ثقافة وادب

هوسنا بالشوكولاتة ساعد أغنى عائلات في العالم على تكوين ثروتها.. “آل مارس” يعيشون حياة بسيطة رغم المليارات

أحياناً تتساءل -جاداً أو مازحاً- لماذا لم أولد غنياً؟ لماذا لم يكن لدى والدي أو جدي ثروة تكفيني لأعيش طوال حياتي أنا وأبنائي وأحفادي دون الحاجة لتحمل ضغوطات الوظائف والمهن التقليدية؟ كان يُمكن أن يتحق هذا الحلم لو كان جدك محباً للشوكولاته! نعم، انظر فقط إلى عائلة مارس، ثاني أغنى عائلة في العالم، فهي تملك 120 مليار دولار، (حسب تقرير صدر قبل أيام لوكالة Bloomberg) بفضل حب جدهم فرانكلين كلارنس مارس للشوكولاته فأسس إمبراطورية مارس الشهيرة التي تدخل مليارات الدولارات إلى جيوب أبنائه وأحفاده منذ 107 أعوام.

المثير في الأمر، أن حياة فرانكلين لم تكن مترفة إلى الحد الذي يجعله يهتم بالشوكولاته، بل كان طفلاً مصاباً بشلل الأطفال ولم تكن عائلته تتحمل تكاليف العلاج أو نفقات الدراسة. لكنّ لحظةً ما غيرت هذا كله. تعال لنعرف القصة سوياً.

قصة النجاح هذه بدأت من المطبخ قبل قرنٍ من الزمان، عندما اكتشفت أم وابنها أنهما يحبان صنع الحلوى، وتحديداً الشوكولاته. 

ظروف فرانكلين لم تكن بأحسن حال، بل ولد الطفل عام 1883 في ولاية مينيسوتا الأمريكية، لأسرةٍ فقيرة، ثم أصيب بشلل الأطفال ما أعاقه عن الالتحاق بالمدرسة، لذلك حاولت والدته إلفا أن تشغل وقته بتعليمه صنع الشوكولاته في مطبخها.

بالتزامن مع هذا بدأت ظروف العائلة المادية تتبدّل للأحسن، فتمكّن فرانكلين من خوض رحلة العلاج وتعافى بالفعل من شلل الأطفال، وأكمل دراسته وقتها، ثم عمل مدرساً في ولاية مينيسوتا، لكنه لم ينسَ شغف الطفولة.

تزوج فرانكلين في العام 1902 من إيثيل كيساك وأنجبا ابنهما الأول فورست إدواردز مارس، وبعد 9 سنوات من الزواج فكّر فرانكلين مع زوجته في استعادة شغفه بصنع الشوكولاته، ثم بدأ صنعها بشكلٍ مهنيّ في مطبخه في تاكوما بواشنطن (تحديداً عام 1911 أي بعد 9 سنوات من زواجه).

بعد أقل من 10 سنوات، وبحلول عام 1920 قرر أن يحول هوايته إلى نشاطٍ تجاريّ، فانتقل إلى مينيابوليس وأنشأ سلسلة محلات The Nougat House وفتحت لهم تلك المحلات باب الثراء.

وأنتجت هذه الشركة شوكولاته Patricia Chocolates التي سميت على اسم ابنته من زوجته الثانية فيرونيكا.

Franklin Clarence Mars
Mars, Twix, Snickers වැනි රසවත් චොක්ලට් රැසක නිර්මාතෘවරයා මොහුයි https://t.co/wFfk9ceaPm pic.twitter.com/mHcDHieeVl

وخلال فترة الكساد الاقتصادي الكبير في أمريكا التي حدثت عام 1929 كان فرانكلين وزوجته إيثيل من الشخصيات الاجتماعية البارزة، فكانا يمتلكان سيارة بقيمة 20 ألف دولار، كما كانا يملكان منزلين في ولايتي ويسكونسن وتينيسي وفقاً لتقرير Billionaire Bonanza الصادر عن معهد الدراسات السياسية الأمريكية.

انتقل فرانك عام 1929 مرة أخرى مع 200 زميل له إلى شيكاغو، حيث افتتح مصنعاً للإنتاج الكامل للشوكولاته.

وفي نفس العام، انضم ابنه البكر؛ رسمياً إلى العمل، وصنعوا أول “نوجة من الشوكولاته” ما وضع الأساس لأعمدة الحلوى اللَّينة المغطاة بالشوكولاته في العالم. وقد توفي فرانك بعد خمس سنوات، تاركاً ابنه لقيادة الشركة، وفقاً لموقع FirstClasse.

أكمل الابن مسيرة أبيه، واستمر في إدارة شركات والده حتى وفاته هو الآخر و أورثها إلى أبنائه عبر 5 أجيال.

خلال هذه الأجيال تطورت شركة Mars وبدأت في صناعة أنواع حلوى مختلفة هي الأشهر في سوق الشوكولاتة العالمية، مثل: Snickers، وMars Bars، وMilky Way Bars، وTwix M&M’s الشهيرة التي ينتج منها أكثر من 400 مليون قطعة كل يوم في الولايات المتحدة وحدها، وفق موقع شركة حبوب الشوكولاته الصغيرة.

وعلى درب الأب، وسع ابنه فورست نشاطه بالانتقال بين الولايات والدُّول، وفي عام 1932 حصل على وصفة حلوى Milky Way Bar وكانت باباً لفتح أفرع أخرى لشركات الشوكولاته، ثم قرر بدء أعماله التجارية الخاصة، وفي العام نفسه قرر الانتقال خارج السوق الأمريكية، وتحديداً إلى المملكة المتحدة، بل وأبعد من ذلك، خارج سوق الشوكولاته، وتحديداً إلى سوق منتجات الحيوانات الأليفة.

كان هدف فورست واضحاً، وهو “تبادل المنافع لجميع أصحاب المصلحة”، واستحوذ على شركات Chappell Brothers، Ltd، التي تصنع طعام الكلاب المعلَّب، ما يمثل أول غزو تقوم به عائلة مارس في رعاية الحيوانات الأليفة بشركات أخرى مثل PAL وWhiskas وCHUM لمنتجات رعاية الحيوانات الأليفة.

طوال سنوات عمله الأربعين افتتح فورست أفرعاً كثيرة لشركاته في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وهولندا وأستراليا، ثم قرر أخيراً التقاعد عام 1969 عندما كان عمره 65 عاماً (بالمناسبة، عاش فورست 30 عاماً بعد الاستقالة، وقضى حياته الخاصة بعيداً عن إدارة شركاته وبعيداً عن الأضواء)

أما على صعيد الحياة الشخصية، فقد كان فورست متزوجاً من سيدة تدعى أودري، ومحباً أن تظل تلك الحياة بعيداً عن أضواء الإعلام، وأنجبا ثلاثة أبناء وهم جاكلين وجون وفورست جونيور -ورثوا الشركة بعد وفاة والدهم العام 1999- وأدخلهم المدارس الداخلية لإكمال تعليمهم، ودربهم على العمل مقابل كسب المال، فقد كانت حياته مقتصدة جداً وغير مترفة، ومع ذلك، فقد اشترى مزرعة مساحتها 740 فداناً في ولاية فرجينيا في الأربعينيات من القرن الماضي.

حافظ أبناء فورست الثلاثة وأحفاد فرانكلين على خصوصية الحياة العائلية كما فعل أبوهم ومن قبله جدهم، لكن رغم ذلك هناك بعض المعلومات العامة عن حياتهم، دعنا نستعرض بعضها:

جاكلين مارس: ابنة فورست الأب وحفيدة فرانك مارس. وهي عضو في مجلس إدارة إمبراطورية مارس المتحدة للمواد الغذائية بالولايات المتحدة منذ عام 1973، أي أنها أصبحت عضو مجلس إدارة إحدى أكبر شركات الحلوى في العالم بعمر 34 عاماً واستمرت في المنصب حتى أصبح عمرها 80 عاماً.

أما بالنسبة لحجم ثروتها الشخصية، فهي تصل لـ 23.6 مليار دولار، فلديها هي وشقيقها جون الحصة الأكبر من ثروة إمبراطورية مارس، وتعادل الأخوان في المرتبة 33 على قائمة Forbes لعام 2019 لأفضل مليارديرات العالم.

على العكس من أغلب أفراد عائلتها، تعيش جاكلين حياة مليارديرة فعلاً، إذ تتداول الصحف أنها اشترت منزلاً بـ2 مليون دولار في نيوجيرسي، وأنّها تمتلك مزرعة في فرجينيا، وتحتفظ بملكية منزل والدها في ويسكونسن، وتدعم أيضاً فريق الفروسية الأولمبي الأمريكي، وهي أحد أمناء مؤسسة فريق الفروسية الأمريكية.

وفي عام 2013 تورطت جاكلين في مشكلة إثر قيادة سيارتها الـ Porsche الرياضية، حيث عبرت سيارتها خط الوسط وضربت حافلة صغيرة بالاتجاه الآخر في مقاطعة لودون، وتسبب الحادث في وفاة جنين زوجة السائق وأحد الركاب وأصيب آخرون.

أقرت جاكلين أنها مذنبة، لكنها لم تكن تقود بسرعة كبيرة ولم تكن تحت تأثير الكحول أو مخدر، وغرمتها المحكمة 2500 دولار، والسجن مدة لا تزيد عن 12 شهراً.

لدى جاكلين وزوجها السابق ديفيد بادجر ثلاثة أبناء، وهم ستيفن وألكسندرا وكريستا.

ابنهما الكبير ستيفن يعمل في منصب رئيس مجلس إدارة إمبراطورية مارس. ستيفن مختلف عن جده وجد أمه وحتى عن أخواله، إذ يمكن القول إنه أعلى أفراد العائلة صوتاً. فقد تحدث مؤخراً عن رؤية الشركة وخططها المستقبلية من أجل جذب المواهب وتحسين ولاء العملاء، ويرى أن الزمن قد تغيّر وأنّه قد حان الوقت ليعرف العملاء عن الشركة التي تقف وراء العلامة التجارية التي يشترونها، وفقاً لتقرير سابق لموقع Business Insider  الأمريكي.

جون مارس: لا يعرف الكثير عن حياة جون، فقد ورث ولع والده بالخصوصية والحياة البسيطة، إذ يعيش في شقق بأسعار معقولة نسبياً أو منخفضة بالنسبة للأثرياء، على عكس شقيقته جاكلين، التي يدير معها الشركة. حصل جون العام 2015 على لقب فارس فخري من قبل الملكة إليزابيث الثانية.

Queen Elizabeth II presents American businessman John Mars with an honorary Knighthood at Windsor Castle on April 29. pic.twitter.com/2P56VtSXke

تزوج جون من أدريان بيفيس في العام 1958، ولهما ثلاثة أطفال: ليندا آن (العمر 60) فرانك إدوارد (العمر 57) ومايكل (العمر 52). 

 فورست الابن: فورست جونيور، أكبر أبناء فورست، كان محباً للحياة الهادئة البعيدة عن الأضواء مثل والده وأخيه جون، لم يكن محباً للأضواء حتى وفاته في العام 2016 عن عمر يناهز 84 عاماً، وفق تقرير لصحيفة “واشنطن بوست“.

عندها ورثت بناته الأربع؛ فيكتوريا وفاليري وباميلا وماريجكي، حصة 8% من الشركة لكل منهن، أي 6 مليارات دولار لكل منهما. الابنة الكبيرة فيكتوريا تعمل رئيس مجلس إدارة إمبراطورية مارس، كما تعمل كل من فاليري وماريكا في ضمن مجلس إدارة الشركة، لكن فيكتوريا استقالت في السنوات الأخيرة.

الابنة باميلا أشارت إلى تربية والدهم البسيطة في لقاء مع موقع Campden FB، إذ قالت: “عشنا حياة طبيعية للغاية كأي شخص آخر، قمنا بالأعمال المنزلية، وذهبنا للمدرسة، كنت أعيش مثل باقي أصدقائي”. باميلا، عاشت في هولندا وفرنسا لعدة سنوات، وعملت لفترة في مجال الإعلان، قبل أن تعود إلى الولايات المتحدة للعمل في شركة العائلة كمشرفة عمليات، ثم تولت منصب رئيس مجلس الإدارة، وهو المنصب الذي تنحت عنه فيما بعد مثل أختها فيكتوريا. بينما لا تزال فاليري وماريجكي تعملان في مجلس إدارة الشركة.

رغم الحياة السرية البعيدة عن الأضواء للعائلة، لكن الانتقادات طالت شركتهم وأسلوبهم. فقد تعرضت لانتقادات لأنها لم تقدم إسهامات كافية للمؤسسات الحكومية، لذلك في عام 2012 تبرعت الشركة بـ5 ملايين دولار لمتحف سميثسونيان الوطني للتاريخ الأمريكي من أجل تجديدات ومعرض جديد، وفي عام 2017، استثمرت الشركة مليار دولار في برنامج الاستدامة الذي سيساهم في أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة واتفاقية باريس للمناخ.

بالإضافة إلى دعم جاكلين لفريق الفروسية الوطني، فهي أيضاً تدعم مؤسسات أخرى رياضية وفنية بينها المكتبة الوطنية الرياضية ومتحف الفنون الجميلة، كما حصلت على “جائزة التراث” لمؤسسة “الأرشيف الوطني” الأولى على الإطلاق، وذلك لدعمها للأرشيف الوطني والمؤسسات الفنية والثقافية الأخرى في واشنطن، كما لعبت دوراً في دمج الأوبرا مع مركز جون ف. كينيدي للفنون المسرحية، والتزمت عدة سنوات لدعم برامج واشنطن للفنون المسرحية، وفق موقع Mars Inc.

فضلاً عن انتقادات عدم معرفة عملاء الشركة معلومات عن الشركة وأصحابها، وهي سياسة يحاول ستيفن ابن جاكلين تغييرها حالياً ويحاول الانفتاح أكثر على الأضواء على عكس جده ووالد جده مؤسسي إمبراطورية مارس.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى