آخر الأخبارتقارير وملفات

حرارة مرعبة قد يشهدها كوكب الأرض في عام 2023 حر “سيربيروس”

تقرير بقلم الإعلامى المختص بتغير المناخ العالمى

هشام محمود

عضو مؤسس بمنظمة “إعلاميون حول العالم

 

صيف 2023 الأكثر سخونة احترار الأرض يتسارع

تشهد أجزاء كبيرة من جنوب أوروبا وشمال إفريقيا درجات حرارة قصوى تزيد على 40 درجة مئوية نتيجة لموجة حر يطلق عليها اسم “سيربيروس”، وهو كائن خرافي يتخذ شكل كلب بـ3 رؤوس، تم ذكره في الأساطير اليونانية القديمة.
فما قصة موجة الحر القياسية تلك، ولماذا تمت تسميتها بهذا الاسم؟
موجة حر “سيربيروس” القياسية التي تضرب أوروبا
تم اتخاذ تدابير طارئة في العديد من البلدان، حيث من المقرر أن تصل درجات الحرارة في أجزاء من أوروبا المطلة على البحر الأبيض المتوسط، إلى 45 درجة مئوية.
وقد تم نشر تنبيهات الطقس في جميع أنحاء جزر الكناري الإسبانية وإيطاليا وقبرص واليونان، حيث تتوقع السلطات اليونانية أن تصل درجات الحرارة إلى 43 درجة مئوية يوم الجمعة أو السبت، وهي أرقام غير مسبوقة بالنسبة لتلك المناطق من العالم.
وفي الوقت نفسه، في القطب الشمالي ، تم قياس درجة حرارة قياسية في الارتفاع، إذ بلغت 28.8 درجة مئوية في سليتنيس فير على الطرف الشمالي للنرويج، حسبما قال خبراء الأرصاد الجوية النرويجيون يوم الخميس 13 يوليو/حزيران 2023.
ويُعد هذا أعلى رقم قياسي منذ قياس درجة الحرارة الذي يعود إلى يوليو/تموز عام 1964، عندما وصل مقياس الحرارة في تلك المدينة القطبية إلى 27.6 درجة مئوية.
وتقوم وكالة الفضاء الأوروبية بتتبع موجة “سيربيروس”، وحذرت من أن الموجة الحارة ستشعر بها أجزاء من شمال أوروبا.
وقالت: “تواجه كل من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا وبولندا موجة حارة كبيرة، حيث من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة فيها إلى 48 درجة مئوية، وهي أعلى درجات حرارة تم تسجيلها على الإطلاق في أوروبا”.
لماذا تمت تسميتها بهذا الاسم؟
تمت تسمية نظام الضغط العالي الذي اجتاح دول البحر الأبيض المتوسط قادماً من شمال إفريقيا، من قبل جمعية الأرصاد الجوية الإيطالية باسم “سيربيروس”، أو الكلب ذي الثلاثة رؤوس في الأساطير اليونانية القديمة الذي كان يحرس بوابات العالم السفلي.
حيث تطلق مجموعات من خبراء الأرصاد الجوية في جميع أنحاء أوروبا أحياناً أسماء رمزية من التاريخ والفن والأدب على موجات الحر أو الرياح والأعاصير الشديدة، في إشارة إلى وصفها وتيمُّناً ببعض السمات المثيرة للاهتمام.
وبحسب موسوعة “بريتانيكا” (Britannica) البريطانية للتاريخ، فإن كائن “سيربيروس” الخرافي، في الأساطير اليونانية، يُعد بمثابة “الرقيب الوحشي للعالم السفلي” أو “جهنم”.
وكان يقال عادةً إن لديه 3 رؤوس، على الرغم من أن الشاعر هسيود اليوناني الذي اشتهر في القرن السابع قبل الميلاد، كتب في أعماله أن لديه 50 رأساً.
ويُعتقد أنه قد نمت لدى الكائن الأسطوري رؤوس الثعابين من ظهره، وكان لديه ذيل ثعبان. وقد كانت وظيفته هي أن يلتهم كل من يحاول الهروب من مملكة الهاديس، أو العالم السفلي، ورفض دخول البشر الأحياء.


موجات الحر الأخيرة تتسبب في موت عشرات الآلاف سنوياً

قد يبدو اللقب مسرحياً وغريباً، لكن هذا لا ينبغي أن ينتقص من الخطر الذي تشكله الحرارة الحالية بجنوب أوروبا. ففي 11 يوليو/تموز الجاري، انهار رجل في الأربعينيات من عمره وتوفي بإيطاليا أثناء عمله في الهواء الطلق، وفقاً لوسائل إعلام محلية، وكانت هناك تقارير متعددة عن ضربة شمس في البلاد.
وفي إسبانيا، وصلت درجات الحرارة إلى 45 درجة مئوية في بعض الأماكن، وتلقى خط مساعدة للأشخاص المتأثرين بالحرارة 54.000 مكالمة منذ إطلاقه الشهر الماضي.
يأتي ذلك تزامناً مع دراسات علمية أخيرة قدّر فيها المتخصصون أن ما يقرب من 62 ألف شخص لقوا حتفهم في أوروبا نتيجة حرارة الصيف الشديدة العام الماضي وحده، مع الإشارة إلى أنه من المتوقع لفصل الصيف الحالي أن يبلغ درجات أعلى في الحرارة.
قرارات جديدة بأوروبا تلافياً لمخاطر الحرارة القصوى
ما بين التأثير على حركة السياحة في المدن الأوروبية، وإطعام حيوانات حديقة الحيوانات في مدريد مصاصات الفاكهة وقطعاً من الطعام المجمد، واتخاذ تدابير تشمل تغييرات في الموظفين وتنبيهات الهواتف المحمولة ودوريات حرائق الغابات المكثفة، غيرت العديد من المدن الأوروبية عدداً من أنظمتها وقوانينها استعداداً لموجات الحرارة غير المسبوقة.
ففي أثينا ومدن يونانية أخرى مثلاً، تم تغيير ساعات العمل للقطاع العام والعديد من الشركات لتجنب حرارة منتصف النهار، بينما تم فتح مناطق مكيفة الهواء للجمهور في عدد من المواقع.
بينما كافح 56 من رجال الإطفاء مع 20 مركبة وثلاث طائرات لاحتواء حريق بالقرب من مدينة سيبنيك الأدرياتيكية.
لكن هذه الموجة الأخيرة لن تكون نهاية مشاكل الطقس في أوروبا. إذ سجلت القارة أكثر أسبوع سخونة على الإطلاق هذا الشهر بعد أن شهدت أحر شهر يونيو/حزيران على الإطلاق، وفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO).
بدورها حذرت وكالة الأمم المتحدة من أن هناك احتمال 90% لاستمرار ظاهرة النينيو حتى نهاية العام بقوة معتدلة أو أعلى من المعتدلة.
وتحدث ظاهرة الطقس العالمية عندما تصبح مياه المحيط الهادئ أكثر دفئاً من المعتاد. ويمكن أن يدفع هذا، العالم إلى ما وراء مستوى قياسي جديد في متوسط درجات الحرارة، مما يجعل موجات الحر والعواصف أقوى وأكثر خطورة على حياة البشر والكائنات الحية بأنواعها.
أسباب موجات الحرارة غير المسبوقة
وفقاً للبروفيسورة هانا كلوك، عالمة المناخ في جامعة ريدينغ البريطانية، فإن موجة الحر الحالية نتجت عن الهواء الساخن القادم من الصحراء الكبرى بإفريقيا، قبل أن تستقر الكتلة الهوائية عبر أجزاء من أوروبا.
وأشارت كلوك إلى أن الحرارة قاتل صامت يهدد حياة الناس، وهو ما يستدعي العمل بشكل أكثر جدية للتوقف الفوري عن ضخ الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وحذرت من أن بعض التغييرات في المناخ لم يعد هناك مفر للهروب من تبعاتها على الكوكب بالفعل.

المناخ يتغير أسرع مما نتوقع

فالآن نلاحظ وجود درجات حرارة مرتفعة، ومحيطات ساخنة بشكلٍ غير عادي، ومستويات مرتفعة من تلوث الكربون في الغلاف الجوي، ومستويات منخفضة من الجليد في القطب الجنوبي. ولم نقطع إلا نصف عام 2023 فيما تُحطَّم العديد من السجلات المناخية، وبعض العلماء يدقون ناقوس الخطر؛ خوفاً من أن يكون ذلك علامة على ارتفاع درجة حرارة كوكب بسرعة أكبر بكثير مما كان متوقعاً، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
ومصطلح التغير المناخي معنيّ بوصف التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية للأرض. وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مسبّبةً فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في الأماكن نفسها؛ ما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة أضرار ضخمة وخسائر على جميع المستويات.
على الرغم من أن العديد من العوامل تُساهم في حدوث الفيضانات على سبيل المثال، فإن ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي نتيجة تغير المناخ يجعل هطول الأمطار الغزيرة أكثر احتمالاً. وارتفعت درجة حرارة العالم بالفعل بنحو 1.2 درجة مئوية منذ بدء عصر الصناعة، وستستمر درجات الحرارة في الارتفاع ما لم تُحدث الحكومات بجميع أنحاء العالم تخفيضات حادة في الانبعاثات الكربونية.
وفي تغريدة شورِكَت على نطاقٍ واسع على منصة تويتر، وصف بريان ماكنولدي، الباحث الأول المساعد في كلية علوم البحار والغلاف الجوي والأرض بجامعة ميامي، ارتفاع درجات حرارة المحيطات والجو “بالجنون تماماً”. وأضاف: “الناس الذين يطلعون على هذه الأمور باستمرار لا يمكنهم تصديق أعينهم. هناك شيء غريب للغاية يحدث“.
وقال علماء آخرون إنه في حين أن السجلات مقلقة، فإنها ليست غير متوقعة، بسبب الارتفاع المستمر في تلوث حرارة الكوكب ونشوء ظاهرة المناخ الطبيعي النينيو، التي لها تأثير في الاحترار العالمي.
وقال العلماء إنه سواء كانت السجلات القياسية علامة على تجاوز تغير المناخ لما تتنبأ به النماذج، أو كانت نتيجة لأزمة المناخ التي تتكشف كما هو متوقع، فإنها تظل إشارة مقلقة للغاية بشأن ما هو قادم أو الاتجاه العام الذي تسير فيه الأمور.

صيفٌ حرارته الأكثر ارتفاعاً على الإطلاق

قالت جينيفر مارلون، عالمة الأبحاث في كلية ييل للبيئة، للشبكة الأمريكية: “هذه التغييرات مقلقة للغاية بسبب ما تعنيه بالنسبة للناس في الصيف المقبل وفي كل صيف في المستقبل، حتى نخفض انبعاثات الكربون بوتيرة أسرع بكثير مما هو الحال الآن”.
أصبح العالم أكثر دفئاً بمقدار 1.2 درجة مئوية عما كان عليه في أوقات ما قبل الصناعة، ومن المتوقع أن تكون السنوات الخمس المقبلة هي الأكثر سخونة على الإطلاق.
تيد سكامبوس، عالم الجليد في جامعة كولورادو-بولدر، قال لـ”سي إن إن”: “كعلماء قطبيين وكعلماء مناخ، قلنا منذ فترة طويلة، إن العقود القليلة القادمة ستصبح أكثر دفئاً، وستستمر في ذلك. لن نعود للوراء حتى نفعل شيئاً حيال ذلك”.
وفي هذا السياق، رصد علماء المناخ 4 علامات توضح كيف حُطِّمَت الأرقام القياسية هذا العام، مع استمرار الأشهر الأكثر سخونة في المستقبل.
أولى هذه العلامات هي ارتفاع درجات الحرارة العالمية، حيث يتشكل هذا العام ليكون واحداً من أكثر الأعوام سخونة حتى الآن، حيث تُظهر البيانات العالمية ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات عالية بشكل غير عادي.
شهدت الأيام الأحد عشر الأولى من شهر يونيو/حزيران أعلى درجات حرارة مسجلة لهذا الوقت من العام بهامش كبير، وفقاً لتحليل صدر يوم الخميس 15 يونيو/حزيران من قِبل خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي. ووجد العلماء أيضاً أن هذه هي المرة الأولى التي تتجاوز فيها درجات حرارة الهواء المرتفعة خلال شهر يونيو/حزيران مستويات ما قبل الصناعة بأكثر من 1.5 درجة مئوية.
في كندا، حيث اجتاحت موجة حر خانقة بشكل غير عادي معظم أنحاء البلاد، حطمت درجات الحرارة العديد من الأرقام القياسية. أدت درجات الحرارة المرتفعة إلى احتراق الغابات المبكرة، في حرائق “غير مسبوقة” اشتعلت بالفعل في منطقة أكبر بنحو 15 مرة من المتوسط لهذا الوقت من العام، وأطلقت دخاناً خطيراً باتجاه الولايات المتحدة.


ماذا تعني إصابة الأرض بالحُمّى؟

احترار مناخي بـ1,5 درجة مئوية في 2030
حذّر خبراء الهيئة من أن الاحترار العالمي الناجم عن النشاط البشري سيصل إلى 1,5 درجة مئوية، مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية، اعتباراً من السنوات 2030-2035.
وهذا التوقع صالح في كل السيناريوهات تقريباً لانبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن النشاط البشري على المدى القصير، مع اعتبار تراكمها خلال القرن ونصف القرن الماضي.
ستكون انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن البنى التحتية الأحفورية الموجودة كافية في حدّ ذاتها لدفع العالم نحو احترار بـ1,5 درجة مئوية، ما لم تكن مجهزة بوسائل التقاط.
وجاء في التقرير أن “تخفيضات عميقة وسريعة للانبعاثات من شأنها أن تؤدي إلى تباطؤ واضح في ظاهرة احترار المناخ في حوالي عقدين”. وقال رئيس اللجنة هوسونغ لي: “يسلّط هذا التقرير الضوء على الضرورة الملحة لاتخاذ إجراءات أكثر طموحاً، ويظهر أنه إذا تحركنا الآن، فما زال بإمكاننا ضمان مستقبل قابل للعيش للجميع”.

“البشرية تمشي على طبقة رقيقة من الجليد”

الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، حذّر، الإثنين، من أن “البشرية تمشي على طبقة رقيقة من الجليد الذي يذوب بسرعة”. حتى إن هذا الجليد يذوب بوتيرة أسرع من معدل تسارع الاحتباس الحراري نفسه.
فيما نقلت وكالة AP الأمريكية عن مؤلفة التقرير وعالمة المياه، أديتي موخيرجي قولها: “نحن لسنا على المسار الصحيح، ولكن الوقت لم يفت بعد.. نيتنا هي في الحقيقة رسالة أمل، وليست رسالة يوم القيامة”.
في السياق، يذكر وولفغانغ كرامر، مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا (CNRS) بالمعهد المتوسطي ​​للتنوع البيولوجي البحري والقاري، أنه “منذ اتفاقات باريس عام 2015، كان الهدف المعلن للدول هو الحفاظ على الاحترار المناخي أقل بكثير من درجتين مئويتين، مقارنة بعصر ما قبل الصناعي، وبتكثيف الجهود لتقييده عند 1.5 درجة مئوية”. مضيفاً: “أعطى ذلك أفقاً مستقبلياً وهدفاً محدداً للسياسات المناخية”.
ويضيف الخبير لوكالة فرانس برس، والذي كان أحد المؤلفين الرئيسيين لتقرير سابق للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، نُشر في فبراير/شباط 2022: “اليوم، وبالنظر إلى المسارات المختلفة المحتملة والجهود الضئيلة المتخذة من قبل الحكومات، يبدو من الصعب جداً تحقيق هذا الهدف الثاني”.

أرقام كارثية.. لكن لا يجب الاستسلام

بلغة الأرقام، وحسب ما ورد في الملخص البحثي الجديد، فإن فرص الحفاظ على الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، هي مرهونة بتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري بحوالي 45% بحلول 2030 مقارنة باليوم. سيتوقف هذا على تحقيق نسبة انخفاض سنوية مماثلة لما حدث عام 2020 في خضم جائحة فيروس كورونا، عندما كانت الاقتصادات متوقفة في جميع أنحاء العالم.
كان ذلك بمثابة الانخفاض الهائل، لكن في المقابل يبدو أن سكان الكوكب اليوم قد اتخذوا مساراً معاكساً. فوفقاً لهيئة (Giec)، نحن نتجه على كل حال نحو احترار مناخي مقدر بـ2.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، في حال تم احترام الوعود التي قطعتها الدول، أو بحوالي 2.8 درجة مئوية، إن استمرت تلك الدول في اتباع نفس السياسات الحالية.
رغم كل ذلك، يُجمع الخبراء على أنه لا ينبغي الاستسلام. يوضح وولفغانغ كرامر في هذا الصدد: “لأن ما نقوم به حالياً سيحدد أيضاً حجم التغير المناخي على المدى الطويل”. ويرى عالم البيئة بأن “الهدف، دائماً، هو التوصل إلى إبقاء (الاحترار) عند أدنى مستوى ممكن”.
يضيف المتحدث: “على أي حال، كان هذا الهدف (2.5 درجة مئوية) مبالغاً فيه، مع ما نراه اليوم: نحن بالفعل عند 1.2 درجة مئوية من الاحترار، ونواجه عواقب تفاقم موجات الحرارة، الجفاف، والفيضانات”.

حمّى شديدة تصيب الأرض

لفهم أهمية هذه التباينات الإضافية في درجات الحرارة، يقارن الخبير الأرض بالإنسان الذي يعاني من الحمى. فمن المعتاد أن تكون درجة حرارة الجسم 37 درجة مئوية، لو أضفنا درجة مئوية واحدة فقط لحرارة هذا الشخص، فإنه سيعاني وسيصاب بصداع خفيف. ولو رفعنا حرارته درجتين مئويتين إضافيتين، سيعاني أكثر. لكن عند 3 درجات مئوية إضافية، يمكن أن تصبح حالته خطيرة، خاصة إذا كانت مناعة هذا الشخص ضعيفة.
ينطبق هذا المثال على كوكبنا. لفهم ذلك، يشرح كرامر: “لن تكون العواقب هي نفسها عند بلوغ كل درجة مئوية، وكذلك في الأجزاء المختلفة من العالم. فبالنسبة للفئات الهشة، ستكون العواقب أكبر بكثير من تلك التي يتعرض لها الأشخاص الذين هم في وضع أحسن”. يضيف الخبير البيئي: “درجة 1.5 مئوية ستكون دائماً أفضل من 1.6 درجة، والتي ستكون بدورها دائماً أفضل من 1.7 درجة مئوية. كل عُشر درجة مهم”.
من جهته، قال المؤلف المشارك بالتقرير الأممي فرانسيس إكس جونسون، عالم المناخ والأراضي والسياسات في معهد ستوكهولم للبيئة، إنه بعد 1.5 درجة “بدأت المخاطر تتراكم”. يذكر التقرير “نقاط التحول” حول درجة حرارة انقراض الأنواع، بما في ذلك الشعاب المرجانية، وذوبان الصفائح الجليدية التي لا رجعة فيها، وارتفاع مستوى سطح البحر لعدة أمتار.

التهديد الأكبر يتربّص بالتنوع البيولوجي

عواقب هذه “الحمى” التي تحيط بالكوكب وتهدد سكانه هي عديدة، لعل من أبرزها انقراض التنوع البيولوجي. ويقول كميل بارسيسان، مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا (CNRS): “لاحظنا اختفاء 92 نوعاً من البرمائيات التي قُتلت بسبب تكاثر الفطريات. لدينا الدليل على أن هذه الأخيرة قد تطورت لأن تغير المناخ، قد عدّل النظم البيئية وجعلها توفر ظروفاً مواتية” لانتشار الفطريات. هناك أيضاً مثال صارخ آخر يتمثل في الشعاب المرجانية، فعند درجة 1.5 مئوية يمكن أن يختفي ما بين 70 إلى 90% منها، يرتفع هذا الرقم عند 2 درجة مئوية ليبلغ 99%.
اليوم، ووفقاً لهيئة خبراء التنوع البيولوجي التابعة للأمم المتحدة IPBES، فقد بات لدينا أكثر من مليون من الأصناف مهددة بالانقراض وأن “تغير المناخ في طريقه ليكون أبرز تهديد لها”. يضيف الخبراء الأمميين في تقريرهم الذي نُشر في 2021، بأنه “كلما استفحل (التغير المناخي)، ازداد اضطراب النظم البيئية، مع ما يترتب عليه من عواقب على الحيوانات والنباتات”.

ظواهر جوية متفاقمة وأكثر تطرفاً من السابق

يتابع الخبير البيئي، وولفغانغ كرامر، بأن “كل درجة مئوية إضافية ستؤدي أيضاً إلى تفاقم الظواهر الجوية وزيادة حدتها”. ويشدد كرامر: “مع مزيد من التداعيات ستطال 3.3 مليار شخص يعيشون في المناطق المعرضة للخطر”.
ويعمل بعض العلماء منذ بضع سنوات على “علم الإسناد” الذي يهدف إلى دراسة الروابط بين ظواهر الطقس المتطرفة وبين تغير المناخ. من خلال عملهم، أكد العلماء على أن موجات القيظ، الفيضانات أو الأعاصير تزداد في شدتها وحجمها وتواترها بشكل مترابط مع الاحترار العالمي. ويقدر العلماء مثلاً، بأن هذا جعل موجة الحر التي ضربت الهند وباكستان في مارس/آذار، وأبريل/نيسان 2022 محتملة الحدوث بأكثر من ثلاثين مرة.
من جانبه، يرجح غيرهارد كرينر عالم الجليد وأحد مؤلفي الملخص الذي نُشر، الإثنين، وكان موجهاً خصيصاً لصانعي القرار: “في مواجهة هذه التهديدات، يجب أن تسمح جهودنا أيضاً بإبطاء الاحترار قدر الإمكان”، مضيفاً: “هذا الأمر لا يقل أهمية. فكلما تفاقم الاحتباس الحراري بسرعة، تراجع الوقت المتاح للسكان للتكيف معه. سيزيد هذا من مخاطر حدوث الندرة لتوضيح المعنى من المستحسن إضافة لمن تشير هذه الندرة، المجاعات أو النزاعات”.
يضيف عالم الجليد إلى كل ذلك، أن بعض التغييرات ستكون لا رجعة فيها، وبالتالي يجب أن يتم تأجيلها إلى “وقت متأخر قدر الإمكان”. ويتابع: “الأنواع المنقرضة، مثلاً، لن تكون قادرة على الظهور مرة أخرى”، يتابع كرينر: “لن يكون بمقدور نهر جليدي ذائب إعادة تكوين نفسه. أما بالنسبة إلى ارتفاع منسوب المياه، فهو سيستمر لقرون بسرعة أكبر أو أقل حسب الاحترار”.

“نقاط التحول” عواقب وخيمة على الكوكب

هذا، ويحذّر الخبيران من “نقاط التحول”. حيث يصر كريمر على أن “هذه الأحداث، من الصعب للغاية معرفة في أي مرحلة من الاحترار المناخي يمكن أن تقع، وبأنه ستكون لها عواقب وخيمة على الكوكب”.
على سبيل المثال، هذا هو الحال، في حالة زعزعة الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي. ورغم أن احتمال وقوع ذلك اليوم منخفض، فإنه يزداد بسبب الاحترار مع وجود أخطار حقيقية لتسارع هائل في ارتفاع مستوى سطح البحر عند درجات الحرارة ما بين 1.5 و2 درجة مئوية. وفي الواقع، إذا ذابت الأرض المتجمدة (التربة الصقيعية) في القارة القطبية الجنوبية أنتاركتيكا، سينجم عن ذلك إطلاق المليارات من الغازات الدفيئة المخزنة في جليدها. سيؤدي هذا إلى رفع حرارة الكوكب وتسريع وتيرة ذوبان الجليد. من بين الأمثلة الأخرى التي يتم الاستشهاد بها غالباً، تحويل غابات الأمازون إلى سافانا أو حتى ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند.
يمكن للعالم تجنب كل هذه السيناريوهات، وفقاً لما يطرحه المتخصصان. فمن جانبه، يقول وولفغانغ كريمر إن “لدينا اليوم في المتناول العديد من الحلول المتاحة والفعالة لإبطاء تغير المناخ والحد منه. كما أن العقبات لم تعد في مجال الابتكار، بل في السياسة”. بدوره، يخلص جيرهارد كرينر إلى أنه “ستُحدث الجهود التي نبذلها الآن فرقاً كبيراً على المدى الطويل، ويمكن لها أن تجنبنا تلك الأعشار الإضافية من الدرجات المئوية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى