تقارير وملفات إضافية

لماذا ترى واشنطن في حصار قطر خطراً أمنياً كبيراً، ومَن أفشل مبادرتها لإنهاء إغلاق الأجواء السعودية أمام الدوحة؟

يثير حصار قطر مشكلة أمنية كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بمنع الخطوط الجوية القطرية من عبور أجواء دول الحصار، ولذا طُرحت مبادرة أمريكية لإنهاء إغلاق الأجواء السعودية أمام الطيران القطري.

وكادت المبادرة تثمر عن حل، ولكن يبدو أن هناك مَن أفشلها في اللحظات الأخيرة، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

في التاسع من يوليو/تموز 2020، أذاعت وكالة فوكس نيوز الأمريكية تقريراً يقول إن الإمارات عطلت اتفاقاً توصل إليه مسؤولون أمريكيون لإنهاء جانبٍ رئيسي من حصار قطر المستمر منذ ثلاثة أعوام على يد الإمارات والسعودية والبحرين ومصر. ويعيد ذلك التقرير تسليط الضوء على الصعوبات التي تواجه إنهاء ذلك الخلاف الذي يزيد عمقاً.

واستشهدت فوكس نيوز بمسؤولين اشترطوا عدم ذكر اسمهم قالوا إن الإمارات طلبت سابقاً من السعودية سحب دعمها لمقترح مدعوم من الولايات المتحدة، بإعادة فتح المجال الجوي السعودي والإماراتي أمام الخطوط الجوية القطرية.

في حين أن حصار قطر له جوانب أوسع بكثير، فإن الولايات المتحدة ترى أن مكون المجال الجوي من الأزمة له الأولوية، لأنه يتداخل مع محاولات إدارة ترامب عزل إيران والضغط عليها.

في الأشهر الماضية، حاول المسؤولون الأمريكيون عدة محاولات للتوسط في اتفاقٍ على استعمال المجال الجوي، ضمن جهودٍ لإحراز تقدم ملموس نحو إنهاء الشقاق بين شركاء الولايات المتحدة، عبر التركيز على قضايا بعينها بدلاً من التوصل إلى صلح شامل أو صفقة كبرى.

بدأ حصار قطر في الخامس من يونيو/حزيران من العام 2017، حين قطعت الدول الأربع السعودية والبحرين ومصر والإمارات، العلاقات السياسية والاقتصادية مع قطر، وأغلقت السعودية الحدود البرية الوحيدة بينها وبين قطر، وحرمت تلك الدول طائرات الخطوط الجوية القطرية من حقها في التحليق فوق مجالها الجوي. 

وإعادة توجيه طائرات الخطوط الجوية القطرية من وإلى الدوحة لم تؤد فقط إلى زيادة كبيرة فيما تستهلكه الطائرات من وقود، بل صار لزاماً على هذه الطائرات استعمال المجال الجوي الإيراني في رحلاتها إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.

من منظور الولايات المتحدة، تسبّب مسألة المجال الجوي مشكلة كبيرة لسببين. أولهما أنها أدت إلى حصول إيران على رسوم تحليق فوق مجالها الجوي، يشير تقرير فوكس إلى أنها قد تصل إلى 133 مليون دولار في العام الواحد. وهذا لا يتماشى مع جهود إدارة ترامب لحصار النظام الإيراني عن طريق مزيجٍ من العقوبات المباشرة والضغط على شركاء الولايات المتحدة لتقليل تعاملاتهم مع طهران. والسبب الثاني أن الدبلوماسيين والأفراد العسكريين الأمريكيين يسافرون بانتظام على رحلاتٍ تجارية تابعة للخطوط الجوية القطرية، ما يجعلهم عرضة لخطر استهدافهم في المجال الجوي الإيراني.

وفي الثامن من يناير/كانون الثاني، أسقطت إيران بالخطأ طائرة ركاب أثناء مغادرتها مطار الإمام الخميني في طهران، وكان ذلك توضيحاً مأساوياً للمخاطر المترتبة على الوقوع في وسط التوتر المتصاعد بين إيران والولايات المتحدة. 

وجدير بالذكر أن طائرة تابعة للخطوط الجوية القطرية متجهة إلى الدوحة، أقلعت قبل دقائق معدودة من استهداف طائرة الخطوط الجوية الأوكرانية بالخطأ.

وبعد فشل محاولة سابقة من جانب المسؤولين الأمريكيين في بدايات عام 2020 للتوصل إلى صفقة تعيد فتح المجال الجوي للدول الأربع أمام الخطوط الجوية القطرية، أطلقت إدارة ترامب مبادرة جديدة في يونيو/حزيران مع دخول الحصار عامه الرابع. 

ويبدو أن انهيار هذه المحاولة الأخيرة هو ما دفع المسؤولين المجهولين إلى التحدث مع فوكس نيوز، التي بدأت تقريرها بعبارة حادة تقول إن الوقت قد حان لشركاء الولايات المتحدة في الخليج لكي “يتحدوا من أجل حماية المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط”.

العقبة التي تواجه إصلاح ذلك الشقاق في الخليج كانت -وتظل- تباعد مصالح أطراف الأزمة وعجزهم المستمر عن الاتفاق على طريقٍ للمضي قدماً. وفي حين كان الرئيس ترامب يأمل في 2018 أن يتمكن من إنهاء الحصار عبر مباحثات منفصلة مع الزعماء كلٌّ على حدة ثم التوصل إلى اتفاقٍ في “قمة صلح” بكامب ديفيد، فإن هذه الطريقة لم يكن نجاحها مرجحاً بأي حال. ذلك لأن مثل هذا الحل سينطوي على إراقة ماء وجه طرفٍ أو أكثر من أطراف الأزمة. 

لكن التحول إلى مناقشة قضايا بعينها جعل الولايات المتحدة -في أعين الدول الأربع- منحازة إلى نهج المسؤولين القطريين من البداية، أي الفصل بين المسائل والتركيز على كل مسألة أو مجموعة من المسائل على حدة.

وفي أواخر عام 2019، دارت مباحثات بين المسؤولين السعوديين والقطريين بدت مبشرة في البداية، لكنها انهارت في نهاية المطاف، ما يوضح سبباً آخر من الأسباب التي تعرقل جهود إنهاء الشقاق أو حتى تخفيف حدته.

وقد بدأت المحادثات الثنائية في أعقاب الهجمات الصاروخية وبالمسيرات على منشآت النفط السعودية في بقيق وخريص، وبدا أن الطرفين يحرزان تقدماً، ما عزّز من آمال إعادة العلاقات السعودية القطرية قبل القمة السنوية لدول الخليج في الرياض، في ديسمبر/كانون الأول. لكن لم يتم التوصل إلى حل، وكان الحل سيعني لقطر، على الأقل، إعادة فتح الحدود البرية مع السعودية وإنهاء القيود على استعمال المجال الجوي.

ولاحظ المراقبون في الدوحة تحولاً في نبرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعد أن قضى وقتاً في أبوظبي مع ولي العهد محمد بن زايد، على هامش اجتماع مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، ومسابقة Formula One Grand Prix في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني. 

ولو كان القطريون قد نجحوا في التباحث في المسائل المتعلقة بالحصار مع السعودية، لكان ذلك تسبب في شقاقٍ بين الدول الأربع عبر التباحث معها كل على حدة، وليس كمجموعة من الدول.

ومع اعتبار البحرين ومصر تلعبان دوراً ثانوياً في تحالف الدول الأربع، فإن إبعاد السعودية كان سيتسبب في عزل الإمارات وتسليط الأضواء عليها بصفتها المتسببة في تعطيل محاولات حل الأزمة الأعمق في السياسة الخليجية لعقود. 

وكان هذا ليتسق أيضاً مع الإجماع العام أن العداوة التي أدت إلى حصار قطر في 2017 مصدرها أبوظبي أكثر من الرياض، وأن الشقاق لن ينتهي إلا حين تعتزم القيادة الإماراتية المضي قدماً. وأياً كان ما قيل خلف الأبواب المغلقة، فقد كان كافياً لتعطيل الحوار السعودي القطري، الذي انتهى في يناير/كانون الثاني دون اتفاق.

إن التحدي الذي يواجه المسؤولين الأمريكيين والوسطاء المحتملين هو أنه لا توجد طريقة واحدة أو مباشرة لحل الشقاق بطريقة تتقبلها جميع أطراف النزاع. وقد أضعف غياب الإجماع جهود حل الأزمة، قضية بقضية أو عبر المحادثات الثنائية، ولا يبدو أن هناك أي علامات على نهاية قريبة للأزمة. ومع تعرض محمد بن سلمان لضغوطٍ من الولايات المتحدة لرفع القيود على المجال الجوي، وتعرضه في الوقت ذاته لضغوطٍ من الإمارات للحفاظ على موقف دول الحصار، ربما تراوغ السعودية وتماطل في هذه المسألة، تفادياً لاتخاذ قرارٍ صعب يغضب حليفاً من حليفيها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى