تقارير وملفات إضافية

هذا حجم المساعدات المالية المتوقعة لإنقاذ لبنان.. ولكن شروط المانحين ستكون أكثر قسوة من المرات السابقة

للأسف المساعدات الدولية والعربية هي الوسيلة الوحيدة لنجاة لبنان اقتصادياً، هذا ما يعلمه القادة اللبنانيون والمسؤولون الدوليون المعنيون ولكن شروط إنقاذ لبنان مالياً ستكون أقسى هذه المرة.

 ومع أن هذه ليست أول مرة يهرع المجتمعان الدولي والعربي لإنقاذ لبنان. ولكن هذه المرة الشروط الاقتصادية والسياسية لإنقاذ لبنان ستكون أكثر قسوة في ظل أزمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة، وخاصة مع التظاهرات الحالية في البلاد وتعثر تشكيل الحكومة. 

ولم يتم تحديد الشروط الدولية والعربية لإنقاذ لبنان بشكل رسمي، باستثناء تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة سعد الحريري.

ويطالب حزب الله وأمل بتشكيل حكومة تجمع سياسيين وتكنواقراط، بينما يريد الحريري الاستجابة لمطالب الحراك وأيضاً المجتمع الدولي بحكومة تكنوقراط فقط، علماً أن جزءاً من الحراك بالأخص اليسار يرفض رئاسة الحريري للحكومة، بينما تستغرب بعض القوى السياسية مثل التيار العوني رئاسة الحريري الحكومة دون مشاركة باقي القوى.

ويتوقع أن يطرح دولياً خليط من شروط سياسية لتحجيم دور حزب الله في النظام السياسي اللبناني مع شروط أخرى لتحجيم الفساد وشروط تقشفية من شأنها تأجيج غضب الشارع.

أما حزمة المساعدات المتوقعة فلم يتم الحديث عنها بشكل تفصيلي، ولكن قد تتضمن تفعيل المساعدات التي تم التعهد بها خلال مؤتمر سيدر الذي عقد في باريس عام 2018، ولم تخرج للنور بسبب عدم التزام القادة اللبنانيين بمحاربة الفساد خاصة في قطاع الكهرباء الذي تبتلع حالته المزرية موارد البلاد المحدودة.

ولكن مع تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي مقارنة بالوقت الذي عقد فيه مؤتمر سيدر في أبريل/نيسان 2018، فمن المتوقع أن يحتاج لبنان لمساعدات أكبر مثلما قد تزداد شروط إنقاذ لبنان مالياً التي سيطرحها المانحون التقليديون قسوة على الأرجح.

ويمثل مؤتمر سيدر الحلقة الثالثة من مسلسل مؤتمرات باريس لدعم الاقتصاد اللبناني.

وفي هذا التقرير نرصد ما تمخض عنه مؤتمرا باريس ١ و٢ من مساعدات إضافة إلى ما تم التعهد به في مؤتمر سيدر الذي يعد بمثابة باريس ٣ لأن نتائج المؤتمرات الثلاثة بمثابة مؤشر لأبرز المانحين المحتملين للبنان مع ملاحظة أن المرجح أن تزداد قسوة الشروط ويقل كرم المانحين الدوليين والعرب في ظل تفاقم الأزمة اللبنانية مع غضب أغلب المانحين من تزايد نفوذ حزب الله ورغبتهم في استغلال الوضع لتحجيمه.

في عام 2000 دخل الاقتصاد اللبناني في حالة من الانكماش على صعيد حركتي الاستثمار والاستهلاك، ما أثّر على الحركة الاقتصادية وعلى الواردات المحققة في المالية العامة. 

وأمام هذا التراجع في الأداء الاقتصادي، زاد العجز المالي وارتفع الدين العام إلى 151% من حجم الناتج المحلي نهاية عام 2000. 

وبعد تأليف حكومة بقيادة رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، وضع برنامج إصلاحي يرتكز على تحفيز القطاع الخاص ليكون المحرك الأساسي للنمو، وتعزيز المؤشرات المالية ووضع حد لتزايد الدين العام مع الحفاظ على الاستقرار النقدي وضبط نسب التضخم. 

ومن هنا بادرت الحكومة اللبنانية إلى طرح فكرة عقد اجتماع دولي لدعم لبنان اقتصادياً ومالياً.

استجاب المجتمع الدولي والهيئات المانحة وتم عقد مؤتمر باريس «1»، في 27 شباط 2001 في قصر الإليزيه برعاية الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وحضور: رئيس البنك الدولي.

نتج عن هذا المؤتمر تعهد المجتمع الدولي بتقديم 500 مليون يورو على شكل مساعدات وقروض ميسرة للبنان وكمساعدة أولية.

واتفقوا على أن يتم تنظيم مؤتمر آخر موسّع بمشاركة المفوضية الأوروبية والمؤسسات المالية الدولية وبمشاركة عدد من الدول المانحة وهو المؤتمر الذي عرف بمؤتمر باريس 2 الذي عقد في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2002.

كما مهدت الخطة التي طرحتها في مؤتمر باريس ١ الطريق لخطة أشمل جرى العمل على اعتمادها لاحقاً في مؤتمر باريس 2.

 تم الاتفاق خلال انعقاد مؤتمر باريس 1 في العاصمة الفرنسية يوم 27 شباط 2001، على عقد مؤتمر باريس 2 في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2002، بحضور الرئيس الفرنسي جاك شيراك ورفيق الحريري، بالإضافة إلى المفوضية الأوروبية والمؤسسات المالية الدولية وبمشاركة كبيرة من الدول المانحة.

يومها قدم لبنان أيضاً خطة استراتيجية لدعم القطاعات وتحسين أوضاعها الاقتصادية والمالية، وفي ما يخص الإصلاحات التي قدمها، فلم تكن مختلفة عما حملها معه على طاولة «باريس 1».

حصل لبنان خلال مؤتمر باريس 2 على وعود مالية بقيمة 4.4 مليارات دولار منها 3.1 مليارات دولار تمثل قروضاً وتسهيلات و1.3 مليار دولار من أجل تنفيذ مشروعات إنمائية.

غير أن المبالغ التي حصل عليها لبنان بالفعل من باريس 2 بلغت 2.6 مليار دولار على شكل تسهيلات مالية و1.3 مليار دولار قروضاً. 

يومها، تم استخدام القروض في استبدال دين مرتفع الكلفة بدين منخفض الكلفة، كما كانت التسهيلات المقدمة من باريس 2 لمدة عشر سنوات في الوقت الذي بلغت فيه كلفة هذه التسهيلات 5%، وبالمقارنة فقد كانت الكلفة المتوسطة للدين العام في نهاية 2002 نحو 13%. 

وخلال نهاية العام 2002 وصل الدين العام اللبناني إلى ما يقارب 30 مليار دولار.

ورغم ما تعهد به خلال باريس 2، لم يتمكن لبنان من استكمال برنامجه الإصلاحي سواء بالنسبة للإصلاحات الضريبية أو بالنسبة للمالية العامة للدولة أو الخصخصة بعد باريس 2.

عقد مؤتمر سيدر سيدر» الدولي لدعم الاقتصاد اللبناني في باريس في 6 أبريل/نيسان 2018.

وشارك في المؤتمر نحو 40 دولة وعشر منظمات دولية.

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر صحفي في ختام المؤتمر عن جمع نحو 11 مليار دولار من المنح والقروض لتعزيز الاقتصاد والاستقرار في لبنان.

ورغم ضخامة هذه التعهدات فإنها كانت أقل من احتياجات لبنان خاصة في ظل استضافته عدد كبير من اللاجئين السوريين.

في ذلك الوقت وقبل تفاقم أزمته المالية وفي المجمل تحتاج بيروت إلى 23 مليار دولار على مدى 12 عاماً.

 جمع المؤتمر جمع 10,2 مليار دولار كقروض و860 مليون دولار كمنح في المرحلة الأولى من برنامج الاستثمارات والإصلاحات المقررة، حسبما كتب السفير الفرنسي لدى لبنان برونو فوشير على حسابه على تويتر آنذاك.

 حصة الدول الغربية كانت كالتالي:

وكتبت جورجيفا على تويتر أن هذه الأموال ستدعم «النمو» و»إيجاد فرص عمل» من دون أن تحدد الشكل الذي ستكون عليه هذه المساعدات المالية.

كما التزم المجتمع الدولي في مؤتمر روما الذي عقد في 15 آذار/مارس بتعزيز قدرات الجيش اللبناني. وفتحت فرنسا في حينها خطاً ائتمانياً بقيمة 400 مليون يورو لشراء معدات عسكرية وأمنية.

 كان محاربة الفساد وعلاج مشكلات الكهرباء وتقليل عجز الموازنة وملء الوظائف الشاغرة أبرز شروط المؤتمر.

قدم لبنان برنامجاً إصلاحياً لمؤتمر سيدر كشرط أساسي للحصول على القروض المانحة من الدول والمنظمات المختلفة ومن أبرز بنوده إصلاح المالية العامة لخفض العجز من 10 % من الناتج المحلي إلى 5% خلال خمس سنوات والتعهد بإصلاح القطاع العام ومكافحة الفساد وتطوير استراتيجية لتنويع القطاعات الاقتصادية والخدماتية.

أما بخصوص الاستثمار فقد تعهد لبنان عبر خطة استثمارية بقيمة 17.2 مليار دولار في البنى التحتية ستستمر لعام 2025. بالإضافة إلى زيادة الاستثمار العام والخاص.

كما تعهدت الحكومة اللبنانية بإصلاحات داخلية ومشاريع اقتصادية اجتماعية وأهمها مكافحة الفساد الإداري والمالي، تعزيز الحوكمة والمساءلة لا سيما في إدارة المالية العامة، تحديث قواعد استدراج العروض، إصلاح الجمارك، تحسين إدارة الاستثمار العام، دعم جهود مكافحة تبييض الأموال واتخاذ التدابير الرامية إلى مكافحة تمويل الإرهاب وفقاً للمعايير الدولية.

أعلنت الحكومة اللبنانية التزامها بإجراء إصلاحات قطاعات لبنانية أبرزها في الكهرباء والمياه وبدء اعتماد اللامركزية الإدارية بخصوص النفايات المنزلية والصلبة.

استهلك تشكيل حكومة في لبنان وقتاً طويلاً بعد مؤتمر سيدر في تشكيل الحكومة، وزاد الأمر صعوبة على الصعيد السياسي إن الحكومة يغلب عليها تركيبة التحالف المؤيد لحزب الله.

وخلال زيارة جرت في مارس/آذار 2019، حث الموفد الفرنسي الخاص المكلّف متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» لدعم الاقتصاد اللبناني  السفير بيار دوكان اللبنانيين على تنفيذ إصلاحات لملء المراكز الشاغرة في الهيئات الناظمة للطاقة والاتصالات والطيران المدني، وتوفير الإمكانات اللازمة للمجلس الأعلى للخصخصة، وإقرار موازنة العام 2019

وكانت خلاصة ملاحظاته «إن ما اتُّفق عليه في 6 أبريل/نيسان 2018 في باريس لا يزال قائماً»، وأن «هناك اتفاقاً من قبل القوى السياسية للسير قدماً في المجالات الآتية: المشاريع والتمويل والإصلاحات».

 واستدرك دوكان دقة الوضع بتأكيده أن «الحكومة لا تملك ترف الانتظار. عنوان البيان الوزاري هو إلى العمل، ويجب العمل بسرعة».

التزمت وزارة المالية اللبنانية في موازنة العام 2018 توصية مؤتمر «سيدر» بخفض سنوي تدريجي، يمتد على خمس سنوات، لعجز الموازنة بنسبة 1%. 

ولكن الواقع أن الدولة عجزت عن التزام هذا الخفض العام الماضي، ما يضعها اليوم أمام تحدي تنفيذه.

 الأمر الذي أعاد دوكان التذكير به خلال زيارته في شهر مارس/آذار، عندما لفت إلى أن ثمة قرارات صعبة يجب اتخاذها، وهي واردة في البيان الوزاري للحكومة المستقيلة، ومنها خفض العجز بنحو 1% من قيمة الناتج المحلي، إضافة إلى إعادة النظر في حجم القطاع العام لجهة عمله وإنتاجه وموظفيه.

ويشكّل إصلاح قطاع الكهرباء أولوية مهمة «فمن دون كهرباء يصعب الاستثمار» على حد تعبير المسؤول الفرنسي.

كما أن الأولوية الثانية تكمن في مكافحة الفساد، وذلك من خلال إجراءات تقنية، مثل الانتقال إلى المكننة والإدارة الإلكترونية التي تقلّص نسبة الفساد.

وتقريباً لم يتحقق أي من السابق وعندما حاولت الحكومة اللبنانية تقليل العجز بالموازنة عبر فرض ضرائب على مكالمات الواتساب انفجر الشارع.

هل تزداد الشروط قسوة مع انزلاق البلاد لأزمة سياسية ومالية غير مسبوقة وصلت إلى حد توقع تقارير دولية عدم قدرة الدولة اللبنانية على عدم دفع رواتب موظفين الحكومة بما في ذلك الجيش والشرطة مما قد يعني انهيار الدولة.

وبالفعل بدأت البنوك تصرف رواتب العملاء في شكل دفعات أي أن الضابط الذي يصل راتبه لـ4.5 مليون ليرة (أي 3 آلاف دولار بالسعر الرسمي لصرف العملة) قد يحصل على راتبه على مدار أربع أو ثلاث دفعات.

ومن المتوقع أن تزداد قسوة الشروط لعدة أسباب.

فالمانحون الأقل تسيساً أو بمعنى أدق الأقل عداء لحزب الله وإيران كأوروبا والوكالات الدولية غاضبون من عدم التزام النخب اللبنانية الحاكمة بشروط مكافحة الفساد والتعيينات وإصلاح المالية العامة والأهم السياسات التقشفية والتي من شأنها تأجيج غضب الشارع ومن أمامه المحتجين.

أما المانحون الكبار الذين تتمحور سياستهم في المنطقة على العداء للنفوذ الإيراني مثل الولايات المتحدة والسعودية والإمارات فإنهم لا يخفون رغبتهم في تقليص نفوذ حزب الله.

 وهو ما عبر عنه بشكل واضح تقرير أعدته الباحثة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط حنين غدار أمام اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب بمجلس النواب الأمريكي.

واقترحت غدار عدم تقديم مساعدات دولية إلا بعد تنفيذ عدد من الإجراءات السياسية والقانونية والدستورية والسياسية الرامية لتقليص نفوذ النخب الحاكمة وفي مقدمتها حزب الله تتضمن خططاً لإنشاء هيئات لإعادة هيكلة النظام وتغيير نظام الانتخابات الطائفي مع محاولة تقوية الوحدات الأكثر استقلالاً عن حزب الله في الجيش اللبناني.

الهدف الرئيسي للسعودية والولايات المتحدة هو نزع سلاح حزب الله، ورغم أن الأمريكيين تحديداً يعلمون إنه هدف غير واقعي حالياً على الأقل، إلا أن هذا لن يمنعهم من محاولة تقليص نفوذ الحزب تمهيداً لتحقيق هذا الهدف.

السعودية من جانبها قد تكون أكثر تصلباً.

فقبل تولي الملك سلمان للسلطة بالمملكة وقيادة ولي عهده زمام الأمور، كانت الرياض تراعي طبيعة لبنان ووضع حليفها تيار المستقبل الحساس.

إذ كان التيار بقيادة آل الحريري يمسك زمام الأمور في الاقتصاد نسبياً مع دور سياسي يجعله يقود الحكومات مع مراعاة خطوط حزب الله الحمراء فيما يتعلق بالأمن والجيش ومصالح حلفاء الحزب خاصة التيار العوني أكبر القوى السياسية المسيحية ونبيه بري زعيم حركة أمل وشريك الحزب في الهيمنة على الطائفة الشيعية.

وكانت أحداث 7 مايو/أيار 2008، حينما اقتحم مقاتلو حزب الله وأمل بيروت واعتدوا على مقرات تيار المستقبل وأنصاره بمثابة جرس إنذار دائم أمام المستقبل يذكره بحدود قوته أمام الحزب المدجج بالسلاح وأمل التي تعتمد على خليط من المقاتلين والزعران (البلطجية) للسيطرة على شوارع بيروت.

ولكن مع تمادي حزب في سياسته التي تخدم مصالح إيران بدءاً من سوريا وصولاً لليمن ثم ظهور سياسة الأمير محمد بن سلمان الأكثر صرامة في محاولة التصدي للنفوذ الإيراني لم تعد المملكة تغفر لحليفها تيار المستقبل ضعفه الغريزي والقسري أمام تزايد قوة الحزب الذي تعتبره الرياض أبرز أعدائها.

ويظهر احتجاز الأمير محمد لسعد الحريري بالرياض وإجباره على الإدلاء باستقالته أمام شاشات التلفاز بشكل مهين أنها يمكن أن تؤذي تيار المستقبل ومن خلفه الطائفة السنية ولبنان برمته من أجل المناكفة مع حزب الله.

ويؤشر ذلك إلى أن المملكة ستصبح أقل كرماً مع لبنان في أزمته الحالية بل قد تكون أكثر صرامة في شروطها مع لبنان من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وهذا سيمثل عبئاً أكبر على لبنان، لأن مسيرة الاقتصاد اللبناني وتجارب إنقاذه السابقة اعتمدت دوماً على الكرم الخليجي لاسيما السعودي الذي كانت شروط مساعدته أكثر أريحية وأقل حزماً من حزم المساعدات الدولية والغربية.

فلبنان يبحث الآن عن المساعدات الدولية بدون الغطاء السعودي التقليدي وفي مواجهة تشدد أوروبي مع فساد نخبته وتربص أمريكي بحزب الله، وشارع خرج عن السيطرة، وإيران المحاصرة التي لا تريد خسران ولو قليل من النفوذ الذي اكتسبته بقوة السلاح. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى