تقارير وملفات إضافية

لماذا تصمت إيران عن الحرب التي تُشن عليها عبر التفجيرات الغامضة؟ إنهم ينتظرون يوم 20 يناير

تعرَّضت إيران لسلسلة من الهجمات العنيفة، بما فيها انفجارات وحرائق. وكانت هذه الحوادث متكرّرة وشديدة لدرجة يصعب معها أن تُعزى إلى أسباب عشوائية، بل إنها جزء من جهود منظمة. 

كان الحذر حاضراً دائماً فيما يتعلق بتحميل أي طرفٍ مسؤولية ارتكاب هذه الأعمال التي لم يعلن أحدٌ مسؤوليته عنها، ولاسيما بالنسبة لنا جميعاً ممن هم خارج القنوات الحكومية التي يحتمل أن تملك معلومات أفضل حول ما يدور. 

لكنَّ الظروف تشير بقوة، وفقاً لما تراه تقارير بعض المنصات الصحفية الرئيسية، إلى طرفٍ من طرفين يُشتبه فيهما أو إلى كليهما معاً: حكومة نتنياهو في إسرائيل، وإدارة ترامب في الولايات المتحدة، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

لم تعلن الحكومة الإسرائيلية وكذلك إدارة ترامب رسمياً الحرب على إيران، لكن خطاب كليهما توقف على مسافة قصيرة وحسب من عتبة مثل هذا الإعلان. أوضحت إدارة ترامب أن نيتها إلحاق أكبر قدر من الألم بإيران، وتضمّن هذا على سبيل المثال لا الحصر العقوبات الاقتصادية. أما خطاب حكومة نتنياهو حول إيران فكان معادياً تماماً في كل فحواه، مثل الخطاب المسموع في واشنطن، أو في موقف الضد مما يُسمع في طهران.

ولا يمكن أن نخطئ الحكم حول ما يدور. فليست هذه مجموعة من الإجراءات “التي لا ترقى إلى حالة حرب”، مثلما يصفها البعض. إنها الحرب، يجب علينا بالتأكيد أن نقلق بشأن تصعيد الصراع إلى شيء أكبر يصفه الجميع بأنه حرب، لكن ذلك لا يجعل ما اتضح بالفعل شيئاً أقل من أعمال الحرب.

في هذا الصدد يقول التقرير “يجب ألا ننخدع بتقليل النظام الإيراني من شأن الهجمات الأخيرة وضبط النفس من جانبه -أو لنقل حتى هذه اللحظة- فيما يتعلق بالانتقام، إذ إن صناع السياسة الإيرانيين وضعوا دائرةً حمراء حول تاريخ محدد في تقويمهم هو 20 يناير/كانون الثاني 2021، يوم تولي الرئيس الأمريكي الذي سيفوز في الانتخابات السلطة. 

يستطيع الإيرانيون قراءة استطلاعات الرأي الأمريكية (التي تشير لتراجع ترامب)، وقد صار الشاغل المهيمن في الخَلَد الإيراني حول السياسة الأمنية مرتبطاً بتحمل المصاعب الحالية حتى يشهدوا تغيراً في النظام في واشنطن. لا يريد القادة الإيرانيون الانغماس في نوع من الضربات المفاجئة في أكتوبر/تشرين الأول -أو يوليو/تموز- ما قد يولِّد احتشاداً وطنياً حول العَلَم الأمريكي، وينقذ فرص ترامب المتلاشية في إعادة انتخابه، غير أنهم يدركون أن ضبط النفس يهدد بأن يجعلهم يبدون ضعفاء.

بالرغم من أن الحرب الحالية لم يُعلن عنها رسمياً، فإنه يجب أن تخضع للتقييم بنفس معايير أي حرب معلنة رسمياً. 

بحسب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، يمكن تبرير الحرب فقط في حالة الدفاع عن النفس، إذا كانت رداً على -أو خطوة استباقية ممكنة لإحباط- هجوم قادم من الاتجاه الآخر. ليس ذلك هو الوضع الحالي مع إيران. 

فليست هناك إشارة تدل على أن طهران توشك أن تهاجم إسرائيل أو الولايات المتحدة. وبالنظر إلى أن إيران ليس لديها أمل في التفوق عسكرياً أمام كلا الخصمين، سيكون من الحماقة أن يفكر القادة الإيرانيون في مثل هذا الهجوم.

ولا يمكن كذلك استحضار الدفاع عن النفس عندما نضع في الحسبان حروبَ الوكالة أو الوسائل غير المتكافئة الأخرى، التي ربما تريد إيران استخدامها لفرض إرادتها. يكمن الجانب الأبرز المتعلق بالكمية الكبيرة المستخدمة من الذخيرة والعتاد، التي تحملها إسرائيل وتعبر الحدود بها لتضرب أهدافاً في سوريا -وكثير من هذه الأهداف يُقال إنها مرتبطة بإيران، حليفة سوريا- في عدم وجود ذخيرة أو عتاد يعبر الحدود متجهاً إلى الجانب الآخر من حلفاء إيران إلى إسرائيل، بخلاف صاروخ دفاع جوي شارد أو صاروخين.

برزت أوجه ضعف المبررات التي تعتري أي حالة تعزو فيها الولايات المتحدة تحركاتها إلى الدفاع عن النفس، من خلال التبريرات الرسمية المحيرة التي استتبعت اغتيال الجنرال الإيراني البارز قاسم سليماني، إذ إن التلميحات المعلنة حول ضربة استباقية لاعتراض هجوم وشيك مفترض لم تؤدِ إلى أي دليل يخدم هذا الغرض. وفي نهاية المطاف، استند مبرر الإدارة الأمريكية في الأساس إلى الدور الذي اضطلع به سليماني في الماضي، في دعم عمليات الميليشيات العراقية التي أوقعت ضحايا أمريكيين خلال الحرب في العراق. كان ذلك القتال نتيجةً مباشرةً لحربٍ هجومية -وهي عمل من أعمال العدوان- شنَّتها الولايات المتحدة في 2003.

يعد السعي وراءَ الانتقام في نهاية المطاف -برغم تحلي إيران نسبياً بضبط النفس حتى الآن- أحدَ مخاطرِ الحربِ الحاليةِ غير المعلنة، فضلاً عن أن التصعيد إلى شيء أكبر وأكثر تدميراً يشكل عاملَ خطورة آخر. وحتى من دون مثل هذا التصعيد توسِّع الحملة الحالية نطاق إحدى الجبهات إلى ما لا نهاية، في “الحرب الأبدية” التي تخوضها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.  

وليس هناك كذلك أي نتائج تأتي من الهجمات، فيما يتعلق بإضعاف إيران أو تحويل ميزان القوى الإقليمي في صالح الولايات المتحدة. وعوضاً عن ذلك، يدعم كل هذا أسباب إيران التي تبرر العثور على دعمٍ من أمثال روسيا والصين، ما يعزز نفوذ كليهما.

كلما تغاضت إدارة ترامب عن الهجمات الإسرائيلية ضد إيران، أو حتى تواطأت فيها، مثَّل هذا أخباراً سيئة بالنسبة للمصالح الأمريكية. تختلف مصالح الولايات المتحدة عن مصالح إسرائيل، بل إنها تختلف اختلافاً متزايداً عن أهداف حكومة نتنياهو الحالية.

لدى حكومة نتنياهو مصلحة في استمرار التوترات الشديدة مع إيران، كي تبقى الجمهورية الإسلامية الطرف البغيض المُلام على كل بلايا الشرق الأوسط، وكي تمنع أي تقارب بين واشنطن وطهران، وكي تعزز العلاقات الإسرائيلية مع دول الخليج، وكي تشتت الانتباه عن الموضوعات التي تجذب تدقيقاً دولياً وانتقاداً إلى أبواب إسرائيل. 

وفي اللحظة الراهنة، تعد دوافع نتنياهو في هذا الصدد أقوى من ذي قبل، وهو ما قد يساعد في تفسير توقيت الموجة الحديثة من الهجمات. وقد زادت قيمة الإلهاء الناتجة عن تأجيج الصراع مع إيران، بينما يفكر نتنياهو في الإعلان رسمياً عن ضم أجزاء من الضفة الغربية والإدانة الدولية التي ستأتي مع هذه الخطوة.

يدرك نتنياهو كذلك، مثل الإيرانيين، التواريخ المهمة في التقويم الانتخابي الأمريكي، ويدرك كذلك نتائج استطلاعات الرأي الأمريكية. ولعله يرى أن الأشهر القليلة القادمة وقتٌ محدودٌ ومثاليٌّ لإثارة الصراع الإقليمي، بل وأكثر مما فعلت إسرائيل في الماضي، بينما لا يزال صديقه دونالد ترامب في السلطة. وكلما زادت إثارة الصراع من فرص إعادة انتخاب صديقه، كان ذلك أفضل من وجهة نظره. 

لا يُرجح أن يكون نتنياهو قلقاً من تصعيد الموقف إلى حرب أكبر، ما يمكن أن يخدم أهدافه، بل وبصورة أكثر دراماتيكية. إذ إنّ استفزاز إيران ودفعها نحو الانتقام بطريقة قد تثير مثل هذه الحرب، ربما يكون أحد أهداف الهجمات الأخيرة. وبكل تأكيد لن يكون من اختصاصات نتنياهو إحصاء عدد الضحايا الأمريكيين نتيجة هذه الحرب.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى