ثقافة وادب

سهام العصور الوسطى ألحقت بضحاياها إصابات تضاهي هذا السلاح الحديث

غيرت السهام قبل اختراع الأسلحة القاذفة معادلات القوة على الأرض، وشكلت مهارة الرماة المرحلة الأولى قبل اشتباك الجنود والفرسان وتحديد مصير الفائز من الخاسر والميت من الحي.

فأن يتلقّى المرء سهماً في رأسه، لهو طريقة غير سارّة للموت، بلا شك (أو أي سلاح آخر بالتأكيد). 

ولحسن الحظّ لن يواجه معظم البشر المعاصرين على الأرجح تلك المقذوفات التاريخية في ميادين الحرب، بل المتاحف حصراً.

أوضحت دراسة جديدة، أشرف عليها علماء آثار من جامعة إكستر ونشرتها مجلة Smithsonian، مدى الدمار الذي يمكن أن تُحدثه القوس الطويلة الإنجليزية، وقد سلّطت الضوء على أوجه تشابه مدهشة بين الإصابات التي يسببها سلاح العصور الوسطى وبنادق اليوم.

ونشرت الورقة البحثية، الأسبوع الماضي، في مجلة Antiquaries Journal، تفاصيل الدراسة التي أجراها الباحثون لبقايا عظامٍ عمرها قرون، اكتُشِفت بأحد مقار الأخوية الكنسية الدومينيكية في إكستر. 

وفي إحدى القرائن البشعة، وجد الفريق دليلاً على سهم اخترق الجزء العلوي من العين اليمنى لمحارب سيئ الحظ وخرج من مؤخرة جمجمته، مخلفاً جروحاً مدمّرة. 

بحسب الورقة البحثية، يبدو أن الإصابات مماثلة لتلك التي تسببها الرصاصات الحديثة.

وكان السهم الذي اخترق الجمجمة المشار إليها مكسوّاً بالريش ومجهّزاً للدوران باتجاه عقارب الساعة عند الانطلاق نحو ضحيّته. 

على مرّ التاريخ، صمم معظم صانعي الأسلحة البنادق لتزوَّد برصاصات تدور بنمطٍ مماثل في اتجاه عقارب الساعة، على الرغم من أن الأقليّة من بين هؤلاء فضّلوا ما يُطلق عليه “التواء في اتجاه اليسار”، حسبما أشار خبير الإصابات الناجمة عن الطلقات النارية، فينسينت دي مايو.

وكتب المؤلّفون بقيادة عالم الآثار أوليفر كريتون، في ورقتهم البحثية: “من الصعب التعرف على الرضوح (الصدمات) الناجمة عن إصابة السهم، ولكن هذه المجموعة تبيّن أن الأسهم التي تنطلق من الأقواس الطويلة قد تؤدّي إلى جروح اختراق للجمجمة دخولاً وخروجاً تضاهي تلك الناجمة عن الرصاصات الحديثة. 

ولهذه النتائج آثار عميقة على فهمنا لقوّة الأقواس الطويلة خلال العصور الوسطى”.

وأشارت الدراسة إلى أن جميع العظام الخاضعة للبحث -ومن بينها 22 شظية عظمية وثلاث أسنان- قد أظهرت أدلّة على أن الرضوح في الجمجمة كانت نتيجة لإصابة سهام “في وقت الوفاة أو قبيل ذلك”. 

وفي مثال مصوّر آخر، عثر الباحثون على شظايا من عظام الساق اليمنى وقد أصابها سهم تسبب في اختراق عضلة السمّانة الخلفية، إذ اخترق اللحم واستقر في العظام.

وأشار اختبار الكربون المشع إلى أن تاريخ البقايا يرجع للفترة بين 1482 و1645 ميلادياً، حسب الورقة البحثية.

احتلّت الأقواس الطويلة في العصور الوسطى الصدارة لأوّل مرّة كأسلحة حرب فتّاكة خلال حرب المئة عام بين إنجلترا وفرنسا. 

إذ لعبت دوراً محورياً في عديد من اشتباكات القرنين الـ14، والـ15؛ فخلال معركة كريسي التي شهدها عام 1346، أطلق الرماة الإنجليز، بحسب تقديرات المؤرّخين، قرابة 35.000 سهمٍ في الدقيقة الواحدة، وحققوا انتصاراً على الخِصم رغم أن عددهم كان يضاهي نصف نظيره على الجبهة المقابلة، حسبما أشارت محطّة Smithsonian Channel الأمريكية في سلسلة “عالم الأسلحة-World of Weapons“. 

وبعد قرابة 70 عاماً من تلك الموقعة، ساعدت القوس الطويلة هنري الخامس على الحفاظ على هيمنة إنجلترا على فرنسا في معركة أجينكور.

وكانت أفضل الأقواس الطويلة الإنجليزية تُعد من أخشاب الطقسوس، ويبلغ طولها قرابة مترين، حسب موسوعة Encyclopedia Britannica

وكان جرّ السلاح إلى أي مكان يتطلّب نحو 80 كغ من القوة؛ والأمر يتوقّف على وزن السهم، كما كان بمقدور الرماة إطلاق السهم من مسافة تبعد أكثر من 300 متر من الهدف. 

عُثر على واحدة من أشهر الصور التاريخية للموت بالسهم منقوشة على أثر نسيج بايو، الذي يصور الفتح النورماندي لإنجلترا الأنجلوسكسونية على يد وليام الفاتح. 

وظهر هارولد الثاني بسهم يخترق رأسه، خلال القتال في معركة هاستينغز في عام 1066.

وحقيقة موت الملك الإنجليزي بهذه الطريقة لا تزال موضع جدل، إذ كتب مارك كارترايت في موسوعة التاريخ القديم: “هل هي حالة من تاريخ سُجل على النسيج أم أساطير لاحقة دارت حول التاريخ؟ 

وفي الورقة البحثية، أشار كريتون إلى أن الموت بفعل “إصابة السهم في العين أو الوجه كانت له أهمية خاصة. إذ اعتقد الكتّاب الكهنوت أحياناً أن الموت بتلك الطريقة عقاب إلهي، تزامناً مع احتمالية إرساء القتل بطريقة (السهم في العين) على يد الملك هارولد الثاني، باعتباره الحالة الأكثر شهرة في هذا الصدد”.

وأقدم دليل معروف على السهام يأتي من موقع جنوب إفريقيا في كهف يدعى سيبودو، حيث تم العثور على بقايا رؤوس سهام عظمية وحجرية يرجع تاريخها إلى ما يقرب من 70.000-60.000 سنة.

وساد تفوق شعوب الشرق الأوسط في معدات الرماية والتقنية لقرون. ويتجلى ذلك في أقواس الآشوريين والفرسيين (247 قبل الميلاد في إيران)، الذين ربما كانوا أول من أتقن الرماية فوق الخيل.

أصبحت القوس الطويلة الإنجليزية قوة في العصور الوسطى، واستُخدمت في عديد من المعارك الأوروبية الشهيرة. وحتى الآن لم يتم إلغاء قانون في إنجلترا يجبر كل رجل في سن البلوغ، على ممارسة الرماية كل يوم أحد، على الرغم من تجاهله. 

بالنسبة لعديد من الثقافات، كانت أهمية القوس في الحرب ثانوية لقيمتها كسلاح صيد، قبل أن تتحول لاحقاً إلى رياضة وتنافس.

وأقيمت أول مسابقة رماية معروفة في فينسبري بإنجلترا عام 1583، بمشاركة 3000 شخص.

أما الآن فهي جزء من الألعاب الأولمبية، يتنافس على ميدانها الرجال والنساء.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى