تقارير وملفات إضافية

هل يستطيع العراق طرد القوات الأمريكية؟ أبرز السيناريوهات المتوقعة من الحشد الشعبي وكيف سيرد ترامب؟

يبدو أن إيران تريد تحويل انتقامها لمقتل سليماني لمكاسب استراتيجية، وأكبر هذه المكاسب هو إخراج القوات الأمريكية من العراق، فهل تستطيع بغداد إجبار واشنطن على سحب قواتها وهل تنصاع إدارة ترامب أم تبقي الجيش الأمريكي بالعراق رغم أنف الحكومة والبرلمان؟.

مازال طلب إخراج القوات الأمريكية من العراق في مرحلة ما قبل الجدية، إذا صح التعبير.

فرغم إصدار البرلمان العراقي قراراً يطالب الحكومة بسحب القوات الأمريكية من العراق، إلا أن اللافت أن البرلمان لم يصدر قانوناً ملزماً بهذا الشأن بل قرار، وبالتالي هو غير ملزم عكس القانون.

ولهذا انتقد التيار الصدري القرار واعتبره غير كاف.

وقال رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر إن القرار الذي يدعو لإنهاء وجود القوات الأجنبية غير كاف.

 وقال الصدر الذي يقود أكبر كتلة في البرلمان في رسالة للبرلمان تلاها أحد أنصاره «أعتبره رداً هزيلاً لا يفي أمام الانتهاك الأمريكي للسيادة العراقية والتصعيد الإقليمي».

كما دعا الصدر إلى ضرورة إلغاء الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة على الفور وإغلاق السفارة الأمريكية وطرد القوات الأمريكية بصورة مذلة وتجريم التواصل مع الحكومة الأمريكية والمعاقبة عليه.

 ولكن إذا انتقل البرلمان والحكومة العراقيين خطوة إلى الإمام في محاولة تنفيذ القرار، فسوف يكون لهذا تبعات هائلة على العراق.

عقب قرار البرلمان العراقي، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأحد 5 يناير/كانون الأول 2020، بفرض عقوبات على بغداد.

وقال إنه إذا غادرت قواته فسيتعين على بغداد أن تدفع لواشنطن تكلفة قاعدة جوية هناك.

ترامب أبلغ الصحفيين على متن الطائرة الرئاسية: «لدينا قاعدة جوية هناك باهظة التكلفة بشكل استثنائي. لقد احتاجت مليارات الدولارات لبنائها منذ فترة طويلة قبل مجيئي. لن نغادر إلا إذا دفعوا لنا تكلفتها».

الرئيس الأمريكي قال أيضاً إنه إذا طالب العراق برحيل القوات الامريكية ولم يتم ذلك على أساس ودي، «سنفرض عليهم عقوبات لم يروا مثلها من قبل مطلقاً. ستكون عقوبات إيران بجوارها شيئاً صغيراً».

في حال عدم تفعيل الحكومة العراقية للقرار، أو رفض الأمريكيين الالتزام به

فيمكن للميليشيات الشيعية الموالية لإيران استغلاله كمبرر لتنفيذ هجمات ضد الوجود الأمريكي بالعراق.

لكن المشكلة أنه في السابق كانت إيران تلجأ للضغط على القوات الأمريكية بهذا الأسلوب، في وقت كانت البلاد تمتلئ بعشرات الميليشيات والجماعات المسلحة كثير منها سنية ومعادية لإيران، وبالطبع كانت الهجمات المدفوعة من طهران تتوارى داخل هذه الفوضى.

أما اليوم فإنه لا توجد ميليشيات إلا ميليشيات إيران، بل إن هذه الميليشيات أصبحت منظمة تماماً تحت مظلة الحشد الشعبي، وبالتالي فإنه لا يمكن لإيران وأنصارها التبرؤ من أي هجمات ضد الأمريكيين كما كان يحدث من قبل، كما أن رد الفعل الأمريكي القاسي على الهجوم الذي استهدف قاعدة في شمال العراق وأدى لمقتل متعاقد أمريكي أظهر أن عهد الصبر الأمريكي قد انتهى.

وبالفعل فإن الرئيس الأمريكي أظهر عزماً بالرد على هجمات إيران.

إذ حذر ترامب، في وقت سابق، من أن بلاده سترد «بشكل سريع وكامل» إذا هاجمت إيران أي شخص أو هدف للولايات المتحدة.

وقال ترامب، في تغريدة، إن «هذه النشرات الإعلامية بمثابة إخطار إلى الكونغرس الأمريكي بأنه في حال قامت إيران بضرب أي شخص أو هدف أمريكي، فإن الولايات المتحدة ستضرب بسرعة وبشكل كامل، وربما بطريقة غير متناسبة. مثل هذا الإخطار القانوني غير مطلوب، ولكنه يُعطى مع ذلك!».

هذا هو التحذير الثالث الذي يوجهه ترامب خلال الـ24 ساعة الماضية لإيران من استهداف أي مكان أو شخص أمريكي. وكتب ترامب عبر «تويتر» في وقت مبكر الأحد: «هاجمونا، وجاءهم ردنا، وإذا هاجموا مرة أخرى، وهو ما أنصحهم بشدة بعدم القيام به، فسنضربهم بقوة أكبر مما تعرضوا له من قبل!».

كما أضاف في تغريدة أخرى: «أنفقت الولايات المتحدة تريليوني دولار على المعدات العسكرية، نحن الأكبر والأفضل على الإطلاق في العالم! إذا هاجمت إيران قاعدة أمريكية أو أي أمريكي فسنرسل إليها بعض تلك المعدات الجميلة الجديدة وبدون تردد».

والأغرب أن الرئيس الأمريكي هدد أمس الأول السبت، بقصف 52 «هدفاً مهماً» لإيران حال استهدفت طهران أي مواقع تابعة للولايات المتحدة، رداً على تصريحات مسؤولين إيرانيين بـ«الانتقام» على خلفية مقتل قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، في غارة أمريكية بالعراق.

يبقى هناك خيار أمام العراق أو بالأدق القوى العراقية الموالية لإيران، وهو خلق فوضى منخفضة العنف للأمريكيين في العراق، عبر مظاهرات تبدو شعبية تشمل محاولات اقتحام للقواعد أو المقرات الأمريكية في العراق وإمكانية عرقلة عمل هذه القواعد عبر أعمال شغب أو محاصرة أو مطاردة العاملين فيها، بشكل لا يوفر لأمريكا مبرراً باستخدام قوتها لاستهداف الميلشيات العراقية.

لكن ما يقلل من أثر هذه المحاولات هو أن الأمريكيين في العراق أصبحوا شبه معزولين في مقرات وقواعد محصنة، كما أن الرد الأمريكي على الاعتداء على محيط السفارة يظهر حساسية أمريكا حتى لمثل هذا العنف المنخفض، كما أن السفارة الأمريكية ينطبق عليها جغرافياً مفهوم دولة داخل دولة، إذ إنها أكبر مساحة من الفاتيكان، مما يجعلها قادرة على الاستغناء عن محيطها بشكل كبير.

كما أن الأمريكيين أغلقوا قنصليتهم في البصرة كي يتجبنوا الاحتكاك مع الميلشيات الشيعية في معاقلها.

بالإضافة إلى أن معظم القواعد الأمريكية في العراق موجودة في الشمال الكردي أو الوسط السني، ومحيط بغداد.

ويقود هذا التوزيع الجغرافي إلى قضية في منتهى الخطورة تتعلق بوحدة العراق.

يمكن أن يرد الأمريكيون على مسعى القوى الموالية لإيران لإخراج القوات الأمريكية من العراق، عبر التركيز على أن القرار اتخذ في غيبة أغلب الكتل السنية والكردية في البرلمان.

كما ألمحت تقارير إعلامية إلى أن رئيس الحكومة العراقية مستقيل وبالتالي لا يحق له اتخاذ قرارات أساسية ومفصلية كهذا القرار.

فالأمريكيون يقدمون أنفسهم كحماة للأقليات في العراق، خاصة في ضوء المخاوف السنية والكردية من هيمنة الأحزاب الشيعية الطائفية الموالية لإيران.

وقد يترجم هذا على الأرض أن أمريكا ربما تعتمد في وجودها في العراق على القواعد العسكرية الموجودة في كردستان العراق، وبالطبع فإن الأكراد سوف يستغلون ذلك من أجل محاولة جذب الدعم الأمريكي لتحقيق مطالبهم الانفصالية.

علماً بأن الولايات المتحدة اعترضت على رغبة الأكراد في الانفصال عبر الاستفتاء الشهير الذي أقيم في عام 2017، وقالت إنها لا تعترف بنتائجه.

وقد مكن هذا الموقف الأمريكي قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي بقيادة قاسم سليماني من استعادة مدينة كركوك الغنية بالنفط من البشمركة الكردية مما شكل ضربة قاصمة لحلم الاستقلال الكردي.

فانحياز العراق تحت قيادة الأحزاب الطائفية الشيعية لإيران بشكل كامل من شأنه دفع الولايات المتحدة للانحياز السافر لكردستان العراق، وهو ما يهدد وحدة العراق بالفعل.

فالإيرانيون باستخدامهم العراق ساحة للانتقام لمقتل سليماني يقامرون بوحدة هذا البلد العربي بعد أن سبق أن بددوا استقلاله عبر الهيمنة على مقدراته.

وإذا كانت إيران قد افتعلت هذه الأزمة منذ البداية عبر تنفيذ ميليشياتها لهجمات على القاعدة الأمريكية في شمال إيران حتى يتم وأد الحراك العراقي المطالب باستقلال البلاد عن الإيرانيين والأمريكيين معاً، فإنها اليوم أمام خيار عراق تتقاسم فيه الهيمنة مع الأمريكيين رغم أنفها، أو عراق مبتور منه شطره الكردي أو عراق يلحق به في دائرة الحصار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى