تقارير وملفات إضافية

نيويورك تايمز: اغتيال قاسم سليماني وحَّد الإيرانيين خلف قياداتهم

لا شك أن تغيير النظام في إيران يعد ركيزة في السياسة الخارجية الأمريكية منذ اندلاع ثورة الخميني في طهران، لكن قرار الرئيس دونالد ترامب اغتيال قائد فيلق القدس وثاني أقوى شخص في النظام الإيراني قاسم سليماني، قد أتى بنتائج عكسية، على الأقل حتى الآن.

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: «الإيرانيون يتَّحِدون خلف قياداتهم بعد اغتيال الولايات المتحدة قائدهم العسكري»، ألقت فيه الضوء على رد الفعل داخل إيران بعد مقتل سليماني.

في جميع أنحاء المدن الإيرانية، احتشد عشرات الآلاف في الشوارع حداداً على اللواء قاسم سليماني. وخرجت النساء متّشحات بالسواد، والرجال يحملون صور سليماني. ورُفع علم أسود على القبة الذهبية لضريح الإمام علي الرضا في مدينة مشهد، أحد أقدس المواقع الشيعية.

وقبل أسابيع قليلة، كانت الشوارع مليئة بالمتظاهرين الغاضبين من قادتهم بسبب التدهور الاقتصادي والعزلة الدولية المفروضة على البلاد، ولكن في الوقت الحالي، على الأقل، تبدو إيران متحدة في غضبها من الولايات المتحدة.

ولسنوات طويلة، ظلّت الأمة منقسمة، يقودها الثوار القدامى، العازمون على فرض إرادتهم على أغلبية السُّكَّان من الشباب المتعطّشين للعيش في بلد طبيعي بعلاقات طبيعية مع بقية دول العالم، والذين لا يحملون أيَّ ذكرى عن الشاه، الذي أطاحته الثورة الإسلامية عام 1979، وفجأة، ومع اغتيال أحد كبار القادة العسكريين في البلاد، احتشدت الأمة خلف قياداتها.

الصغير والكبير، الغني والفقير، المتشدد والإصلاحي؛ كان اللواء سليماني، القائد العسكري الأقوى والأكثر نفوذاً، يحظى بتقديرهم، وكان أشبه برمزٍ مُقدَّس. وبعد مقتله في بغداد يوم الجمعة 3 يناير/كانون الثاني، في غارة جوية بطائرة مُسيَّرة بأوامر من الرئيس ترامب، أصبحت صوره الآن في كل مكان في طهران، بالشارة السوداء.

وكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي كان يتبنى الدفاع عن الدبلوماسية والتكامل مع الغرب، على منصة تويتر: «سوف ينتقم الشعب الإيراني بلا شك ممن ارتكب هذه الجريمة المروعة».

وفي يوم السبت، 4 يناير/كانون الثاني، في العراق، تظاهر عشرات الآلاف من المقاتلين المؤيدين لإيران في العاصمة بغداد، مُتعهِّدين بالانتقام من الولايات المتحدة، في جنازة اثنين من القادة العسكريين العراقيين الذين قتلا في نفس الهجوم.

وفي إيران، أعرب سياسيون ومواطنون عاديون من جميع الأطياف تأييدهم الكامل لتعهّد المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، بأن «الانتقام الشديد بانتظار هؤلاء المجرمين» الذين قتلوا سليماني.

ويقول خبراء من داخل إيران وخارجها، إنَّ عملية الاغتيال يبدو أنها عزَّزَت من قبضة ونفوذ المتشددين في البلاد، مُقوِّضةً موقف مَن كانوا يدعون إلى التحاور مع الغرب، على الأقل في الوقت الحالي.

وأصبح المعتدلون في إيران، مثل روحاني، في موقف دفاعي صعب منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي 2015، وفرض مجموعة من العقوبات التي أسهمت في التدهور الاقتصادي الحاد لإيران.

وعزَّزَ هذا التحول موقف المنتقدين المتشددين الذين قالوا إنه يُفقِد أولئك الذين قبلوا بالضمانات الأمريكية مصداقيتهم. وتسمك المعتدلون بآمالٍ ضئيلة في استئناف المفاوضات مع واشنطن- المُحتَمَلة بين الرئيسين الأمريكي والإيراني. 

يبدو أن أي حديث عن التحرر أو التفاوض أخطر الآن مِمَّا كان عليه منذ سنوات، وسوف يختفي من النقاش العام في الوقت الحالي على الأرجح. كتبت سارة معصومي، الصحفية الإصلاحية البارزة، على تويتر، أن احتمال إجراء مفاوضات حالية مع الولايات المتحدة «أقل من الصفر».

وقال ولي نصر، الباحث بشؤون الشرق الأوسط والعميد السابق لكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكينز: «على المدى القصير على الأقل، سوف يؤدي الاغتيال إلى احتشاد الجميع خلف القيادة، فقد كان سليماني شخصيةً شعبيةً بارزة». ويتوقع أن يكون هناك «اندفاعٌ عاطفي قوي» سواء كان شعبياً أو بتعزيزٍ من وسائل الإعلام الحكومية.

وتمنح إيران كل مراتب الشرف والتكريم للواء سليماني كما لو كان خليطاً بين رجل الدولة والقديس. سوف تمر جثته على كل الأضرحة والمزارات في كل المدن الشيعية المقدسة، من سامراء والكاظمية وكربلاء والنجف في العراق إلى مشهد وقم في إيران.

ومع وصول جثته إلى أربع مدن إيرانية خلال الأيام المقبلة، من المتوقع أن نشهد حشوداً ضخمة تستعرض تضامنها وتحدِّيها للغرب. ومع ذلك، قد يكون استعراض الوحدة المنتظر قصير الأمد.

لا تزال المظالم العميقة التي أشعلت المظاهرات ضد الحكومة، في نوفمبر/تشرين الثاني، قائمة: المعاناة الاقتصادية والعزلة الدولية والقمع الاجتماعي. وأشاد بعض أنصار المعارضة الإيرانية بعملية الاغتيال، ويؤيدون زيادة واشنطن لسياسة الضغط الأقصى على حكَّام إيران.

وخلال الشهر الماضي ديسمبر/كانون الأول، اندلعت احتجاجاتٌ ضخمة مناهضة للحكومة هزَّت أرجاء إيران، وأظهرت سخطاً عميقاً ازداد عمقاً مع التعامل الوحشي مع المظاهرات، مما أسفر عن مقتل حوالي ألف شخص. ومن المتوقع الآن أن يسود الشعور بالغضب من الولايات المتحدة ويصرف الانتباه عن المعاناة الاقتصادية للبلاد والمظاهرات الأخيرة.

وقد يستخدم قادة إيران عملية الاغتيال بمثابة ذريعة لتكثيف قمعها للمعارضين والمنتقدين، وقال أمير رشيدي، خبير الأمان الرقمي الإيراني المقيم في نيويورك: «مقتل اللواء سليماني أسوأ ما قد يحدث للانتفاضات المدنية في إيران والعراق»، وأضاف: «سوف يزيد الضغط على الشعب الذي يعيش بالفعل في محنة شديدة سياسياً واقتصادياً».

وعلى مدار أيام قليلة، تصاعد الصراع بين الولايات المتحدة وإيران بشكل هائل. إذ قُتل أمريكي في هجوم صاروخي على قاعدة عسكرية في العراق، يوم الجمعة 27 ديسمبر/كانون الأول، ووجهت الولايات المتحدة اتهاماتها إلى الميليشيات المدعومة من إيران، وشنّت غارات جوية يوم الأحد 29 ديسمبر/كانون الأول، أسفرت عن مقتل بضعة وعشرين شخصاً من مقاتلي الميليشيات. وفي يوم الثلاثاء، 31 ديسمبر/كانون الأول، حاصرت الميليشيات مجمع السفارة الأمريكية في بغداد، واخترقوا الجدار الخارجي وأشعلوا النار في بعض المباني.

وكان اللواء سليماني يقود فيلق القدس من قوات الحرس الثوري الإيراني، المسؤول عن العمليات العسكرية الإيرانية في الخارج. وقاد القوات الإيرانية التي قاتلت عناصر الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش). وكان مسؤولاً أيضاً عن الدور الإيراني في تسليح وتدريب وتوجيه الميليشيات الشيعية المقاتلة لعناصر داعش، وقد أسفر الهجوم الأمريكي أيضاً عن مقتل أبومهدي المهندس، القيادي البارز في الميليشيا العراقية المدعومة من إيران.

بالإضافة إلى ذلك، كان سليماني يدير التوجيه الإيراني لقوات خارجية مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وغيرهم ممن يواجهون الولايات المتحدة أو حلفاءها الإقليميين، إسرائيل والسعودية. ووضعته الولايات المتحدة على قوائم الإرهاب في 2007، وفرضت عليه عقوبات اقتصادية.

ولكن داخل إيران، صدَّرَت إيران صورته للعامة على أنه الشخص الذي يحافظ على أمن البلاد. وانتقل من خانة قائد الظل إلى اسمٍ مألوف يظهر في النشرات الإخبارية ومقاطع الفيديو، يوجِّه القوات في المعارك، ويجتمع بالقادة الحلفاء، ويلقي خطباً وأشعاراً عن فضل الاستشهاد.

وقالت سانام فاكيل، كبيرة الباحثين ورئيسة المنتدى الإيراني بمعهد تشاتام هاوس للشؤون الدولية في لندن: «يعتبر قاسم سليماني هو الوجه العام لسياسة إيران الإقليمية. ومنذ القتال ضد داعش يمكنك أن ترى زيادة كبيرة في أعداد داعميه ومؤيديه».

وتحوَّلَ الإيرانيون المدافعون عادةً عن حقوق الإنسان إلى التضامن الوطني، وأعربوا عن حزنهم على مقتل سليماني، ونشرت بهاره رهنما، واحدة من أشهر الممثلات الإيرانيات المعروفة بدعمها لحقوق المرأة، على حساب إنستغرام: «كيف ننسى كم كان داعش قريباً منَّا وننسى من هزم هذا الوحش؟».

كان من المعروف على نطاق واسع عن اللواء سليماني أنه من التيار المحافظ، ولكنه حرص على عدم الانحياز إلى أي فصيل سياسي في إيران، أو الانخراط في النزاعات الداخلية، مما سمح بأن يُنظر له على أنه أعلى من السياسة.

وقالت أريان الطباطبائي، باحثة العلوم السياسية بمؤسسة راند، التي تركز على الشرق الأوسط وإيران: «إنه شخص يتمتع بعمق واتساع في العلاقات مع النظام الإيراني، مما سمح له بالعمل مع كل الجهات الفاعلة الرئيسية في المشهد السياسي». وأشارت أريان إلى علاقة العمل الوثيقة التي جمعته مع وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي يعتبر من التيار المعتدل.

وقالت: «كل ممثلي الأطياف السياسية الكبرى في إيران، من الإصلاحيين إلى المتشددين، يقولون إنها خسارة كبيرة».

وأعلنت إيران عن موكب جنائزي يستمر ثلاثة أيام للواء سليماني، يبدأ السبت، 4 يناير/كانون الثاني، في بغداد، ثم ينتقل إلى المدن الأخرى في العراق. وسوف يستمر الموكب في مدينة مشهد الإيرانية يوم الأحد، 5 يناير/كانون الثاني، ثم يصل إلى طهران يوم الإثنين، 6 يناير/كانون الثاني، حيث يُصلّي آية الله خامنئي على جثمان سليماني في جامعة طهران.

وفي يوم الثلاثاء، 7 يناير/كانون الثاني، سوف يُحمل الجثمان إلى مسقط رأسه، مدينة كرمان، حتى يُدفن هناك. وذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أنه ترك وصيةً يطلب فيها مدفناً بسيطاً في مسقط رأسه.

وقال العديد من الأشخاص المُطَّلِعين على تخطيط الموكب إنهم يتوقعون إقبالاً هائلاً وقدوم قادة الجماعات المسلحة من جميع أنحاء البلاد لحضور الموكب والمراسم.

وقال راز زيمت، المختص بالملف الإيراني في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: «العديد من الإيرانيين، سواء كانوا يحبون النظام الحاكم أو لا يحبونه، اعتبروا سليماني رمزاً وطنياً. وإنهم يرون اغتياله بمثابة جرح كبير لكبريائهم الوطني». وكتب محمود دولت‌ آبادي، الكاتب الإيراني البارز الذي ينادي بحرية الفنون: «فقدت إيران مجدداً واحداً من أشرف أبنائها».

ومنذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، أعادت إيران إحياء برنامجها النووي على مراحل، وسط تصاعد التوترات والنزاعات مع الولايات المتحدة. ووعدت الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق بإيجاد طريقة لتعويض الآثار الناجمة عن العقوبات، ولكنهم فشلوا حتى الآن. ولم تصل التلميحات إلى استئناف المفاوضات مع واشنطن إلى أي جديد. 

وقال ولي نصر: «كان موقف المعتدلين صعباً بالفعل قبل اغتيال اللواء سليماني، وهناك انتخابات تشريعية في إيران الشهر المقبل. أعتقد أن المتشددين سوف يبلون بلاءً حسناً في الانتخابات. هذا النوع من الضغوط على إيران، مثل أي دولة أخرى، يجعل مقاليد الأمور بين يدي قوات الأمن».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى