آخر الأخبارتقارير وملفات

لماذا طالبان وليس الإخوان؟!

بقلم الخبير والمحلل السياسى الجزائرى

رضا بودراع

عضو مؤسس فى المنظمة

بداية، السؤال ليس مقارنا بقدر ما هو مفارقا ومفاصلا،
والسؤال وإن حكمه وزن اللغة فهو يستغرق كل الجماعات والتنظيمات والأحزاب التي مرجعيتها «الإسلام الصناعي» أو «الإسلام الوظيفي»
والسؤال كما ترون خفيف في وزنه اللغوي إلا أنه عميق جدا في بعده الكوني والحضاري
وهو عميق جدا عمق جذور المعضلة الأساسية التي تعيشها الأمة منذ تفكك وحداتها المرجعية في الحكم والسياسة والاقتصاد والثقافة والعمران الذي نجم عن الصدام الهائل مع القوى الصليبية منذ أكثر من ثلاث قرون
وأيضا بفعل التآكل الداخلي الذي سارع من أثره التخلف الإيماني والحضاري، وكانت النتيجة الحتمية التي لا تتخلف هو حضور سنن الاستبدال فخرجنا من التاريخ بعدما كنا صُنّاعه.

صدمة تفكك المرجعيات الحاكمة والمؤسسة:

لقد مثل فقدان المسلمين لمراجعهم الإيمانية والسياسية الحاكمة صدمة حضارية هائلة للأمة الإسلامية..
بل للعالم أجمع الذي خسر بانحطاط المسلمين تفكك منظومات قيمية وروحية سامية احتكمت لها البشرية دهورا وصنعت بها أغلب حضاراتها المبهرة
تلكم الصدمة، «صدمة تفكك المرجعيات الحاكمة والمؤسسة» وما تلاها من تثبيت مستويات رهيبة من الهيمنة
لم تكن تخطرًا أبدا في مسائل الفقهاء أو استراتيجيات الحكام والحكماء.
ولم يكن في مخيال الفرد المسلم متسعا لاستيعاب صدمة كهذه.
بل حتى الدول العدوة لازمها الأرق الاستراتيجي فيما يمكن أن يحدث بزوال الخلافة وكيف سيدار العالم التي كانت رأسه وعقله وروحه
ويسهل الآن تشكيل الصورة الذهنية لأمة الإسلام بعد تفكيك مرجعياتها المؤسسة والحاكمة..
فقد عادت كالعملاق الذي فقد عقله وروحه ودخل في مرحلة غريبة من إدارة أجزائه وأقطاره وأفكاره..
بل معتقداته التي صارت تتفكك أمام عينه مبتعدة عن مركزية الوحي التي كانت كل الأمة ومنتوجها الحضاري الذي يدور حولها.
أمام هذه الصدمة وهذا الذهول بحركية فريدة من نوعها في السيرورة البشرية.
راح الشتات يشكل مرجعيات فرعية استثنائية تبقي مركزية الوحي منطلقا لاجتهاداتها وبقاءها إلى حين استرجاع الوضع الطبيعي الذي ألفته أمة الإسلام.

المرجعية السياسية والدينية الجامعة:

تماما كما كان يحدث على مر تاريخها
فمن حكم النبوة إلى الخلافة الراشدة فالأمويين ثم العباسيين مرورا بالقبيلة الذهبية بآسيا الوسطى وإمارة الهند لألف سنة وبخارى وسمرقند والسلاجقة والأيوبيين وصولا الفترة العثمانية..
فالأندلس والإمارات الإفريقية كالمرابطين والزيانيين وإمارة تومبوكتو بالساحل الإفريقي بمالي لـ«٢٠٠» سنة والسنغال وإمارة الحبشة الإسلامية..
كل تلكم النماذج المتعددة كانت تتصل بمظلة الاستخلاف الرباني معتمدة على مصدرية الوحيين ومركزية الخلافة.
هنا وأمام هذه اللحظة التاريخية نقف على الجذر الأول من معضلة الأمة الأساسية.
فهذه المرة كانت الحملة الصليبية وصلت مرحلة متقدمة جدا من الكشوفات الجغرافية والعلمية واخطر من ذلك.
كانت مشاريع الاستشراق وصلت مرحلة عميقة في دراستنا من الداخل عقائد وأفكار وتاريخ وتناقضات شعوب وطبائعها.
إن عملية التفكيك التي استندت إلى ما وصلت إليه حملات الاستشراق المرافقة للحملات الصليبية.
عملت على تحديد المرتكزات الحضارية ومكامن القوة التي كانت تستند إليها امة الإسلام للانبعاث من جديد بعد كل مرحلة من مراحل ضعفها.
وقد عرفوا هذه المرة أين يقفون تماما كجدار صد كبير حول دورة الانبعاث الحضاري إلى مستنقع عفن تتعذر معه جهود الإصلاح والخروج من الهيمنة.
ولا يمكن فهم طبيعة جدار الصد وحدود المستنقع العفن دون استدعاء الذاكرة المسلوبة.
فالقوى الصليبية كما أسلفت كانت متهيبة جدا من سقوط الخلافة والفوضى الدولية التي يمكن أن تنتج عنها بحكم أنهم لم يكونوا مؤهلين لإرث حضاري فريد بطبيعته ونتاجه في تاريخ البشرية كلها.
ربما يشبه ذلك هيبة هولاكو ووقوفه خمس سنوات عند أسوار بغداد قبل أن تسقط ويقتحمها.. ولعله نفس خشية العالم المعاصر من انهيار أمريكا تماما و انتشار الفوضى في العالم.

ثلاث عقبات عظمى أمام القوى الصليبية:

أعود للذاكرة حيث وجدت القوى الصليبية المفككة للعالم الإسلامي ثلاث عقبات كبرى لا يستقيم لهم أمرهم دون تجاوزها بسلام وإلا فإن دورة انبعاث امة الإسلام ستأكلهم من جديد
العقبة الأولى:
أنهم وجدوا كتلة ديمغرافية هائلة و متنوعة تركيبة ثقافة وألسنا.. وإخضاعها أمر بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلا.
فالانتصار لا يكون فقط بالغزو والاحتلال وإنما يكتمل الأمر بالاستسلام والانصياع والرضا بالقيادة الجديدة ومراجعها.
فكانت عملية تفكيك هوية الفرد باستلاب ذاكرته ولسانه والتشكيك في معتقداته سبيلا معتمدا إلى يومنا هذا.

العقبة الثانية:
أنهم ورثوا رقعة جغرافية ممتدة من المحيط إلى المحيط ومن جنوب سيبيريا شمالا إلى ما وراء شريط السافانا بأفريقيا جنوبا.
والمشكلة أنهم لو حشدوا كل قوتهم وعدد جنودهم وشركاءهم لن يتمكنوا من السيطرة بعدما تمكنوا من كسر الشوكة الحاكمة.
ووقفوا على مرة أخرى على ما أفزعهم دائما أنهم يكسرون شوكة الحكم ولكنهم لم يكسروا شوكة الأمة.

العقبة الثالثة:
أسلفت شطرا منها أعلاه، أن أمة الإسلام أنتجت نظاما عالميا بل كونيا أسلمت وسلّمت له تلكم الشعوب بالقيادة والانقياد طوعا رغم كثرة التنوع وشدة الاختلاف في الأعراق والعادات والألسن.
ورأوا أنه لا مناص من خلق نظام دولي يخلف نظام الإسلام لتستتب لهم القيادة والسيادة.
هذه المعضلات الثلاث أخذت من القوى الصليبية المنتصرة ثلاث قرون لتدليلها.
فبدأت «بقتل الإله في الحكم» كما يزعمون.
ووضعوا الإنسان الأبيض المنتصر مكان الإله وجعلوه مركز الكون وجعلوا المادة منشأه وولدوا من ذلك أفكارا وعقائد؛
كالمادية والدهرية وما تفرع عنهما من علمنة وبناتها كالشيوعية والليبرالية وصولا إلى الديمقراطية والنيوليبرالية.
كل ذلك لتحتل هذه الأفكار مكان الفكرة الإسلامية التي تفعل دورة الانبعاث الحضاري.
أما معضلة الجغرافيا فقد لجأوا للتقسيم حسب قوة كل منتصر وتم تقاسم تركة الرجل المريض..
ويقصدون هنا الأقطار التابعة للخلافة العثمانية فتعرضت الخلافة للانكسار إلى حدود تركيا اليوم.. وباتت باقي الدول سبيا وغنائم للمنتصرين.
وبمكر بالغ ألحقوا مفهوم الدولة الحديثة بالأقطار المغنومة وسموا السبي شعوبا.. المعضلة الثالثة نظام الإسلام بصدرية الوحي، تم تفكيكها بعملية «القومنة»
فالإنسان المسلم لم يألف طيلة ١٢٠٠سنة إلا الانقياد لمرجعيته الدينية والسياسية.

الدولة الحديثة:

وهنا نأتي لأخبث ما وصل إليه العقل الغربي «الدولة الحديثة»
حيث تمت عملية قومنة المراجع الدينية والسياسية تحت سقف الأقطار المغنومة بمسمى الدولة
وجعلوا هوية الفرد الإسلامية الكونية مرتبطة بحدود رسمها المحتل.. وأصبح الفرد يحتكم إلى مرجعية سياسية ودينية هندسها المحتل.
وتمت بذلك مراتب الاحتلال.. من غزو كسروا به الشوكة.. أعقبه احتلال استباحوا به البيضة..
ثم تقاسموها أقطارا و نصبوا على كل قطر إدارة نائبة تسد ضعفهم العددي..وجعلوا لكل قطر مغنوم قوة حامية لتلكم الإدارة.
ومع الوقت تحولت الإدارة للدولة تنوب عنهم والحامية للجيش يدربونه ويسلحونه فيكون ذلك كله ضمانا لتثبيت هيمنتهم وإلا يعود الفرد إلى هويته السامية الأولى
الآن فقط نستطيع أن نجيب على السؤال: لماذا طالبان وليس الإخوان؟ ولماذا الأتراك وليس الغنوشي ومرسي رحمه؟ ولماذا طالبان وليس داعش؟
لذلك فإن الفروقات بين طالبان والإخوان جوهرية عميقة فاصلة ومفاصلة، جوهرية في طبيعتها الإيمانية، وعميقة في بعدها الحضاري، فاصلة في خياراتها
الإستراتيجية، ومفاصلة في اصطفافها الكوني.

أهم الفروقات بين طالبان والإخوان

١- المتعلقة بالفرد:

هذه الفروقات تبدأ بهوية الفرد نفسه عند طالبان وذلك بحضور منظومة الغيب في نواته الصلبة ودينونته بالإسلام المتجاوز لمفهوم الدولة الحديثة وأقطاره الوطنية.
بل متجاوزة للمادة منطلق الحضارة الغربية.
في حين نجد الفرد داخل الإخوان عموما لا يكاد يحضر الغيب إلا في الشعائر ويختفي تماما في إدارة الصراع الكوني.
ونجده يدين بإسلام صناعي أنتج في مخابر عملية القومنة ويكون فيها الجيل الممسوخ المنتج في نسخته الرابعة أو الخامسة.
فلا ينطلق من مصدرية الوحيين إلا بالنسخة الصناعية من الإسلام، ولا يحضر الغيب إلا في الشعائر ويغيب في عبادة الحكم القيادة والسيادة والبلاغ المبين للبشرية.
فلا يمكن أن ينتج جيل الإسلام الصناعي إلا مستويات عالية من الوظيفية لمنظومة الهيمنة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
في حين أن الفرد في طالبان يتقبل بكل صدر رحب سقوط دولته على أن تسقط منظومة قيمه وأنه سيعود بذلك أقوى مما كان.
أما الفرد في الإخوان فلا تهمه إلا بقاء الدولة ومؤسسات الدولة التي تنوب عن المحتل! ظنا منه أنها دولته فعلا حتى وإن قتلت رئيسهم مرسي، رحمه الله.
وأوقف الغنوشي ذليلا أمام باب برلمان حامية تونس.
إن حضور منظومة الغيب فارقة بين الإنسان في طالبان والإنسان في الإخوان.
فرق كبير بين موقف الملا عمر، رحمه الله، حين قال إن بوش وعدنا الهزيمة وإن الله وعدنا النصر، ونحن بين وعد حق ووعد مفترى
وبين من قال سلميتنا أقوى من الرصاص!! وبين من قال مستعدون أن نفقد مكاننا في الحكم على أن نفقد تجربتنا الديمقراطية!!

على مستوى الجذر المعرفي :
بعد الفتح العظيم سألت الصحفية احد قادة طالبان هل ستطبقون الديمقراطية
فاجاب بكل بعفوية لا نعرفها
قالت مستدركة الكل يعرفها حتى الاطفال في المدرسة
فأجاب مرة اخرى بكل عفوية
انا لم ارتد مدارس الاحتلال .
الحقيقة ان اجابته مؤلمة جدا لجيل الاستضعاف التي تربى في عفن القومنة
اجابة الرجل ترجع لطبيعة اعدادات الفرد عند طالبان التي تربت خارج صناديق الاحتلال فهم لا يعرفون الا الله وعلوم كتابه و دروب الطبيعة الجبلية الوعرة وكهوفها المظلمة التي كانت تشع بتراتيلهم بالليل رهبانا
وتهتز الجبال تحت اقدامهم بالنهار فرسانا
ان هذه الحالة الربانية ستخلق حتما منظومة معرفية مختلفة تماما عن المنظومة المعرفية التي تربى عليها جيل الاستضعاف
وبعدهم بل كفرهم بمركزية الدولة الحديثة لا شك انه سيولد مركزية اخرى مستقلة عنها

وشتان بين من يدور على مركزية لا اله الله وبين من يدور كالرحى حول مركزية الاحتلال
فالطبيعة القبلية خلقت معارف متولدة عنها انشأت مراجع عصبية منتظمة
والمرجعية الدينية تخلق منها منظومة معرفية رباني المصدر تحرري المنهج
ومسارهم التحرري لاشك ايضا ان سيخلف منظومة عسكرية وامنية خارج الصندوق تستعصي على اقوى المراكز الامنية والعسكرية
وشتان بين هذا ومن جذره المعرفي مرتبط ارتباطا تكوينيا و تأسيسيا بالجذر المعرفي الغربي والمرتبط بذاته بالظاهرة الاستعمارية .
ان المنظومة المعرفية للفرد في طالبان مسلّمات قوية بمصدر الرباني متناسقة في تراكم اجتهاداتها الفقهية والسياسية معا
ومرتبطة ارتباطا صلبا صلابة الارض اذا التي ارتوت بدمائهم
فلا يتحزحزح احد منهم عنها الا ويرى نفسه بل تراه طالبان وحاضنتها شاذ عن الجماعة و شاة توشك ان تقع بين مخالب ذئاب منظومة الهيمنة
في المقابل نجد جل ابناء الجماعات الاسلامية التي تستند الى جذر معرفي غربي جاء نتيجة لتفاعل العوامل الثلاثة التي اصطحبت الظاهرة الاستعمارية(3G) والتي اصبحت عنوان الشبكة العنكبوتية اليوم
وهي على التوالي (GOD..GOLD..GLORY) وهو شعار يبرز التحالف الكنسي مع الامبراطوريات في الحملات الصليبية
فلا يمكن للمنتوج المعرفي الناتج عن ذلك الا ان يكون مفككا لذات الفرد الموحدة التي لا تدين الا لله ولا تحصل المعرفة الا لسيادته وحكمه ولا تستحل الثروة الا في سبيله
وهنا يظهر الفرق جليا وواضحا في منتوج الفردين فرد طالبان وفرد الجماعات الاخرى التي تفككت اجيالها بفعل منظومة تعليمية ليست ابدا محايدة.

٢- على مستوى العصبة والبنية الاجتماعية :
بمقابلة بسيطة اشتهر بها بن خلدون رحمه تظهر فروقات البنية الاجتماعية بين الفريقين
فعامل القبيلة مؤسِس في طالبان وهو قوام كتلتها البشرية وبنيتها الهيكلية
ومفهوم العصبة للقبيلة والدين كالروح يسري في ذلك البناء الهيكلي وترسخ حتى صار منظومة عرفية ومعرفية وهيكلية انتجت شبكة مدارس مستقلة عن المحتل والدولة وحتى رجال الاعمال
وارتبطت ارتباطا شبكيا بالمجتمع الحاضن
وانتجت محاكم تحرك معه الاجتهاد القضائي في شؤون العامة والحركة
وانتجت اجهزة عسكرية وامنية بنمط غير تقليدي ومجهولة تماما عند المراكز الامنية والعسكرية لمنظومة الهيمنة.
ومهم هنا ان نفرق بين العصَبة والعُصْبة التي زكاه رسول الله وبين عصبية الجاهلية التي وصفها بالنتنة
فالاولى منصة صلبة للانطلاق والثانية كابحة على كل المستويات
وعليه فقد كان ولاء الفرد عند طالبان خالص لتلك المنظومة التي انشأتها الحركة ولا يدور الا على مركزها
في المقابل نجد الفرد في الاحزاب الاخرى تتنازعه مرجعيات متناقضة بين الدين والدولة والمحتل و الحزب او الجماعة
ولا ينتظم معها لا عصبة ولا ولاء ولا مركزية حرة و مستقلة
فلا نجد الا لحمة تنظيمية وحزبية هشة كثيرا ما تتقلب امام منجزات الحزب او اخفاقاته وكثير من الجماعات والاحزاب تأسست في المدن والجامعات …اين تنعدم عصبة الدم و تضعف عصبة الدين امام الافكار المهزومة والميتة و المميتة احيانا التي تشوش على الفرد الفكرة الاسلامية و تجلياتها الاجرائية والتشغيلية
هذه الفروقات يتباين امامها اداء الفريقان بشكل ملفت للنظر
فان استماتة طالبان من اجل حماية فرد مسلم ليس من قوميتهم حتى خسروا دولتهم لم يهز عصبتهم في شيء بل قواها.
في حين لم تنفع العصبية الحزبية في مصر واصيبت كتلة مليونية منتظمة في الاخوان بالشلل ورئيسهم يهان ويقتل غما ..وتعدم امام العالم خيرة شبابهم علنا في اوقات اعيادهم !!
يمكن جدا تعويض ضعف عصبة الدم في المدن بعصبة الدين وهو الواجب
وقد كانت النسخة الاصلية من الاخوان قائمة على ذلك حتى رأينا شبابهم طليعة الامة في القدس في حرب 1948 وابلوا بلاء حسنا جدا
ولكن عصبتهم اهترأت كلما اقتربوا اكثر من مركزية الدولة ..ونراها تقوى بشكل لافت جدا اذا ابتعدت بعض رموزهم عن فخ السلطة فخلقت حالات كالشيخ الظاهرة عبد الله عزام وقبله فريق التنظيم الخاص الاول وصاحب العقل المتقد سيد قطب و كثير ممن لم يتلوثوا بمخرجات عملية القومنة و ضلال مفاهيم الدولة الحديثة

٣- على مستوى المشروع السياسي :
اذا تحدثنا عن فارق المشروع الشروع السياسي بين طالبان و الاخوان فإننا نتحدث عن الفارق بين النسخة الاصلية للفكرة الاسلامية وبين النسخة المتحورة و تمثلاتها الوظيفية داخل منظومة الدولة
فطالبان تمسكت بفكرتها الاصلية وعليها خاضت جهادها وعليها اكدت قيام نموذج حكمها السياسي
فسقف طالبان اقامة الامارة الاسلامية بمنظومتها الاجرائية( الشريعة الربانية)
وسقف الاخوان المشاركة في الدولة بمنظومتها الاجرائية (الدساتير الوضعية)
بل ان احد قادتها في الجزائر يصر ان “المشروع الاسلامي قد أكل عليه الدهر وشرب” و “الا جدوى من الخلافة بوجود الدولة” !! (وهنا انا اقتبس ).

و صار الناس بين الشريعة والدستور الى فسطاطين متمايزين تماما .
فالدولة نموذج حكم داخل منظومة الهيمنة والامارة الاسلامية لطالبان نموذج خارجها تماما بل متجاوزا لها ومهيمنا عليها بحكم كتاب ربها المهيمن .

٤- على المستوى العسكري والامني :
يقول صن تزو في كتابه فن الحرب
(اذا عرفت نفسك وعرفت عدوك فستنتصر في كل معركة
واذا لم تعرف نفسك ولم تعرف عدوك فستنهزم في كل معركة )
ان فخر عناصر طالبان بصفة الانسان الحر المقاتل قاهر الانكليز والسوفييت والامريكان مكون اصيل في هويته ولم يكتسبه من ذلك وكان يكفيه ذلك وانما يعتبر تلك الصفة ارث وامتداد لامجاد امة الاسلام الربانية المصدر المستقلة المركز بمرجعيتها الدينية والسياسية
الامر الذي جعله دائما يرى نفسه من خلالها انه انسان حر كامل و لا يرضى بالعبودية الا لله
وكان يضع دائما ما ياتي من المحتل موضع ريبة وشك وانه غني عنها
فكانت لتلك المسافة التي وضعها بينه وبين مركزية الدولة الحديثة اثرا حيويا في جعل الوصول الى مراكزه الامنية والعسكرية امرا شبه مستحيل
وهذا ما اكدته الهزيمة الامريكية امامهم وفشل اقوى الاستخبارات الدولية مجتمعة عن التنبؤ بخطوات طالبان وخططهم وكانت صدمة مطار كابل شاهدة وفاضحة
في المقابل أوتي الفرد وعمله الامني والعسكري في الاحزاب الاخرى من شدة قربه من مراكز الهيمنة ووحدتها الاساسية “الدولة” بل احتلت مساحة مهددة في هويته الصلبة
وكان جذره المعرفي مرتبطا ارتباطا رحميا بالجذر المعرفي الغربي الاستعماري كما اسلفنا
فأدى قربه من اجهزة الدولة لاختراق حلقاتهم الامنية وادى قبولهم بأدوات السلطة وقواعدها انهم اصبحوا أثاثا سياسيا للمراكز الامنية
الشي الذي يجعل من تفكيكهم مسالة مكر ووقت ووعود كوعود الشيطان
ولو انا اخذنا حزب العدالة والتنمية (محسوب على الاخوان) في المغرب مثالا
لكان الفارق بين الانسان فيها وبين ما هو عليه في طالبان كمثل الحي والميت
وهذا مثل مخفف جدا بل كمثل الذي اتبعه الشيطان فمان من الغاوين

اذكر في انه جمعني اكثر من ورشة ولقاء مع اعضاء من حزبهم والذي صدمني انهم ما أتوا الى اسطنبول الا ليقنعوا ثوار تونس و سوريا وليبيا والعراق ومصر ..ان الثورات العربية تدبير امريكي وانهم تميزوا بالعبقرية حين اجهضوا وصولها الى المغرب وحافظوا على النظام الملكي بجهد جبار و غبار ووووو!!!
بل اقترحوا لبعضهم دورات وورشات لاجهاض الثورات العربية تأسيا بالتجربة المغربية
طبعا كان حالهم بئيسا جدا امام الثوار السوريين ..
ولا شك انهم امام طالبان اشد بؤسا وخيبة
وحتى اخرج من هذا “الشذوذ للاسلام الصناعي”
فسأحيل القارئ للمقارنة مباشرة بين التنظيم الخاص للاخون ايام حسن البنا وسيد قطب رحمهما الله اين كانوا يعتبرون الاخوان فقط ظرفا استثنائيا لحين عودة الخلافة وهو الوضع الطبيعي الذي ألفه المسلمون طيلة ١٢ قرنا
وبين وضع التنظيم بعد رسالة دعاة لا قضاة للهضيبي
ثم وضعه بعدما انتقلت القيادة الى بريطانيا
ثم وضعه بعد المشاركة السياسية الى يومنا هذا واترك لكم المقارنة فهو يطول وليس هنا موضعها
الا ان الملاحظ انهم كلما اقتربوا من مركزية الدولة وعملوا بقواعدها كلما زادت قوة الاختراق وشدة التفكك
بدأت بالعمل الامني لأهميته فما العمل العسكري الا تحصيله العملي
ولست هنا بصدد المقارنة بين مقدرات وموارد 35دولة منها 12 كبرى بقيادة امريكا وبين قوة طالبان ذات 75 الف مجاهد فلا وجه للمقارنة
ولكن اريد المقارنة بين عدد طالبان وعدد المجاهدين الذي ذهبوا لتحرير فلسطين من الاخوان في 48
لقد كان بضعة آلاف منهم قادرة على ايقاف حلف دولي ايضا لكن كانت وراءهم دولا مركزية امتصت جهد الامة الحربي لصالح منظومة الهيمنة وهو ما نقصده مرارا بمصطلح الوظيفية
اما شلل 8مليون من الاخوان امام السيسي فأظن انه اصبح واضحا .ولا يحتاج لكثير بيان فيضجر خاطر القراء

٥- على مستوى نظرة الامة والمستضعفين :
لعلي هنا انقل نظرة اتباع الاحزاب الاخرى انفسهم لجماعاتهم وخياراتها
وبحكم اني شديد الاتصال بشبابهم فلا تسل عن حجم السخط والاحباط من قادتهم وحجم اليأس من الجماعات التقليدية كلها
ولعل ابرز مؤشر استحضره هنا حجم النزيف الكبير من شباب الاخوان الى تنظيم داعش في الشام بحثا عن النموذج الاصلي الذي انطلقت منها جماعتهم الام
فقد كانت الثورات العربية كاشفة للخط الاستراتيجي للاخوان وولاءهم للظول الوظيفية على حساب الامة وشعوبها
فانقسموا على انفسهم اجنحة ثلاث
تقليدي اصلاحي وثوري
فالاول مقتنع بالنسخ المتحورة
والثاني يرى استنقاذ ما يمكن انقاذه
والثالث رجع الى نسخته الاصلية التحررية
وما استطيع قوله والامر خاضع للنقاش ان سواء شباب الاخوان او باقي الاحزاب الاخرى يئسوا من تنظيماتهم ويعتبرون انها قد استنفذت اغراضها ولابد من البديل خارج الصندوق
ومن بقي معهم انه لم يهتد للبديل
والجماعات بذلك تنقص ولا تزيد

في المقابل نجد استقرارا تنظيميا عند طالبان وشرعية القتال اعطتهم قوة استقطاب كبيرة جدا فقد زاد عددهم بعد الفتح اربعة اضعاف في اسبوعين
ولا احدثكم عما ترمقه الامة جميعا من هبة كهبة طالبان وفتح كفتح طالبان في جميع الاقطار المستضعفة
فالامة تنظر للاخوان جماعة استنفذت اغراضها مأجورة و الباقي منها مأزور
وترى هي وباقي المستضعفين في الارض طالبان نموذجا يعطي املا في التحرر من الهيمنة الدولية

٦- على مستوى نظرة رب العباد للفريقين :
لست مخولا في الخوض في هذا الحديث العظيم الا بما يسمح به كلام الله نفسه
ولست هنا لاسقاطه على الاعيان من الناس فربكم اعلم بمن اتقى
ولكن الله قال
(ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوٓاْ أَوْلِيَآءَ ٱلشَّيْطَٰنِ ۖ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا)
ان مثل هذه الايات يقولها الفرد من طالبان وهو يشعر ان الله يخاطبه هو بعينه ويرى نفسه جندي في منظومة ربانية يتلقى الاوامر منها
ويقوم بتنزيلها واقعا وفق سياق الاحداث
فالفرد من طالبان لا زال يشعر ان القرآن يتنزل عليه من رب العالمين
ولعمري كيف تغيب عين الله عن جنده وهي التي لم تغب عمن يعصيه ويحاربه في ملكه
وفي المقابل نجد الفرد في الاحزاب الاخرى يثقل لسانهم وتتشنج عضلات صدورهم حرجا ان يذكروا ايات الجهاد وتحرير البلاد والعباد
وكأن القرآن نزل على محمد النبي صلوات ربي عليه وانتهى
واذا ذكر الجهاد اشمأزت وجوههم
واذا ذكرت الحداثة والدستور وقوانين الدولة و قوانين منظومة الاحتلال الدولية
اذا هم يستبشرون
و شتان بين (ولتصنع على عيني) وبين من صنع في مخابر الدولة الحديثة
شتان شتان بين النظرتين .

رؤية واستشراف:
#موت_الغرب

ان هزيمة الغرب المدوية في افغانستان
اسالت حبرا كثيرا وربما سيسيل لعقود طويلة في محاولة للسياسيين والمفكرين والعسكريين فهم ما حدث واستشراف تداعياته الممتدة
غير ان التباين الشديد ببن تحليل نخب الشعوب المهزومة وبين مراكز تفكير قوى الاحتلال الغربي المنهزمة في بلاد ما وراء النهر يدعو للدهشة و الاستهجان

ففي الوقت الذي تتكلم قوى الغرب والشرق ان هزيمتهم في افغانستان منعطف تاريخي ستتحرك معه الجغرافيا السياسية و يعيد صياغة العالم
نجد العقول المهزومة والنخب المستضعفة تتكلم عن العبقرية الامريكية في الانسحابات التكتيكية لخلق عوائق امام قوى صينية وروسية ..!!!!
و في مشهد مثير للشفقة والتقزز معا
رأينا بعض المراجع الدينية ترفع عصا التقريع لطالبان محذرة اياها من الفشل في ادارة بلدهم بعد تحريره !!!
متناسين تماما ذهول العالم الواعي امام شهود معجزة عسكرية تضاهي معركة عين جالوت ضد التتر و الثورة الجزائرية ضد الامبراطورية الفرنسية
اقول بعد هذه المقدمة انني حتما لن احاول بيان الحدث عن اية انشقاق القمر فلن تكون ردة الفعل الا انه سحر مستمر!

ولكني في هذا المقام اريد اولا التذكير بآيات الله وان الله امرنا ان نفرح بنصره
رغم ما قد يعقبه من قلاقل وفتن لم يسلم منها الصحابة انفسهم رضوان الله عليهم

ثانيا لا يمكن اغفال القراءة التاريخية التي عاشها هذا الجيل مرتين على الاقل في نصف القرن الماضي فقط.
فالاحداث الكبرى التي غيرت وجه العالم السياسي
تجعل من السهل جدا التنبؤ بالتغيرات الكبرى التي نحن على ابوابها وستفاجئنا في اي لحظة

فانكسار الاتحاد السوفييتي في افغانستان اعقبه سقوط جدار برلين في1991 وانتهاء فترة الثنائية القطبية افرزت توازنات قوى جديد شكلت عالمنا السياسي احادي القطب
واهتزت دول عظمى بسبب هذه التغيرات
رغم ان الافغان دخلوا بعدها في حرب الاحزاب لسبع سنوات ثم قدوم طالبان واستلامها الحكم

وكذلك سيكون للانكسار الامريكي وحلفها الغربي والدولي في افغانستان
تداعيات اخطر بكثير مما تلى سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه
ذلك لان العالم وجد بعده قطبا امريكيا يرثه
اما الان فليس هناك قوة عالمية مؤهلة لإرث الامبراطورية الامريكية
معنى ذلك ان “ممتلكات” القطب الامريكي ستكون “محل التنافس الدولي” والعالمي بما في ذلك الشركات واللوبيات الدولية
ولما نتكلم عن الممتلكات نقصد بها المستعمرات ومناطق النفوذ والحماية
بما في ذلك اروروبا نفسها التي تخشى التفكك التلقائي وربما العودة الى عصر الظلام بعد “الانسحاب الامريكي الاعظم”.

British Forces from 16 Air Assault Brigade arrive in Kabul, Afghanistan, to provide support to British nationals leaving the country, as part of Operation PITTING after Taliban insurgents took control of the presidential palace in Kabul, August 15, 2021. Leading Hand Ben Shread/RAF/UK Ministry of Defence 2021/Handout via REUTERS THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY.

ان العالم كله يتهيأ للانسحاب العظيم
و انتهاء فترة القطبية بفراغ منصب القطب في البناء الدولي
هذا يعني نقض العالم المعاصر الذي تشكلت الدول كلها حول مركزيته
وهُندست عقائد تلكم الدول وهويات شعوبها بمعلومية الافكار المؤسسة للعالم الغربي
والتي انهارت منظومته القيمية منذ وقت طويل بل ان منظومته القيمية قامت اصلا على الخطيئة الكبرى التي يصفها فوكوياما انها مركبة من ثلاث مساوئ لا تنجبر الظاهرة الاستعمارية والعبودية و جزية الحياة او الضريبة على الفرد .

اما ما نراه الان من شلل دولي فهو مرحلة متقدمة من الانهيار العنيف القادم لهيكل المنظومة والتي تمثل “الدولة” وحدته الاساسية
ومعلوم ان الانهيار يبدأ بشكل ملاحظ ويصل لسرعته القصوى بفعل الجاذبية (جاذبية السنن ) الى القواعد في لمح البصر اين يشكل الارتطام حالة سحق شديدة على مستوى القاعدة وربما ردمت المنطقة بأكملها واختفت .
وهذا مانراه اليوم ” تفكك بعض الدول واختفاءها”

لا شك ان هذه الجاذبية ماهي الا السنن القاهرة التي نجدها في قوله تعالى (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون )

و ما يوحي من تغلب لمنظومات امنية صغيرة في نماذج الاقطار المغنومة كالجزائر والمغرب ومصر والممالك الخليجية 
كله استقرار زائف وتصلب يستعد فقط للسحق الدولي
ولاشك اننا مقبلون على تغيرات كبرى فلم يعد ذلك استشرافا بل واقعا اصبح يفرض خيارات مؤلمة على القوى الكبرى فنحن نعيش مرحلة الانسحابات الكبرى والمؤلمة!!
كالانسحاب الامريكي في افغانستان وقد يتلوه انسحابات اخرى في العراق وسوريا ..
والبريكست البريطاني
والانسحاب الفرنسي من الساحل الافريقي
وانسحاب الصين من المواجهة في الحرب التجارية الامريكية
ورفض روسيا والصين عملية استلام افغانستان وستر العورة الامريكية

لقد اصبحت الامور واضحة ونقطة الارتطام حتمية
ولا يحجب عنا تلكم الحقائق الا وهم تغلب السلطة الوظيفية التي قريبا ستبقى بدون وظائف دولية وتتحول الى بؤرة فوضى تتفكك معها اجهزة الدولة وتنتعش فيها المليشيات والشركات الامنية

و يبقى السؤال هنا ما هو مصيرنا كأمة في خضم هذه التغيرات الهائلة؟
اقول بدون تردد ان هذه التغيرات هي السانحة الكبرى لتخلق امة قائدة مثل امة الاسلام وضياعها يعني كبوة قرن او قرون اخرى .

كتبه رضا بودراع الجزائري
في ١١ سبتمبر ٢٠٢١

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى