تقارير وملفات إضافية

الدوحة قدّمت ما لا تملكه القاهرة.. لماذا فشلت الوساطة المصرية بين حماس وإسرائيل هذه المرة، بينما نجحت قطر؟

ليست هي المرة الأولى التي يتم فيها التوصل لاتفاق بين إسرائيل وحركة حماس لوقف التصعيد المتبادل بين الجانبين، لكن المختلف في المشهد هذه المرة هو الوساطة القطرية وليس المصرية، التي نجحت في التوصل لهذا الاتفاق.

فبعد توتر ميداني دام لأسابيع بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة، نجحت قطر في إبرام اتفاق تهدئة بينهما يقضي بإنهاء التوتر بكافة أشكاله، بما يشمل وقف إطلاق البالونات الحارقة، مقابل استمرار قطر في تقديم مساعدات اقتصادية وإغاثية للقطاع.

برز في هذه الجولة من التصعيد الإسرائيلي ضد القطاع حضور الدور القطري على أعلى المستويات لإنجاح جهودها في احتواء التصعيد، مقابل تراجع وانسحاب مصري مبكر من جهود الوساطة، على عكس ما شهدناه في جولات سابقة، حينما كان الوسيط المصري هو المسؤول المباشر عن مفاوضات التهدئة، وكان الدور القطري آنذاك مقتصراً على تمويل ما يتم الاتفاق عليه.

ويبدو أن الجانبين، حماس وإسرائيل، فضّلتا الوساطة القطرية على المصرية هذه المرة، لكن السؤال البارز هنا: لماذا؟

محمود مرداوي، عضو مكتب العلاقات الوطنية في حركة حماس قال لـ”عربي بوست” إن ما جرى هو أن الوسيط المصري أبدى استعداده في بداية التصعيد لتولي مهمة الوساطة بين حركة حماس والطرف الإسرائيلي.

وقام الوفد المصري بنقل مطالب الحركة للجانب الإسرائيلي الذي لم يوافق عليها، ما اضطر إلى انسحابه، وتولت قطر هذه المهمة التي تكلّلت بإبرام اتفاق تهدئة يلبي مطالب الفصائل دون أي تكلفة بشرية أو مساومة سياسية.

وأبدت قطر اهتماماً لافتاً في الأيام الأخيرة لنجاح جهود التهدئة، بشكل أكبر مما بدت عليه جولات التصعيد السابقة.

إذ لم يغادر رئيس اللجنة القطرية لإعادة الإعمار السفير محمد العمادي قطاع غزة خلال فترة التصعيد، وكانت مفاوضاته مباشرة مع زعيم حماس في غزة يحيى السنوار، في حين كان اتصال وزير الخارجية القطري محمد عبدالرحمن آل ثاني برئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية قبل ساعات من إعلان اتفاق التهدئة، ما أكسب الوساطة القطرية بُعداً سياسياً هذه المرة.

وأكد مرداوي “ننظر بإيجابية لكل الجهود التي يبذلها الوسيطان المصري والقطري، ونأمل أن تتعزز في المرحلة القادمة لتحسين الأوضاع الاقتصادية في غزة، مع أن الحركة ليس لديها أية تحفظات على الدور السياسي الذي تبذلانه في الساحة الفلسطينية ما لم يتعارض مع سياسات الحركة”.

وسام عفيفة، مدير شبكة الأقصى الإعلامية التابعة لحركة حماس قال لـ”عربي بوست” إنه منذ الساعات الأولى لبدء التصعيد قدّمت المخابرات المصرية رؤية لحركة حماس، تتضمن إعادة حالة الهدوء إلى غزة دون الوصول للمواجهة العسكرية، لأن الظرف السياسي -وفق وجهة نظر المصريين- لن يكون في صالح حماس.

هذا الأمر شعرت به الحركة كرسالة تهديد، لذلك فشل المصريون في جهودهم بإقناع الحركة بقبول تسوية سياسية تلبي مطالبها.

وأضاف أن الوسيط المصري لم يقدم أي ضمانات أو وعود بالضغط على إسرائيل للالتزام بشروط الفصائل للتهدئة، على عكس الجانب القطري الذي استطاع لعب هذا الدور بكفاءة عالية، عبر تمويل ما يلزم من مشاريع إنسانية وإغاثية.

أعلن رئيس اللجنة القطرية لإعادة الإعمار السفير محمد العمادي، أن بلاده قررت مضاعفة المنحة المالية للقطاع عبر تخصيص 7 ملايين دولار لمتضرري جائحة كورونا، و10 ملايين دولار للأسر الفقيرة بواقع 100 دولار لـ100 ألف أسرة، والتكفل بتمويل خط الغاز من شركة (ديلك) الإسرائيلية لإعادة تشغيل محطة توليد الكهرباء في القطاع.

يضاف لهذه التسهيلات إعادة الوضع عما كان عليه قبل بدء جولة التصعيد، إذ تم إعادة فتح معبر كرم أبوسالم الواصل بين غزة وإسرائيل لمرور البضائع والسلع إلى القطاع، كما تقرر إعادة فتح البحر أمام حركة الصيد، إضافة لتقديم مساعدات طبية للجهاز الصحي في القطاع لتجاوز أزمة تفشي وباء كورونا.

وتنسج قطر علاقات وثيقة مع الفصائل الفلسطينية في غزة، وعلى رأسها حماس، حيث تقدم مساعدات مالية للقطاع منذ 2012، ونفذت خلال هذه الفترات العشرات من المشاريع الكبرى داخل القطاع، كمشروع مدينة حمد السكنية في مدينة خانيونس الذي يضم 3 آلاف شقة سكنية.

هذا إضافة لمشروع إعادة بناء وتعبيد شارع صلاح الدين، الذي يربط القطاع من أقصى شماله وحتى جنوبه، بجانب مشاريع إغاثية وتشغيلية للخريجين والعاطلين عن العمل، ومشاريع أخرى لوزارة الصحة والتنمية الاجتماعية.

أما على المستوى السياسي، فإن قطر تستضيف على أراضيها مكاتب حركة حماس في الخارج، وهي تجري باستمرار لقاءات مع المسؤولين القطريين، وعلى رأسهم الأمير تميم بن حمد.

ساري عرابي، الكاتب المختص في شؤون الحركات الإسلامية، قال لـ”عربي بوست” إن قطر استطاعت نسج علاقات متينة مع الفصائل الفلسطينية في غزة، وعلى رأسها حماس، وهذه المكانة تطورت مع مرور الوقت إلى ثقة متبادلة بينهما، لذلك تابعنا ما شهدناه في الأيام الأخيرة التي سبقت إعلان التهدئة، لأن حماس لم تضع العراقيل في طريق الجهود القطرية للتهدئة، حتى لا تخسرها كحليف استراتيجي في المستقبل.

منذ أن نشب التوتر بين حماس وإسرائيل، مطلع أغسطس/آب 2020، عبر تفعيل الضغط الميداني عليهما، كان لافتاً تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن جزءاً من الأزمة الإنسانية التي تمر بها غزة هو رفض الجهات ذات العلاقة، للإيفاء بما عليها من التزامات، في إشارة وتلميح إلى قطر.

هذا تصريح يعطي إشارة إلى مدى الاهتمام الإسرائيلي ببقاء قطر كدولة تستطيع التفاوض مع الطرف الآخر، لمنع وصول الأمور للمواجهة.

عبدالرحمن شهاب، مدير مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية، قال لـ”عربي بوست”، إن الإسرائيليين معنيون بوجود أكثر من لاعب أو وسيط في جبهة غزة، وقطر تعد على رأس هذه الدول، وتأتي مصر في المرتبة الثانية.

وأضاف: “هذا التقسيم يعود لما يملكه كل طرف من أدوات أو أوراق للتفاوض، فالقطريون بإمكانهم تمويل ما يلزم قطاع غزة من مشاريع تبقي حالة الهدوء على حالها، وتمنع أي مواجهة قادمة بين حماس وإسرائيل، أما المصريون فرغم الجغرافيا السياسية فإن حضورهم تراجع بشكل كبير في الآونة الأخيرة.

أحد التفسيرات لهذا الاهتمام القطري يتمثل في مخاوف قطر أن تفقد حضورها في الساحة الفلسطينية، إضافة لقطع الطريق أمام أي دولة تسعى لحجز موطئ قدم لها في الساحة الفلسطينية، وتحديداً في غزة، خصوصاً بعد اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي، الذي قد تستغله الإمارات للعب دور مشابه للدور القطري في ساحة غزة، في ظل وجود أرضية تدعم هذا التوجه الإماراتي، عبر من يمثلها في الساحة الفلسطينية، في إشارة إلى محمد دحلان، زعيم التيار الإصلاحي لحركة فتح.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى