تقارير وملفات إضافية

هل يقدم الاتفاق النووي خياراً آمناً لإيران للانتقام من مقتل سليماني؟

هل تنسحب إيران من الاتفاق النووي في إطار التصعيد مع أمريكا رداً على مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني؟

بدأ تسلسل الأحداث، الذي بلغ ذروته يوم الجمعة 3 يناير/كانون الثاني 2020، بمقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، عندما أعلن الرئيس دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الدولي مع إيران، في 8 مايو/أيار 2018، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية. 

وقال ترامب وهو ينسحب من الصفقة: «كانت صفقة فظيعة ومن جانب واحد، وكان ينبغي ألا تتم قط. إذ لم تجلب الهدوء ولم تجلب السلام، ولن تفعل ذلك أبداً».

أما أطراف الصفقة الأخرى –الصين وروسيا والأوروبيون وإيران– فقد اختلفوا مع ترامب وظلوا على المسار. لكن إعادة فرض العقوبات الصارمة من جانب الولايات المتحدة، وهي العقوبات التي سبق أن رُفِعَت إلى حد كبير كمكافأة لإيران على قبول الصفقة، تسبب في فقدان الصفقة لمصداقيتها بشكل تدريجي.

ومع تزايد التوترات، بدأت الاتفاقية المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) في فقدان فاعليتها.

وتشمل سياسة «الضغط الأقصى» التي تتبعها إدارة ترامب ضد إيران، والتي بدأت بعد بيان مايو/أيار، عقوباتٍ خانقة على القطاع المالي وقطاع النفط. 

وقال الرئيس حسن روحاني الأسبوع الماضي، إن «الحرب الاقتصادية» الأمريكية ضد إيران كلفت البلاد 200 مليار دولار. فقد خسرت إيران حوالي 90% من صادراتها النفطية، وهي مصدر رئيسي للعائدات، وانخفضت قيمة الريال الإيراني، وأصبح القطاع المصرفي تحت الضغط. 

وعلى الرغم من أن العقوبات أعفت الإمدادات الأساسية فقد أُبلِغَ عن نقص واسع في المواد الغذائية والأدوية والمواد الطبية في جميع أنحاء إيران.

ردَّت طهران على الإجراءات الأمريكية بما وصفته بـ «الصبر الاستراتيجي»، بينما أزعجت الأوروبيين من أجل التعويض عن تأثير العقوبات الأمريكية.

وقد حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تخفيف حدة الوضع، واقترح خطاً ائتمانياً بقيمة 15 مليار دولار لإيران، مقابل التزامها الكامل بخطة العمل الشاملة المشتركة.

ورحَّب أيضاً بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في اجتماع مجموعة السبع، في أغسطس/آب، وحاول التخطيط لاجتماع بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

لكن الديناميات كانت تتحرك في الاتجاه المعاكس. فمع تشديد الخناق على صادرات النفط الإيرانية، انتقمت طهران على عدة جبهات: مهاجمة ناقلات النفط في الخليج (بنفسها أو عن طريق وكلائها في المنطقة)، وتصعيد الهجمات الصاروخية المنتظمة ضد القوات الأمريكية في العراق، وعلى الأخص الهجوم الصاروخي ضد مصانع النفط السعودية، في سبتمبر/أيلول.

كانت الرسالة بسيطة: إن لم نتمكَّن من بيع نفطنا وكسب الأموال، فسنحاول ضمان عدم تمكُّن الآخرين من ذلك أيضاً.

في الوقت نفسه، تخلَّت إيران تدريجياً عن الصفقة النووية. فابتداءً من يوليو/تموز من العام الماضي، كانت تنسحب كلَّ شهرين من جزءٍ من الاتفاقية. فقد تجاوزت الحدود المتفق عليها لمخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب، ثم بعد ذلك بدأت في تخصيب اليورانيوم.

في الأساس، كانت إيران ترد على «الضغط الأقصى» من جانب الولايات المتحدة بـ «أقصى مقاومة»، ولكن بشكل أقل من كونها حرباً مفتوحة. وبدا أن الخصمين عالقان بمسار استنزاف «لا سلام ولا حرب».

وما زالت هذه هي الحال بعد مقتل سليماني، رغم كل الغضب والصيحات بالانتقام الصادرة عن طهران. فمن المحتمل أن يبحث الإيرانيون ووكلاؤهم عن أهداف سانحة لضربها في جميع أنحاء العالم. لكن -كما أكدت القيادة الإيرانية بالفعل- سوف يلجأون للصبر والانتظار.

في الوقت ذاته، تبدو التكهنات بشأن الصفقة النووية هزيلة. ففي أحسن الأحوال، يمكن القول إن الصفقة قد دخلت غرفة العناية المركزة، وفي أسوأ الأحوال يمكن القول إنها أصبحت في حالة صراع من أجل البقاء على قيد الحياة خلال هذا العام.

لقد كانت هناك نداءات أوروبية عاجزة تقريباً بضبط النفس في أعقاب غارات الطائرات الأمريكية بدون طيار. ودعت فرنسا إيران إلى «العودة سريعاً إلى الامتثال الكامل لالتزاماتها النووية والامتناع عن اتخاذ المزيد من الإجراءات على عكس ذلك».

وقد دعت كلٌّ من فرنسا وألمانيا والصين يوم السبت، 4 يناير/كانون الثاني، إيران إلى الحفاظ على الصفقة وتجنب أي إجراء ينتهكها، وذلك وفقاً لبيان صادر عن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان. وتحدث لو دريان إلى الألماني هايكو ماس والصيني وانغ يي في مكالمات هاتفية منفصلة.

هناك فرصة ضئيلة لأن تستجيب إيران وسط الأوضاع الحالية. فالأوروبيون ليسوا قريبين حتى من التعويض عن التكاليف والاضطرابات الناجمة عن العقوبات الأمريكية، فخط الائتمان البالغ 15 مليار دولار لم يحقق المرجو منه، والاقتصاد الإيراني دخل في حالة من الركود العميق. وأصبحت احتمالات التخلي أكثر فأكثر عن شروط الاتفاق النووي هي الأرجح في الشهور القادمة.

هذا لا يعني أن إيران ستتخلى عن الصفقة تماماً وستتسابق نحو تطوير سلاح نووي. فقد كتب إريك بروير وأريان الطباطبائي في موقع War on the Rocks أن السياسة الإيرانية «تهدف إلى زيادة الضغط تدريجياً على الولايات المتحدة وأوروبا من خلال استهداف الركائز الرئيسية للاتفاق، بدلاً من محاولاتها لإنهاء الاتفاق بشكل مفاجئ».

لا يزال هناك الكثير من الصبر الاستراتيجي لدى طهران. 

وفي ضوء الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد واشتعال الاحتجاجات الشعبية بشكل متقطع، قد تقرر القيادة أن تصعيد الغضب ضد الولايات المتحدة أمر أمر غير ممكن، وأن الحرب الشاملة لا يمكن تحمل نتائجها.

وبالمقارنة، فإن التهديد بالتخلي عن القيود النووية التي تفاوضت عليها إدارة أوباما بشق الأنفس يكاد يكون خالياً من المخاطر والتكاليف، مادام الأمر في طور التهديد.

ولكن إذا انسحبت إيران من الصفقة بالكامل فستكون هناك حسابات أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى