تقارير وملفات إضافية

بعد 6 أشهر من اغتيال سليماني.. هل تأثرت آلة الحرب الإيرانية، أم أنها ما زالت مستعدة للقتال بقوة؟

بعد ستة أشهر من اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في 3 من يناير/كانون الثاني 2020، يُبين الاختبار الذي وقع لقدرات إيران على القتال دون قائدها العسكري الأشهر، أنها قد تأثرت بالفعل، ومع ذلك فإن الأمر معقد، فآلةُ الحرب الدولية لا تزال قائمةً وتعمل، كما تقول مجلة newsweek الأمريكية.

كانت عملية اغتيال سليماني قد أثارت على الفور ردود فعل واسعة النطاق في جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم. وفي حين أن الخبراء الدوليين وكذلك المسؤولين من إيران وإسرائيل الذين تحدثت إليهم  Newsweek انقسمت آراؤهم حول ما إذا كان لمقتل القائد العسكري الإيراني تأثير دائم في شبكة إيران المتشعبة من القوات المتحالفة معها في المنطقة، بعد نحو نصف عام من الاغتيال، اتفق الجميع على أن الحرس الثوري وقواته الأبرز خارجياً، فيلق القدس، ستظل في الغالب قادرة على القتال لبعض الوقت.

تقول باربرا سلافين، مديرة مبادرة مستقبل إيران بـ”المجلس الأطلسي”، لمجلة Newsweek: “إن قوة فيلق القدس مستمدةٌ من أنه لا يعتمد على قائد واحد يتمتع بشخصية كاريزمية، وحاله في ذلك حال إيران نفسها. إذ إن فيلق القدس والحرس الثوري يعجّ بالمحاربين القدامى الذين شاركوا في الحرب الإيرانية العراقية، علاوة على القادة الآخرين الذين يخوضون الآن خبرات القتال والمعارك في سوريا”، ومن ثم، فهي ترى أنه “سيكون هناك المزيد من الشخصيات مثل سليماني”.

أما العميد إسماعيل قآني، الذي خلف سليماني في قيادة فيلق القدس، فقد حافظ إلى حد كبير على ظهور متحفظ له قبل ترقيته وحتى بعد ترقيته المفاجئة في يناير/كانون الثاني. ومع ذلك، فقد عمد إلى القيام ببعض التحركات الجريئة، إذ ورد أنه زار العراق الشهر الماضي وقام برحلة الأسبوع الماضي إلى سوريا، حيث بث رسالة عامة نادرة لتعزيز محور المقاومة المرتبط بإيران ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، بعد أن أخذت الأخيرة توجه الضربات على نحو متزايد إلى أهداف مرتبطة بإيران في سوريا.

وتقول سلافين: “لقد حلّ شخص آخر محل سليماني، غير أن استراتيجيته لا تزال قائمة. لقد غدا بطلاً وشهيداً جديداً لمنظمة تقوم على تقدير أفراد كهؤلاء”.

وأشارت سلافين إلى أنه من السابق لأوانه تقييم قيادة قآني، فهو نفسه كان له دور محوري في تشكيل علاقات فيلق القدس مع الميليشيات الشيعية القادمة من أفغانستان وباكستان. وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، تذهب سلافين إلى حلفاء إيران، مثل حزب الله اللبناني والفصائل المتشددة التابعة لقوات الحشد الشعبي العراقية وحركة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، “سيواصلون نضالهم”.

من جانبها، تقول أنيسة بصيري تبريزي، وهي باحثة بارزة في قسم دراسات الأمن الدولي في “المعهد الملكي للخدمات المتحدة”، لمجلة Newsweek، إنها “لا ترى أي ضعف في الموقف الإيراني” تأثراً باغتيال سليماني.

وقالت تبريزي إن قآني يتزعم إدارة العلاقات التي بنتها إيران بمشقة طوال عقود سابقة، وفي خضم الحروب والعقوبات الدولية. وعلى الرغم من أنه قد لا يكون لديه نفس التوهج الذي حظي به سلفه، ولا نفس شبكة الاتصالات، ولا حتى المهارات اللغوية، فإن إيران والحرس الثوري تحت قيادته لم يظهروا أي علامات على تغيير الاستراتيجية أو تغيير التكتيكات.

وأوضحت تبريزي أن “الدلائل تشير إلى أن إيران تفعل العكس، فقد عززت رسالتها بعد اغتيال سليماني، وعززت المضي في اتجاهات السياسة الخارجية الإيرانية”، مضيفة أنه: “حتى الآن، ليس هناك ما يشير إلى أن حملة الضغط الأقصى الأمريكية قللت من قدرة إيران على إنجاز عملها”.

أما رانج علاء الدين، الزميل الزائر في مركز بروكنجز الدوحة، ومدير مشروع كارنيغي عن الحرب بالوكالة في الشرق الأوسط، فقد أبدى تشككاً في استمرار قدرة إيران على جذب شركائها وجمع شملهم حولها دون قائدها العسكري الأبرز. وقال أيضاً إنه “لا يزال من السابق لأوانه” تقييم أداء قآني، ومع ذلك فقد أشار إلى أنه لطالما شعر أن “العلاقات الشخصية واللمسة الشخصية لسليماني” كانت أمراً أساسياً في العمل العسكري الإيراني، لذا “ثمة احتمال كبير أن يفشل خلفاؤه” في القيام بما كان يضطلع به، وهي نتيجة يرى علاء الدين أنها يمكن أن تكون لها عواقب وجودية على الحكومة الإيرانية ذاتها.

ويوضح علاء الدين بالقول: “ستنقضي سنوات قبل أن نعرف الآثار الكاملة لاغتياله، وقد يأتي يوم وينظر التاريخ إلى لحظة اغتياله على أنها اللحظة التي بدأ فيها انهيار كل شيء للنظام الإيراني. فقد استثمرت إيران الكثير في شبكة وكلائها، بحيث يمكن القول دون شطط إن قوتها مستمدة من قوة فيلقها العسكري، الذي يعمل في الخارج. بمعنى أنه قد لا يتقرر مصير النظام في إيران في إيران نفسها، لكن في أماكن أخرى مثل العراق وسوريا”.

في طهران، ربط المسؤولون منذ فترة طويلة مصيرَ بلادهم بـ”المدافعين عن الأماكن الشيعية المقدسة” وعديد من المقاتلين المتحالفين معها، الذين كان لهم دور مبكر وحاسم في المعركة ضد “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش). وحذر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بنفسه من أنه إذا لم تقاتل إيران خصومها في الخارج، فإنه سيأتي الوقت ويتعين عليها محاربتهم في داخل البلاد.

ومع ذلك، فإن هذه الحروب جعلت إيران وحلفاءها أقرب جغرافياً إلى إسرائيل، حليف الولايات المتحدة الوثيق، التي أخذت من جانبها توسّع بدرجة كبيرة من عملياتها وضرباتها الجوية على أراضٍ أجنبية خلال السنوات الأخيرة. ومع هزيمة داعش وخروج الولايات المتحدة من الصفقة النووية مع إيران، تصاعدت التوترات في جميع أنحاء المنطقة.

أما إدراة ترامب، التي ما تفتأ تضغط بالفعل على إيران بالعقوبات شديدة الوطأة التي تفرضها عليها، فلم يمنعها ذلك من اتهام طهران بالوقوف وراء الهجمات على ناقلات النفط الدولية في خليج عمان، وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة لمهاجمة منشآت نفطية سعودية، وتكرار إطلاق الصواريخ ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة في العراق.

في الوقت الذي يستمر فيه العنف، فإن مقتل سليماني والضربات الصاروخية التي أعقبته على قواعد عراقية تؤوي القوات التي تقودها الولايات المتحدة، في يناير/كانون الثاني، كان حلقة أخرى في دورة تتصاعد على مدى أشهر عديدة ماضية في المنطقة. غير أنه حدث اغتيال سليماني، كان بحسب أحد المسؤولين الإسرائيليين “فعلاً لفرض التوازن، كان له حتى الآن آثار مهمة فيما يتعلق بحفظ الاستقرار الإقليمي”.

وقال المسؤول الإسرائيلي لمجلة Newsweek: “لقد تركت تلك الضربة المحورَ الإيراني يعاني ثغرة في قدراته، لم يستطيعوا سدها حتى الآن. لقد كان لها تأثير حقيقي وفعلي وملموس جداً على المحور الإيراني على مستوى الصورة الاستراتيجية الكبيرة وعلى مستوى العمليات التكتيكية أيضاً”.

وأضاف المسؤول الإسرائيلي: “حقيقة أن سليماني لم يعد موجوداً ضاعفت على الأغلب من الصعوبات التي يواجهها الإيرانيون لإنجاز المهام المتعلقة بتهريب الأسلحة وتحصين قواعدهم في سوريا، لأن دوره الشخصي كان محورياً في تنسيق العمليات وتعبيد طرق التواصل بين مختلف الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا كليهما، إضافة إلى عديد من الأدوار الأخرى التي لم يعد أحد يضطلع بها بنفس المستوى”.

ومع ذلك، فإن إسرائيل لا تتوقع في الوقت نفسه نهايةً قريبة لقوة النخبة المقاتلة في إيران ولا لحلفائها الأجانب، الذين قال المسؤول الإسرائيلي والخبراء الثلاثة الذين التقتهم مجلة Newsweek، إنهم يتولون الآن القيام بأدوار أكثر استباقية وبصخب أعلى، وعلى رأسهم الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، وهو أحد المقربين من سليماني منذ زمن طويل. ومن ثم، حتى في الوقت الذي بدت فيه الميليشيات العراقية مفككةً على خطوط المواجهة السياسية، ولبنان تستنزفه الأزمات المالية، وسوريا وإيران المجاورتان تحاولان التعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية الجديدة، فإن الحرس الثوري، ورغم كل ذلك، أثبت أنه قوة مرنة حيال تلك الأزمات.

يقول المسؤول الإسرائيلي: “الحرس الثوري منظمةٌ قوية للغاية، وممولة جيداً، ولديها جيوب شديدة الرسوخ وربما العون والدعم الكامل من النظام الإيراني. ومن ثم، فإننا لا نرى في الأفق أي سيناريو قريب يتضمن توقف الحرس الثوري عن العمل لمجرد أنهم فقدوا سليماني، لا سيناريو كهذا على الإطلاق”.

أما إيران ذاتها، وهي دولة اعتادت الشدائد منذ فترة طويلة، فلا تزال رسالتها واضحة. ستواصل الدولة سعيها من أجل إرساء عمق استراتيجي لها في جميع أنحاء المنطقة، وشنِّ حملةٍ من المقاومة القصوى ضد أي قوى خارجية تعمل على هزيمة النظام الإيراني.

ومن جانبه، قال علي رضا مير يوسفي، المتحدث باسم البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة، لمجلة Newsweek: “عندما اغتالت الولايات المتحدة بخِسة القائد العسكري سليماني، فإنها بذلك لم تضعف إيران، بل ما فعلته أنها قدمت هدية للمتطرفين، مثل هؤلاء في تنظيم داعش، الذين احتفلوا بمقتل سليماني. فعندما تقتل الولايات المتحدة قائدَ مكافحة الإرهاب في المنطقة، فإنها بذلك تعمل لصالح الإرهابيين بدلاً من محاربتهم”.

وأضاف مير يوسفي: “الاغتيال لم يغير حساباتنا الاستراتيجية، ولا تزال إيران ملتزمة بمحاربة الإرهاب تحقيقاً لمصالحها ومصالح المنطقة”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى