تقارير وملفات إضافية

البقاء للأقوى.. شعار السعودية الجديد في سوق النفط، ولكن هل هي الأقوى فعلاً؟

أصيب دببة النفط في العالم بالجنون، إذ يواصلون زيادة الإنتاج رغم تهاوي الأسعار، وتحديداً تبدو السعوديةً مصرة على إغراق أسواق النفط العالمية التي أصبحت متخمة بالمعنى الحرفي للكلمة. 

وقال مصدر بقطاع النفط السعودي لرويترز، أمس الثلاثاء، إن أرامكو السعودية طلبت من شركات خدمات الطاقة الرئيسية دعم خطط عملاق النفط الوطني للإنتاج بالحد الأقصى لطاقته الإنتاجية البالغ 12 مليون برميل يومياً بدءاً من أول أبريل/ نيسان “وللمدى المنظور”. 

وأضاف المصدر السعودي أن أرامكو أخطرت شركات الخدمات “بتسخير الموارد الضرورية بما فيها القوى العاملة والمعدات” لمساعدتها في زيادة طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يومياً. 

فلماذا تواصل  السعودية زيادة الإنتاج رغم أنها من أكثر المتضررين من انخفاض الأسعار باعتبارها واحدة من أكثر الدول في العالم اعتماداً على النفط، ومتى تستقر سوق النفط وتعاود الأسعار للارتفاع؟

في 30 مارس/آذار، هبطت أسعار خام برنت القياسي العالمي وخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي إلى مستويات لم تشهدها منذ عام 2002. 

إذ كان برنت يتداول حول 23 دولاراً للبرميل بينما غرق خام غرب تكساس الوسيط لفترة وجيزة تحت الـ 20 دولاراً وهو مستوى معنوي مهم لأسعار النفط، بينما كان يتداول هذا الخام بسعر 70 دولاراً للبرميل تقريباً في يناير/كانون الثاني.

انقلب السوق الآن بشكل كبير، حيث أصبح السعر الخاص بعقود النفط الآجلة أقل من سعر السوق السائد، وهي ظاهرة لم تحدث منذ عقود، مما يؤكد أن أسواق النفط دخلت في أزمة كبيرة مع انخفاض الأسعار بأكثر من 65٪ منذ بداية العام.

ومع اجتماع حرب النفط التي تشنها السعودية على روسيا، مع أزمة كورونا، امتلاًت الخزانات في الكثير من الأسواق، فارضةً على المنتجين تخزين النفط الفائض في ناقلات النفط العملاقة القديمة. 

وقد بدأت المصافي في الإغلاق، لأن أحداً لا يُريد الوقود الفائض، وفي أسواقٍ على أرض الواقع تم بيع البرميل بأقل من 10 دولاراتٍ، بل إن منتجي النفط في بعض الأسواق الحبيسة يدفعون للمُشترين ليُخلصوهم مما لديهم من خام، وفق ما قال تقرير نشرته وكالة Bloomberg الأمريكية. 

وتهدد خطط السعودية لزيادة الإنتاج بمزيد من الانهيار في الأسعار، والذي قد يعني الوصول لمستويات غير مسبوقة في الانخفاض، علماً أنه في الأغلب فإن السعر الحالي قد يكون الأدنى منذ 2002، ولكنه قد يكون الأدنى تاريخياً؛ إذ وضع في الاعتبار انخفاض القيمة الشرائية للدولار عبر السنوات.

وقالت مصادر من أوبك والقطاع لرويترز إن السعودية تعتزم الإبقاء في  المدى الطويل على استراتيجية البقاء للأصلح التي تتبناها في سوق النفط باستخدام إمداداتها الهائلة وإمكانياتها المالية لإقصاء منافسين تزيد تكاليف إنتاجهم.

يستبعد تقرير لموقع OilPrice أي انتعاش في سوق النفط والغاز الواسع النطاق للربعين المقبلين، وربما بقية عام 2020. 

ويقولون إنه من المرجح أن يزداد الوضع سوءاً قبل أن يتحسن بسرعة في عام 2021. 

تقول Goldman Sachs إن انخفاض الطلب النهائي في مارس/آذار المنقضي يقدر بحوالي 10.5 مليون برميل، وانخفاض الطلب المتوقع سيكون بمقدار 18.5 مليون برميل يومياً في أبريل/نيسان 2020.

يبدو أن السعوديين والروس إضافة إلى حربهما الخاصة يريدون وأد إنتاج النفط الصخري الأمريكي كمنتج هامشي في العالم.

وبالفعل بدأنا نرى مدى سرعة تأثير تراجع النفط في وقت يسعى فيه الروس والسعوديون الذين ينتجون النفط بتكلفة منخفضة لاستعادة حصتهم في السوق التي فقدوها بسبب إنتاج الصخر الزيتي الأمريكي.

يفترض أنه في حالات انخفاض الطلب العالمي مثلما يحدث حالياً جراء كورونا أن يخفض المنتجون الرئيسيون من العرض، ولكن السعودية ردت بشكل مختلف.

إذ فتحت السعودية صنابير نفطها بالكامل على الرغم من أن مالية حكومتها ستعاني من انخفاض سعر النفط.

لماذا؟ لأن السعوديين في صراع مع المنتجين الرئيسيين الآخرين في العالم – الولايات المتحدة وروسيا – وهم مقتنعون بأنها يمكن أن تتحمل ألم انخفاض سعر النفط لفترة أطول مما يستطيعون.

 تراهن الرياض على أنها يمكن أن تزيل المنافسة التي يمثلها قطاع النفط الصخري الأمريكي – الذي لا يمكن تحمّله عند 20 دولاراً للبرميل.

وتجبر موسكو على قبول الحاجة إلى أن تكون جادة بشأن قيود الإنتاج. قام السعوديون بتكثيف الضغط في عطلة نهاية الأسبوع من خلال توضيح أنهم ليسوا على مقربة من صفقة مع الروس.

ومع التساؤلات بشأن من سيصرخ أولاً في صراع أسعار النفط السعودي-الروسي، يبدو بشكل متزايد أن السعوديين سينهارون أولاً، حسب Asia Times.

إذ إن روسيا  قد تكون قادرة على تحمل هذا الانخفاض في الأسعار لفترة أطول من السعودية.

فالمملكة العربية السعودية تحتاج إلى النفط بسعر يبلغ 85 دولاراً للبرميل لموازنة حساباتها المالية الوطنية، وفقاً لصندوق النقد الدولي ، بينما تحتاج روسيا إلى الأسعار في منتصف الأربعين دولاراً على الأقل.

وقد تضطر المملكة إلى جمع الأموال النقدية من الاقتراض عبر طرح سندات دولية.

ولكن هذا الخيار أصبح صعباً في المستقبل المنظور.

فجمع الأموال النقدية عندما يكون ثلث العالم على الأقل تحت الحصار، والاقتصاد العالمي يتجه إلى ما يمكن أن يكون ركوداً متعدد السنوات يبدو أنه مهمة حمقاء في أحسن الأحوال، حسب تعبير موقع Asia Times.

علاوة على ذلك، فإن الضربة المالية جراء انخفاض الأسعار لخزائن السعودية قد تستغرق سنوات للتغلب عليها، تماماً في وقت يفترض فيه أن البلاد كانت تحاول فطم نفسها عن عائدات النفط.

ومع امتلاء سعة تخزين النفط العالمية، بما في ذلك على المنشآت العائمة الطارئة، سيؤدي نقص التخزين إلى نتائج عكسية على السعوديين والروس، حيث يسعى كلاهما بشكل انتهازي لحبس السوق وسرقة حصتهما من بعضهما.

ويقول محللون إنه لن يكون هناك مكان قريب لتخزين كل الإنتاج الإضافي الذي تنتجه الدولتان. سيؤدي هذا حتماً إلى إغلاق الإنتاج، وهو أمر نادر الحدوث في أسواق النفط العالمية.

مع استمرار انخفاض الأسعار، يتوقع تسارع انخفاض إنتاج النفط الصخري.

والخطوة المنطقية التالية ستكون للمنتجين غير الاقتصاديين في مجال النفط الصخري، بدء إغلاق الإنتاج في آبار كانت تعمل بالفعل.

قد يؤدي ضغط السعودية وروسيا إلى انخفاض إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري إلى  مستوى عام 2012 .

ولكن الذي سيتأثر أكثر هو منتجو النفط الصخري بالولايات المتحدة  وغيرهم من منتجي النفط.

وهذا سيؤدي إلى خفض الإنتاج الأمريكي الذي بلغ 13 مليون برميل يومياً في بداية العام إلى “أقل من مستويات إنتاج السعودية أو روسيا بحلول نهاية العام”.

الآثار المترتبة على الولايات المتحدة متعددة، وهي تتراوح من الانكماش الاقتصادي المؤلم في قطاع الطاقة في البلاد الذي كان حتى وقت قريب النابض بالحياة، مع تأثير مضاعف على الاقتصاد الكلي، إلى تسريح العمال من صناعة النفط الضخمة.

وهذ الوضع سيؤدي بدوره إلى إعادة تنظيم وتعثر محتملين للعديد من شركات النفط والغاز الأمريكية، خاصة اللاعبين الأصغر الذين كانوا بالفعل يحرقون السيولة في ميزانياتهم ليظلوا في حالة تشغيل.

على نطاق أوسع، سيعني ذلك أيضاً فقدان بعض النفوذ في مجال الطاقة الذي استعادته الولايات المتحدة مؤخراً من زيادة إنتاجها النفطي.

لا عجب إذن أن المسؤولين الأمريكيين يطالبون علانية الزعماء الروس والسعوديين بوقف حرب التوريد والسماح للأسعار بالارتفاع مرة أخرى.

وأدى التراجع الأخير للنفط ودورانه حول حاجز الـ20 دولاراً، إلى أن معظم شركات النفط الصخري الأمريكية تواجه أسعاراً أقل من تكاليف إنتاجها.

تتفاوت تكلفة النفط الصخري، ولكن Rystad Energy تقول إن 16 شركة صخرية أمريكية تعمل في حقول يقل فيها متوسط تكاليف البئر الجديدة عن 35 دولاراً للبرميل فقط.

وعند وصول سعر البرميل إلى 30 دولاراً، فإن حفنة فقط من مئات شركات الصخر الزيتي الأمريكية يمكنها الاستفادة من أحدث آبارها، وفقاً لتحليل رويترز للبيانات الميدانية التي قدمتها شركة الاستشارات Rystad Energy للنفطية.

 إذ يعمل معظم منتجي الصخر الزيتي على أساس سعر نفط بين 55 دولاراً للبرميل و65 دولاراً للبرميل في عام 2020، وبعد التراجع أوقف منتجو النفط الصخري بعض الحفارات بسرعة، وخفضوا الموظفين.

وأكبر منتج للنفط في الولايات المتحدة شركة إكسون موبيل تحقق ربحاً عند سعر 26.90 دولار للبرميل على ممتلكاتها في ولاية نيو مكسيكو الأمريكية، التي تبلغ حوالي ربع ممتلكاتها.

وقالت الشركة إنها ستبطئ تطويرها في حوض بيرميان، أكبر حقل صخري أمريكي يمتد عبر ولايتي تكساس ونيو مكسيكو.

والمشكلة بالنسبة لشركات الزيت الصخري الأمريكية لا تقتصر على وصول الأسعار إلى مستويات أقل من سعر التكلفة فقط، فحتى بعض الشركات التي لديها مستويات تكلفة منخفضة، تواجه أزمة جراء عدم قدرتها على تسديد ديونها مع انخفاض العائدات والأرباح.

ومع استمرار السعوديين والروس في حربهما النفطية، فإنهما يصلان بمزيد من الشركات الأمريكية إلى منطقة الخسارة.

وأصبحت صناعة النفط الصخري على المحك للمرة الثانية منذ عام 2014، عندما شنت المملكة العربية السعودية حرب أسعار في ذلك الوقت لطرد منتجي الصخر الزيتي من السوق.

ودفعت هذه الحرب السعودية آنذاك العديد من منتجي الصخر الزيتي إلى الإفلاس، لكن الرياض فشلت في النهاية في وقف النفط الصخري، لأن الصناعة حققت تقدماً تكنولوجياً سريعاً أدى إلى انخفاض التكاليف.

ويبدو أن السعوديين مستعدون هذه المرة للوصول إلى مستوى جديد من الأسعار المتدنية لإلحاق الضرر بمنافسيهم من الروس والأمريكيين.

فإذا كان منتجو النفط الأمريكيون والروس قد خفضوا تكاليف إنتاجهم، فإن السعودية تنوي على ما يبدو تخفيض الأسعار إلى مستويات أدنى.

لن يستمر الضعف الحالي لأسعار النفط إلى الأبد.

فرغم هذا الانهيار، فإن مراقبين يتوقعون بشكل متزايد ارتفاعاً حاداً للنفط مرة ثانية بحلول الربع الرابع من عام 2020. 

وسينخفض العرض نتيجة خروج منتجي النفط الصخري الأمريكي من العمل، وفي حال توقيع اتفاق نهائي بين الرياض وموسكو، سيرتفع الطلب مدفوعاً جزئياً بانخفاض أسعار النفط، مما يقلل من تكاليف الأعمال ويعزز القدرة الشرائية للمستهلكين.

لكن لا يعرف إلى أي مدى بلغ العناد السعودي الروسي، ومتى ينتهي.

فالأمر يحتاج من السعوديين إلى التوقف عن إغراق السوق (حيث يقومون بمحاولة سرقة زبائن الروس)، ويجب أن يكون المستهلكون قادرين على إنفاق الأموال مكاسبهم، وذلك يتوقف على تطورات أزمة فيروس كورونا المستجد.

ولا يبدو هذا وشيكاً، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

هناك سيناريو واحد وضعه خبراء ستعود فيه الأسعار إلى مستوى 30 دولاراً وربما 40 دولاراً، وقالت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلاً عن استطلاع لـ 11 بنكاً رئيسياً، إنه من المتوقع أن يتم تداول خام غرب تكساس الوسيط في المتوسط عند 34.95 دولار للبرميل في 2020.

 وأظهر الاستطلاع أن البنوك تتوقع أيضاً أن متوسط خام برنت سيبلغ 38.12 دولار للبرميل هذا العام، وهو أدنى سعر له منذ عام 2004. ومع ذلك، من المتوقع أن يظل خام برنت في الربع الثاني دون 28 دولاراً للبرميل وخام غرب تكساس الوسيط دون 25 دولاراً.

على الرغم من أن هذه التوقعات تظهر ارتفاعاً في الأسعار عن مستوياتها الحالية ، فإنها لا تزال منخفضة للغاية بالنسبة للمملكة العربية السعودية وروسيا حتى تقترب مما يسمى نقاط التعادل المالي.

من الواضح أن الانهيار الحالي لأسعار النفط يشكل أزمة للأطراف الثلاثة، ولكن الحرب بينهما مستمرة بسبب خليط من الطبيعة العنيدة الشخصية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وانتهازية منتجي النفط الصخري الأمريكيين.

يصرخ المنتجون الأمريكيون الآن من تراجع أسعار النفط، في حين أنهم كانوا أول من يسرق حصص روسيا والسعودية في السوق في أيام الازدهار الناتج غالباً عن التوافق السعودي الروسي.

يحتاج الخروج من هذه الأزمة من اللاعبين الثلاثة الكبار، السعودية وروسيا وأمريكا، إلى الاتفاق.

ولكن عملية إنتاج النفط الصخري الأمريكية ليست مركزية ولا تتحكم بها واشنطن، بل تتم عبر أعداد هائلة من الشركات.

ولذا يبدو أن السعوديين يراهنون على أنه بدلاً من التطلع إلى اتفاق غير ممكن معهم، فإنه من الأفضل إخراج فصيل منهم من السوق.

ولكن هل تقبل إدارة ترامب الجمهورية المحافظة بذلك، والجمهوريون هم حلفاء تقليديون للشركات النفطية، وحقول النفط الصخري تنتشر في ولايات ذات ولاء جمهوري  صرف مثل تكساس.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى