تقارير وملفات إضافية

هل تضطر القوات الأمريكية لمغادرة العراق بعد هجومها على الحشد أم ستحاربه؟

هل يضع البرلمان العراقي قانوناً لإخراج القوات الأمريكية من البلاد، بعد الهجوم الأخير على حزب الله العراقي، وهل يتحول العراق لساحة مواجهة بين واشنطن وطهران في هذه الحالة ومن ينتصر؟

فما بعد الهجوم الأمريكي على حزب الله العراقي الذي يعد أبرز مكونات الحشد الشعبي العراقي الموالي لطهران ليس كما قبله، والآن بات على الولايات المتحدة مواجهة تعقد المشهد العراقي وفخاخ إيران وحلفائها.

في يوم 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، شنت مجموعة من الطائرات المقاتلة الأمريكية F-15E هجوماً على خمس منشآت تسيطر عليها ميليشيا شيعية، تُدعى كتائب حزب الله، في العراق وسوريا. 

وبالإضافة إلى تدمير خمسة مستودعات للأسلحة والذخائر ومواقع للقيادة والسيطرة، أسفرت هذه الهجمات عن مقتل 25 عراقياً، من بينهم أربعة من قادة الميليشيا على الأقل، وجرح ما لا يقل عن 55 آخرين.

ترى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن هذه الهجمات لم تكن مجرد رد مناسب على الهجوم الذي نفذته الميليشيا -التي تؤكد الولايات المتحدة أنها تحارب بالوكالة عن إيران- على قاعدة عسكرية عراقية بالقرب من مدينة كركوك وأسفر عن مقتل متعهد (مقاول) أمريكي وجرح أربعة جنود أمريكين واثنين عراقيين، بل تقول الولايات المتحدة إنه سيضعِّف قدرة الميليشيا على شن هجمات ضد قوات التحالف في المنطقة مستقبلاً.

وحتى إذا تفهم مبررات الإدارة الأمريكية لشن هذا الهجوم، ينبغي أن تثير هذه الحادثة بعض المخاوف، حسب ما قال  لورنس كورب، الزميل الأقدم في مركز التقدم الأمريكي في مقال كتب في موقع مركز أبحاث Responsible Statecraft الأمريكي.

لماذا لا يزال لدى الولايات المتحدة ما يقرب من 5000 جندي بالإضافة إلى عدد مجهول من المتعهدين (المقاولين) من القطاع الخاص في العراق بعد نحو 17 عاماً من الغزو الأمريكي؟

من المهم أن نتذكر أنه بسبب مطالب حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، الذي نصَّبته الولايات المتحدة، وافقت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش عام 2008 على سحب جميع القوات الأمريكية من العراق بنهاية عام 2011، وهو الاتفاق الذي نفذته إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

ثم عادت القوات الأمريكية عام 2014 بناءً على طلب الحكومة العراقية لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، الذي كان يفتك بالجيش العراقي الذي تدرَّبه الولايات المتحدة، وسيطر على ثلث مساحة البلاد. 

ولكن بعد القضاء على داعش، تغيرت المبررات.

إذ تزعم إدارة ترامب أن بقاء  القوات الأمريكية هناك للحد من تأثير الميليشيات الإيرانية على الجيش العراقي، على الرغم من التعاون الأمريكي مع العديد من هذه الميليشيات لهزيمة داعش.

يقول كورب إذا كان الهجوم الأمريكي رداً على اعتداء أجنبي على العراق، لماذا انتُقِد هذا الهجوم من جانب جميع الزعماء العراقيين، بمن فيهم الرئيس برهم صالح (كردي) ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي ووزير الخارجية محمد علي الحكيم وتحالف الفتح -ثاني أكبر تحالف في البرلمان العراقي- والمرجع الديني الأعلى للشيعة آية الله علي السيستاني؟

بل ذهب الرئيس العراقي برهم صالح إلى حد وصف هذا الهجوم بالعمل العدواني وانتهاك للسيادة العراقية. 

وعندما أبلغ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بالهجوم مسبقاً، طلب منه عبد المهدي إيقاف تنفيذه، ثم أدانه علانيةً، واصفاً إياه بأنه هجوم وحشي ستكون له عواقب وخيمة. 

لذا، كيف يمكن أن تزعم الولايات المتحدة أن تواجدها العسكري في العراق بهدف حماية الديمقراطية بها، في حين أنها تنتهك سيادتها بوضوح؟

والتطور الذي قد يضع واشنطن في مأزق أن كتائب «حزب الله» العراقي أعلنت في بيان لها أن مقاتليها انسحبوا من محيط السفارة الأمريكية ببغداد مقابل تعهد رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي بالعمل الجاد على تشريع قانون لإخراج القوات الأمريكية والأجنبية الأخرى من البلاد.

وأضافت الكتائب: «سنراقب عمل البرلمان الأسبوع القادم، للمباشرة بتشريع قانون إخراج القوات الاجنبية وفاءً لدماء الشهداء».

وأنصار إيران يمثلون الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي، فيما يمثل التيار الصدري كتلة كبيرة، ولقد تعهد الصدريون على العمل بالوسائل القانونية والسياسية لإخراج القوات الأمريكية من العراق.

ورغم انسحابهم فإن المقاتلين والموالين لكتائب «حزب الله» نصبوا خيام الاعتصام في شارع أبو نواس الواقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة على أطراف المنطقة الخضراء في الجهة المقابلة لمجمع السفارة الأمريكية.

وبات نهر دجلة يفصل بين المعتصمين وبين المنطقة الخضراء، حيث موقع السفارة.

ماذا سيحدث بعد ذلك؟ تزعم وزارة الدفاع الأمريكية أن ضرباتها الدفاعية الدقيقة ستضعف قدرة الميليشيا على شن هجمات في المستقبل على قوات التحالف، في حين يصفها بومبيو بأنها رد حاسم على إيران. 

لكن ماذا سيحدث إذا لم تضعف هذه الغارات قدرات الميليشيا؟ هل ستكون الولايات المتحدة مستعدة للهجوم على إيران، التي تزعم أنها مسؤولة عن الهجمات على الجنود الأمريكيين؟ 

وهددت كتائب حزب الله، على لسان أبومهدي المهندس نائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي»، بـ «رد قاس» على القوات الأمريكية في العراق التي تأخذ مثل هذه التهديدات على محمل الجد خلافاً لتهديدات فصائل أو مجموعات مسلحة شيعية أخرى.

ومع احتمالات الرد من قبل أنصار إيران بهدف حفظ ماء الوجه والأهم لإلهاء الرأي العام العراقي بعيداً عن مطالب الحراك، فإن مواجهة ستكون معقدة القوات الأمريكية لأن خصمها ليس جيشا نظاميا بل ميليشيات منتشرة في الشارع بأسماء متداخلة وتستفيد من موارد الدولة العراقية دون أن تكون خاضعة لسيطرتها.  

بالنسبة للإيرانيين فإن مغامرة الاشتباك مع الأمريكيين قد تكون رابحة ما دام هذا التورط لا يشمل طهران نفسها أي لم يحدث مواجهة عسكرية بين إيران وأمريكا.

والخسائر التي ستقع في مثل هذه الفوضى المحتملة ستتركز على الأغلب في أوساط المدنيين العراقيين وكذلك الميليشيات العراقية الموالية لطهران، وهي مسألة لم يبدُ يوماً أنها تؤرق الإيرانيين الذين أرسلوا مقاتلين شيعة للموت في سوريا دفاعاً عن الأسد من كل الدول ذات التواجد الشيعي الكثيف إلا من إيران نفسها.

وهل ترغب الإدارة الأمريكية في خوض حرب مع إيران، في حين يستعد البنتاغون لتحويل وجهة قواته من الشرق الأوسط إلى محاربة التهديد الرئيسي في نظرها والمتمثل في المنافسين الاستراتيجيين للولايات المتحدة، روسيا والصين؟ 

علاوة على ذلك، يتساءل كورب هل أي من هذا قانوني؟ هل ما زال استمرار التواجد العسكري الأمريكي في العراق مبرراً بقانون «الإذن لاستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين» الذي صدر بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول، أو بتصويت الكونغرس عام 2002 لتأييد غزو العراق؟

ويتساءل كورب هل حان الوقت لمطالبة الكونغرس بالتصويت للموافقة على استمرار التواجد العسكري الأمريكي في العراق أو رفضه؟ 

وإذا كان هناك إشكالية قانونية لوجود القوات الأمريكية في العراق حاليا، فالأمر سيزداد تعقيداً لو مرر البرلمان العراقي تشريعاً يطالب بإخراجها، الأمر سيجعل التواجد الأمريكي استعماراً للعراق.

 كيف ستؤثر الهجمات الأمريكية على الأحداث في العراق المضطرب بالأصل؟

فقد أسفرت المظاهرات الشعبية هناك عن مقتل نحو 500 من المتظاهرين المناهضين للحكومة، والذين كانوا -من بين أمور أخرى- يدينون الميليشيات مثل كتائب حزب الله وداعميها الإيرانيين. والآن، حوَّل المتظاهرون غضبهم تجاه الولايات المتحدة بسبب الهجوم الأخير، وحلت الشعارات المناهضة للولايات المتحدة محل الشعارات المناهضة لإيران، مع دعوات لإنهاء الاحتلال العراقي وهجوم بعض المتظاهرين على السفارة الأمريكية في بغداد.

وترى صحيفة لصحيفة The New York Times الأمريكية أن الرد الأمريكي المبالغ به من قبل إدارة ترامب على الهجوم على القاعدة الأمريكية خدم إيران وحلفاءها، إذ جعلت الهجمات واشنطن مركز العداء الجماهيري بالعراق، ما قلل من حدة الغضب تجاه طهران ووكلائها.

ومع تفكير الولايات المتحدة في خطوتها التالية، عليها أن تفكر في العواقب غير المقصودة لغزوها واحتلالها للعراق بلا مبرر عام 2003 وحملتها الحالية للضغط على إيران.

إذ لم يؤدِّ غزو العراق إلى ظهور داعش فحسب، بل تسبب أيضاً في زيادة نفوذ إيران بالعراق والمنطقة، وهو الوضع الذي تواجهه الولايات المتحدة اليوم.

 كما أدت الحملة الأمريكية للضغط على إيران إلى زيادة نفوذ الصين وروسيا في المنطقة، كما يتضح في تدريباتهما البحرية الأخيرة مع إيران. أخيراً، عززت هذه الهجمات نفوذ إيران في المنطقة من خلال تقويض العلاقات الأمريكية مع العراق.

واليوم في العراق، حيث يقود أتباع إيران البرلمان ويهيمنون على أجهزة الدولة ولديهم ميليشيات متنوعة بعناوين مختلفة ومقرات لا يمكن حصرها وتواجد في الشارع، فإن التصعيد الأمريكي من شأنه في الأغلب إضعاف الحراك الذي يطالب بتقليل نفوذ طهران وأتباعها.

ولكن الأسوأ أن هذه الفوضى تمنح فرصة للحشد للعصف بالحراك بل قد يطيح بالدولة برمتها على غرار ما فعل الحوثيون باليمن ليتحول الحكم الإيراني لبغداد من هيمنة غير مباشرة لاستعمار صريح. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى