظاراته وقصة شعره. إذ نشأ وقضى حياته المهنية في جنوبي سنجان، وكان يُنظر إليه على أنَّه مسؤولٌ مُتمرِّس وبارع يستطيع الوفاء بأولويات الحزب الكبرى في المنطقة: التنمية الاقتصادية والسيطرة الصارمة على الإيغور.

ولكن أكثر الوثائق كشفاً ضمن الأوراق المسربة كانت وثيقتين وصفتا سقوط وانغ: إحداهما تقريرٌ من 11 صفحة يُلخِّص تحقيقات الحزب الداخلية في تصرفاته، ونص اعترافٍ مُكوَّن من 15 صفحة ربما يكون قد أدلى به بالإكراه. ووُزِّعت الوثيقتان داخل الحزب في صورة تحذيرٍ للمسؤولين الذين يتراخون في تطبيق الحملة القمعية.

ويُمثِّل مسؤولو الحزب من الهان، مثل وانغ، نقاط ارتكاز الحزب في جنوبي سنجان لأنَّهم يُراقبون مسؤولي الإيغور في المناصب الأصغر. وبدا أنَّ وانغ يحظى بمباركة كبار القادة مثل يو تشنغ شنغ، الذي كان كبير مسؤولي الصين للقضايا العرقية آنذاك، والذي زار المقاطعة في عام 2015.

وعقد وانغ العزم على تعزيز الأمن في ياركند، لكنَّه دفع عجلة التنمية الاقتصادية إلى الأمام أيضاً لعلاج الاستياء العرقي.

وسعى كذلك إلى تخفيف سياسات الحزب الدينية، إذ أعلن أنَّه لا مشكلة في الاحتفاظ بالقرآن داخل المنزل، وشجَّع مسؤولي الحزب على قراءته من أجل فهم التقاليد الإيغورية.

وحين بدأت الاعتقالات الجماعية؛ فعل وانغ ما طُلِبَ منه أول الأمر، وبدا وكأنَّه تبنى المهمة بحماس.

إذ شيَّد مركزي احتجازٍ شاسعين، تصل مساحة أحدهما إلى قرابة الـ50 ملعب كرة سلة، ويتسع لاستقبال 20 ألف شخص.

وزاد تمويل القوات الأمنية بدرجةٍ حادة عام 2017، حيث وصلت زيادة النفقات على نقاط التفتيش والمراقبة إلى 1.37 مليار رنمينبي صيني (180 مليون دولار أمريكي تقريباً)، أي أكثر من ضعف ميزانية المصروفات السابقة.

وجمع أعضاء الحزب في مسيرةٍ بميدانٍ عامة، ودعاهم إلى رفع وتيرة الحرب ضد الإرهابيين. وقال: «يجب أن تمحوهم من البلاد بالكامل. دمِّروا الجذور والفروع».

لكن وانغ كانت لديه شكوكٌ سرية، بحسب الاعتراف الذي وقَّعه، وهي الشكوك التي فحصها الحزب بعناية.

إذ كان يرزح تحت ضغوطٍ شديدة للحيلولة دون اندلاع أعمال العنف في ياركند، وكان قلقاً من أنَّ الحملة القمعية قد تُؤدِّي إلى رد فعلٍ عنيف.

وحدَّدت السلطات أهدافاً رقمية لاحتجازات الإيغور في أجزاءٍ من سنجان، ورغم عدم معرفة إذا ما كان ذلك قد حدث في ياركند أيضاً؛ لكن وانغ شعر بأنَّ الأوامر لم تترك مساحةً للاعتدال وأنَّها ستُسمِّم العلاقات العرقية داخل المقاطعة.

وكان قلقاً أيضاً من أنَّ الاعتقالات الجماعية ستجعل من المستحيل تحقيق التقدُّم الاقتصادي الذي يحتاجه لكسب الترقية.

إذ حدَّدت القيادة أهدافاً للحد من الفقر في سنجان. ولكن في ظل إرسال الكثير من السكان في سن العمل إلى المعسكرات؛ كان وانغ يخشى أن تصير أهدافه بعيدة المنال، وكذلك هو الحال مع تطلُّعاته إلى وظيفةٍ أفضل.

وكتب أنَّ رؤساءه كانوا «مُفرطين في الطموح وغير واقعيين. لقد كانت السياسات والتدابير التي اتَّخذتها المستويات العليا من القيادة على خلافٍ واسع مع الوقائع على الأرض، ولا يُمكن تنفيذها بالكامل».

ونقل تشين مئات المسؤولين من الشمال، من أجل المساعدة في تطبيق الحملة القمعية جنوبي سنجان. ورحَّب وانغ علناً بالمسؤولين الـ62 الذين وصلوا إلى ياركند. لكنه كان يرى سراً أنَّهم لم يفهموا كيفية العمل مع المسؤولين والسكان المحليين.

وكانت الضغوط على المسؤولين في سنجان متواصلة لاعتقال الإيغور والحيلولة دون اندلاع أعمال العنف مرةً أخرى، إذ قال وانغ في اعترافه -الذي يُعتقد أنَّه وقَّعه تحت ضغط- إنَّه كان يشرب الكحول أثناء تأدية وظيفته. وتحدَّث عن حادثةٍ عرضية حيث انهار سكيراً خلال اجتماعٍ أمني.

وأضاف: «أثناء نقل التقارير حول عملي في اجتماعٍ مسائي، تلعثمت في كلامي بهذيان. وبمجرد قولي بعض الجمل، انهار رأسي على الطاولة. وتحوَّلت تلك الحادثة إلى أكبر مزحةٍ في إدارة المقاطعة».

وعُوقِبَ آلاف المسؤولين في سنجان بسبب مقاومتهم أو فشلهم في تنفيذ الحملة القمعية بالحماسة المناسبة.

واتُّهِمَ مسؤولو الإيغور بحماية أبناء عرقهم الإيغور. لدرجة أنَّ غو وينشينغ، زعيم الهان (القومية الكبرى في الصين) في مقاطعةٍ جنوبية أخرى، سُجِنَ لأنَّه حاول إبطاء الاعتقالات وحماية مسؤولي الإيغور بحسب الوثائق.

وسافرت فرقٌ سرية من المحققين إلى كافة أنحاء المنطقة، من أجل التعرُّف على المسؤولين الذين لا يُؤدّون أدوارهم بالشكل الكافي.

وفي عام 2017، فتح الحزب أكثر من 12 ألف تحقيق لأعضاء الحزب في سنجان بسبب مخالفاتهم خلال «الحرب ضد الانفصالية»، وهو رقمٌ يُقدَّر بـ20 ضعفاً للرقم المُسجَّل في العام السابق بحسب الاحصائيات الرسمية.

ولكن وانغ ذهب أبعد من أي مسؤولٍ آخر.

إذ أمر سراً بالإفراج عن أكثر من سبعة آلاف نزيلٍ في المعسكرات -في خطوةٍ تُمثِّل تحدِّياً سيودي به إلى الاعتقال، وتجريده من سلطته، ومحاكمته.

وكتب وانغ: «لقد قصَّرت، وتصرَّفت فردياً، وأنفذت تعديلاتي الشخصية اعتقاداً مني بأنَّ القبض على الكثير من الأشخاص سيُزكي الصراعات ويُعمِّق الاستياء العام. لقد كسرت القوانين دون موافقةٍ من القيادة وبمبادرةٍ شخصية مني».

اختفى وانغ بهدوءٍ من المشهد العام في أعقاب شهر سبتمبر/أيلول عام 2017.

وبعد ستة أشهر، جعل منه الحزب عبرةً لمن يعتبر، حين أعلن أنَّه يخضع للتحقيق بسبب «عصيانه الشديد لاستراتيجية القيادة المركزية بالحزب، في ما يتعلَّق بحوكمة سنجان».

وكان التقرير الداخلي حول التحقيق أكثر مباشرة. إذ نص على التالي: «كان يتوجَّب عليه التضحية بكل شيءٍ من أجل خدمة الحزب. وبدلاً من ذلك، تجاهل استراتيجية القيادة المركزية بالحزب، في ما يتعلَّق بحوكمة سنجان، ووصل به الأمر إلى التحدِّي الصريح لها».

وقرأ المسؤولون في كافة أنحاء سنجان التقرير واعترافات وانغ بصوتٍ عالٍ. وكانت الرسالة واضحة: لن يتسامح الحزب مع أيّ تردُّدٍ في تنفيذ الاعتقالات الجماعية.

إذ وصفت المنافذ الدعائية وانغ بأنَّه فاسدٌ بدرجةٍ لا يُمكن التراجع عنها، في حين اتَّهمه التقرير الداخلي بتقاضي الرشاوى في صفقات البناء والتعدين، ودفع أموالٍ لرؤسائه من أجل الحصول على الترقيات.

وأكَّدت السلطات أيضاً على أنَّه ليس صديقاً للإيغور. ونص اعترافه على الأقاويل بأنَّه أجبر 1,500 عائلة على الانتقال إلى شقق لا تحتوي على مدافئ في منتصف الشتاء، من أجل تحقيق أهداف خفض معدلات الفقر. لدرجة أنَّ بعض القرويين كانوا يحرقون الأخشاب داخل المنازل للتدفئة، مما أدى إلى وقوع إصاباتٍ وقتلى.

لكن خطيئة وانغ السياسية الكبرى لم تُكشف أمام العامة. وبدلاً من ذلك، أخفتها السلطات في التقرير الداخلي: «لقد رفض القبض على كل من يجب القبض عليهم».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى