تقارير وملفات إضافية

لماذا تصر تونس على الحياد في الأزمة الليبية رغم استفزازات حفتر؟

“سنسيطر على تونس بعد ليبيا”، كانت هذه بعض الكلمات التي يرددها مقاتلون تابعون للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر مفصحين فيها عن وصول عداء حفتر وأنصاره لتونس إلى مستوى خطير، مقابل تأكيد الرئيس قيس سعيد على حياد تونس تجاه الأزمة الليبية. 

ففي مواجهة هذه التهديدات الحفترية حتى لو تكن غير رسمية، يواصل الرئيس التونسي ترديد، ثلاثة شعارات مختلفة تماماً “أمن تونس من أمن ليبيا”، “نقف على مسافة واحدة من كل الأطراف”، “الحل يجب أن يكون ليبياً”.

 3 عبارات تلخص الموقف التونسي من الأزمة الليبية والذي لم يتغير على مدار عمر الأزمة، رغم تعاقب الحكومات والرؤساء، ولكنه ظل قائماً على التأكيد على حياد تونس تجاه الأزمة الليبية

فمن المنصف المرزوقي (2011-2014) إلى الباجي قايد السبسي (2014 – 2019)، وأخيراً الرئيس الحالي قيس سعيد، لم تختلف تلك العبارات بمنطوقها أو فحواها، خلال محاولة أي منهم التعبير عن موقف بلاده من أزمة جارتها الشرقية.

فعلى خطى سابقيه، كان الرئيس قيس سعيد حريصاً منذ اللحظة الأولى على توضيح ثبات الموقف التونسي الداعي إلى حل سياسي معبراً عن إرادة الشعب الليبي، بمنأى عن كل التدخلات الخارجية، مع اعترافه بالحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.

وإبان توليه السلطة أواخر العام الماضي، أطلق قيس سعيد، مبادرة بهدف إيجاد حل سلمي للأزمة، والتحضير لمؤتمر ليبي ليبي ترعاه تونس ويكون خطوة نحو مصالحة شاملة في البلد الجار، مع احترام الشرعية الدولية والانتقال منها إلى الشرعية الليبية.

وآنذاك، جدد الرئيس التونسي وقوفه على مسافة واحدة من كل الأطراف، وحرصه على إيجاد حل للأزمة الليبية بعيداً عن التدخلات الخارجية ولغة السلاح.

“سنبيد الشعب التونسي، وسنسيطر على تونس بعد ليبيا”، ورد هذا التهديد في شريط مصور تداولته مواقع التواصل الاجتماعي التونسية، نقلاً عن مواقع ليبية.

الشريط يظهر عناصر تابعة لميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر تهدّد تونس وشعبها. وقد ظهر أتباع حفتر، وهم فيما يبدو من المنتمين لمجموعات المداخلة المتطرفين دينياً، يهددون بالسيطرة على تونس، بعد الانتهاء من السيطرة على باقي ليبيا، حيث ظهر أحد العناصر، وهو يصرخ بهستيرية وهو يقول “جايين لتونس”. ووسط تكبيرات يرفعها هؤلاء.

الأسوأ أن مقاتلاً آخر توعّد الشعب التونسي بالإبادة، بقوله “تريدون إبادتنا بالكورونا، سوف نبيدكم بهذا”، مشيراً إلى سلاحه. 

على الرغم من المواقف الرسمية التونسية التي لا تعلن العداء لأيٍّ من الأطراف المتنازعة، وعلى الرغم من حضور شخصيات وقنوات إعلامية موالية لحفتر في تونس، إلا أن هناك حالة عداء لافتة يكنها حفتر وأنصاره للنموذج الديمقراطي التونسي.

حتى أن حفتر اعترف في حوار مع قناة فرنسا 24 بُث في شهر يوليو/تموز 2017، بإطلاق سراح كثيرين من عناصر تنظيم داعش الإرهابي، وإجبارهم على الدخول إلى الأراضي التونسية.

 ويرجع هذا العداء إلى أن حالة الوفاق التي نجحت القوى السياسية الكبرى في الوصول إليها بتونس، على الرغم من صراعاتها الإيديولوجية واختلافاتها السياسية، هي النقيض لنموذج حفتر الإقصائي.

يقول حفتر لليبيين لا بديل للوضع الحالي إلا “حكمي المستبد”.

ولكن النموذج التونسي يقدم بديلاً ثالثاً لليبيين عبر حل مشكلة الصراع الدموي الذي تعيشه بلادهم من خلال التعددية السياسية.

وهذه أيضاً مشكلة رعاة حفتر في المشرق العربي مع تونس، ومع المغرب العربي برمته، حيث توجد درجات متفاوتة من الأنظمة الديمقراطية أو الشبه ديمقراطية تشهد تعايشاً بين الإسلاميين المعتدلين من جانب وبين القوى الليبرالية واليسارية والحكومات وأنصارها من أبناء الدولة العميقة من جانب آخر، وهو أمر مختلف تماماً عن الطرح الذي تقدمه السعودية والإمارات ومصر ومعهم سوريا.

رغم أن حفتر ورعاته لاسيما الإمارات، لا يتوقفون عن استهداف تونس وثورتها عبر التحالف مع فلول دولة بن علي إلا أن البلد المغاربي يصر على الحياد في هذا النزاع.

تبدو تونس شديدة الحذر في التعامل مع الأزمة الليبية لأسباب عدة.

فمقارنة بالجزائر، من المحتمل أن تتأثر تونس بسهولة أكبر بالأزمة الليبية أو بتغييرات كبيرة في هذا البلد، سواء بسبب العلاقات التجارية مع ليبيا أو بسبب وجود أكبر للتونسيين في ليبيا والليبيين في تونس، إضافة إلى ضعف جيشها وقواتها الأمنية وصغر حجم اقتصادها مقارنة بالجزائر، ناهيك أن التداخل الجغرافي والبشري التونسي الليبي أكبر من الجزائر.

كما أن تونس لا تريد أن تدخل في عداء مع ثلاثي المشرق العربي المعادي للربيع العربي والداعم لحفتر (مصر والسعودية والإمارات)، والذي تعلم أنه لا يكن لها أي ود باعتبارها مهد الربيع العربي.

وقد يكون من أسباب حرص الرئيس قيس سعيد وأسلافه على حياد تونس تجاه الأزمة الليبية، هو خوفهم من الاستقطاب الداخلي في ظل تأييد الإسلاميين والثوريين لحكومة الوفاق، وتأييد قطاعات من اليسار والعلمانيين والدولة العميقة لحفتر.

إذ يعتبر بعض اليساريين أن حفتر امتداد للتيار القومي العربي، علماً أن الرجل ممولته الرئيسية هي الإمارات العراب العربي الأكبر لصفقة القرن التي ستضحي بالقضية الفلسطينية. 

“حياد تونس تجاه الأزمة الليبية هي سبيل النجاة ليس من أجل تونس فقط، بل من أجل الدولة الليبية المستقبلية، إذ يجب أن يكون الجيران محايدين”، حسبما يقول للأناضول الدبلوماسي المخضرم ووزير الخارجية التونسي السابق، أحمد ونيس.

أضاف أن “الحياد السلبي فرض عدم التدخل عسكرياً، كما فرض الاكتفاء بالتدخل الإنساني وطرح المبادرات السياسية الرامية لإيجاد حلول، وهو أمر شرعي، أما عندما يصبح الحياد تغطية على تسريب أسلحة وتغليب شق على شق فإن ذلك يعتبر غدراً، وتونس لا تقوم بالغدر”.

من جانبه، اعتبر المحلل السياسي باسل الترجمان، أن سياسة الرئيس قيس سعيد إزاء الملف الليبي بنيت على رفض التدخلات الخارجية في ليبيا ومحاولات تقسيمها والإصرار على أن يكون الحل ليبياً ليبياً، والوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف.

سياسة تونس تقوم على الاعتراف بحكومة الوفاق كطرف شرعي معترف به دولياً، بهذه الكلمات يلفت المحلل السياسي طارق الكحلاوي، إلى أن حياد تونس ليس سلبياً.

يقول الكحلاوي الذي كان يترأس المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (رئاسي)، إن هذه مسألة ليست شكلية بل كان هذا الموقف واضحاً حتى من خلال الاتصالات الرسمية التي لم يكن يجريها سوى مع هذا الطرف (حكومة الوفاق).

وعلى مستوى المقاربة والعلاقة بالأطراف الإقليمية المتورطة في الملف الليبي، فإن قيس سعيد عمد إلى التواصل مع مختلف الأطراف مع الحرص الشديد على عدم التخندق في شق معين.

وقال إن الحلول الملموسة لا يمكن تقديمها بمعزل عن طرفي النزاع، وخاصة وأن صراعهما قوي وأن كليهما مصمم على حسم المسألة عسكرياً، وحتى مشاركتهما في مؤتمرات دولية لم تكن جدية ولم تفض إلى حلّ.

ورأى أن الموقف التونسي من القضية الليبية لن يتغير إلا في حال تغير الوضع الميداني بشكل كامل وحسم أحد الطرفين المعركة، أما في الوضع الحالي فإنها ستبقى ثابتة عند مواقفها وحيادها.

وعما إذا كان الموقفان التونسي والجزائري متطابقين في هذا الخصوص، اعتبر الكحلاوي أن هناك تطابقاً بين الموقفين التونسي والجزائري في هذا الملف، وصل إلى درجة أن تونس سحبت مرشحها كمبعوث لدى الأمم المتحدة في ليبيا لمصلحة ترشيح شخصية جزائرية.

وتابع أن تونس بوصفها عضواً في مجلس الأمن الدولي، فإنها تحاول من موقعها خلق مقاربة صعبة لتمثيل كل الرؤى، وهنا يمكن أن يحدث بعض سوء الفهم أو بعض الجدل.‎

وعرض المحلل التونسي لمظاهر تشابه مواقف البلدين في أن كليهما يعتبر أنّ الحل يجب أن يكون ليبياً ليبياً، كما أن البلدين يعتقدان أن المبادرات الدولية بما فيها مؤتمر برلين (يناير/كانون الثاني الماضي)، لن تصل إلى حل وأن الحل الوحيد هو جلوس الليبيين على طاولة الحوار والخروج بحل.

ولكن قد يكون هناك درجة اختلاف بين تونس والجزائر بشأن وضوح الموقف من حفتر تحديداً.

إذ إن الجزائر أكثر الدول المغاربية وضوحاً في رفضها خليفة حفتر، وليست القصاصة التي نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية بداية عام 2020 (حذفتها فيما بعد) سوى تأكيد على هذا الموقف عندما وصفت عملياته بـ”العدوان العسكري”. 

ويتذكر المتابعون أنه خلال بزوغ نجم حفتر في مواجهة حكومة الوفاق، زار وزير جزائري مناطق في الجنوب التقى خلالها قيادات عسكرية غير موالية لحفتر، ما دفع حفتر إلى انتقاد هذه الزيارة واعتبارها “انتهاكاً لسيادة ليبيا”.

كما أنه صدر بيان عن الرئاسة الجزائرية بعد تولي الرئيس عبدالمجيد تبون السلطة، أكد أن “إن الجزائر تعتبر طرابلس خطاً أحمر ترجو ألا يجتازه أحد”. ‬

وفي هذه النقطة، أوضح أحمد ونيس أن الجزائر “ضد تولي خليفة حفتر قيادة نظام عَسكري ليبيا وهي معادية لفكرة قيام نظام عسكري في ليبيا برمتها، وبالتّالي فإنها تعلن عن حياد سياسي”.

وأضاف: “مفهوم الحياد هو عدم التدخل عسكرياً، وإنما دبلوماسياً فيمكن أن نتدخل بكل قوتنا ولا يجب أن تكون هذه القوّة منفردة أي يجب أن تكون كل دول المغرب الكبير على نفس الموقف وأن تساهم في إيجاد حل لهذه القضية سياسياً ودبلوماسياً حتى يهتدي الأشقاء الليبيون إلى حل توافقي سياسي”.

وعن دور الوحدة المغاربية في الأزمة، ذهب الوزير التونسي السابق أحمد ونيس، إلى أن “تجميد مشروع المغرب الكبير أثر سلباً في القضية الليبية وكانت له عواقب سلبية في هذا الموضوع”.

ويضم المغرب الكبير كلاً من تونس والجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا، وأعلنت هذه الدول في 1989 عن اتحاد المغرب العربي بغاية تحقيق التكامل والتنسيق بينها في مختلف المجالات، إلا أن هذه الوحدة بقيت “شكلية” ولم تُفعّل.

وأوضح ونيس أن “تجميد مشروع المغرب الكبير أصبح خطراً استراتيجياً بسبب المد المشرقي في ليبيا، أي تدخل مصر عسكرياً ومن ورائها دول خليجيّة لتغليب شق على شق أي دعم حفتر الحليف العسكري لها والذي في احتمال فوزه عسكرياً فسيبقى مديناً للدولة المصرية”.

في المقابل يرى الترجمان أنّ مشروع إقامة المغرب الكبير هو عبارة عن أحلام ليس لها على أرض الواقع سوى التمنيات ولم تكن هناك خطوات حقيقة للاندماج وبناء الوحدة المغاربية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى