تقارير وملفات إضافية

هل تصبح أوروبا مستعمرة صينية جديدة؟ أمامها اختيار صعب بين حليف قديم مجنون وشريك ثري ولكن ماكر

هل على أوروبا الاختيار بين أمريكا أو الصين، بين الشراكة المتصاعدة مع بكين الغامضة أو استمرار التحالف مع أمريكا تحت قيادة رئيس لا يمكن التنبؤ بتصرفاته.

يبدو أن تصعيد إدارة ترامب ضد بكين، يتم على جبهات عديدة، وقد يكون على أوروبا الاختيار بين أمريكا والصين، ولم يعد لديها ترف أن تقدم نفسها وسيطاً أو حكيماً في هذا النزاع.

وبالتزامن مع تصاعد الاتهامات الأمريكية للصين بالمسؤولين عن فيروس كورونا وآخرها تصريحات وزير الخارجية مايك بومبيدو التي ألمح إلى الفيروس خرج من معمل وهان، كتب ناشر ورجل أعمال ألماني مرموق مقالاً في موقع Business Insider  الأمريكي يطالب فيه أوروبا وتحديداً ألمانيا بحسم موقفها والاختيار بين أمريكا والصين، محذراً من عاقبة كبيرة لأوروبا في حال اختيارها الصين.

وقال ماتياس دوبفنر هو الرئيس التنفيذي لشركة أكسل سبرينغر الأوروبية للنشر في المقال المطول إنه بات يُنظر إلى صعود الصين لتصبح قوة اقتصادية عالمية بشكل متزايد على أنه تهديد لمصالح الولايات المتحدة. وسرعان ما يصبح صديق العدو عدواً بحد ذاته.

 إذا قررت ألمانيا توسيع بنيتها التحتية 5G بالتعاون مع شركة Huawei الصينية فسيضع ذلك ضغطاً هائلاً على العلاقات عبر الأطلسي، ستكون نقطة تحول حيث لم تعد أمريكا تثق بألمانيا، حسب دوبفنر.

 وأضاف قائلاً “سيكون التحالف عبر الأطلسي في خطر”.

وأشار إلى أن واشنطن أوضحت أنه لن يكون هناك تعاون في شؤون المخابرات مع  بلد يسمح للبيانات الحساسة للغاية في نهاية المطاف في أيدي الحزب الشيوعي الصيني.

وإذا تخلت واشنطن عن تعاونها الاستخباراتي الوثيق مع أوروبا، فسيكون لذلك عواقب وخيمة. 

إن الانفصال عن الولايات المتحدة سيضرب أوروبا أكثر بكثير من الانفصال عن الصين، سواء من حيث الاقتصاد والأمن، حسب قوله.

إن فصل ألمانيا والولايات المتحدة يعني نكسة للتحالف الذي ساعد في إعادة بناء ألمانيا ديمقراطية بعد الحرب العالمية الثانية.

وأمريكا هي التي ضمنت الإمدادات إلى المدينة خلال حصار برلين من خلال تنظيم الجسر الجوي الذي يضمن بقاء غرب برلين أمام الحصار السوفيتي، وهذا التحالف هو الذي جعل توحيد ألمانيا ممكناً، حسب قوله.

وأردف قائلاً “كانت أوروبا تتجنب اتخاذ قرارات صعبة بشأن هذا التحالف منذ فترة طويلة، ولكن حان الوقت لاتخاذها. 

وأردف قائلاً “هذا لا يتعلق مباشرة بأزمة فيروس كورونا، ومن المؤكد أنه لا علاقة له بمسألة مصدر الفيروس”.

ولكن الأزمة أظهرت أكثر خطورة العلاقة مع الصين، لافتاً إلى أن موظفي معهد روبرت كوخ الألماني يقدرون أن الصين احتفظت بموضوع الفيروس سراً خلال أسابيع حاسمة للغاية، ثم قللت من شأنه، وسهلت انتشاره حول العالم.

كما أن الأزمة كشفت خطورة الاعتماد على الصين فيما يعرف بسلاسل التوريد الحيوية.

قد تؤدي الأزمة الحالية إلى إضعاف الاقتصاد الأوروبي بشكل كبير.

وقال الناشر الألماني “وهذا قد يضعنا قريباً أمام ضرورة اتخاذ قرارات مزعجة للغاية”.

وتساءل هل تواصل أوروبا السماح للعمل بنفس الطريقة في الصين.

وأردف قائلاً “إذا لم نؤكد على مبدأ المعاملة بالمثل الحقيقي الآن مع الصين -أي أنه لا يمكن لبكين أن تفعل في أوروبا إلا المسموح للأوربيين القيام به في الصين- فلن نفعل ذلك أبداً. 

وأضاف “إذا لم ننجح في تأكيد أنفسنا، فقد تعاني أوروبا من مصير مماثل لإفريقيا، أي انحدار تدريجي نحو أن تصبح مستعمرة صينية أو على حد تعبير وزير  الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر الأسبق: إذا لم تنجح أمريكا وأوروبا في أن تصبحا مجتمعاً متعاوناً مرة أخرى، فإن أمريكا ستصبح جزيرة عملاقة. وسيصبح الاتحاد الأوروبي “ملحقاً لأوراسيا”.

ومع ذلك، فشلت أوروبا حتى الآن في تحديد موقفها بوضوح، مفضلة اللعب في الوسط، وتظن أنها قادرة على قلب الموازين في كلتا الحالتين.

“ولكن لن تتمكن أوروبا أبداً من التمسك بمكانة حبيبة الجميع”. حسب تعبيره.

يحب الاقتصاديون الأوروبيون إبرام صفقات مع الصين ولا يريدون أن يقطعوا هذه المساعي أما السياسيون فمترددون، حتى أن الإيطاليين كانوا على استعداد لإخضاع أنفسهم للكلام اللطيف المضحك للصين بشأن “طريق الحرير الجديد”.

 وأردف قائلاً “نسمع بشكل متزايد كلمات الإعجاب في أوروبا حول سرعة وفعالية اقتصاد السوق الصيني، والطبيعة الصارمة لإدارة الأزمات لدى بكين”. 

وطوال الوقت يتم تجاهل حقيقة أن نجاحات الصين تعتمد على نظام عالي الدقة للمراقبة الرقمية بشكل يعيد انحرافات الاستخبارات السوفيتية  KGB ووزارة الأمن في ألمانيا الشرقية “Stasi” ولكن على طريقة القرن الحادي والعشرين.

 واعتبر الكاتب أن لدى أوروبا خيارين من حيث التحالف. يمكن أن تستمر في التوسع في التحالف التقليدي عبر الأطلسي على الرغم من ترامب، بما في ذلك المشاركة الصريحة والأوثق مع المملكة المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحلفاء آخرين مثل كندا وأستراليا وسويسرا والدول الديمقراطية في آسيا. 

أو يمكنها أن تقرر لصالح علاقات اقتصادية أوثق مع الصين، مع مراعاة أن الروابط الاقتصادية هي دائماً روابط سياسية أيضاً.

واستدرك قائلاً “قد تبدو العلاقات الاقتصادية مع الصين غير ضارة للعديد من الأوروبيين اليوم، لكنها قد تؤدي قريباً إلى الاعتماد السياسي وفي نهاية المطاف إلى نهاية أوروبا الحرة والليبرالية. 

الاتحاد الأوروبي لديه الخيار. ولكن قبل كل شيء ألمانيا، المحرك الاقتصادي لأوروبا، لديها الخيار.

يرى الكاتب أن وسائل الإعلام تقدم سؤالاً مضللاً عندما تطرح مقارنة بين ترامب الكوميدي المتقلب والرئيس الصيني شي جين بينغ العقلاني المثقف. 

واستدرك قائلاً “لا شك أن الرئيس الأمريكي يجعل الأمر صعباً علينا”، ولكن التحالف عبر الأطلسي، ومجتمع مصالحنا وقيمنا الذي نما تاريخياً بمرور الوقت، يجب أن يكون أكثر أهمية على المدى الطويل من إحباطنا الواسع الانتشار من الإدارة الأمريكية الحالية. 

وأضاف “يجب أن نركز على حقبة ما بعد ترامب. على الرغم من جميع نقاط ضعفها، لا تزال أمريكا أكبر قوة في العالم الحر وأنجحها، حسب تعبيره.

وقال “قد تموت الديمقراطية في الظلام، لكن الدكتاتورية تزدهر فيها”. 

في أمريكا، يسخر الناس من رئيسهم علناً، وهو شيء ممنوع في الصين. 

واعتبر أن هذه القوة الاستبدادية للصين تمتد حتى ألمانيا. عندما نقلت مجموعة دايملر (التي أصبح أكبر مساهم فيها هو مؤسسة صينية) شيئاً عن الدالاي لاما -عدو الدولة في الصين- في منشور على إنستغرام، كان على الرئيس التنفيذي للشركة ديتر زيتشه أن يعتذر مرتين للحكومة في بكين.

يجب أن تقرر ألمانيا وأوروبا البقاء مع الولايات المتحدة والسعي إلى عملية صارمة لفصل الصين. التفاصيل الدقيقة لهذا الفصل ستكون واحدة من أكثر الأسئلة إثارة للاهتمام في المستقبل، حسبما يرى الناشر ورجل الأعمال الألماني.

يرى أنه لو حدث هذا القرار الآن سيكون متأخراً ولكن ليس متأخراً جداً، والتكلفة ستكون باهظة ولكن ليست باهظة جداً.

ألمانيا، على سبيل المثال، يبلغ حجم التجارة السنوية لها حوالي 200 مليار يورو مع الصين، وتبلغ قيمة إجمالي التجارة الألمانية 2.4 تريليون يورو، وبالتالي فإن خسارة التجارة الصينية ستكون ضخمة، ولكن لم تصل إلى درجة أن تكون غير محتملة.

لقد أدى ركود فيروس كورونا بالفعل إلى وصول ألمانيا إلى مستوى جديد ومدمر، ولكن هذا يعطينا فرصة فريدة لإعادتنا إلى المسار الصحيح”، حسب تعبيره.

إذا استمرت السياسة الأوروبية الحالية، والأهم من ذلك، السياسة الألمانية بشأن الصين، فسوف يؤدي ذلك إلى فصل تدريجي عن أمريكا وتسلل واستعباد خطوة بخطوة من قبل الصين.

 التبعية الاقتصادية ستكون الخطوة الأولى فقط. وسيتبع ذلك التأثير السياسي. في المستقبل، من يسيطر على مجال الذكاء الاصطناعي سيهيمن أولاً اقتصادياً ثم سياسياً.

في الوقت الحاضر، هذا السباق بين الولايات المتحدة والصين وحدها. ميزة الصين العظيمة هي أنه ليس لديها أي ديمقراطية. وبالتالي كل ما يعمل على تعزيز قوة الدولة الصينية الموحدة مسموح به. وهذا يجعل الدولة الصينية عديمة الضمير، ولكنه يجعلها أسرع من أي شيء آخر.

 يختتم مقاله قائلاً “في النهاية، الأمر بسيط للغاية. ما نوع المستقبل الذي نريده لأوروبا، تحالف مع ديمقراطية غير كاملة أو مع ديكتاتورية كاملة؟.

يقول “يجب أن يكون قراراً سهلاً بالنسبة لنا. إنها تتعلق بأكثر من مجرد المال. إنها تتعلق بحريتنا، حول المادة 1 من القانون الأساسي لألمانيا، أعظم مصطلح قانوني موجود على الإطلاق: الكرامة الإنسانية.”

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى