تقارير وملفات إضافية

كيف تؤثر تداعيات قتل سليماني على فرص داعش في العودة لتصدر المشهد مرة أخرى؟

في ظل التصعيد الخطير بين الولايات المتحدة وإيران بعد مقتل قاسم سليماني واتخاذ البرلمان العراقي قراراً بطرد القوات الأمريكية، يبدو أن هناك طرفاً وحيداً هو الفائز الأكبر من تلك التداعيات، وهو تنظيم الخلافة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا.

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: «الصراع مع إيران يهدد القتال ضد داعش»، ألقت فيه الضوء على انعكاسات الموقف المشتعل على ملابسات مطاردة فلول التنظيم التي تتحين الفرصة للعودة من جديد لتصدر المشهد.

كانت الضربة الأمريكية بالطائرة المسيّرة التي أسفرت عن مقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني بمثابة انتصار لصالح مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بنتيجة اثنين مقابل واحد. أولاً، أدى مقتل اللواء سليماني إلى التخلص من زعيم أحد أقوى خصوم تنظيم داعش، والمسؤول عن إقامة تحالف الميليشيات التي تدعمها إيران والتي خاضت الكثير من الصراعات الميدانية لطرد مقاتلي داعش من معاقلهم في سوريا والعراق. 

كما غيّر اغتياله توجه غضب تلك الميليشيات والعديد من حلفائها السياسيين داخل العراق بشكل مباشر إلى الوجود الأمريكي هناك، ما أثار الشكوك حول إمكانية استمرار بقاء الحملة التي تقودها الولايات المتحدة للقضاء على ما تبقى من تنظيم داعش ومنع عودته في كل من العراق وسوريا المجاورة.

يقول سام هيلر، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية الذي يدرس القتال مع داعش: «هذه بالضبط «المعجزة» التي كان يحتاجها التنظيم، لإعطائه الفرصة للعمل وليتمكن من الخروج من وضعه الهامشي»، وأضاف: «حتى إذا لم تنسحب القوات الأمريكية فوراً، فمن الصعب جداً أن أتخيل أن بإمكانهم مواصلة المعارك مع داعش بصورة مجدية».

وقال مسؤولون سابقون في وزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات إن المواجهة الأمريكية المتصاعدة مع الميليشيات العراقية المدعومة من إيران التي كان يديرها الجنرال سليماني ستعني الآن أنه لا بد أن تقلق القوات الأمريكية في كل من سوريا والعراق على حماية نفسها من الهجوم مثل قلقها من محاربة داعش، وهو إلهاء قد يعوق حملتها بشكل خطير.

تقول دانا سترول، المسؤولة السابقة في البنتاغون والرئيس المشارك لمجموعة الدراسات السورية التي يرعاها الكونغرس ويشرف عليها الحزبين الجمهوري والديمقراطي: «سيكون تركيزهم على حماية القوات الأمريكية أكبر بكثير من تركيزهم على محاربة داعش».

لكن اختباراً أولياً أكثر حسماً وسرعة جاء أمس الأحد 5 يناير/كانون الثاني، حيث صوت البرلمان العراقي على اقتراح بطرد القوات الأمريكية من العراق.

يُشار إلى أن القوات الأمريكية البالغ عددها حوالي 5000 جندي المتمركزة في العراق توفر دعماً مهماً للقوات العراقية التي تحاول تعقب الآلاف من مقاتلي داعش الذين ما يزالون يخططون لشن هجمات من مخابئهم في المناطق الريفية النائية والصحاري والجبال.

ويقول محللون إنه بدون المراقبة والاستخبارات والمواصلات الأمريكية والدعم الجوي الأمريكي، سيكتشف مقاتلو داعش المداهمات التي تنفذها القوات العراقية وسيكون أمامهم الكثير من الوقت للهرب والمراوغة، وهو ما سيمكّن مقاتلي داعش من الإفلات وإعادة بناء تنظيمهم.

علاوةً على ذلك، يعد الدعم الاستخباراتي واللوجستي المقدم من الجيش الأمريكي مهماً بالقدر نفسه للشركاء العسكريين الأوروبيين وغيرهم في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش.

وحتى الوحدة الصغيرة التي تضم أقل من 1000 جندي من الجنود الأمريكيين الذين ما يزالون حاضرين لمحاربة داعش في سوريا سيكون من المستحيل بقائهم دون دعم من الأمريكيين داخل العراق. ودفع بعض المحللين بأن تقليص الرئيس ترامب لأعداد القوات الأمريكية في سوريا قد ترك القوات الأمريكية هناك عُرضة للهجوم بالفعل وخفف الضغط على داعش.

ونتيجة لذلك، فإن التصويت البرلماني لطرد القوات الأمريكية من العراق سينهي فعلياً الجهود العسكرية لهزيمة داعش وإحباط عودته، وكتبت دانا سترول، وهي الآن عالمة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في رسالة نصية: «هذه هي نهاية مهمة تحالف هزيمة داعش كما نعرفها».

يُذكر أن الحكومة العراقية التي تأسست بعد الغزو الأمريكي عام 2003 عانت طويلاً لتحقيق التوازن بين اعتمادها على واشنطن والغرب وعلاقاتها الوثيقة مع جارتها إيران. وقد اعتمدت الحكومة العراقية في بغداد اعتماداً كبيراً على الميليشيات التي تدعمها إيران في الحرب مع داعش، وتربط العديد من الساسة العراقيين علاقات وثيقة مع إيران. ومن بينهم العديد من قادة أو ممثلي تلك الميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران الذين أصبحوا الآن أعضاء في البرلمان.

علاوة على ذلك، طمأن المسؤولون الأمريكيون العراقيين المتوترين مراراً بقولهم إن القوات الأمريكية التي عادت عام 2014 لم تأتِ إلا لدعم الحرب العراقية مع داعش. وأكد الدبلوماسيون وضباط الجيش الأمريكيون كثيراً أن القوات الأمريكية لم تأتِ إلا بناءً على دعوة رسمية من الحكومة العراقية ولمساعدتها في زيادة قدرات القوات العراقية لتتمكن من قتال داعش بنفسها.

لكن في الأسبوع الماضي، لم تقتل القوات الأمريكية في العراق الجنرال سليماني فحسب. بل أدت الضربة الجوية إلى مقتل قائد ميليشيا عراقي بارز كان أيضاً مسؤولاً أمنياً حكومياً مهماً وعضواً سابقاً في البرلمان. وقُتل رئيس علاقاته العامة العراقي أيضاً.

وفي الأيام السابقة لهذه الضربة، قتلت الولايات المتحدة بالفعل أكثر من 25 مقاتلاً عراقياً من إحدى الميليشيات الكبرى التي تدعمها إيران. وقُتلوا في ضربة صاروخية نفذت رداً على هجوم صاروخي أسفر عن مقتل مقاول مدني أمريكي وجرح عدة أشخاص آخرين في قاعدة عسكرية عراقية.

يقول هيلر من مجموعة الأزمات الدولية: «هذا النوع من التصرفات يعد خرقاً واضحاً وخطيراً لتلك الشروط المتفق عليها» لعودة الجيش الأمريكي إلى العراق. وقال إنه حتى إذا لم يطرد البرلمان القوات الأمريكية على الفور، فـ «لا أعرف كيف سيستمر الوجود الأمريكي في العراق في ظل عمليات القتل تلك».

لطالما اعتبر المسؤولون الأمريكيون الجنرال سليماني عدواً مخيفاً. وبعد غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، ساعد في تشكيل وتوجيه الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق والتي يُلقى عليها اللوم في قتل مئات الأمريكيين.

لكن في الحرب ضد داعش بعد عام 2014، قبلت الولايات المتحدة ضمناً الجنرال سليماني حليفاً يثير الحرج. ووجد قادة إيران الشيعة قضية مشتركة مع واشنطن ضد المقاتلين السنة من داعش، وقد خاضت الميليشيات المدعومة من إيران برعاية الجنرال سليماني الكثير من المعارك في ميدان القتال فيما قدمت الطائرات الأمريكية والمروحيات والطائرات المسيرة الدعم الجوي.

وتوقفت الميليشيات عن مهاجمة القوات الأمريكية التي عادت إلى العراق أيضاً، واستقرت تلك القوات في مواقع داخل القواعد العسكرية العراقية، حيث تعتمد في سلامتها وحمايتها على قوات الأمن العراقية، رغم علاقات مضيفيها الكثيرة بطهران.

والآن بدأ الرئيس ترامب مواجهة متصاعدة مع إيران، ويسعى إلى استخدام عقوبات اقتصادية شاملة لإجبار طهران على الخضوع لقيود جديدة على أنشطتها العسكرية وبرامجها النووية.

وعادت الميليشيات العراقية المدعومة من إيران في الأشهر الأخيرة إلى تهديد الأمريكيين أو مهاجمتهم مجدداً. وعندما حاصر حشد مُحرَّض من إحدى الميليشيات مجمع السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء المشمولة بحماية مشددة في بغداد الأسبوع الماضي، كان إخفاق قوات الأمن العراقية في منع الهجوم ورد الفعل المتأخر بعد بدايته بمثابة تذكير صارخ بحدودها، التي يعود جزء من سببها إلى ولائها المنقسم.

يقول إيلان غولدنبرغ، رئيس فريق إيران السابق في البنتاغون في عهد الرئيس أوباما ومدير برنامج الأمن في الشرق الأوسط في مركز الأمن الأمريكي الجديد إنه إذا أدى التصعيد إلى معركة أكبر في العراق بين الولايات المتحدة وإيران، فستؤدي الفوضى الناتجة إلى الظروف نفسها التي سمحت لداعش بالصعود في الماضي.

وحذر دوجلاس لندن، الأستاذ في مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون ومؤخراً مسؤول سابق في المخابرات المركزية الأمريكية من ذوي الخبرة في المنطقة، من أن ردود الفعل العنيفة ضد الولايات المتحدة تزيد أيضاً من احتمال ما يسمى هجمات «الأخضر على الأزرق»، أي أن يهاجم أفراد من القوات العراقية ضيوفهم الأمريكيين، وقال: «لم نواجه فعلياً هجمات «الأخضر على الأزرق» مثل التي واجهناها في أفغانستان، لكن خطر حدوث ذلك سيزداد بالتأكيد».

وتقول باربرا سلافين، المتخصصة في الشؤون الإيرانية في المجلس الأطلسي إنه لا بد وأن يكون قادة داعش مسرورين الآن برؤية خصومهم في العراق يهاجمون بعضهم بعضاً. وأضافت: «وإذا عاد داعش، فقد نلنا جزاءنا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى