تقارير وملفات إضافية

الصدام أم الانفراج.. إلى أين تتجه الأزمة المتصاعدة بين المغرب والإمارات؟

بين طموح الإمارات التي تتبنى نهجاً تصادمياً يسعى للهيمنة ومقاربة مغربية براغماتية تنتهج الإصلاحات مساراً لبلوغ الاستقرار، يزداد التحالف التاريخي بين البلدين تمزقاً واضمحلالاً شيئاً فشيئاً، فهل يتجاوز البلدان خلافتهما؟ وكيف سيبدو شكل العلاقة مستقبلاً؟

وهل تسير الأزمة نحو الانفراج أم الصدام؟، في السطور القادمة سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة:

ارتبط المغرب والإمارات بعلاقات متميزة منذ سبعينيات القرن الماضي تحولت إلى تحالف تاريخي أملته حركة المد الاشتراكي واليساري الذي كان يستهدف الملكيات والأنظمة التقليدية في العالم العربي، غير أن رياح الربيع العربي التي هبت في 2011 أحدثت شرخاً في علاقات البلدين بسبب تباين المواقف والرؤى في عدد من الملفات الإقليمية والاستراتيجية.

يرتبط البلدان بعلاقات عسكرية مميزة، فقد ساهمت المملكة المغربية منذ 1979 في عهد الملك الحسن الثاني، في هيكلة المنظومة الأمنية والاستخباراتية الإماراتية وتعزيز بعض فروعها.

كما تعد الإمارات أول مستثمر عربي وثالث مستثمر أجنبي في المغرب بحجم استثمارات تفوق قيمتها 15 مليار دولار، فضلاً عن الهبات والمساعدات في العديد من المجالات.

لكن تداعيات الثورات العربية منذ 2011 أعادت تشكيل خريطة التحالفات في المنطقة، وعلى أثرها تأثرت العلاقة بين أبوظبي والرباط التي تشهد تأزماً غير مسبوق بين البلدين كان أبرز تجلياتها تخفيض التمثيل الدبلوماسي واستدعاء السفراء العام الماضي. كرد فعل على استثناء وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أبوظبي من جولته الخليجية.

يبدو أن الطموح الإماراتي الذي سيسعى إلى الهيمنة والصدام لم يعد يتماشى مع سياسة الاعتدال التي ينتهجها المغرب حيث بات من المستحيل في ظل الوضع الراهن أن يستمر المغرب في أي تحالف مع الإمارات.

ومع استمرار الأزمة الحالية وتمادي أبو ظبي في مواقفها، فإنه لا يبدو واضحاً كيف سيتعامل الطرفان مع تداعيات هذا الوضع، كما أنه من السابق لأوانه القول إن ذلك سيشكل قطيعة نهائية بين البلدين.

لقد بات إصلاح ذات البين بين أبو ظبي والرباط متوقفاً على احترام المبادئ الأساسية التي تقوم عليها السياسية الخارجية المغربية، خصوصاً الموقف من الصحراء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام استقلالية القرار المغربي ومراعاة مصالح المملكة في المنطقة.

في أوج “الربيع العربي” بادر ملك المغرب محمد السادس للقيام بإصلاحات دستورية انتهت بإدماج الإسلاميين لأول مرة في منظومة الحكم كخطوة استباقية لتجنب رياح الربيع العربي.

تزامن ذلك مع محاولة دول مجلس التعاون الخليجي دمج المغرب في حلف يضم الملكيات العربية تلقى على أثرها دعماً مالياً واقتصادياً من الإمارات وباقي الدول الأعضاء في المجلس.

استغلت الإمارات هذه الفرصة لتعزيز وجودها في شمال أفريقيا ووقف زحف حركات الإسلام السياسي وإدخال دولة عربية أخرى ضمن دائرة نفوذها واستمالة مواقفها الخارجية.

حيث أبرمت معها اتفاقية للتعاون العسكري في 2015، شملت المجالات الأمنية والدفاعية والصناعات العسكرية.

كان التحالف بين البلدين قوياً وأكثر تقارباً، نظراً للنظرة البراغماتية لدول عربية ذات أنظمة ملكية استاءت من موجات الربيع العربي، وتخشى من أن تطالها الاضطرابات السياسية والأمنية التي شهدتها دول مجاورة.

بعد استقرار الوضع في المغرب بدأ المغرب يتوجس من سياسات ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد العدائية والمتشددة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي بدا أنها تسعى للهيمنة وممارسة الوصاية على علاقاتها مع الرباط.

 سعت أبو ظبي إلى عرقلة أي إصلاح أو تحول ديمقراطي في المغرب بعد صعود حزب “العدالة والتنمية” الذي تعتبره الإمارات حزباً “إخوانياً” إلى رئاسة الحكومة المغربية، سنة 2011، محاولة لتكرار السيناريو  المصري.  

وكان الضغط عبر التماطل في تقديم المساعدات التي تعهدت بها بعد الربيع العربي، ثم تجميد الاستثمارات في المغرب، وتوظيف إعلامها للهجوم على حكومة عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة السابق ورئيس حزب العدالة والتنمية.

لكن الملك محمد السادس دافع عن حكومته، وحق حزب العدالة والتنمية في رئاستها، رافضاً أي تدخل خارجي في تدبير شؤون المغرب الداخلية.

اتسعت رقعة الخلافات بين المغرب والإمارات في 2017، إثر حصار قطر من طرف الرباعي السعودية والإمارات والبحرين ومصر، حيث اتخذت الرباط موقفاً محايداً وعرض الملك محمد السادس الوساطة بين الفرقاء، ما اعتبرته أبو ظبي خيانة للتحالف بين البلدين وانحيازاً إلى جانب قطر، بالنظر لتقارب موقفيهما  في التعاطي مع الربيع العربي.

في فبراير/شباط عام 2019، أوقف المغرب مشاركته في العمليات العسكرية مع التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، بعد 5 سنوات على انضمامه إليه إثر اندلاع الحرب اليمنية سنة 2014، وهو ما اعتبر ضربة قوية للتحالف.

التصريح بخروج المغرب من التحالف العربي في اليمن جاء بعد أيام قليلة على خروج الوزير المغربي ناصر بوريطة على قناة “الجزيرة”، مصرحاً بحدوث تغيير بالمشاركة المغربية في التحالف العسكري باليمن، ومتحدثاً عن مآسٍ إنسانية تعيشها المنطقة، قال إنه أصبح من الضروري أن يأخذها المغرب بعين الاعتبار.

وجاء القرار المغربي على ما يبدو في أعقاب في فبراير/شباط الماضي، بثت قناة “العربية” الموجودة بدبي تقريراً تبنّى “رواية غزو المغرب للصحراء سنة 1975 بعد خروج الاستعمار الإسباني منها” وإظهار خريطة البلاد مبتورة عن الصحراء، وهو ما اعتبر تجاوزاً للخطوط الحمراء ومساساً بالوحدة الترابية للمغرب، كما تقول الرباط.

اتخذت التطورات في الساحة الليبية أيضاً منحى خطيراً واستقطاباً إقليمياً متزايداً، واتضح أن الإمارات العربية عملت على تقويض الجهود الدبلوماسية المغربية بدعمها لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالعتاد والرجال، التي تشن الحرب على حكومة الوفاق الشرعية التي زكاها اتفاق الصخيرات (المبرم بالمغرب وبرعاية مغربية في العام 2015) وتحظى باعتراف دولي، منذ بداية سريان الاتفاق في أبريل/نيسان 2016.

ويخشى المغرب من أن سعي الإمارات لإقامة حكم عسكري في ليبيا على شاكلة ما حدث في مصر سيؤثر لاحقاً على قضية حيوية بالنسبة له هي قضية الصحراء الغربية، على اعتبار أن عدداً من القيادات في قوات حفتر كانوا من أتباع الراحل معمر القذافي وتدعم أطروحة انفصال الصحراء، ولذا فإن عودة سلطة تسير وفق سياسة القذافي، يمثلها على الأرض حفتر وقواته العسكرية، لن تكون في مصلحة الوحدة الترابية للمغرب.

رؤية الإمارات للقضية الفلسطينية شكَّلت بدورها جزءاً من الخلاف بين البلدين، إذ باتت الإمارات هي المبادر الفعلي ورأس المنظومة العاملة على السير قدماً بما يسمى “صفقة القرن”، وأخذت على عاتقها إعادة تموقع إسرائيل بالمنطقة، وهو ما أسهم في تهميش دور المغرب بالقضية الفلسطينية.

بقدر اتساع التحالف بين الإمارات والمغرب بقدر ما يكتنفه الكثير من الغموض، فموقف أبو ظبي من قضية الصحراء غير واضح ويتصف بالتذبذب.

كما أن انخراط المغرب إلى جانب الإمارات سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً لم يتلق الدعم الكافي، ما أصبح يعطي الانطباع ببداية اضمحلال هذا التحالف الذي بات يتسم بالهشاشة والتباعد.

ويرجح أن يؤدي ذلك في الأخير إلى صدام بين الطرفين بناء على المؤشرات التي تزيد من تعميق الأزمة وتصاعد التوترات كالموقف من الإسلام السياسي، فالمغرب تبنى نهجاً إصلاحياً يستوعب الإسلاميين في منظومة الحكم، في حين تتبع الإمارات مساراً عدوانياً وعنيفاً هدفه عرقلة المسار الديمقراطي، مثلما حدث في مصر وليبيا واليمن وامتد ذلك إلى المغرب، حيث تدخلت أبوظبي لتقويض حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يتقاسم السلطة مع الملك.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى