آخر الأخباركتاب وادباء
العائلات المنكوبة ببن الداء والدواء
من روائع الأديب الكاتب
السعيد الخميسي
** لاشك أن الموت مصيبة كبيرة سواء كان الميت صغيرا أو كبيرا، غنيا أو فقيرا، قويا أو ضعفيا، عزيزا أو ذليلا، فالموت كما وصفه القرآن الكريمة هو مصيبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى لقوله تعالى ” وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون” فالموت عاصفة شديدة تعصف بالجميع ولايفلت منها أحد مهما بلغت قوته وأهميته في حركة الحياة ولو كتب الله الخلد لأحد لكتبه لأشرف خلق الله وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خاطبه ربه قائلا” إنك ميت وإنهم ميتون” وفي آية أخرى ” وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد افإن مت فهم الخالدون” فالموت سيف بتار لابد أن يمر على جميع الرقاب لقول الشاعر :
للموت فينا سهام غير خاطئة… من فاته منا الموت اليوم لم يفته غدا.
فالإنسان كالزرع بالآفات مقصود فإن سلم منها فإنه بلا شك في النهاية محصود سواء كان ذلك عاجلا أم آجلا.
** وتكون المصيبة أكبر والخطب أعظم إذا كانت مصيبة الموت جماعية بمعنى أنها تصيب أسرة كاملة في وقت واحد صغيرهم وكبيرهم نتيجة لحادث مروري أو حريق أو هدم أو غرق كما يحدث يوميا في مجتمعاتنا أو عدوان سافر كما يحدث في أرض فلسطين الأبية.
ساعتها نتذوق ألم المرار ونخترق بنار الفراق ويعجز اللسان عن البيان وتجف العيون عن الدموع ويسكن الألم بين الضلوع.
ما أصعب تلك اللحظات وأقساها حين نبحث عن الدموع فلا نجدها، نبحث عنها لتطفئ نار الفراق ولهيب الاشتياق. نبحث عنها لتخفيف وطأة الألم وأنين الصدمة التي تصيب النفس ولكن العين تأبى أن تذرف الدموع لأنها قد جفت وقل ونضب ماؤها من هول ما أصاب النفس من هم وغم وألم دفين. ** حقا إن الفراق صعب جداً وذلك لأنه من الصعب أن تفارق روحاً كانت جزءاً منك، دون أن تحزن ودون أن تتألم لذلك لا يوجد أصعب وأشق من فراق الأحبة لأن فراق الاحباب صعب الاحتمال ولا يعوضه كثرة المال وقد حزن أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم على ابنه ابراهيم فقال ” إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون لمحزونون” فالحزن شعور بشرى يصيب الجميع بلا هوادة ولكن يجب ألا يصل بالمرء إلى درجة اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى. ومايحدث في مجتمعنا من هلاك عائلات كاملة سواء بسبب الحريق أو حوادث الطرق اليومية أو حوادث الغرق ونراه رأي العين فنتألم أشد مايكون الألم ونحزن أشد مايكون الحزن، كل تلك المشاهد الموجعة المفجعة تذكرنا في التو واللحظة بما يحدث لأهلنا في فلسطين من دمار وخراب وهلاك لمئات الأسر التي استشهد أبناؤها تحت القصف العدواني بدرجة ترقى إلى الإبادة الجماعية على مرأى ومسمع من العالم المتواطئ والذي لايحرك ساكنا لمشاهد الأطفال الرضع والشيوخ الركع والنساء الحوامل اللائي يضعن حملهن من هول الضربات ودوي الطائرات. فموت هنا وموت هناك، فالمصيبة واحدة والمشاعر واحدة والألم واحد ولاراد لقضاء الله ولا معقب لحكمه.
** وسط هذا الحزن العميق والألم الدفين يأتي الدواء من صيدلية سيد الأنام فقد ورد في صحيح ابن حبان عن ابن مسعود، قال:، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قال عبد قط، إذا أصابه هم أو حزن: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وأبدله مكان حزنه فرحا»، قالوا: يا رسول الله , ينبغي لنا أن نتعلم هذه الكلمات؟، قال: «أجل، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن».
** قال ابن القيم في زاد المعاد: هذا الدعاء بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء، ويعيد البدن إلى صحته، واعتداله، وأن يجعله لحزنه كالجلاء الذي يجلو الطبوع والأصدية، وغيرها، فأحرى بهذا العلاج إذا صدق العليل في استعماله أن يزيل عنه داءه، ويعقبه شفاء تاما، وصحة، وعافية، والله الموفق. والله أسأل لكم ولنا العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة وأن يرزق من ابتلاهم بمصيبة الموت بالرضا بقضائه وقدره. هذا والله أعلى واعلم.
Öffnen