تقارير وملفات إضافية

“لا حرب ولا سلام”.. هل تظل المشكلة بين أذربيجان وأرمينيا “مجمدة”؟

أدى هجوم الجيش الأرميني بالأسلحة الثقيلة، على منطقة “توفوز” الحدودية بأذربيجان، إلى تغيير أجندة العالم بشكل مفاجئ، وتسبب في ظهور سيناريوهات حرب إقليمية مرة أخرى على الساحة.

كلا الجانبين تكبدا خسائر فادحة في الهجمات المتبادلة، التي بدأت ظهيرة 12 يوليو/تموز الجاري، وتراجعت شدتها اعتباراً من 15 يوليو، مقابل ذلك دمرت النيران المضادة لأذربيجان مراكز الشرطة التابعة لأرمينيا في النواحي التي قامت أرمينيا بالهجوم عليها.

وأسفرت الاشتباكات خلال الأيام الأخيرة عن مقتل 13 عسكرياً أذرياً، ومقتل العشرات من الجنود الأرمينيين، بحسب مصادر أذرية.

وتحتل أرمينيا منذ عام 1992، نحو 20% من الأراضي الأذرية، التي تضم إقليم “قره باغ” (يتكون من 5 محافظات)، و5 محافظات أخرى غربي البلاد، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظتي “آغدام”، و”فضولي”.

رد الفعل الأقوى على الهجمات الأرمينية جاء من قبل تركيا؛ إذ أدان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، الثلاثاء، هجمات أرمينيا، ودعوا دولة أرمينيا لاحترام القانون الدولي ومغادرة الأراضي الأذرية.

وشدد الرئيس أردوغان ووزير خارجيته تشاووش أوغلو، على وقوفهما بشدة وبكافة الإمكانيات المتاحة إلى جانب أذربيجان في كافة الوسائل التي ستلجأ لها لتحرير أراضيها.

عقب ذلك توالت ردود الفعل من الدول والمنظمات حول العالم، إذ دعت روسيا الطرفين إلى الامتثال لوقف إطلاق النار، وأعلنت أنه يمكنها التوسط بين الطرفين إذا لزم الأمر، كما دعت الولايات المتحدة وبريطانيا الدولتين لضبط النفس.

وأدانت باكستان بشدة هجمات أرمينيا وأعربت عن دعمها لأذربيجان، وأعربت إيران عن أسفها للخسائر التي وقعت ودعت الطرفين إلى وقف إطلاق النار، ودعمت وحدة الأراضي الأذرية.

ودعت كل من أوكرانيا ومولدوفا إلى ضبط النفس والحفاظ على وحدة الأراضي الأذربيجانية وتنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 822 و853 و874 و884، التي تطالب أرمينيا بإنهاء احتلالها للأراضي الأذربيجانية.

وأعربت كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومنظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي (أرمينيا عضو فيها)، عن انزعاجهم من انتهاك وقف إطلاق النار على الحدود بين الدولتين.

الصراع على الحدود بين أذربيجان وأرمينيا لم يكن مفاجأة بالنسبة لمن يعرفون تاريخ المنطقة والوتيرة التي أصبح عليها الوضع الآن، وما تخلل مرحلة وقف إطلاق النار و”عملية السلام” التي تلتها.

ففي عام 1992 احتلت أرمينيا، التي كانت أكثر استعداداً في المرحلة الأولى من الحرب (مدعومة من الكادر المدرب لمنظمة أصال، إضافة للدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي الكبير للغاية لها) حوالي 20% من الأراضي الأذربيجانية.

واتخذ مجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية الأخرى قرارات تدين التدخل الأرميني وتطالب بإنهائه على الفور دون قيد أو شرط، ومع ذلك، لم تمتثل أرمينيا للقرارات ولا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في مايو/أيار لعام 199.

واعتقدت أرمينيا أنها ستُبقي أذربيجان تحت الضغط مع احتمالية غزو واسع النطاق وشن هجمات جديدة عليها، وأنها يمكن أن تمنع محاولات أذربيجان لإنقاذ أراضيها بدعم عسكري من روسيا.

كل القوى المهمة التي لها مصالح وتأثير على المسألة في المنطقة حاولت الاستفادة من المأزق والتفاوض مع الأطراف حول مشكلة الاحتلال.

ولهذا السبب، تم تعريف مشكلة احتلال أرمينيا للأراضي الأذربيجانية (مسألة “قره باغ” باسمها القصير والشائع) بأنها “المشكلة المجمدة” مثلها في ذلك مثل العديد من المشاكل في الجغرافيا السوفيتية السابقة.

وبعد تدخل روسيا في جورجيا في أغسطس/آب 2008، أصبح من الواضح بشكل كبير أن “المشاكل المجمدة” لم يتم تجميدها بالفعل وأن هذا الوضع يشكل خطراً كبيراً.

وزُعم أنه سيتم تكثيف المحاولات الرامية إلى حل المشكلة، حتى أنه كان من المتوقع أن يضمن الاتفاق الذي تم توقيعه بوساطة روسية في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 في قصر “مين دورف” بالقرب من موسكو وقفاً لإطلاق النار بشكل كبير.

فلأول مرة، أعرب الطرفان أنهما سيلتزمان بالوسائل السلمية في حل المشكلة بوثيقة موقعة من روسيا، إلا أن المثير للاهتمام هو أن انتهاكات وقف إطلاق النار التي تسببت في خسائر فادحة في السنوات الأخيرة حدثت أثناء أو بعد المفاوضات بين الطرفين مباشرة.

فالمحادثات رفيعة المستوى التي أجريت في يونيو/حزيران 2010، أغسطس/آب 2014، نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ديسمبر/كانون الأول 2015 اقترنت بانتهاكات لوقف إطلاق النار تسببت في خسائر كبيرة للجانبين.

لكن في غضون أيام قليلة، كانت الأمور تعود لسابق عهدها، وبعد اتفاق وقف إطلاق النار عام 1994، وقعت أكبر الصراعات حتى الآن في أبريل/نيسان 2016.

خلال تلك الصراعات ردت أذربيجان على استفزازات أرمينيا، وتسببت أذربيجان في خسائر كبيرة للطرف الآخر، وأنقذت أيضاً بعض أراضيها من احتلال أرمينيا، وحققت تفوقاً معنوياً للمرة الأولى في الحرب الدائرة منذ ثلاثين عاماً، ما أزعج أرمينيا وأنصارها.

ومنذ اتفاق وقف إطلاق النار عام 1994 لم تتوقف الاشتباكات قط، وسط اتهامات متبادلة من الطرفين بالمسؤولية، إلا أن أذربيجان أصبحت أقوى من الناحية العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية مقارنة بأوائل التسعينيات.

تعتبر أذربيجان بقاء أراضيها تحت الاحتلال الأرميني أمراً مخالفاً للقانون الدولي، ولا يتناسب مع العلاقات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والإمكانات الأخرى لكلا الدولتين.

وهذا يعني أن لأذربيحان الحق والقدرة على تحرير أراضيها من الاحتلال الأرمني في الوقت الذي تراه مناسباً وذلك في إطار الحق المشروع في الدفاع عن النفس، وفقاً للمادة 51 من اتفاقية الأمم المتحدة.

وترى أرمينيا أن سير الأمور بهذه الشاكلة محفوف بالمخاطر بالنسبة لها، وتحاول استفزاز أذربيجان لضمان تحجيم قدرتها المتزايدة من خلال نشوب حرب تشارك فيها روسيا، وقد يكون هذا السبب في هجوم أرمينيا من منطقة حدودية مختلفة هذه المرة.

ويمكن إرجاع أسباب انتهاك أرمينيا لوقف إطلاق النار، إلى رغبتها في التخلص من النتائج التي تمخضت عنها حرب أبريل/نيسان 2016، وإزالة الآثار النفسية السيئة التي نجمت عنها، وعكس الصراع السياسي الداخلي الموجود بداخلها.

كما تشمل الأسباب، محاولة أرمينيا لفت الأنظار بعيداً عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والصراع العسكري الداخلي، إضافة إلى المشاكل بالسياسة الخارجية.

كما تحاول أرمينيا ضرب القدرة المتزايدة لأذربيجان، من خلال الزج بها داخل حرب واسعة (تقف فيها روسيا إلى جانب أرمينيا من الناحية العسكرية).

وتكمن مشكلة قره باغ، في أنها أداة مهمة لروسيا من أجل الحفاظ على فعاليتها في منطقة القوقاز، لذلك، لا ترغب روسيا في أن يتم حلها بالكامل، أي أنها لا ترغب في القضاء على هذه الأداة.

ومن أهم الأسباب التي منعت تضخم ونمو الصراع حتى فترة قريبة، صعوبة أن ينشب بين الطرفين نزاع يحقق فيه أحد الطرفين تفوقاً على الآخر بشكل يخالف رغبة روسيا، التي تخشى مواجهة مشاكل جديدة بسبب أذربيجان أثناء تعاملها مع الكثير من المشاكل الأخرى، إضافة إلى رغبة أذربيجان في ألا تخوض حرباً تشارك فيها روسيا في هذه المرحلة.

ومع دخول تركيا بفاعلية في الأزمة الأذرية، أصبح هناك خطر على من يرغبون في بقاء الوضع على شاكلة “لا حرب ولا سلام” وبصفة خاصة على أرمينيا والقوى الخارجية التي تدعمها عسكرياً وترغب في إفشال عملية التوصل إلى حل.

التصريحات التركية بعد اشتباكات 12 يوليو/تموز الجاري، غيّرت موازين الإمكانيات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية بين أذربيجان وأرمينيا لصالح أذربيجان، وذلك مقارنة بفترة التسعينيات.

وبينما كانت مشكلة احتلال أرمينيا للأراضي الأذربيجانية قديماً بمثابة فرصة للقوى التي لها مصالح وتأثير على بلدان المنطقة، أصبحت الآن مصدر خطر عليها.

ولذلك فإن وضع “لا حرب ولا سلام” بالنسبة للقوى التي تحاول الاستفادة من عدم حل المشاكل الموجودة في منطقة جنوب القوقاز، لم يعد هو الوضع الصحي مثلما كان في السابق.

فاندلاع حرب واسعة بين أذربيجان وأرمينيا قد يؤدي إلى نفاد الإمكانات الخاصة بالقوى الكبيرة في المنطقة كروسيا وإيران، وقد تضطر إلى فقدان مصالحها الهامة الموجودة في مناطق أخرى كسوريا وليبيا.

كما أن هذا السيناريو أكثر ملاءمة لمصالح القوى المهمة خارج المنطقة، ومن ثم يجب عليها أخذ هذه العوامل بعين الاعتبار والعمل بسرعة لحل مشكلة قره باغ، ولا شك أن هذا الدافع من الممكن أن يعمل على تسريع وتيرة حل هذه المشكلة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى