تقارير وملفات إضافية

هل يكون لبنان أول ضحايا صفقة القرن؟ هكذا يستغل باسيل وحزب الله مخاوف القوى السياسية لمصالحهما

قد يكون لبنان الضحية الأولى لصفقة القرن الأمريكية، هذا ما تخشاه جميع القوى السياسية في البلاد، ولكن مع ذلك يستغلون هذه المخاوف في المزايدات السياسية.

يصف المراقبون اللبنانيون خطة الرئيس الأمريكي للسلام، المعروفة باسم «صفقة القرن»، بـ «سايكس بيكو جديدة»، لأنها تذكرهم بالصفقة الفرنسية البريطانية الشهيرة التي قسَّمت المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى.

ما هو مؤكد أن لبنان سيكون مستهدفاً بـ «صفقة القرن»، لكنّ المفارقة تكمن في أنّ تداعياتها عليه قد تكون أخطر وأقسى مما قد يلحق بدول الجوار الأخرى، وتحديداً في مسألة فرض توطين الفلسطينيين مقابل المال والمشاريع ورفع الديون، رغم أنّ المناخ العام في البيئة الفلسطينية اللاجئة في لبنان يجعلها تختار الرحيل عن لبنان إذا ما قُدّر لها ذلك، بالنظر إلى افتقار الفلسطينيين المقيمين في لبنان إلى الحد الأدنى من الحقوق المدنية، كما أن اللبنانيين أنفسهم باتوا يفضلون الرحيل والهجرة، بعد أن بات وطنهم مدعاة خجل من سياسات فاشلة أوصلتهم إلى الحضيض المالي والاجتماعي.

الخطورة الكبرى والحقيقية لا تكمن فقط في التوطين الذي أجمعت كل القوى اللبنانية على رفضه، بل في طريقة فرضه على لبنان، ووضع هذا البلد الصغير أمام احتمالات صعبة، ولعلّ أشدّها خطورة أن يكون تفجير الوضع الداخلي في لبنان بوابة لتمرير الصفقة الأمريكية، خصوصاً أنّ للبنان تجارب كثيرة في هذا الإطار، حين يتعلق الأمر بتمرير الصفقات الإقليمية الكبرى.

فدوماً كانت فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مطروحة من قبل القوى المتآمرة على المنطقة.

ودوماً كان الجميع يستغل أزمات لبنان لإضعاف القضية.

 ولعلّ أقرب أمثلة على ذلك، ما جرى عام 1982، حين تحوّل الاجتياح الإسرائيلى للبنان للأساس الذي بُني عليه المسار اللاحق الذي قاد إلى أوسلو.

ما هو جديد، أن تغييراً كبيراً حدث في لبنان. 

فقد دخل البلد بالفعل في نفق المجهول، يترنح بين انفجار اجتماعي وانهيار اقتصادي وفوضى سياسية، وأزمة حكم، في هذه اللحظة بالذات يأتي الإعلان الأمريكي عن «صفقة القرن» ليزيد المشهد قلقاً واضطراباً!.

ما هو مستهجن اليوم، وبحسب كثير من المتابعين، المواقف البطولية الكرتونية للتيار الوطني الحر وأدواته السياسية والإعلامية، بتصوير رحيل رئيسه جبران باسيل عن الواجهة السياسية على أنه قد يكون بسبب قبول عربي للصفقة.

وكأن جبران باسيل هو حامل لواء قضية الشعب المضطهد.

هذا الخطاب السياسي الغريب، حسب وصف بعض المراقبين، كانت نائبة رئيس التيار الوطني الحر، مي خريش، قد أطلقته في محاولة جدية لتصوير ثورة الشعب اللبناني على أنها صهيونية، وهذا ما عبرت عنه مراراً وتكراراً، معتبرة أن ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ومحاولات إسقاط عهد ميشال عون وصهره الوزير جبران باسيل، أنها مرتبطة بصفقة العار بحسب تصريحات خريش.

وربما تناست خريش أن زعيم تيارها قد صرح قبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة: ليست هناك مشكلة وجودية مع إسرائيل، وأن لبنان لم يرفض فكرة السلام مع الكيان المحتل لجزء من الأراضي اللبنانية.

كما تتناسى خريش أن تيارها اكتشف داخله عملاء، كالعميد فايز كرم، الذي كان منسق التيار الوطني الحر في شمال البلاد، الذي اعتقل بتهمة «التخابر لصالح إسرائيل».

كما سعى التيار مراراً وتكراراً لإطلاق سراح العميل عامر إلياس فاخوري، القائد العسكري في جيش أنطوان لحد، الموالي لإسرائيل، الذي دخل لبنان بغطاء أمني من تيارها السياسي.

ما هو مستغرب، أن تمهيد باسيل المتكرر لفكرة تقبل إسرائيل لم يلق موقفاً ولو مستهجناً من حليفه الممانع، أي حزب الله، ما يطرح علامات استفهام حول أولويات الحزب الداخلية وقبول مواقف الحلفاء المتقبلة لمشروعية السلام مع إسرائيل.

يُعتبر حزب القوات اللبنانية أكبر الأحزاب المعارضة سياسياً وأيديولوجياً لحزب الله، وتربطه علاقات متينة بالإدارة الأمريكية ودول الخليج، الموافِقة على المشروع الأمريكي، أن هذه الصفقة الهجينة ولدت لتموت.

وتاريخياً يتهم حزب القوات اللبنانية بإقامة علاقة وثيقة مع إسرائيل خلال الحرب الأهلية أثناء صراعاتها مع الجيش السوري والدروز والقوى اليسارية والفلسطينيين.

ويقول النائب عن حزب القوات اللبنانية، جوزيف إسحاق، إن الإدارة الأمريكية لم تأخذ رأي الفلسطينيين عند عكوفها على إعداد الخطة، ولم تأخذ رأي الدول المرتبطة بالمشروع.

ويشدد إسحاق على موقف حزبه المبدئي، برفض توطين الفلسطينيين في لبنان تحت أي ضغط أو حجة.

يقول إن واقع لبنان وتشعباته وأزماته لا تسمح بالتوطين، ولا بالقبول بهذا المشروع، ويرفض إسحاق مساومة لبنان وابتزازه، في ظل أزمته المالية الخانقة، لفرض خطط تمسّ به وتمس بمصالح الشعب الفلسطيني.

ويرى أن فساد أحزاب السلطة هو الذي سبب هذا الظرف الاقتصادي الخانق، والذي جعل من لبنان مادة للابتزاز الدولي، وهذا ما سنعمل على رفضه ومعارضته مهما كلفنا الأمر.

يرى الناشط السياسي في انتفاضة 17 تشرين، الدكتور إبراهيم منيمنة، أن القضية الفلسطينية بالنسبة لللبنانيين هي قضية حق لا يمكن الحديث عنها ضمن الاختلافات اللبنانية.

ويرى منيمنة أن الللبنانيين المشاركين في الثورة التي اندلعت لإسقاط حكم الفساد يدركون معاناة اللاجئين الفلسطينيين ويعيشون قضيتهم. 

وقال الثورة اللبنانية تعتبر إسرائيل كياناً غاصباً للأرض العربية، وهذا ما عبرت عنه المجموعات المشاركة في كل الساحات. ويرفض منيمنة ما يصفه بـ «محاولات المزايدة» على الناس في قضية تجمع الجميع دون استثناء.

وأضاف: اللبنانيون كلهم يرفضون التوطين ولا يقبلون به مهما كانت المغريات أو المحاولات المستمرة للابتزاز السياسي.

ويعتبر منيمنة أن ما وصفه بنهج السلطة العقيمة هو المسؤول المباشر عن عدم اكتراث الدول بلبنان، ومحاولة تقرير مصيره ومصير اللاجئين.

عن محاولات اتهام الحراك بالعمالة للخارج وشيطنة الناس، يقول إبراهيم منيمنة إن شماعة المؤامرة هي أحد أساليب النظام السياسي المتحكم برقاب اللبنانيين لتخويفهم من التغيير.

أضاف: «نحن انتفضنا ضد الفساد والمحاصصة والهدر، ليقوم لبنان الدولة والمؤسسات التي ترعى المواطن واللاجئ وليس لمحاولات استخدام قضايا اللاجئين لمصالح ضيقة.

 ويرى أن الاتهامات الموجهة للحراك بأنه جزء من صفقة القرن سخيفة، واللبنانيون باتوا يدركون الحقيقة، ومن يسعى لإرضاء الدول من أجل الحصول على السلطة.

يشعر فلسطينيو لبنان أن الموقف الرسمي اللبناني من أكثر المواقف العربية الرسمية وضوحاً في رفض الخطة الأمريكية.

 ويشير الإعلامي الفلسطيني حسين زيد إلى أن مواقف معظم القوى اللبنانية على اختلاف تنوعها ترفض المسار المفروض على المنطقة وعلى لبنان، وذلك انطلاقاً من خشيتها لتكرار سيناريوهات مشابهة في المراحل السابقة، وخوفاً من التوطين الذي سينعكس على الديموغرافيا اللبنانية المعقدة أصلاً.

ولكن يخشى زيد من الضغوط الأمريكية، التي قد تُفرض على لبنان نتيجة تأزّم الواقع الاقتصادي والمالي للدولة، ومحاولة الإدارة الأمريكية استنزاف الاقتصاد اللبناني.

كما يتخوف زيد من سيناريو التفجير الأمني من البوابة الفلسطينية، أو استغلال المخيمات لتفجير تحول أمني يفرض على لبنان واقعاً جديداً.

ويؤكد زيد أن التحركات الشعبية في المخيمات الفلسطينية في لبنان قد لا تغير الواقع، لكنها أداة ضغط تستفيد منها القوى السياسية الفلسطينية واللبنانية، للقول إن الجانب الفلسطيني الشعبي غير موافق على مشروع كوشنر لإنهاء القضية.

وعن الدعم الدولي للاجئين الفلسطينيين، يشير زيد إلى أن الإدارة الأمريكية أوقفت دفع مستحقاتها في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة «الأونروا»، لكن الجمعية العمومية مددت للصندوق ثلاث سنوات أخرى، وهو ما يعني عدم التزام الموقف الأمريكي.

يجدد حزب الله مواقفه المتكررة من الخطة الأمريكية.

وتقول مصادر مقربة من الحزب، إنه لن يقبل ولن يسمح بمرور المشروع مهما كلف الأمر.

وتشدد مصادر الحزب على أنه لا الإدارة الأمريكية ولا إسرائيل تستطيع فرض خططها على الحكومة اللبنانية، وأن الوضع اللبناني قابل للتحسن فور تولي الحكومة مهامها الدستورية.

وتؤكد المصادر أن الحزب وحلفاءه المحليين والإقليميين وحركات المقاومة الرافضة لمشاريع التطبيع وتصفية القضية على تنسيق تام في مواجهة خطة ترمب، وأن لبنان لا يمكنه القبول بتوطين الفلسطينيين، لأن المكان الوحيد لهم هو أرضهم التي سُلبت منهم، والتي سيعودون إليها في نهاية المطاف.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى