تقارير وملفات إضافية

أزمات تنتظر الكاظمي.. أبرز الملفات الشائكة التي تواجه رئيس الحكومة العراقية الجديد

لا تبدو مهمة رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي (53 عاماً)، سهلة، في ظل تحديات قد لا يكون أهلاً لمواجهتها.

وتتمثل هذه التحديات في تراجع إيرادات الدولة العراقية، جراء جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وحرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا، والعهود التي قطعها الكاظمي على نفسه بمحاكمة قتلة المتظاهرين، والنأي بالنفس عن التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في العراق والمنطقة.

وأقرّ الكاظمي، الذي نال ثقة البرلمان في 7 مايو/أيار الجاري، عبر تصريحات عديدة، بأن حكومته تواجه تحديات اقتصادية وضرورة محاربة البطالة والفقر والتوزيع العادل للثروات.

لكنه لم يتطرق إلى مسائل خلافية حساسة تتعلق بأداء البنك المركزي العراقي، وأسلحة الفصائل المسلحة خارج هيئة “الحشد الشعبي”، وغيرها من ملفات تحدث عنها، مثل محاكمة قتلة المتظاهرين، والكشف عن مصير آلاف المغيبين قسراً في سجون سرية تقول تقارير إعلامية إنها تحت إشراف الفصائل المسلحة.

شكَّل الكاظمي الحكومة بعد فشل مرشحين اثنين، هما محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي، في تشكيل حكومة وعرضها على مجلس النواب.

بل إن علاوي والزرفي أدركا في وقت مبكر استحالة تمرير حكومتهما واعتذرا قبل انتهاء المهلة الدستورية، وفي الحالتين كان السبب الرئيسي هو عدم موافقة إيران عليهما، إضافة إلى عدم توافق الكتل السياسية الشيعية على اقتسام المناصب، وتبني كل من العرب السُّنة والأكراد موقفاً متردداً، خلافاً لموقفهما المؤيد للكاظمي.

الكاظمي غير مصنَّف على الأحزاب الإسلامية الشيعية المؤيدة لإيران، لكنه ليس بعيداً عنها، كما أنه لن يُكمل مدته الدستورية، المختلف عليها حتى الآن (حكومة انتقالية لفترة عام أم دائمة لمدة أربع سنوات)، دون دعم تلك الأحزاب، التي تشكل كتلاً برلمانية تمتلك القرار التشريعي، ولها نفوذ طاغٍ في القرار التنفيذي.

والكاظمي هو المتهم الأول من أكثر من فصيل مسلح من الفصائل الحليفة لإيران بالتآمر مع الولايات المتحدة في عملية اغتيال كل من أبومهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، وقاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، ببغداد في 3 يناير/كانون الثاني الماضي.

لكنه رغم ذلك “قد” يكون نال مباركة إيران وتلك الفصائل الحليفة لها لتمرير حكومته، وهي الفصائل التي تمتلك العدد الأكبر من الأصوات في مجلس النواب.

ويرى مراقبون أن غياب سليماني عن المشهد السياسي العراقي وضع الكتل الشيعية في حالة “تخبُّط” بشأن خياراتها، سواء مع علاوي أو الزرفي، وكلاهما لم تبد إيران موقفاً محدداً منهما.

والسبب هو أن إيران كانت منشغلة بتداعيات اغتيال سليماني، وإعادة ترتيب الملف العراقي داخل الحرس الثوري، وهي المهمة التي كُلف بها مسؤول الملف العراقي في “حزب الله” اللبناني، محمد كوثراني، بأمر من قيادة الحرس الثوري الجديدة، مع تقييد حركته بعد أن أدرجته واشنطن على لائحة الإرهاب، ورصد مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات تساهم بالقبض عليه.

وقد تكون هناك مصلحة مشتركة بين الولايات المتحدة وإيران في تمرير حكومة الكاظمي والقبول بالأمر الواقع.

بعد اغتيال سليماني وانشغالها بمواجهة جائحة “كورونا” وحاجتها لمرونة أمريكية بشأن الإعفاءات الممنوحة للعراق لاستيراد الغاز وإمدادات الطاقة الكهربائية الإيرانية، أبدت إيران عجزاً واضحاً في تغيير مسار العملية السياسية وفرض إرادتها أو عقد اتفاقات “ضمنية” مع الولايات المتحدة لتسمية المرشحين وتشكيل الحكومة العراقية.

لذلك فإن طهران بحاجة إلى الإيعاز للفصائل المسلحة والكتل السياسية الحليفة لها لتخفيف حدة الخطاب الإعلامي المعادي لواشنطن، ووقف الهجمات ضد القواعد والمصالح الأمريكية بالعراق.

في المقابل، تجد الولايات المتحدة نفسها بحاجة لتهدئة مماثلة وعدم الضغط بشكل أكبر لاختيار المرشحين أو تشكيل الحكومة، والاكتفاء بما يمكن أن يتحقق لها في جلسات الحوار الاستراتيجي المقررة بين حكومتي العراق والولايات المتحدة، في يونيو/حزيران القادم.

وهذا ما تعوّل عليه الإدارة الأمريكية لبناء أسس جديدة للوجود العسكري الأمريكي في العراق، وإعادة صياغة العلاقات الثنائية التي سادتها أجواء من انعدام الثقة طيلة فترة ما بعد تصاعد التوترات في المنطقة منذ مايو/أيار 2018 بين الولايات المتحدة وإيران، بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من الاتفاق النووي لعام 2015، وإعادة فرض عقوبات على إيران.

كما أن الولايات المتحدة لا تزال تنظر بقلق لتنامي نفوذ إيران المباشر ونفوذها عبر الفصائل الحليفة لها في مؤسسات الدولة العراقية الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية بعد انتخابات 2018 وتسلم عادل عبدالمهدي منصب رئاسة الوزراء، وفقدان الدولة السيطرة على سلاح الفصائل، الذي نفَّذ أكثر من أربعين هجوماً على مرافق دبلوماسية وقواعد وشركات أمريكية بالعراق، خلال نصف عام.

من المؤكد أن حكومة الكاظمي ستجلس إلى طاولة الحوار الاستراتيجي مع الأمريكيين في ظل أزمات متراكمة، معظمها اقتصادية؛ جراء تفشِّي وباء “كورونا”، وحرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا، وتراجع أسعار النفط في السوق العالمية، واعتماد الإيرادات الحكومية بنسبة نحو 90٪ على النفط، وحاجة العراق للدعم الأمريكي لتفادي انهيار الاقتصاد العراقي.

وكذلك حاجة العراق الأكيدة في مواجهة تهديدات تنظيم داعش، الذي زادت نشاطاته في الأسابيع الأخيرة، مستغلاً انشغال العراق بمواجهة “كورونا” وأزمة تشكيل الحكومة والانقسام السياسي.

وأجبرت احتجاجات شعبية غير مسبوقة حكومة عبدالمهدي على الاستقالة، في الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ولم تعترض إيران على تكليف الكاظمي، وباركت له تشكيل حكومته في 9 مايو/أيار الجاري.

ويميل مراقبون إلى اعتبار الكاظمي مقبولاً إيرانياً، رغم أنه محسوب على الولايات المتحدة، ويتمتع بثقتها وثقة المجتمع الدولي ودول جوار العراق الخليجية، لاسيما تلك التي وجهت إليه دعوات لزيارتها، خاصة بعد تصريح أدلى به في أعقاب لقائه سفيري طهران وواشنطن، حيث قال إن العراق لن يكون منطلقاً لعمليات إرهابية تستهدف مصالح الآخرين ولا ساحة لتصفية حسابات الدول الأخرى.

“قد” تتخوف طهران من اتفاق أو تفاهم “ضمني” بين الكاظمي وواشنطن على الحد من النفوذ الإيراني المباشر أو غير المباشر، من خلال القوات الحليفة لها، وهو ما يثير قلق إيران، التي عادت للتأكيد على لسان المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، أنه “لا يوجد مكان للأمريكيين في العراق وسوريا، وسيتم طردهم منهما”.

في المقابل، أرسل الكاظمي تطمينات واضحة لإيران، عبر سفيرها في بغداد، بأنه لن يسمح بأن تكون الأراضي العراقية منطلقاً للاعتداء على أي دولة أو ساحة لتصفية الحسابات.

من المؤكد أن الكاظمي لن ينجح في تنفيذ الرغبة الأمريكية بكبح جماح النفوذ الإيراني في العراق، والحد من الهجمات المحتملة للقوات الحليفة لها على المصالح الأمريكية.

لكن الكاظمي أيضاً “قد” لا يستجيب لرغبات القوات والكتل السياسية الحليفة لإيران بإخراج القوات الأمريكية من العراق، كونها تلاحق ما تبقى من مجموعات “داعش”، وتراقب النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة، وهو ما ستقرره عموماً بغداد وواشنطن في جولات الحوار الاستراتيجي المنتظرة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى