تقارير وملفات إضافية

من تشجيع الثورات للحياد الاستغلالي.. هذا كان سلوك الصين بالماضي، فهل اقتربت الآن من التورط بصراعات الشرق الأوسط؟

كيف تتعامل الصين مع النزاعات في الشرق الأوسط، وما الذي يوضحه لنا هذا بشأن نهج الصين المحتمل في التعامل مع المنطقة مستقبلاً مع استمرار صعودها كقوة عظمى؟ 

تُمثّل هذه الأسئلة أساساً لكتاب جديد “الصين وصراعات الشرق الأوسط China and Middle East Conflicts” ألفه  Guy Burton ونُشر الشهر الماضي. 

يقول بورتون في مقال بموقع Middle East Eye البريطاني: إن كتابه يركز على البعد الاقتصادي مثل المشاريع المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق. ويتميّز أيضاً بكونه لا يركز فقط على الصراعات المتمثلة في الحرب والخصومة، ولكنه يتناول المخزون التاريخي لعلاقة الصين بالمنطقة.

يطرح هذا النهج البديل عدداً من الأفكار. أولها أنّ الصين ليست فاعلاً جديداً في المنطقة. وأخرى أن السجل الصيني في المنطقة متنوع من ناحية النهج والنتائج.

إذ اعتنقوا الصراع في البداية، لكنهم تجاوزوا هذه المرحلة. واليوم أصبح موقف الصين متخبطاً: حيث تفضل تجنب التعقيدات، لكنها أصبحت أيضاً متورطة في إدارة وحل الصراعات من حين لآخر.

وبالتالي يمكن أن يتشكل الدور الصيني تجاه الصراعات الإقليمية بطرق عدة، فإما أن يتخذ دور “المخرب” الذي يدعم ويشعل الصراع، أو “المتجنب” الذي يحاول تفادي الصراع، أو الداعم لإدارة الصراع وحله.

وحدث أول اتصال بين الصين والشرق الأوسط في منتصف الخمسينيات، حين تبنت الحركات والزعماء القوميين مثل الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية. ودعمتهما في كفاحهما ضد استعمارية وإمبريالية قوى الغرب وإسرائيل، وزوّدتهم بالأسلحة أو مكنتهم من الوصول إليها.

كما وصل حماس الصين بالجماعات القومية المتمردة إلى أشده في منتصف الستينيات، عندما وفرت معدات وتدريبات للجماعات في فلسطين وإريتريا والخليج. وكان السلوك الصيني مدفوعاً باعتقاد مشترك أنّهم يواجهون قوى وأنظمة إقليمية راسخة، وبالنسبة لبكين كانت المساعدات العسكرية أيضاً هي طريقة لمواجهة وتحدي الصدارة السوفييتية.

لكن بمرور العقود التالية، أدت التغيرات في الداخل الصيني وفي الخارج إلى تقليل الدعم الصيني للمتمردين في المنطقة. وانتهت الثورة الثقافية، ومات ماو مؤسس جمهورية الصين الشعبية، وبزغت إدارة جديدة أكثر براغماتية تهتم بالتجارة والتطوير تحت قيادة دينغ شياو بينغ. وأدّى كل هذا إلى ظهور سياسة خارجية جديدة للصين تتجنب الصدام في نهاية السبعينيات.

وبدايةً من الثمانينيات، أصبحت الصين أقل طموحاً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. وازداد اهتمامها بالعلاقات الدبلوماسية والفرص التجارية. 

فعلى سبيل المثال، زادت الصين من مبيعات الأسلحة للجانبين في حرب العراق وإيران، حتى وهي تُدين القوتين العظميين -الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي- بأنهما تسعيان لاستدامة الصراع. ودخلت الصين أيضاً في تجارة سرية للأسلحة مع إسرائيل، مما دفع بهما لإقامة علاقات دبلوماسية في عام 1992.

وحافظت الصين على دور “المتجنب” تجاه الصراعات بعد انتهاء الحرب الباردة. وعلى غرار معظم المجتمع الدولي، تبنت الصين عمليات اتفاقية أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين عن طريق حض الجانبين على الاستمرار في المباحثات، حتى عندما أصبح احتمالية وجود تسوية نهائية للسلام بين الطرفين أبعد كثيراً.

وعلى صعيدٍ آخر، عارضت الغزو العراقي للكويت، وكذلك حل المسألة بالقوة في عام 1991. لكن على عكس فرنسا وروسيا، قررت ألا تستخدم حق الفيتو في الأمم المتحدة للوقوف أمام الهيمنة الأمريكية قبل غزو العراق في عام 2003.

وعلى الرغم من التحفظات التي كانت لدى الصين بشأن الحرب؛ تربحت الشركات الصينية كثيراً من الخراب بعد الحرب. إذ فاز الكثير منها بعقود مهمة واستثمارات عراقية، لدرجة أنهم أثاروا استياء الأمريكيين الذين تحملوا العبء المالي والعسكري للاحتلال. 

وتبع ذلك اتهام الرئيس باراك أوباما للصينيين “بالركوب المجاني” على الأمان الذي توفره الولايات المتحدة.

استمر التجاهل الصيني للنزاعات طوال الصراعات والحروب التي حدثت في العقد الماضي. ومثل معظم الدول الأخرى، فوجئت بالحصار الذي فرضته المملكة العربية السعودية والإمارات على قطر.

لكن أي تخوفات من أنّ آفاقها التجارية قد تتضرر تحولت إلى مكاسب، إذ أدرك كلا الجانبين أهمية الصين باعتبارها شريكاً تجارياً واستثمارياً رئيسياً.

وحتى الآن لم يخسر التوازن الصيني أي من الأصدقاء، فالرئيس السوري بشار الأسد يلقب الصين بأنها “صديق” ويأمل أن تصبح ممولاً رئيسياً في إعادة الإعمار بعد الحرب.

لكن على الرغم من الحماس السوري، لا نرى من الصين سوى التحفظ، مما يعكس المستوى المنخفض للمصالح والتبادل الاقتصادي بين البلدين، وهذه هي الحالة أيضاً في ليبيا واليمن.

وعلى النقيض، كانت الصين أكثر دعماً في إدارة وحل الصراعات في الأماكن التي لها فيها استثمارات أكبر. إذ نرى هذا في أزمة دارفور بالسودان والبرنامج النووي الإيراني، حيث اتخذت الصين دور الوسيط لتسوية الأمر. ويدفعها في هذا جزئياً أن كلا الحكومتين تستمعان لها، إلى جانب خوفها من الضرر الذي قد يلحق بتجارتها في البلدين نتيجة العقوبات الغربية.

بالنظر إلى ما هو قادم، لا توجد طريقة نتأكد بها أن سلوك الاستجابة الحالي سوف يستمر. وأحد أسباب هذا هو أن الصين كانت قادرة على الوقوف بعيداً عن الصراعات الإقليمية لأنها لم تكن متورطة فيها بعمق. ومثلما تظهر الحالة السودانية والإيرانية، يصبح الأمر أصعب عندما تكون الاستثمارات الصينية أعمق.

وربما يصبح هذا هو الوضع السائد في المستقبل، في ظل تعمق مبادرة الحزام والطريق. إذ ستجد الدول خارج المنطقة أنفسها تتنافس ضد بعضها البعض على رأس المال والموارد الصينية المحدودة، التي ستزداد محدوديتها في فترة ما بعد فيروس كورونا، بينما سيربط تمويل وبناء مثل هذه المشاريع بين الصين والمنطقة بشكلٍ أوثق.

وربما يؤدي هذا إلى تغيير دور الصين من المشاهدة إلى السببية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى