تقارير وملفات إضافية

فصائل المقاومة حسمت أمرها لكن فتح أمام خيارين كلاهما مر.. كيف سيرد الفلسطينيون على صفقة القرن؟

موجة من الاحتجاجات الشعبية الفلسطينية ضد صفقة القرن اندلعت في الضفة الغربية وقطاع غزة على السواء منذ إعلان الإدارة الأمريكية عنها، ولكن الأمور تشي باحتمالات مزيد من التصعيد لاسيما في غزة، فهل تندلع انتفاضة جديدة في الأراضي الفلسطينية أم تقع حرب على غزة وحدها؟

 وتستمر التظاهرات الشعبية بوتائر متباينة، في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة لليوم السابع على التوالي، تزامناً مع تصعيد عسكري محدود في جبهة غزة.

 ويشهد قطاع غزة يومياً قصفاً من الجيش الإسرائيلي مستهدفاً مواقع عسكرية ومخازن للصواريخ تابعة لفصائل المقاومة رداً على استمرار إطلاق البالونات المتفجرة من غزة إلى الداخل الإسرائيلي، وهو ما يقابل برد  للفصائل المسلحة، وعلى رأسها حركة حماس باستهداف المستوطنات الإسرائيلية على حدود غزة بالصواريخ قصيرة المدى التي لا يتجاوز مداها 40 كم.

     استمرار هذا التوتر على حدود غزة وسع من نطاق دائرة القصف المتبادل بين الجانبين، حيث شهدت الأيام الأخيرة قيام المقاومة بقصف أهداف للجيش الإسرائيلي على تخوم غزة بقذائف الهاون تحديداً في منطقة «كيسوفيم» وسط قطاع غزة، وهو تطور يعد الأول من نوعه منذ سنوات.

هذا التوتر قد يرفع احتمالية دخول الفصائل المقاومة موجة جديدة من المواجهة المباشرة مع الجيش الإسرائيلي على غرار الجولات السابقة، أو تتوسع هذه المواجهة لتشمل الدخول في حرب جديدة على غرار ما جرى في الأعوام 2008_2009، 2012، 2014.

     رامي أبو زبيدة، الخبير والمختص في الشؤون الأمنية والعسكرية، قال لـ «عربي بوست» إن «سيناريوهات الوضع في غزة تنحصر في احتمالين، الأول الإبقاء على التصعيد ضمن مستواه الحالي إلى حين إجراء انتخابات الكنيست في مارس، التي ستفضي لتشكيل حكومة بإمكانها اتخاذ استراتيجية للتعامل مع أزمة غزة، لاسيما من خلال عملية عسكرية موسعة قد تفضي إلى وصول الطرفين لتسوية سياسية تتوج باتفاق جديد للتهدئة».

     وأضاف «أما الاحتمال الثاني فيتمثل في حدوث أمر غير اعتيادي يخرق قواعد الاشتباك الحالية، أبرزها تنفيذ إسرائيل لعملية اغتيال لأحد قادة الفصائل تعيد للجيش هيبته أمام الشارع الإسرائيلي التي فقدها بسبب عجزه عن إيجاد حل جذري لأزمة استمرار إطلاق الصواريخ، وتساهم في رفع أسهم بنيامين نتنياهو في الانتخابات القادمة، مما يعني الدخول في حرب واسعة على غرار ما جرى في حرب 2012 حينما اغتيل قائد كتائب القسام أحمد الجعبري».

لعل ما يعزز هذه الفرضية تعزيز الجيش الإسرائيلي في الساعات الأخيرة نشره لبطاريات القبة الحديدية في جنوب إسرائيل لاعتراض الصواريخ، عقب تعرض زعيم حزب ائتلاف أزرق – أبيض المعارض بيني غانتس لموقف محرج أمام عدسات الكاميرات وأمام مناصريه بهروبه للملاجئ أثناء زيارته للبلدات الإسرائيلية في غلاف غزة، على غرار ما جرى مع رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو في هروبه للملاجئ في حادثتين سابقتين في الأشهر الأخيرة.

هذه الحادثة تضع الجهات السياسية والأمنية في إسرائيل أمام موقف حرج قبيل جولة الإعادة لانتخابات الكنيست المقررة في 2 من مارس/آذار القادم، خصوصاً بعد حديث القادة الإسرائيليين عن خسارة الردع أمام حماس، التي باتت تتحكم في روتين الحياة الإسرائيلية، واتهام نتنياهو بالخوف من حماس، لأنه يحاول تجنب المواجهة العسكرية عبر إدخال مزيد من التحسينات الاقتصادية والمعيشية لقطاع غزة.  

     بالتزامن مع إعلان صفقة القرن، تسعى إسرائيل لممارسة نوعين من الضغوط على قطاع غزة سعياً منها لوقف استمرار إطلاق الصواريخ، الأول يتمثل في تقليص مستوى التسهيلات الاقتصادية والمعيشية، بعد مصادقة وزير الحرب نفتالي بينت على تقليص مساحة الصيد في بحر غزة لستة أميال، وسحب تراخيص 460 تاجراً من غزة لدخول إسرائيل، وتخفيض مستوى الاستيراد والتصدير بين غزة والعالم الخارجي.

أما النوع الثاني من الضغوط فيتمثل بالتحذير من تنفيذ عمليات اغتيال ضد قادة الفصائل العسكرية المسؤولة عن إطلاق الصواريخ، كما جرى من اغتيال قائد سرايا القدس بهاء أبو العطا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، مما قد يكون شرارة لانطلاق موجة جديدة من المواجهة العسكرية المفتوحة.

     في الجانب الآخر من الأراضي الفلسطينية، يقول علاء الريماوي، الباحث في مركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني والإسرائيلي لـ «عربي بوست» إن «احتمالية تصاعد حدة المواجهات في الضفة الغربية مرهونة بعامل أساسي وهو أن تشارك حركة فتح في هذه المواجهات كونها الفصيل الأكثر نشاطاً والمسيطر فعلياً على الضفة الغربية».

وأضاف أن «هذا أمر لم تحسمه بعد حركة فتح بسبب تباين وجهات النظر بين أعضاء لجنتها المركزية، حيث يرى قسم منهم الاكتفاء بما أعلن عنه الرئيس محمود عباس من قرارات للرد على صفقة القرن، فيما يخشى القسم الآخر أن تتسبب هذه الانتفاضة في إرباك حساباتها السياسية، وهي التي تتحضر لمرحلة ما بعد عباس».

     وتشهد الضفة الغربية موجة من الاحتجاجات والمواجهات بين المتظاهرين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي في مدن مختلفة منذ الإعلان عن صفقة القرن، تصاعدت حدتها بعد قيام المتظاهرين باستخدام أدوات جديدة في هذه المواجهات، تمثلت بعبوات المولوتوف الحارقة ضد جنود الجيش، إضافة لعملية دهس نفذها أحد الشبان ضد قوات الجيش الإسرائيلي بمدينة جنين.

     هذه المواجهات التي غابت عن الضفة الغربية خلال الأشهر الماضية تترافق مع دعم من قبل السلطة الفلسطينية للتحركات الشعبية لرفض صفقة القرن، إضافة لاتخاذ إسرائيل لحزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية تمثلت في وقف استيراد المنتجات الزراعية الفلسطينية، رداً على قرار السلطة وقف استيراد العجول من إسرائيل ضمن استراتيجية الانفكاك الاقتصادي عنها.

     نذر المواجهة بالضفة الغربية تتصاعد وتيرتها مع إعلان السلطة رفضها لما جاء في صفقة القرن، مما قد يرجح تصاعد الأمور لمرحلة جديدة قد تتطور إلى انتفاضة ثالثة.

     أيمن يوسف، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العربية الأمريكية في جنين قال لموقع «عربي بوست» إن «هناك حالة من عدم الرضى على مستوى المشاركة الشعبية في احتجاجات الضفة الغربية الرافضة لصفقة القرن».

وأضاف أن «هذا يأتي منسجماً مع التقدير الإسرائيلي بأن ردة فعل الشارع في الضفة ستكون ضمن نطاق السيطرة، ولن تتسبب في حدوث انتفاضة ثالثة، قد تربك حسابات المشهد الإسرائيلي، وتعيق تطبيق ما جاء في صفقة القرن، في الوقت ذاته فإن السلطة الفلسطينية لا تريد أن تكون في موقف تاريخي بوقوفها أمام رغبة الشارع في الاحتجاج».

والتطورات التي ستحدث سواء باندلاع انتفاضة ضد صفقة القرن في الأرض الفلسطينية المحتلة كلها أم تنفرد إسرائيل بغزة عبر توقف الاحتجاجات، تتوقف على قرار حركة فتح.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى